العرب اهتموا بالحداثة لكنهم أهملوا جذورها

موسوعة مغربية عن المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفية

غلاف الموسوعة
غلاف الموسوعة
TT

العرب اهتموا بالحداثة لكنهم أهملوا جذورها

غلاف الموسوعة
غلاف الموسوعة

يتميز الدكتور محمد سبيلا بأسلوبه، الذي يراعي القارئ العادي ويسعى للتواصل معه دون تعقيدات، كما أنه مشهور بموضوع جعله شاغل ذهنه وهو: «الحداثة»، حيث ناضل في التعريف بها والتأكيد على أنها أفق العصر، وهنا نستحضر كتابه الصغير «الحداثة وما بعد الحداثة» الذي كتبه ليعمم المفهوم لدى الإنسان العربي وتنبيهه إلى أن منظومتنا يغلب عليها التحديث (الجانب المادي) وليس الحداثة (الجانب الفكري والثقافي)، فالعرب والمسلمون اهتموا بمظاهر الحداثة وشكلها التقني وأهملوا الجذور والأسس المحركة لها، فنحن ننغمس بيسر في بحر المنتجات الحداثية ونستهلكها بإفراط. لكن في مقابل ذلك نجد صعوبة في قبول العقل المحرك للحداثة.
وأشرف وساهم سبيلا مؤخرا في إنجاز موسوعة تحت عنوان: «موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفية» التي أصدرها «المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية» بالرباط بمنشورات «المتوسط»، إيطاليا، في طبعتها الأولى سنة 2017، 580 صفحة.
ولقد تمت هذه الموسوعة بتضافر جهود العديد من الباحثين في تخصصات مختلفة، حيث تكلف الباحثان: نوح الهرموزي ومحمد تمالدو بالعلوم الاقتصادية، أما العلوم السياسية فقد تكلف بها إدريس لكريني وأحمد مفيد، وعلم الاجتماع عبد الرحيم العطري، وعلى علم النفس عبد اللطيف بوجملة، أما الفلسفة فقد تفرغ لها كل من محمد سبيلا ومحمد الشركة ومحمد أمزيان وعادل حدجامي.
إن الموسوعة كما يتبين هي عمل قد أنجز من طرف 10 باحثين متخصصين وهو ما أعطانا منتوجا محترما جدا ومتميزا بالدقة والاقتضاب، غير المخل، زيادة على سلاسة الأسلوب، الأمر الذي يريح القارئ ويجعله يصل إلى لب المفاهيم المبحوث عنها بيسر.
نقرأ في مقدمة الموسوعة التي جاءت بقلم منظم الفريق سبيلا الآتي: «نقدم للقارئ العربي اليوم زبدة مجهود استمر عدة سنوات من أجل إنضاج نموذج جديد لموسوعة شاملة في مجال العلوم الإنسانية».
كما يضيف سبيلا أنه وإن كان العمل قد أنجز من طرف متخصصين جامعيين في مجالات عدة فإن العمل لم يخرج للوجود إلا بعد التنسيق والمناقشة بين كل أعضاء الفريق.
اعتمد فريق العمل على معايير محددة هي كما ذكرها سبيلا كالآتي: أولا احترام التخصص بشكل جيد، ثانيا اختيار المفاهيم الجوهرية في كل علم من العلوم الإنسانية (فلسفة، علم الاجتماع، علم النفس، علم السياسة والقانون، الاقتصاد)، ثم ثالثا الاعتناء بالصياغة الواضحة واللغة التواصلية التداولية.
أما عن الهدف الأساسي من إنجاز هذه الموسوعة فهي تقوية نظرة العربي إلى القضايا الإنسانية وعدم تركه غارقا في تصورات تقليدية متوارثة، التي أصبحت عبارة عن أدوات بالية لا تصلح لحل المآزق. فالموسوعة إذن جاءت لتراهن على إخراج القارئ من القصور في الرؤية للمشهد الإنساني وذلك عن طريق تزويده بالعدة اللازمة والتي ما هي إلا المفاهيم الملائمة لأفق العصر.
ويذكّر سبيلا بأن الإدراك العربي العام والعادي يميل إلى المنتجات الغربية التقنية، متناسيا أن للحضارة الحديثة وجهها الآخر والمتمثل في الإنتاج الفكري المتماشي مع هذه التقنية. أو لنقل بمعنى آخر أن العربي عموما يتعلق بقسم من الحداثة أي ظاهرها وسطحها المرئي البارز ويغفل عن قسمها الآخر والذي هو خفي يسري في ثناياها ويحتاج ليس فقط للاستهلاك بل للتأمل والبحث قصد الاستيعاب والهضم، والذي لن يتأتى إلا من خلال ضبط المفاهيم، وهذا هو مطمح هذه المبادرة الفكرية، كما يقول سبيلا.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.