الحكومة اللبنانية وبيانها الوزاري في «سلة واحدة»

عون يستغرب «حرق المراحل» واستباق النقاش حول تطبيع العلاقات مع سوريا

TT

الحكومة اللبنانية وبيانها الوزاري في «سلة واحدة»

دخلت الأزمة الحكومية في لبنان مرحلة جديدة أكثر تعقيداً بعد ربط عملية التشكيل بالتفاهم على أبرز بنود البيان الوزاري ومنها العلاقة مع سوريا. ويشهد ملف التأليف مراوحة غير مسبوقة مع إقرار معظم القوى السياسية بأن العملية أخذت أبعاداً إقليمية، بعدما كانت محصورة بخلافات داخلية مرتبطة بتوزيع الحصص والحقائب الوزارية.
واستغربت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ما سمّته «حرق المراحل» واستباق النقاش حول تطبيع العلاقات مع سوريا، مشددة على أن «الأولوية هي لتشكيل الحكومة وأي ملف يُطرح في المرحلة الراهنة هو لصرف الاهتمام عن الهدف الأساسي ويهدف لعرقلة عملية التشكيل». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قضايا كثيرة مرتبطة بسياسة الدولة سيتم بتها من قبل مجلس الوزراء باعتباره السلطة التنفيذية بعد تشكيل الحكومة، لكن أن يتم وضع العربة أمام الحصان، فهذا ما لا يمكن أن نفهمه خاصة أن كل المعطيات المتصلة بعملية التأليف باتت معروفة للجميع، إن كان ما يتعلق بالمعايير أو شكل الحكومة».
ورغم سعي بعض المسؤولين للفصل بين ملفي التشكيل والبيان الوزاري حرصاً على عدم الدخول في نفق انتظار التطورات الإقليمية والدولية، يبدو واضحاً أن أي اتفاق على الحصص والحقائب بات مرتبطاً بتفاهم على الخطوط العريضة للبيان الوزاري، وهو ما أكده النائب في تكتل «لبنان القوي» سليم عون، لافتاً إلى أن الاتفاق على الملفين سيكون بإطار «سلة واحدة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما كان الملفان مترابطين ولو لم يتم إعلان ذلك. لا شك أننا في أزمة لكننا سنخرج منها كما خرجنا مما هو أكبر وأكثر تعقيداً، لكن يبقى عامل الوقت، فإما يتم الاتفاق خلال 24 ساعة أو تستمر الأمور على ما هي عليه 24 أسبوعاً».
وشدد عون على أن أولويات «لبنان القوي» في المرحلة المقبلة والتي سيسعى إلى أن تكون أولويات أيضاً في البيان الوزاري، هي معالجة الأزمة الاقتصادية وإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، لافتا إلى أنهما ملفان يستلزمان التنسيق مع الدولة السورية. وأضاف: «الوضع في سوريا يتحسن لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا واقع وليس رأياً، والمطلوب من الجميع أن يرضخوا ويتعاملوا مع هذا الأمر الواقع». وتابع: «لا شك أننا لا يمكن أن نقبل أن يستمر نفس الخطاب ونفس اللهجة بالتعاطي مع الدولة السورية التي عادت وبسطت سيطرتها على أراضيها».
ويُدرك حلفاء دمشق في لبنان أن تضمين البيان الوزاري الجديد أي إشارة إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري الحالي لا يمكن أن يمر، وهو ما أشار إليه بوضوح الرئيس الحريري مؤخرا، ولذلك فإنهم لا يشترطون ذلك إنما يدفعون بالمقابل إلى خطوات عملية في هذا المجال. ويعتبر النائب السابق عقاب صقر أن «من طرح التطبيع مع النظام في سوريا مدخلاً لتشكيل الحكومة هو الذي يتحمل مسؤولية تعقيد الأزمة الراهنة»، مشدداً على أن «موضوع العلاقة مع نظام الأسد يشكل بنداً خلافياً جذرياً ولا يمكن أن يكون عابراً باعتبار أن الدفع باتجاه التطبيع يعني إلغاء رأي نصف اللبنانيين لصالح النصف الآخر». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لن نسمح بأن يمر تطبيع الأسد مع العالم عن طريق لبنان، فنحن سنكون آخر بلد يطبّع معه بعد أن يقبل الشعب السوري بحكومة جديدة وتعترف بها جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي».
وشدد صقر على أن أي بيان وزاري يجب أن يعتمد الخطوط العريضة للبيان الحالي لحكومة تصريف الأعمال وبالتحديد بموضوع النأي بالنفس، لافتاً إلى أن التوجه هو إلى إضافة تفاصيل لصالح مزيد من تلاقي لبنان مع المجتمعين العربي والدولي، وليس كما يطمح البعض لصالح إعلان عزلة لبنان. وأضاف: «إذا كان هناك حاجة للبنان للتنسيق سياسيا مع سوريا فإن الرئيس الحريري قام بالمهمة بالتواصل مع الرئيس الروسي وهو راعي الأسد والمسؤول عنه، أما التنسيق الميداني فيمكن أن يتولاه ضابط لبناني يتصل بالضابط الروسي الذي أمسك يد الأسد مانعا إياه من التقدم في قاعدة حميميم».
ويبدو بند التنسيق مع سوريا الوحيد حالياً الذي قد يعوق صياغة البيان الوزاري ويؤخر تشكيل الحكومة باعتبار أن هناك تفاهما ضمنيا على إبقاء البند المتعلق بـ«المقاومة» و«حزب الله» على ما هو عليه، لجهة التأكيد على «حق المواطنين في مقاومة الاحتلال والاعتداءات»، بعدما كانت البيانات السابقة تتحدث عن حق «الشعب والجيش والمقاومة»، وهو ما أكدته مصادر «المستقبل» و«الوطني الحر» على حد سواء.



المجاعة تهدد أطفال غزة وأمهات يبحثن عن الحليب

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
TT

المجاعة تهدد أطفال غزة وأمهات يبحثن عن الحليب

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)

تبحث أميرة الطويل في صيدليات قطاع غزة عن حليب لإطعام طفلها يوسف، الذي يحتاج إلى علاج وغذاء، لكن كل محاولاتها لتأمينه باءت بالفشل. يستلقي يوسف بجسده النحيل على السرير في مستشفى الأقصى في دير البلح وقد ربطت رجله بحقن وريدية.

تقول الطويل لوكالة الصحافة الفرنسية: «يوسف يحتاج إلى علاج وغذاء جيد، الحليب غير متوفر نهائياً». وتضيف الأم: «أُطعمه حالياً بعض القمح، لكن لا حليب. هذا ما يجعله يعاني من الانتفاخ، طلبوا مني أن أجري له فحصاً لحساسية القمح».

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 32 شخصاً بسبب سوء التغذية.

وقالت «منظمة الصحة العالمية»، السبت، إن أكثر من 4 من أصل 5 أطفال أمضوا يوماً كاملاً من دون تناول الطعام مرة واحدة على الأقل خلال 3 أيام.

وقالت المتحدثة باسم «منظمة الصحة العالمية» مارغريت هاريس، في بيان، إن «الأطفال يتضورون جوعاً».

وبحسب منظمات الإغاثة، فإن ارتفاع معدلات سوء التغذية بين أطفال غزة دون الخامسة سببه عدم وصول المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة إلى من يحتاجون إليها.

إغلاق المعابر

بدأت الحرب في قطاع غزة مع شنّ «حماس» هجوماً غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر تسبّب بمقتل 1189 شخصاً، معظمهم مدنيون.

وردّت إسرائيل متوعدة بـ«القضاء» على «حماس»، وهي تشنّ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمر على قطاع غزة، تترافق مع عمليات برية، ما تسبب بسقوط 36439 قتيلاً، معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة التابعة لـ«حماس».

بعد فحص أجراه مكتب «الأمم المتحدة» لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لأكثر من 93400 طفل دون الخامسة في غزة للتأكد من سوء التغذية، خلصت النتائج إلى أن 7280 منهم يعانون سوء تغذية حاداً.

وينتشر سوء التغذية في شمال قطاع غزة بشكل خاص حيث لم يتلقَّ من بقوا هناك من السكان سوى قليل من المساعدات في الأشهر الأولى من الحرب.

في الأسابيع الأخيرة تم تحويل جزء كبير من المساعدات الغذائية عبر المعابر، وذلك بعد تحذيرات من مجاعة وشيكة.

أما الطفل سيف فقد بدا منهكاً للغاية وبالكاد يستطيع التنفس.

وتقول والدته نهى الخالدي: «طوال الليل وهو يتألم ويعاني المغص والانتفاخ، تم تأجيل العملية التي كانت مقررة له، وهذا يمكن أن يسبب له انفجاراً في الأمعاء».

وتضيف الأم: «نعتمد على ما يأتي من مساعدات لإعطاء الأولاد، وهذا يؤثر كثيراً على صحتهم لأنهم اعتادوا على حليب يتناسب مع أجسادهم».

لكنها تتدارك وهي تحاول حبس دموعها «لا يتوفر أي نوع حليب في الأسواق».

ويؤكد طبيب الأطفال في مستشفى الأقصى، حازم مصطفى، أن إغلاق إسرائيل للمعابر أدى إلى تفاقم الوضع.

ويعدّ معبر رفح المنفذ الرئيسي لدخول المساعدات إلى قطاع غزة من مصر، قبل أن تقوم إسرائيل في 7 مايو (أيار) المنصرم بعملية برية وتسيطر على المعبر الحدودي.

ومنذ ذلك الوقت، لم تسمح إسرائيل بدخول أي مساعدات إلى قطاع غزة، كما لم يتمكن أي من الجرحى والمرضى من الخروج للعلاج.

ويقول الطبيب مصطفى، وخلفه على شاشة الحاسوب صورة أشعة لقفص صدري لأحد المرضى، إن الأخير يعاني «ضعفاً شديداً في جسمه وسوء نمو بسبب منع الاحتلال دخول الأغذية، وخصوصاً الحليب للأطفال».

ويطالب بـ«إدخال كميات وافرة من الحليب حتى تتمكن الأمهات من إعطاء أطفالهن الغذاء المناسب ليكونوا بصحة جيدة».