بدأت منذ منتصف الليلة الماضية حملة الانتخابية البرازيلية في أجواء مشحونة بالتوتر ومفتوحة على كل المفاجآت والاحتمالات. سيـّدتان وأحد عشر رجلاً يتنافسون على رئاسة القوة العظمى الأولى في أميركا اللاتينية التي ما زالت تتخبّط للخروج من أصعب المراحل في تاريخها: الاقتصاد في حال دائمة من التعثّر والترنّح بعد الخروج من أسوأ مراحل الركود في تاريخه، والمشهد السياسي في غاية التعقيد والغموض إثر المحاكمة السياسية التي أطاحت بالرئيسة السابقة ديلما روسيف من السلطة واعتقال سلفها لولا دا سيلفا الذي يصرّ على ترشيحه من زنزانة السجن، فيما تتزايد أعداد الذين يشعرون بالحنين إلى زمن الديكتاتورية ولا يترددون في الإفصاح عن مشاعرهم.
الحملة الرسمية لانتخاب رئيس للجمهورية وأعضاء مجلس النواب وثلثي أعضاء مجلس الشيوخ وحكّام الولايات وأعضاء البرلمانات المحلية يخيّم عليها المواجهة بين الرئيس الأسبق لولا والسلطة القضائية التي لم تقل كلمتها النهائية بعد بشأن مصيره.
منذ عامين ولولا يتصدّر كل استطلاعات الرأي بفارق كبير عن منافسيه رغم وجوده في السجن منذ أربعة أشهر بانتظار نتيجة الطعن الذي قدّمه في الحكم الأخير الذي صدر بحقّه. لكنه يواجه معضلة المفاضلة بين نوعين من الانتحار السياسي، إذا أصرّ على ترشيحه يجازف بأن تُصدِر المحكمة الانتخابية قراراً يبطل ترشيحه وترشيح نائبه فرناندو حدّاد الذي يعتبره حزب العمّال خياره الثاني في حال إبعاد لولا. وإذا قرر سحب ترشيحه فسيكون بمثابة إعلانه الانهزام أمام أعدائه الكثر في السلطتين القضائية والإجرائية وأمام ملايين البرازيليين الذين ما زالوا يفضّلونه على كل المرشّحين الآخرين.
لكن المشهد السياسي من غير لولا ليس بأقلّ تعقيداً وغموضا. المرشح الوحيد الآخر الذي يستثير حماس الناخبين هو العسكري السابق واليميني المتطرف جايرو بولسونارو الذي يجاهر بالدفاع عن الديكتاتورية التي حكمت البرازيل من 1964 إلى 1985، ويؤيد التعذيب وحمل المدنيين السلاح، ويستقطب 17 في المائة من التأييد حسب الاستطلاعات الأخيرة، وهي نسبة لا يستهان بها في الظروف الراهنة. لكن بولسونارو يفتقر إلى الماكينة السياسية والانتخابية اللازمة في بلد مترامي الأطراف مثل البرازيل، وينشط بشكل شبه حصري على وسائل التواصل الاجتماعي التي تفتقر إليها غالبية الأوساط الشعبية.
الكنيسة الإنجيلية الناشطة جدا في البرازيل حيث ارتفع عدد أتباعها من 10 في المائة إلى 22 في المائة في العقدين الماضيين، لها مرشحتها أيضا، مارينا سيلفا، التي تجرّب حظّها للمرة الثالثة بنسبة تأييد تناهز 11 في المائة. أما المرشح الوسطي جيرالدو آلكمين الذي لا تتجاوز شعبيته حاليا 7 في المائة من الناخبين، فقد يكون «فلتة الشوط» في غياب لولا، إذ يحظى بدعم أسواق المال والشركات الكبرى ويُرجَّح أن يكون هو المرشّح المفضّل للقوى الاقتصادية الفاعلة. لكن هذا التأييد هو أيضا نقطة ضعفه الرئيسية إذ يعتبره البرازيليون وليد الطبقة الحاكمة نفسها التي يريدون التخلّص منها بأي ثمن.
الفائز في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) التي سيشارك فيها 147 مليون برازيلي سيرأس واحدا من أهم الاقتصادات في العالم وأكثرها قدرة على النمو في المستقبل. لكن البرازيل عملاق يكاد يكون مقطوع الرأس منذ سنوات، يجاهد للوقوف بعد الأزمة الاقتصادية التي طحنت معظم منجزاته الاجتماعية، وتتزعزع دعائم مؤسساته الديمقراطية بفعل الفساد السياسي والإداري التي ينخرها، فيما يسقط 36 ألف قتيل سنويا بين أبنائه ضحية كل أنواع الإجرام ويتكدّس أكثر من 725 ألف سجين في معتقلاته.
امرأتان و11 رجلاً يتنافسون على رئاسة البرازيل
بدء الحملة الانتخابية في واحد من أهم الاقتصادات في العالم وأكثرها قدرة على النمو
امرأتان و11 رجلاً يتنافسون على رئاسة البرازيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة