سفينة تحمل فتية يعانون من الاضطرابات للمشاركة في بينالي البندقية

تحدوا العالم بـ80 لوحة ومنحوتة من «الفن الفطري»

فنون العلاج غير العادية التي تستخدمها أغلب الجمعيات الأوروبية
فنون العلاج غير العادية التي تستخدمها أغلب الجمعيات الأوروبية
TT

سفينة تحمل فتية يعانون من الاضطرابات للمشاركة في بينالي البندقية

فنون العلاج غير العادية التي تستخدمها أغلب الجمعيات الأوروبية
فنون العلاج غير العادية التي تستخدمها أغلب الجمعيات الأوروبية

قد يصفهم المرء بالجنون لما تحدثهم به أنفسهم؛ الذهاب في سفينة إلى بينالي (معرض) مدينة البندقية الإيطالية. إذ يريدون أن يعرّفوا بأعمالهم الفنية إلى الجمهور العريض والمتخصص بمناسبة وجود أعرق وأشهر تظاهرة لفنون العالم في دورته السابعة والخمسين، تحت شعار «يحيا الفن يحيا».
وفعلا، فإنهم فتية لا تتجاوز أعمار بعضهم 18 عاما، منهم من يعاني من الاضطرابات النفسية. والفن هو السبيل الوحيد الذي اتخذوه ليتحدثوا إلى العالم، كي يشعروا بأن لهم قيمة، بعد أن حرموا من العناية والرحمة الاجتماعية التي يجدها من ألمت به هذه الكارثة النفسية. فبعد أن كانت المجتمعات القديمة قلما تعنى بالأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة، حيث توجه الجهود وتنظم الفعاليات للقضاء على هذه الفئة الاجتماعية التي تعاني من هذا البلاء. فإن الفلسفة الإنسانية الجديدة التي سادت منذ عصر التنوير ولحد يومنا الحاضر، تؤكد على ضرورة احترام الحرية الشخصية والإنسانية لمن يعاني من الأمراض والاضطرابات العقلية.
المريض العقلي وفقا للفلسفة الجديدة هو الإنسان الذي فقد حريته الشخصية. ويفهم من ذلك بالتالي كيف كان المجتمع يسمح باستلاب المرضى العقليين وذلك بإبعادهم عن المجتمع ونشاطاته بذريعة حماية الحرية والمسؤولية الفردية. ويجري اليوم الحديث عن ثورة حقيقية في طرق العناية بالمرضى العقليين وفي صيغ منحهم حريتهم وكرامتهم الإنسانيتين. وأطلق هؤلاء الفتية جمعية تنظم حياتهم وعملهم وعلاقاتهم ونشاطاتهم الإبداعية أطلقوا عليها اسم «العلبة المعدنية» وهي واحدة من 60 ألف جمعية إيطالية ترتبط بمصحات للعلاج النفسي، تنتشر في إيطاليا جنوبا وشمالا، تسعى من خلال عملية الدعم المحلي والأوروبي، تسخير التمويل المالي لخلق نشاطات غير ربحية. نجد من بينهم مثلا من يشارك في العزف مع فرق موسيقية، أو فرق مسرحية وغنائية، ويدخل في هذا النشاط أيضا السفر إلى مدن إيطالية في الجنوب والشمال.
والسفينة يستخدمها من حين لآخر المقيمون بالمصحات للذهاب إلى الصيد طلبا للعثور على ذاك المعنى للحرية الذي لا يمكن أن يهبه إلا البحر. وعلى هذا الفلك حملت هذه السفينة هذه المرة 80 من بين لوحات ومنحوتات أنتجها المرضى أنفسهم، لتصبح متحفا عائما وقد يكون الأول في عموم أوروبا، ولربما في العالم، متحف «الفن الفطري»، أي ذاك الفن غير العادي وغير المنتظم الذي أنتجه ذوو الأمراض النفسية. وفي هذا المعرض قد حمل الفنانون ولوحاتهم ومنحوتاتهم إلى مدينة جنوة حيث كان محل اهتمام وفضول كبيرين من قبل الناس الذين دخلوا إلى السفينة بطوابير، و الأمر نفسه يمكن أن نقوله في مرسى مدينة فاراتسي. ويصّرح أحد الأطباء الذي أطلقت الصحافة الإيطالية عليه اسم «يوحنا العادل» المرافق لهذه الفعالية، وهو طبيب متخصص بالأمراض العصبية والنفسية: «نريد المشاركة في البينالي ولقد نجحنا في أن نجد من يساعدنا في مسعانا (متآمر معنا)، وهو محافظ مدينة (سافونا) الذي أمسك بالقلم وكتب إلى نظيره بمدينة البندقية كي يجد مقترحنا وطلبنا تقييما وقبولا. ولازلنا في انتظار الرد ونحن متفائلون».
والحقيقة أنه ليست هذه هي المرة الأولى في تاريخ الفن العالمي يكون فيها المرض الذهني يستشرف باستحياء إلى مثل هذا الصنيع. ولما يحدث أمر كهذا فغالبا ما يجعل الناس يتخذونه موضوعا لحديثهم. ولنا في الرسام الانطباعي الكبير فان غوغ خير مثال على ذلك، إذ قد اضطر لعرض نفسه على ثلاثة أطباء نفسانيين للعلاج من ذاك المرض الباطني الذي جعله كما يروي كثير من نقاد تاريخ الفن بأن يقطع إحدى أذنيه. ومثله نجد أن الفنان الفطري الإيطالي المعاصر أنطونيو ليغابوا، وهو من أصل سويسري، قد عرف هو الآخر الاختلاف والتلقائية الساذجة في السلوك الذي اعتبره لا ينسجم مع طبائع وأخلاق البيئة التي كان يعيش فيها، وظل فترات طويلة نزيل مستشفى الأمراض العقلية. بل وحتى الفنان النرويجي الكبير والشهير ذي النزعة التعبيرية، إدوارد مونخ، وصاحب لوحة «الصرخة»، قد عانى طوال حياته من سلسلة من الضغط النفسي والعصبي. في حين يبدو أن الفنان النمساوي، إيغون شيله، الذي يعتبر من فناني «حركة النهضة» الشاملة التي شهدتها مدينة فيينا في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين،، والمعروف برسوماته المحاكية (البوتريت) الذاتية وغير الذاتية وذات البعد الاستبطاني، يبدو أنه قد عرف المرض الذهني لما كان عمرة 15 سنة. إن هذا المرض العقلي هو عرض عن العجز عن التعبير على العواطف، في حين أن الرسم يساعد على استظهارها وعلى فرض التماسك الشخصي المطلوب داخل واقع أي مجتمع.
إن أخذ فتية جمعية «العلبة المعدنية» إلى مدينة البندقية هو في حد ذاته جزء من معركة ضد التهميش وإن كان أيضا مجرى ومسلكا علاجيا محدد المعالم والخصائص. وفي هذا الإطار فنحن نعتقد أن الأمر لا يتعلق برغبة نرجسية بل بطريقة تمكن هؤلاء الأشخاص من أن يبصر بهم الآخرون وأن يعترفوا بهم. سيما وأن ذلك ذو أهمية بالغة في إعادة رد الاعتبار إليهم وتمكينهم من استعادة امتلاك قدراتهم. سيما وأن الذي يعاني من اضطرابات نفسية لا يمكن أن يعالج فقط بالحبوب.
إن فنون العلاج غير العادية التي تستخدمها أغلب الجمعيات الأوروبية ومنها جمعية «العلبة المعدنية» فترد أساسا إلى أسلوبين: الأول هو الأسلوب الذي يتعلق بالصنعة الفنية، فالفن ليس فقط من حيث هو صورة للترفيه والتلهية بل وأيضا من جهة كونه طريقة لتعليم التعبير عن العواطف والمشاعر والأحاسيس، وهو أي الفن إذ يعتبر شكلا من أشكال النشاط الاجتماعي إنما تتحدد أهميته كعامل أساسي في هذا النشاط الذي يكوّن في مجمله ثقافة الإنسان ككائن اجتماعي لا يقتصر عمله على تغيير الطبيعة وتحويلها تلبية لحاجاته المتنامية بل يتجاوز ذلك إلى تغيير ما بنفسه لتغيير ما بمحيطه بمعنيي المحيط الطبيعي والثقافي.
أما الأسلوب الثاني فهو السفينة ذاتها كأداة، وهي سفينة أطلق عليها اسم «أسد الخبز الساخن» التي لا تتسع لغير 15 شخصا في العبرة الواحدة. وفي كل عام نجد أكثر من ستين وسبعين وثمانين شخصا من المصابين بهذا الصنف من المرض الذهني يشاركون في عدد كبير من الأنشطة التي تدور حول البحر.
وتؤكد كل البيئات التي نعيش فيها، مساهمات متميزة في تشكيل نفسياتنا والتأثير فيها. والسفينة، بشكل خاص، تفرض على الجميع أن يكونوا معا وأن يتعاونوا، ومن دون أي تمييز، فيسهم كل منهم بحسب قدرته ومهارته.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.