انتعاش فن النقش على الثياب بخيوط الذهب والفضة في صعيد مصر

إعادة إحيائه وفرت فرص عمل للعديد من النساء

نموذج لثياب منقوشة بخيوط الذهب والفضة
نموذج لثياب منقوشة بخيوط الذهب والفضة
TT

انتعاش فن النقش على الثياب بخيوط الذهب والفضة في صعيد مصر

نموذج لثياب منقوشة بخيوط الذهب والفضة
نموذج لثياب منقوشة بخيوط الذهب والفضة

بحماس ودون ملل كانت «أحلام» تنقش «موتيفات» زخرفية على شال أرجواني من التل الخفيف، بخيوط فضية عريضة، ينعكس عليها الضوء، فتلمع في ظهيرة يوليو (تموز) شديد الحرارة بقرية بني رافع بمحافظة سوهاج (جنوبي القاهرة).
في الخلفية تمتزج أصوات الطيور التي تربيها أحلام، بثرثرة جاراتها اللاتي يفترشن الأرض أمام منازلهن الملاصقة لمنزلها، ينقشن بدورهن نفس الزخارف، بنفس الخيوط الفضية على قماش التل الخفيف.
ووفرت إعادة إحياء فن «التلي» الصعيدي فرصة عمل للعديد من نساء القرى، خصوصاً بمحافظة سوهاج، كعمل غير مجهد، يستطعن ممارسته من منازلهن، بينما يتم تسويق إنتاجهن في ورش بمنطقة الكوثر الصناعية، حيث يعرض الإنتاج على السائحين الأجانب أو يصدَّر إلى الخارج.
واستخدم الأجداد «التلي» لتزيين ملابس العروس، وللمناسبات السعيدة، وملابس الأثرياء، حيث النقوش المطرزة تحكي حكايات عن الفرح، والحظ، والسعادة، أو الحماية من العين، على قطع قماش من التل الخفيف.
علماً بأن هذا الفن الذي اشتهر في محافظة أسيوط، كان قد تعرض لعزوف من النسوة المحافظات خلال الثلاثينات من القرن الماضي، بعد أن أصبح لباساً مفضلاً للراقصات خلال تلك الفترة.
وبعد عدة محاولات لإحياء ذلك الفن، نجح الفنان التشكيلي سعد زغلول في بث الروح في تلك الحرفة اليدوية مرة أخرى، وإنشاء «بيت التلي» في محافظة أسيوط، حيث تفرغ ثلاث سنوات كاملة لتعليم جيل جديد هذا الفن الأسيوطي الخالص.
يقول سعد زغلول إنه منذ بداية مشواره الفني كان لديه مشروعه في إحياء الحرف والفنون الخاصة بمحافظة أسيوط، حين تعرف على فن «التلي»، وبدأ رحلة في قرى أسيوط، للبحث عن النساء المسنات اللاتي يُجدن ذلك الفن، وذلك بعد التعمق في دراسات خاصة بالتلي.
وبالفعل نجح زغلول في إيجاد عدد من النساء، لا يزيد عددهن على أصابع اليد الواحدة، وعلى نفقته الخاصة أحضرهن إلى مدينة أسيوط، لتدريب 15 فتاة، كن اللبنة الأولى في انتشار ذلك الفن التراثي.
ورغم اشتهار فن «التلي» في الهند ومدن الخليج، فإن النساء في محافظة أسيوط أضفن أمراً مميزاً إلى هذا الفن، كما يؤكد سعد زغلول، حيث كنّ يستخدمن «موتيفات» من الطبيعة، لإيصال رسالة على فساتين الزفاف والشيلان والطرح.
فكانت الأم تطرّز خيوط الفضة أو الذهب على طرحة ابنتها، فترسم عليها المنجل، الذي يرمز إلى موسم الحصاد، والعرائس التي ترمز إلى النساء اللاتي سيزففنها، ثم الشموع دلالةً على الاحتفال، والجِمال التي ستحملها إلى بيت عريسها.
يؤكد سعد زغلول أن «الموتيفات» الشهيرة لفن «التلي» الأسيوطي تصل إلى 40 «موتيفة»، وجميعها من البيئة المحيطة، وقد نجحت المرأة الأسيوطية في تحويلها إلى رسم أحادي البعد، لسهولة تطريزها على الأقمشة.
في السياق نفسه، قدم الصندوق الاجتماعي بمحافظة أسيوط، منحاً مالية لمركز التدريب التابع لـ«بيت التلي»، مكّنت القائمين عليه من تدريب ما يزيد على 500 سيدة، نشرن الفن في محافظات الصعيد القريبة خصوصاً محافظة سوهاج.
إلى ذلك، تحمل واجهة بيت «التلي» أيضاً روحاً من التراث الأسيوطي، حيث صُمم المدخل على طراز واجهات البيوت القديمة بأسيوط، كما يؤكد الفنان معتز عمرو مدير المركز، حيث المشربيات المصنوعة من الخشب، والتي تستخدم طريقة البغددلي والحشوات بديلاً عن الأرابيسك، بينما يعود عمر باب المركز إلى 70 عاماً، حصل عليه فنانو المركز عبر صفقة من بائع للتحف القديمة.
ولا يقتصر نشاط بيت «التلي» على الحفاظ على هذا الفن فقط، إذ يمتد إلى دعم الفنون التراثية الأخرى في محافظة أسيوط، كالكليم والصدف والنقش على العظام وغيرها، والتي انتشرت قديماً وباتت مهدد بالاندثار بسبب قلة العمالة الماهرة وعدم الإقبال على اقتناء الصناعات اليدوية.
يقول سعد زغلول: إن «محافظة أسيوط منذ الفتح الإسلامي لمصر، كانت ملتقى للتجارة بين الغرب والشرق، وكان طريق الأربعين بمثابة الطريق الرسمي لعبور القوافل التجارية من أفريقيا إلى أوروبا، وكانت الاستراحة تحدث هنا، حيث يتم تبادل البضائع وتنتشر الحرف اليدوية والصناعات المكملة لها».
ويحلم القائمون على بيت «التلي» بأن تخصص قرية كاملة لذلك النوع من الفن، لتصبح مزاراً للسائحين، بجانب الآثار الإسلامية، والفرعونية بمحافظة أسيوط، وتسهم في جلب العملات الأجنبية إلى مصر، بتصدير منتجاتها إلى الخارج.



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».