وفد كردي «يجسّ نبض» دمشق: الخدمات قبل معابر الحدود

واشنطن شجعت «مجلس سوريا الديمقراطي» على التفاوض... وصالح مسلم يتمسك بوجود ضامن دولي لأي اتفاق

مقاتلون أكراد في الرقة (رويترز) - (في الإطار) الهام أحمد (رويترز)
مقاتلون أكراد في الرقة (رويترز) - (في الإطار) الهام أحمد (رويترز)
TT

وفد كردي «يجسّ نبض» دمشق: الخدمات قبل معابر الحدود

مقاتلون أكراد في الرقة (رويترز) - (في الإطار) الهام أحمد (رويترز)
مقاتلون أكراد في الرقة (رويترز) - (في الإطار) الهام أحمد (رويترز)

كشفت الجولة الاستطلاعية لوفد من «مجلس سوريا الديمقراطي»، الذراع السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية المدعومة من واشنطن، إلى دمشق اختلاف الأولويات بين الطرفين بين تركيز الحكومة على استعادة البوابات الحدودية وإرسال الأمن إلى شرق نهر الفرات وتركيز الفريق الآخر على استعادة الخدمات والمرحلية في التعاون.
وبحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن وفد «مجلس سوريا الديمقراطي» الذي ترأسته رئيسة الهيئة التنفيذية إلهام أحمد وصل إلى دمشق الأربعاء وعقد الخميس لقاءات فردية مع «شخصيات في الحكومة» قبل أن يعقد أمس «أول جلسة رسمية مع وفد حكومي يضم ممثلين من الحكومة والجيش والأمن».
وكان «مجلس سوريا الديمقراطي»، بحسب المعلومات، التقى مع المبعوث الأميركي في التحالف الدولي ضد «داعش» بريت ماكغورك وأبلغه نيته «التفاوض» مع دمشق وأن ماكغورك لم يمانع ذلك، بل اقترح التركيز على استعادة الخدمات في المرحلة الراهنة.
وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» التي تعد «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري على نحو ثلث مساحة البلاد البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، لتكون بذلك ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد الجيش السوري.
وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ الأكراد مع انسحاب قوات النظام تدرجياً من مناطقها في العام 2012. ليعلنوا لاحقاً الإدارة الذاتية ثم النظام الفيدرالي قبل نحو عامين في «روج أفا» (غرب كردستان) ويضم الجزيرة (محافظة الحسكة)، والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة)، وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب). بعدها، خفضوا السقف إلى «فيدرالية الشمال» في مناطق تحررت من «داعش» بدعم التحالف الدولي.
وحصلت مواجهات محدودة بين قوات النظام والمقاتلين الأكراد، لكن دمشق ترفض الإدارة الذاتية وتقترح نموذج اللامركزية وفق القانون 107. وتحدث الرئيس بشار الأسد في مايو (أيار) الماضي عن خيارين للتعامل مع شرق سوريا: «الأول أننا بدأنا الآن بفتح الأبواب أمام المفاوضات. وإذا لم يحدث ذلك، سنلجأ إلى تحرير تلك المناطق بالقوة... بوجود الأميركيين أو بعدم وجودهم».
«كابوس درعا»
لا شك أن عدم قيام واشنطن بالكثير لدعم مقاتلي «الجيش السوري الحر» في درعا «مهد الثورة» جنوب البلاد من جهة وحديث الرئيس دونالد ترمب عن الانسحاب من شمال شرقي سوريا بعد القضاء على «داعش» (يسيطر على 3 في المائة من الأرض) من جهة ثانية وعدم دعم الأكراد ضد تركيا لدى موافقة روسيا للجيش التركي بالدخول إلى عفرين من جهة ثالثة، أمور شجعت الأكراد و«سوريا الديمقراطي» للتفاوض مع دمشق.
وجاء التفاهم التركي - الأميركي حول منبج قرب حلب وإخراج «وحدات حماية الشعب» منها ليزيد توجه الأكراد نحو العاصمة السورية التي كانت بالأصل تقيم علاقات جيدة مع «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان، الحليف الرئيسي لـ«وحدات الحماية» وذراعها السياسية «الاتحاد الديمقراطي الكردي».
وأوضح الرئيس السابق لـ«الاتحاد الديمقراطي» صالح مسلم لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة وفد «مجلس سوريا الديمقراطي» برئاسة إلهام أحمد «جاءت بناء على طلب دمشق ونريد جس النبض واستطلاع إمكانات التفاوض» بحيث يتم بعد ذلك الدخول في «مفاوضات جدية حول سوريا المستقبل. لدينا نموذج وهو الإدارات المحلية ونريد تعميم هذا النموذج والتفاوض حول النماذج المتوفرة: الفيدرالية، الإدارات المحلية، اللامركزية، الدستور الجديد»، لافتا إلى أن «أي اتفاق يعقد يجب أن يكون له ضامن دولي لأن النظام يريد التلاعب وفرض الاستسلام كما حصل في درعا ومناطق أخرى، وهذا لن يتم معنا لأننا أقوياء باعتمادنا على أنفسنا وخبرتنا».
من جهته، أكد الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديمقراطي» رياض درار لـ«الشرق الأوسط» أن الوفد موجود «بناء على طلب دمشق للوصول إلى تفاهمات حول الخدمات أولا ثم الانتقال إلى مرحلة ثانية تتناول مسائل أكبر بعد اتخاذ إجراءات بناء الثقة»، قائلا ردا على سؤال أن «العلم السوري موجود أصلا في مربعين أمنيين في القامشلي والحسكة»، أي على بعد مئات الأمتار من مقرات ومعسكرات للجيش الأميركي والتحالف الدولي.
وقال قيادي آخر في «مجلس سوريا الديمقراطي» مطلع على المحادثات الأولية في دمشق أنه كانت هناك تفاهمات كي ترسل دمشق مهندسين وفنيين وعمالا لتشغيل وتصليح سد الفرات «لكن دمشق أصرت على إرسال الحماية الأمنية مقابل رفض قوات سوريا الديمقراطية ومجلس الطبقة المحلي بسبب وجود شرطة محلية هي اسايش، وتعطلت العملية فجرى الذهاب إلى عقد محادثات في العاصمة».
وبحسب القيادي، فإن الوفد يركز على «أولوية استعادة الخدمات: كهرباء، تعليم، النفوس، الصحة بحيث يتم إصلاح العنفات السبع في سد الفرات وإعمار المدارس وتشغيلها واستعادة النفوس والسجلات المدنية عملها. وتكون هذه الأمور بمثابة إجراءات للثقة ثم ننتقل للمرحلة الثانية وتتضمن تسليم المعابر الحدودية والوجود الأمني».
ويقع في مناطق «قوات سوريا الديمقراطية» معبران رسميان هما: اليعربية مع العراق ونصيبين مع تركيا ومعبران غير رسميين سمالكة مع كردستان العراق ورأس العين مع تركيا. وأوضح القيادي: «يجري التفاوض حولهما بعد المرحلة الأولى».
وكان «مجلس سوريا الديمقراطي» عقد في الطبقة مؤتمرا موسعا قبل أيام، تتضمن تشكيل إدارة تنسيقية لتحقيق التكامل بين المحافظات الثلاث، الرقة والحسكة ودير الزور (تسيطر على مدينة دير الزور قوات الحكومة وتسيطر على الريف قوات سوريا الديمقراطية). كما أيد «المجلس» التفاوض مع دمشق.
وبحسب تصور «مجلس سوريا»، فإن المرحلة اللاحقة من المفاوضات ستتناول مستقبل سوريا والنظام السياسي «حيث سيقبل بضغط أميركي - روسي التخلي عن صلاحياته المركزية إلى الأطراف وصولا إلى نموذج الفيدرالية أو الإدارات المحلية، علما بأن دمشق تتمسك باللامركزية الصارمة».



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».