المترجم حديدي في «شومان» يتحدّث عن الحضور الأدبي العربي في أوروبا

«أيام طه حسين» أول رواية ترجمت للفرنسية... و«عمارة يعقوبيان» الأكثر مبيعاً

TT

المترجم حديدي في «شومان» يتحدّث عن الحضور الأدبي العربي في أوروبا

قال النّاقد والمترجم السوري، صبحي حديدي، في محاضرة بمنتدى عبد الحميد شومان الثّقافي أمس، تناولت «الحضور الأدبي العربي في أوروبا»، إنّ هناك اهتماماً أوروبياً خاصاً على صعيد الناشر والقارئ معاً، فيما يتعلق برواية المرأة في السعودية أو الأدب الذي يتناول العلاقة بين الإسلام والغرب. ولفت إلى أن العالم الغربي استفاق على حقيقة أنّ الشّعوب العربية بإمكانها إنتاج أدب مميز ومهم، بعد أن فاز أمير الرواية العربية، الأديب نجيب محفوظ بجائزة «نوبل» في عام 1988.
واستعرض حديدي في المحاضرة التي قدمه فيها الشّاعر زهير أبو شايب، 4 محطات مفصلية في التاريخ المعاصر للحضور الأدبي العربي في أوروبا، وهي: «الثورة الإيرانية 1979، وحرب 1967، وفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل 1988، وهجمات 11 سبتمبر (أيلول)».
من جهته، أكد زهير أبو شايب في كلمته، أنّ حديدي لا يزال يقدم إسهامات جليلة في ساحات الفكر والأدب والتّرجمة، وقد تناول في كثير من دراساته نظريات مهمة مثل الاستشراق وما بعد الحداثة ومستقبل الأدب العربي في الغرب.
ورأى حديدي أنّ إشكالية حضور الأدب العربي في الغرب ليست باللغة العربية وترجمتها، وإنما في الفهم العام لدى الغرب الذي يرى أنّ الأدب العربي بمجمله، مرتبط بسلسلة تنظيمات ثقافية دينية شعبوية، وبالتالي هذه التنظيمات تؤثر بلا شك، في تذوق هذا الأدب باختلاف مستوياته. ولفت إلى أن كتاب «الأيام» لطه حسين، هو أول كتاب مترجم للفرنسية وسبب ترجمته تعود إلى أن هذا الرجل اعتبره الغرب جزءاً من ثقافته. أمّا رواية يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم فتعتبر ثاني رواية مترجمة للفرنسية.
وحسب حديدي، تعتبر فرنسا البلد الأول في الترجمة إلى العربية بالوقت الراهن، فمنذ عام 1985 حتى 2009، أنتجت فرنسا أقل من 1 في المائة مقارنة باللغات الأخرى، وبالتالي لا نستطيع أن نغضّ الطّرف عن أنّ القارئ الفرنسي لديه حالة عجيبة في تقبل الأدب العربي.
وعن المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، أشار حديدي إلى أنّه انتمى إلى تلك القلة من النقاد والمنظرين والمفكرين الذين يسهل تحديد قسماتهم الفكرية الكبرى، ومناهجهم وأنظمتهم المعرفية وانشغالاتهم، ولكن يصعب على الدّوام حصرهم في مدرسة تفكير محددة، أو تصنيفهم وفق مذهب بعينه. وقال: «كان إدوارد سعيد نموذجاً رفيعاً للمثقف الذي يعيش عصره على نحو جدلي، ويُدرج إشكالية الظواهر على جدول أعمال العقل، ويُخضع ملكة التفكير لناظم معرفي ومنهجي مركزي، هو النقد». وأضاف: «لقد غاص إدوارد كذلك عميقاً في الأبعاد التاريخية للحداثة وفي ملفاتها الثقافية الاجتماعية، وكان ثورة دكت دراسات الغرب عن الشرق، كما كان في طليعة من فتحوا ملفات الاستشراق وتخييل الشرق، وأعادوا استكشاف خطابات ما بعد الاستعمار».
وبشأن المترجم العربي، قال حديدي إنّه «لا يحصل على حقوق كافية، وحقّه إلى حد ما مهدور، ومهنة المترجم في بلادنا ليست كما في الغرب مهنة تكفل العيش الكريم، وليست لدينا ثقافة حقوق نشر وحقوق مؤلف».
وفي مفهوم الترجمة، قال: «هي أداة تحكم بين لغة كونية جبارة وأخرى أقل نفوذاً وانتشاراً، إلى جانب الحقيقة التاريخية التي أشارت على الدوام إلى اعتماد المشاريع الاستعمارية الكبرى على توظيف الترجمة في تشكيل علاقات الإخضاع والهيمنة».
بينما سجلت رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، الأكثر مبيعاً في أوروبا، لأسباب يراها الغرب متعلقة بارتباطها الكبير بحيثيات حكاية ألف ليلة ولية، ثم تأتي بعدها رواية «ليلة القدر» لطاهر بن جلول، التي باعت أكثر من مليون ونصف المليون نسخة، وفقاً لحديدي.
ورداً على تساؤل بشأن أهمية الشاعر محمود درويش في العالم الغربي، أوضح حديدي أنّ درويش تجاوز كونه شاعر مقاومة، ووصل إلى العالمية من دون أن يستغل القضية الفلسطينية، لافتاً إلى أن أعماله سُجّلت كذلك الأكثر مبيعاً في الغرب.
فيما دار بين زهير أبو شايب والمحاضر حديدي حوار مهم بشأن قراءة الغرب لمحمود درويش على أساس أنّه شاعر كوني، وليس شاعر مقاومة، حين قال الأخير: «هنا، يمكننا أن نجزم بأنّ درويش كان ذكياً في اختياراته، باعتبار أن الشّاعر حر نفسه، وبالتالي هناك حالة مهمة أسّس لها درويش تتعلّق بالنمط العام لدى القارئ الفرنسي، حيث تولّد لديه إحساس بالسعادة والانفتاح».
كما استعرض المحاضر تجربة المترجم السوري سامي الدروبي، في ميدان الترجمة الذي أكد أنّ سبب نجاح اسمه وتداوله بين القرّاء العرب يرجع إلى اختياره أقوى التّرجمات الفرنسية لينقلها إلى العربية، لذلك يجد العربي أنّ ترجمته أفضل ترجمة، فالأمر، في المحصلة يعود إلى ذائقة الدروبي الجيدة واختياره الدقيق.
تخرّج حديدي في جامعة دمشق قسم اللغة الإنجليزية وآدابها، وتابع دراساته العليا في فرنسا وبريطانيا. نشر كثيراً من الدراسات النّقدية والأبحاث والتّرجمات في دوريات عربية وأجنبية مختلفة. وتناول المشهد الشّعري العربي المعاصر، خصوصاً منجز محمود درويش وتجارب قصيدة النثر، وقدّم دراسات معمّقة في التّعريف بنظرية الأدب والمدارس النقدية المعاصرة.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.