المعرفة والمحبة تنتصران على السرطان

كتاب جديد لفيليب سالم يمثل خلاصة تجربته

المعرفة والمحبة تنتصران على السرطان
TT

المعرفة والمحبة تنتصران على السرطان

المعرفة والمحبة تنتصران على السرطان

صدر عن مؤسسة «كورتيت» للنشر (Quartet Books Ltd) في لندن في شهر يونيو (حزيران) الماضي كتاب جديد بالإنجليزية للبروفسور فيليب سالم بعنوان (Defeating Cancer - Knowledge Alone is not Enough) «الانتصار على - المعرفة وحدها ليست تكفي».
والكتاب بمثابة رسالة إلى مرضى السرطان، وفي الوقت نفسه إلى جميع الأطباء الذين يعالجون الأمراض السرطانية. ويؤكد سالم في كتابه هذا أن المعرفة وحدها لا تكفي، إذ يجب أن تتّحد المعرفة مع المحبة، لأن «الطبيب الذي لا يحبّ مريضه لا يُمكنه شفاؤه». ويؤكد فيه سالم «أن المرض يحتاج إلى الكثير من الأمل. دون الأمل لا يمكن الوصول إلى الشفاء. أما المثابرة فهي أكثر ما يحتاجه المريض والطبيب معاً».
يمثل هذا الكتاب خلاصة التجربة العلمية التي طوّرها الدكتور سالم، إذ أمضى خمسين سنة في الأبحاث المتصلة بمحاربة السرطان ومكافحته والتمرد على اليأس.
وفيليب سالم هو أحد رواد النهضة العلمية في لبنان والعالم العربي في مجال معالجة الأمراض السرطانية. وأفرزت هذه النهضة طلابا تدربوا على يديه ليصبحوا قادة البحث العلمي في العالم في هذا المجال. وفي الولايات المتحدة الأميركية التحق بالمركز السرطاني «إم. دي. أندرسون M. D. Anderson Cancer Center» الذي يعد أهم مركز للسرطان في العالم، ثم أسس «مركز سالم للأمراض السرطانية». وعمر هذا المركز اليوم 27 سنة.
في هذا الكتاب يصطحب فيليب سالم المريض من النقطة الأولى وهي التشخيص إلى النقطة الأخيرة وهي الشفاء التام. ويقول إن الخطوة الأولى هي التشخيص الصحيح. فإذا لم يكن التشخيص دقيقاً تكون المعالجة خطأ. والمشكلة الأخرى أن هناك تكنولوجيا حديثة لمعرفة الهوية البيولوجية للمرض. هذه الهوية ضرورية لوضع استراتيجية علاج صحيحة. ويصر سالم على أن الشفاء غير ممكن أن لم يبدأ بتشخيص دقيق وعميق يحدّد بالضبط منشأ السرطان وهويته البيولوجية. وهذا يسبب مشكلة في العالم لأنه ليست هناك مختبرات مؤهلة وكافية في العالم الثاني والثالث لتحديد الهوية البيولوجية.
وهناك خطوة أخرى يجب أن يقوم بها الطبيب وهي معرفة مدى انتشار المرض في الجسم. وإن لم نحدد ذلك بدقة، يكون العلاج غير صحيح. وبعد ذلك هناك خطوة ثالثة مهمة جداً قبل البدء في العلاج تتطلب فريق عمل من الأطباء المتخصصين في المعالجة بالأدوية والأطباء المتخصصين بالمعالجة بالجراحة، وأطباء متخصصين بالمعالجة بواسطة الأشعة. ويجب ألا يبدأ العلاج قبل اجتماع هؤلاء الأطباء إلى طاولة واحدة لوضع خطة علمية جديدة للمعالجة.
ويتحدث سالم عن التطور الكبير الذي شهدته السنوات الخمس الأخيرة في العلاج المناعي الذي لا يستهدف الخلية السرطانية بل جهاز المناعة في الجسم فيقويه، ويقول إنه مع انتهاء مسيرة خمسين سنة في رحلته الطويلة مع هذه الأمراض فهو فخور جدا لتطوير مزيج جديد من العلاج يجمع العلاج المناعي إلى العلاج الكيميائي إلى العلاج المستهدف.
ويتطرق سالم أيضاً إلى مسألة العلاج الداعم والمساعد الذي يمنع حدوث الأضرار التي قد تنجم عن العلاج الأصلي، ويسمح للمريض بأن يعيش حياة أقرب ما تكون إلى الحياة الطبيعية. وهناك مشكلة في الغرب، إذ إنّ هذا النوع من العلاج لا تؤمّنه شركات التأمين. ومن الصعب إعطاء العلاج الجيّد للسرطان دون إعطاء العلاج المساعد، لأن إعطاء العلاج الأول دون الثاني يقود إلى مضاعفات كثيرة تشكّل عقبة في متابعة المريض لمسيرته. وكثيرون من المرضى يتوقّفون عن العلاج لهذا السبب. وبالطبع من يتوقف عن العلاج، يسقط ويموت.
وفي نهاية الكتاب يقول فيليب سالم: «لقد تعلّمت من المرضى أكثر مما تعلّمت من أساتذتي ومن الكتب».


مقالات ذات صلة

10 علامات تحذيرية من ارتفاع ضغط الدم... وكيفية التعامل معها

صحتك ارتفاع ضغط الدم تحدٍّ كبير للصحة العامة (رويترز)

10 علامات تحذيرية من ارتفاع ضغط الدم... وكيفية التعامل معها

بعض العلامات التحذيرية التي تنذر بارتفاع ضغط الدم، وما يمكنك القيام به لتقليل المخاطر:

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك المشي اليومي يسهم في تعزيز الصحة ودعم الحالة النفسية (رويترز)

6 فوائد صحية للمشي اليومي

أكدت كثير من الدراسات أهمية المشي اليومي في تعزيز الصحة، ودعم الحالتين النفسية والجسدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

حذَّرت دراسة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)

كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني كثير من الأشخاص من كثرة التفكير ليلاً؛ الأمر الذي يؤرِّقهم ويتسبب في اضطرابات شديدة بنومهم، وقد يؤثر سلباً على حالتهم النفسية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.