كلل النجم الكرواتي لوكا مودريتش مسيرته الحافلة في عالم كرة القدم بقيادة منتخب بلاده للوصول إلى المباراة النهائية لكأس العالم واختياره أفضل لاعب في المسابقة. وتألق مودريتش بشكل لافت على مدى 15 عاماً كاملة، مر خلالها بأوقات عصيبة مثل تعرضه لإصابة قوية للغاية مع نادي زرينيسكي موستار البوسني في بداية مسيرته الكروية، وأوقات أخرى رائعة مثل تألقه اللافت في كأس العالم 2018 بروسيا وهو في الثانية والثلاثين من عمره وتفوقه على جميع لاعبي البطولة من حيث المسافة التي قطعها النجم المخضرم في مباريات المونديال.
وكان مودريتش على وشك أن يقود منتخب كرواتيا لمنصة التتويج والحصول على كأس العالم كأول منتخب لدولة صغيرة يحقق هذا اللقب العالمي، لكنه خسر في المباراة النهائية أمام الديوك الفرنسية بأربعة أهداف مقابل هدفين.
ومن النادر أن نرى لاعباً في أي لعبة رياضية يتطور مستواه كل عام على مدى أكثر من عقد من الزمان، لكن مودريتش نجح في القيام بذلك، سواء مع نادي ريال مدريد أو منتخب كرواتيا، وازداد تألقاً وبريقاً خلال الموسم الحالي في قيادة النادي الملكي للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي ومنتخب بلاده للوصول إلى المباراة النهائية للمونديال، وبالتالي فإن مودريتش يستحق بكل تأكيد الحصول على لقب أفضل لاعب في العالم وأن يزيح النجمين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو مع على عرش الجائزة التي احتكراها على مدى السنوات العشر الماضية.
وكان النجم البرازيلي نيمار هو المرشح الأقوى قبل انطلاق المونديال للقيام بهذه الخطوة في روسيا، بعدما كان ينظر إليه خلال السنوات الماضية على أنه الخليفة القادم لرونالدو وميسي على عرش كرة القدم العالمية.
وبدلاً من ذلك، قدم نيمار أداء متواضعاً وتحولت مسيرته في كأس العالم 2018 مع البرازيل إلى شكل من أشكال الكوميديا بسبب مبالغته في السقوط من أجل خداع الحكام. وفي ظل غياب نيمار عن المراحل المتقدمة لكأس العالم، حول الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أنظاره باتجاه النجم الفرنسي الشاب كيليان مبابي الذي تألق بشكل لافت في المونديال وقاد منتخب بلاده للحصول على البطولة للمرة الثانية في تاريخها.
وفي الحقيقة، قدم مبابي أداء رائعاً وأسهم بشكل كبير في حصول المنتخب الفرنسي على لقب المونديال، لكن من الإنصاف أيضاً أن نقول إن مودريتش هو من يستحق الحصول على هذه الجائزة المرموقة بفضل ما قدمه مع ناديه ومع منتخب بلاده. ورغم هذه الأداء القوي، تجب الإشارة إلى أن مودريتش ليس ضمن قائمة اللاعبين الـ25 الأعلى أجراً في العالم، كما لا يستحوذ على عناوين الصحف والمجلات الرياضية. لكنه على الجانب الآخر لاعب متكامل يلعب من أجل مصلحة الفريق ويعد أحد العناصر المؤثرة دائماً في أي فريق يلعب من أجله بفضل دقته والتزامه وإصراره. وقد حقق مودريتش كثيراً من الإنجازات خلال السنوات الثلاث الماضية، ووصل إلى المباراة النهائية لكأس العالم في العام نفسه الذي قاد فيه ريال مدريد للحصول على دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي. ولو كان مودريتش قد فاز في المباراة النهائية لكأس العالم أمام فرنسا لكان حقق النجاح نفسه الذي لم يحققه سوى لاعبي نادي بايرن ميونيخ ومنتخب ألمانيا الغربية في السبعينات من القرن الماضي عندما جمعوا بين الحصول على لقب دوري أبطال أوروبا وكأس العالم، وهم فرانس بيكنباور وغيرد مولر وسيب ماير.
وبالطبع لم يكن هؤلاء اللاعبون يلعبون لكرواتيا، التي تعد ثاني أصغر دولة على الإطلاق تصل إلى المباراة النهائية لكأس العالم. وقد أسهم مودريتش بقدر هائل في وصول منتخب بلاده إلى المباراة النهائية للمونديال، وكان أكثر اللاعبين ركضاً في البطولة وأكثرهم تمريراً رغم أنه في الثانية والثلاثين من عمره! وكان أكثر لاعب في منتخب كرواتيا مشاركة في دقائق المباريات وأكثرهم لمساً للكرة وأكثرهم مراوغة.
وعندما يكون مودريتش في حالته المعهودة فإنك تشاهده وهو يعزف أعذب وأجمل الألحان الكروية ويأسر قلوب وعقول كل من يتابعه دون أي فلسفة أو مبالغة أو استعراض للدرجة التي تجعلك لا تريد أن تشاهد أي شيء آخر بعد هذا القدر من السحر والجمال. وكان لمودريتش الدور الأكبر في فوز كرواتيا على المنتخب الإنجليزي في مباراة الدور نصف النهائي للمونديال بفضل هدوئه وموهبته الكبيرة. ويمتلك مودريتش رؤية ثاقبة تجعله قادراً على التحكم في مجري المباريات خلال الأوقات الصعبة. ورغم كل ذلك، سيكون فوز مودريتش بجائزة أفضل لاعب في العالم مفاجأة من حيث المعايير والتقاليد التي تستند عليها الجائزة خلال السنوات الأخيرة، لأن اللاعب الإيطالي فابيو كانافارو كان آخر لاعب يحصل على الجائزة من نوعية «اللاعبين الذين لا يميلون للاستعراض»، وقد رأينا بعد ذلك كيف قدم النجمان الإسبانيان تشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا أداء استثنائياً مع نادي برشلونة ومنتخب إسبانيا ولم يحصل أي منهما على الجائزة.
لقد أصبحت تلك الجائزة تعطى للهدافين في المقام الأول، لكن مودريتش لاعب خط وسط ولم يسجل سوى 9 أهداف فقط مع ريال مدريد في الدوري الإسباني الممتاز خلال 6 سنوات!
وقد سمعنا مرات كثيرة عن الحياة الصعبة والقاسية التي عاشها مودريتش في طفولته، بداية من مقتل جده على يد الصرب بالقرب من منزل العائلة وصولاً إلى انتقاله للعيش في ملجأ والعيش في فقر شديد. والآن، وفي ظل هذه الأوقات الرائعة ووصول كرواتيا إلى نهائي كأس العالم، لا يزال مودريتش شخصية مثيرة للانقسام داخل كرواتيا نفسها. وخلال العام الماضي، كان الجمهور الكرواتي يردد هتافات معادية لمودريتش بسبب دوره في قضية فساد تتعلق بالرئيس السابق لنادي دينامو زغرب، زدرافكو ماميتش. واضطر مودريتش أن يقاتل كثيراً بسبب ضآلة جسمه في عالم أصبح يعتمد كثيراً على القوة البدنية، وعندما كان في الحادية والعشرين من عمره رفض أرسين فينغر ضمه لآرسنال، كما رُفض أيضاً من قبل نادي برشلونة.
وقبل 10 سنوات، وبالتحديد في بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 2008، أثبت مودريتش للجميع أنه لاعب يمتلك موهبة كبيرة وشخصية تجعله يجتاز أي صعوبات أو عوائق، وقدم أداءً استثنائياً في هذه البطولة أمام ألمانيا ونجومها مثل تورستين فرينغز ومايكل بالاك وباستيان شفاينشتايغر.
وبعد كل الإنجازات التي حققها مودريتش مع نادي ريال مدريد ومنتخب بلاده خلال هذا الموسم، وبغض النظر عن خسارته المباراة النهائية لكأس العالم، فإن مودريتش يستحق تماماً الحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم.
لماذا يستحق مودريتش جائزة أفضل لاعب في العالم؟
توّج مع ريال مدريد بدوري الأبطال وكان السبب الرئيسي في وصول كرواتيا إلى المباراة النهائية للمونديال
لماذا يستحق مودريتش جائزة أفضل لاعب في العالم؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة