بيرسا كوموتسي تبحث عن إسكندرية كفافيس

طموحها أن تحيي «أدب اليونانيين في مصر»

الكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي  -  الشاعر اليوناني كفافيس
الكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي - الشاعر اليوناني كفافيس
TT

بيرسا كوموتسي تبحث عن إسكندرية كفافيس

الكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي  -  الشاعر اليوناني كفافيس
الكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي - الشاعر اليوناني كفافيس

لم ترتبط مدينة باسم شاعر كما ارتبطت مدينة الإسكندرية المصرية بالشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس، حتى لم يعد يُذكر أحدهما في الأدبيات إلا مرتبطاً بالآخر. ولا يأتي هذا الارتباط بين كفافيس والإسكندرية فقط كونه وُلد فيها ومات بها، لكن علاقة أعمق ربطت بينهما، جعلت روح هذه المدينة «الكوزموبوليتانية»، بمزيجها البلدي - الهليني، المتعدد الجنسيات، وطابعها المتوسطي يسري في قصائده. وكما وصف كفافيس، الإسكندرية، بالمدينة «المُعَلِّمَة»، فالإسكندرية هي الأخرى لاحقته، ولم تتركه يفلت منها، كما يقول في قصيدته الشهيرة «المدينة»: «قلت: سأذهب إلى أرض ثانية - وبحر آخر - إلى مدينة أخرى - تكون أفضل من تلك المدينة -... لن تجد بلاداً ولا بحوراً أخرى - فسوف تلاحقك المدينة - ستهيم في نفس الشوارع - وستدركك الشيخوخة - في هذه الأحياء نفسها - وفي البيوت ذاتها - سيدبّ الشيب إلى رأسك - وستصل دوماً إلى هذه المدينة».
عن كفافيس وعن مدينة الإسكندرية والجالية اليونانية التي عاشت فيها، وتفاعلت مع سكانها المصريين، وعن كبرى حوادث وادي النيل خلال النصف الأول من القرن العشرين، تبحث رواية «أصوات إسكندرية... في شارع ليبسيوس» للكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي، الصادرة مؤخراً في العاصمة اليونانية أثينا، التي من المنتظر صدور ترجمتها العربية للمترجم خالد رؤوف عن إحدى دور النشر المصرية قريباً.
ولمدينة الإسكندرية تراث أدبي مشهود، وهي من أبرز المدن «الملهمة» التي ارتبطت بالعديد من أهم الأعمال الأدبية الخالدة، وفي مقدمتها «رباعية الإسكندرية» للورانس داريل، و«الإسكندرية... تاريخ ودليل» للروائي الإنجليزي إي.إم.فورستر، و«مدن جامحة» للكاتب لستراتيس تسيركاس، و«أيام الإسكندرية» لذيميتريس س.ستيفاناكيس، و«الإسكندرية مدينة الذكرى» لمايكل هاغ، وغيرها.
أما كفافيس فوُلد في الإسكندرية عام 1863 ومات بها سنة 1933. وهو ما يجعله الرمز الأبرز للحضور اليوناني في مصر خلال الفترة التي شهدت حضور الجالية اليونانية في مصر، التي بدأت هجرتها إلى مصر خلال القرن التاسع عشر، وبلغت ذروة عصرها الذهبي من بداية القرن العشرين إلى منتصفه.
تستحضر رواية «أصوات إسكندرية... في شارع ليبسيوس»، كما تقول بيرسا كوموتسي لـ«الشرق الأوسط»، «حياة اليونانيين في الإسكندرية في الفترة بين الحربين العالميتين قبل قليل من وفاة الشاعر قسطنطين كفافيس، وهي إعادة سرد وعرض للمدينة وحياة اليونانيين في مصر آنذاك، كما تلعب الشخصيات المصرية دوراً محورياً فيها كعادتها في كل أعمالها».
وتدور رواية كوموتسي في شارع ليبسيوس (منطقة كوم الدكة بوسط الإسكندرية)، حيث كان يقبع منزل كفافيس، الذي زاره به الروائي نيكوس كازانتزاكيس، وهو من أوائل من كتبوا عن حياة كفافيس في الإسكندرية، وذلك ضمن زيارته لمصر عام 1926، التي صدرت يومياتها في كتابه «ترحال» (رحلة إلى مصر... الوادي وسيناء)، وخص صاحب «زوربا اليوناني»، كفافيس، بفصل من الكتاب، دوَّن به تفاصيل لقائهما.
وأسهب كازانتزاكيس في أوصافه لكفافيس، بل اعتبره «الرجل الكامل الذي يمثل بهدوء إنجازه الفني بكل كبرياء... وهو الشيخ الزاهد الذي قهر حب الاستطلاع والطموح والحسية، وأخضعها لنظام الزهد الأبيقوري القاسي... وهو الشخص المختلف والشخص الوحيد الشجاع... وفي الوقت نفسه تبدو تعابيره شيطانية ماكرة وتهكمية قوية».
وتعكس تفاصيل اللقاء بين كازانتزاكيس وكفافيس، إلى جانب الإعجاب الكبير من الأول بالأخير، الحضور الطاغي والأثر الذي حققه شعر كفافيس في بلده الأصلي اليونان، وهو ما يظهر من ثناء صاحب «الإغواء الأخير للمسيح» على تفرد الشاعر السكندري، فهو على حد قوله «أهم الرموز الثقافية الفذة النادرة في مصر» وصاحب «هذه الروح الحكيمة المعقدة المثقلة بالهموم... الذي كرس نفسه للتطهر من الشهوات، ونجح في العثور على أسلوبه الفني الخاص... هذا الأسلوب الذي لا نظير له»، كما أنه «امتلك كل الخصائص المميزة النموذجية للرجل الفذ والفريد في زمن الانحطاط، وجمع الحكمة والسخرية والسحر وفائض الذكريات»، ما جعله «يتكئ على حاشيته الناعمة، ويحدق من خلال نافذته وينتظر ظهور البرابرة. إنه يحمل ورقته التي تحتوي على المدائح المقدسة الرائعة الأخيرة».
ورغم أن شهرة كفافيس، كما يظهر من حديث كازانتزاكيس، كشاعر يوناني، كانت تجوب الآفاق في البلاد الشمالية، وجعلت منزله محط كبار الكتاب والمعجبين اليونانيين، فإن الغموض والغرابة اكتنفا سيرة حياته الخاصة في الإسكندرية. هذا الغموض صنعه الشاعر ذاته، إذ كان يعيش في صورة وحضور شخص عادي، يذهب لعمله في بورصة الإسكندرية، وإن تأخر يدخل من الباب الخلفي، لكي لا يلحظه مديره، ثم يختفي عائداً لحياته الغامضة التي تدور في مقاهي وحوانيت المدينة؛ هذه الحياة التي شكّلت مادة ثرية ومغرية، سواء لمؤرخي وباحثي الأدب أو حتى للكتابة الروائية. وهو ما امتد حتى عام 2012 الذي أصدر فيه الروائي المصري طارق إمام روايته «الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس»، وهذه المرة تستعيد بيرسا كوموتسي سيرة الشاعر وشارعه (ليبسيوس)، راصدة سطوع أفضل أيام اليونانيين في مصر، وخفوتها مع انتهاء الحقبة الملكية وقيام ثورة يوليو (تموز)، وما تبعها.
بيرسا كوموتسي ذاتها وُلدت في مصر، وعاشت فيها حتى شبابها وتلقت تعليمها في القاهرة، قبل أن تنتقل إلى وطنها الأصلي اليونان، وتصدر متوالية من الروايات التي ترصد في مجملها حضور اليونانيين في مصر، وتشابكاتها مع الواقع المصري.
وتأتي رواية «أصوات إسكندرية» ضمن طموح كوموتسي لإحياء «أدب اليونانيين في مصر»، والسير على خطى الكاتب اليوناني الشهير ستراتيس تسيركاس، كما تقول، فالأخير مثلها وُلد في مصر ولكن في مطلع القرن التاسع عشر وعاش عمراً طويلاً بها، وكتب عنها معظم أعماله، منها روايته الملحمية «مدن جامحة» ورواية «نور الدين بومبة» التي سجل فيها وقائع ثورة المصريين في 1919، وبالأخص في الصعيد.
وأصدرت كوموتسي ضمن هذه الطموح، عدداً من الروايات عن حياة اليونانيين في مصر، منها: «الضفة الغربية من النيل»، و«الإسكندرية طريق الغرباء»، و«سنوات شبابي الأولى: متعة عمري»، و«حيوات ورقية»، و«شارع فرنسا»، و«نزهة مع نجيب محفوظ» التي تستحضر فيها شخص الكاتب المصري الحائز على «نوبل»، مضمِّنة إياها سيرة بداياتها وطفولتها وأيام شبابها في مصر. وعادةً ما تستحضر كتابات كوموتسي التشابهات والتقاربات بين الشعبين المصري واليوناني، اللذين يربط بينهما (كما تصف)، «الحب المتبادل. فهما لم يكونا غريبين بعضهما عن بعض. في واقع الأمر قد عاشا في انسجام لعقود طويلة. وتكونت بين أبناء الجالية اليونانية صداقات شكّلوها مع الجيران المصريين والزملاء والأساتذة وزملاء الدراسة، وكلها علاقات قامت على التآخي والمحبة والتآزر والاحترام المتبادل. وبالأخص الحياة السالمة الآمنة التي عاشوها على الأرض المصرية. وبالتأكيد لا يزال هناك يونانيون يعيشون في مصر، وليست لديهم رغبة في تركها فهي وطنهم. يحبونها مثلما يحبون اليونان. حتى هؤلاء الذين رحلوا عنها لم يكفّوا عن الحنين إليها، والتفكير في العودة إليها».
أما عن الحركة الثقافية للجالية اليونانية في مصر، فإنها كما توضح بيرسا، «لا تزال موجودة. كانت هناك دوماً ولا تزال ولم تنقطع أبداً. ومؤسسة الثقافة اليونانية فرع الإسكندرية ساهمت بشكل كبير في تنظيم العديد من الأنشطة الثقافية التي تسهم بقوة في التقريب بين الشعبين وبين اللغتين أيضاً»، لافتة إلى أن الأرشيف اليوناني بما يشمله من كتب ومطبوعات جُمع ويحفظ في أرشيف تاريخي بالجامعات، وصار حقلاً للبحث تجري دراسته بشكل دقيق ومتفحص.
وإلى جانب كونها إحدى أشهر الكاتبات المعاصرات في اليونان، ترجمت بيرسا كوموتسي 16 رواية لنجيب محفوظ، إلى جانب ما يقارب 40 عملاً لكتاب عرب، بالإضافة إلى أنطولوجيا شعرية عربية، وهو ما يجعلها من أهم الوسائط في انتقال الأدب العربي لأثنيا، لذا ترى أن «الترجمة من وإلى العربية واليونانية على السواء لحسن الحظ كافية، ويزداد عددها شيئا فشيئاً. فهناك اهتمام كبير من الجانبين».
وللشغف اليوناني بمصر تاريخ يمتد منذ قديم الأزل، فقبل الميلاد بأكثر من 500 عام وقف المؤرخ اليوناني هيرودوت متحدياً أبناء موطنه دافعاً إلى أن «البانثيون اليوناني» (منظومة الآلهة اليونانية) مأخوذة من مصر الفرعونية، وأنها كانت موجودة في مصر قبل 10 آلاف سنة، مروراً بوصول الإسكندر الأكبر لمصر الذي حرص على زيارة معبد أمون لتنصيبه فرعوناً على مصر، وإنشائه الإسكندرية، إلى أن بلغ هذا الشغف ذروته وحضوره خلال حكم الحقبة الخديوية (أبناء محمد على)، إذ حضر للعمل والحياة ما يقارب نصف مليون يوناني، كان منهم مئات الفنانين والموسيقيين والكتاب.
وشهدت الفترة الأخيرة تقارباً ثقافياً بين مصر واليونان، على أثره نظمت مصر فاعلية «العودة للجذور»، ودعت العديد من الأسر والشخصيات اليونانية التي عاشت في مصر لحضور احتفالية في مدينة الإسكندرية، في المقابل نظم معرض الكتاب الدولي في ثيسالونيكي باليونان فاعليات تناقش العلاقات بين الشعبين، وهو ما يجعل بيرسا كوموتسي تتفاءل بمستقبل مشرق في هذا الاتجاه، «اتجاه الحوار الثقافي بين الشعبين الذي هو المحور الذي تعمل عليه الآن قرابة ثلاثين عاماً ويزيد. والآن يزداد الأمر أكثر فأكثر وبدأ يؤتي ثماره».



«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».