موسم الهجرة إلى فرنسا

متاحف ومقابر وإسطبلات... هذه عروض الكروز لعام 2019

الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً
الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً
TT

موسم الهجرة إلى فرنسا

الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً
الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً

جرت العادة أن يأخذنا صناع الموضة في عروضهم الخاصة بـ«الكروز» إلى أماكن بعيدة. فالهدف منها أن تدغدغ الخيال وترسّخ في أذهاننا أن هذا الخط «الكروز» يرتبط ببحار لازوردية ويخوت فخمة وما شابه من أمور. هذا العام، يبدو أن معظمهم اكتفوا بفرنسا. من «شانيل» التي عرضت تشكيلتها المستوحاة من فيلا «لابوزا» التي عاشت فيها المؤسِّسة كوكو شانيل بجنوب فرنسا، إلى «ديور» التي أخذت ضيوفها إلى منطقة «شانتيلي» على بُعد ساعتين تقريباً من باريس و«لويس فويتون» إلى سانت بول دي فانس بالريفييرا الفرنسية، وأخيراً وليس آخراً «غوتشي» الإيطالية التي اختارت بدورها منطقة «لي زارل» بجنوب فرنسا.
لكل من هذه الأسماء أسبابها ومبرراتها، وقد يكون الأمر بالنسبة إلى البعض مجرد صدفة، لكن تجمعها كلها في نفس البلد لا بد أن يثير بعض التساؤلات، لا سيما أن الإمكانات لا تنقص أياً منهم للسفر بعيداً. فـ«شانيل» تحقق مبيعات عالية وأرباحاً لا تُحصى، كذلك «لويس فويتون» و«ديور» اللتان تنضويان تحت جناحي مجموعة «إل في إم إتش»، و«غوتشي» التي تملكها مجموعة «كيرينغ». ثم إنهم أخذوا في السابق ضيوفهم إلى وجهات خيالية مثل هافانا بكوبا، وسيول بكوريا بالنسبة لـ«شانيل». كذلك الأمر بالنسبة إلى «ديور» التي سافرت بهم إلى شانغهاي والولايات المتحدة الأميركية، و«لويس فويتون» التي كانت وجهتها في العام الماضي كيوتو باليابان وقبلها بالم سبرينغز بالولايات المتحدة وهكذا.
كل هذا يجعل إجماعهم على فرنسا هذا العام أكثر من مجرد صدفة. بحسبة بسيطة يمكن ربطه بتولي مانويل ماكرون رئاسة البلد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن علاقته بصناع المال والترف على أحسن ما يرام على عكس ما كانت عليه في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند. فلا يخفى على أحد أنها كانت متشنجة. ففي عهده عانى الاقتصاد الفرنسي من وعكة لازمته طويلاً واشتكى أصحاب الأموال من سياسات لم يروا أنها في صالحهم. كل هذا تغير حسب رأي مايكل بيرك، الرئيس التنفيذي لدار «لويس فويتون» الذي أكد أن عروض كل من دور «شانيل» و«ديور» و«لويس فويتون» و«غوتشي» في فرنسا «أكثر من مجرد صدفة... إنه نوع من الثقة بفرنسا. فهناك ديناميكية جديدة، ورغبة في التحدي وإعادة التواصل مع روح المقاولات التي تطبع فرنسا منذ قرون. والفضل يعود إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي فتح لنا الطريق». ولا بد من الإشارة هنا إلى أن برنار أرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم إتش» كان من بين رجال الأعمال الذين دعموا حملة ماكرون الانتخابية في العام الماضي.
كل هذا يعني أن صناع الموضة يقومون بدورهم الوطني لإنعاش اقتصادهم، بما فيها دار «غوتشي» الإيطالية بحكم أن مالكها فرنسوا بينو، فرنسيٌّ.
في عرض «شانيل» استلهم المصمم كارل لاغرفيلد تشكيلته من أحد الخيوط التي نسجت منها المؤسسة كوكو شانيل حياتها. فقد بنى سفينة بحرية ضخمة وسط «لوغران باليه» تحمل اسم «لابوزا»، إشارةً إلى بيتها في جنوب فرنسا. كان عرضاً قوياً كصورة وكاقتراحات فنية من خلال قطع منفصلة وفساتين سهرة تستحضر روح غابرييل شانيل والدور الذي قامت به لتحرير المرأة من قيود الموضة كما كانت عليه قبلها. كانت السفينة ضخمة تتوفر على كل ما يمكن أن يخطر على بال مسافر من ترف، بدءاً من بيانو إلى مسبح، إلى حد أنك تشعر فيها أنك لست بحاجة إلى الإبحار إلى أي مكان.
«ديور» في المقابل، رحلت بنا إلى المكسيك من دون أن تغادر فرنسا. اختيارها قصر «شانتيلي» الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ18 بإسطبله الذي يُعدّ الأكبر في أوروبا، لم يكن اعتباطاً بل كان تلميحاً إلى ما ستقدمه من عرض يلعب على مفهوم الفروسية. لكن لأن «شانتيلي» أيضاً عاصمة الدانتيل، فإن السخاء في استعماله كان واضحاً في العديد من القطع. ولا ننسى الإشارة إلى أن علاقة الدار بالمنطقة تعود إلى عهد كريستيان ديور الذي أطلق على فستان من مجموعته الشهيرة «ذي نيو لوك» اسم «شانتيلي».
افتتحت العرض فرقةٌ مكسيكية مكونة من 8 فارسات على صهوة جياد، وهن يرتدين فساتين بتنورات واسعة وطويلة تشدها من الخصر أحزمة عريضة. كان دخولهن المنصة المستديرة وهن يستعرضن مهاراتهن الفروسية كأنهن يؤدين رقصة باليه، مفاجأة للجميع. تبيّن في ما بعد أن مشاركتهن لم تكن بداعي الإبهار فحسب، بل كانت نوعاً من الاستمرارية للحركة النسوية التي رفعت مصممة الدار ماريا غراتزيا كيوري شعارها منذ أن دخلت «ديور» كأول مصممة في تاريخها. فالفارسات الثماني مشهورات في المكسيك، حيث حاربن بشراسة للحصول على حق المشاركة في «كاراييدا»، وهو نوع من الروديو في المكسيك كان مقتصراً على الرجال من قبل. عندما قابلتهن المصممة أول مرة خلال زيارة لها للمكسيك، انبهرت بصلابتهن وأنوثتهن في الوقت ذاته، حسب قولها. وأكثر ما شد انتباهها تمسكهن بارتداء ملابسهن الأنثوية التقليدية الملونة.
قبلهن لم يكن وارداً أن تشارك المرأة في أيٍّ من هذه الأنشطة، وكان حضورها فيها لتشجيع زوجها أو أحد أفراد عائلتها لا أقل ولا أكثر. ثم قلبت هؤلاء النسوة كل المتعارف عليه حين قررن دخول حلبة المنافسة والتفوق على أعتى الرجال. وكأن هذا لا يكفي، فقد قررن عدم التمويه على أنوثتهن، بارتداء ملابسهن التقليدية المتوهجة الألوان والغنية بالتطريزات، كنوع من التحدي ولسان حالهن يقول إنهن غير مُلزمات بتغيير أنفسهن حتى يتقبلهن الآخر. من كل هذا استلهمت المصممة كيوري تشكيلتها لعام 2019. على الأقل من خلال الألوان والأحزمة العريضة والجلود والتطريزات الإثنية وما شابه من تفاصيل. الفرق طبعاً كان في الأقمشة المترفة والخطوط الأنثوية التي ترتبط بـ«ديور» منذ تأسيسها إلى الآن. فقد ترجمت المصممة توهج ألوان الملابس المكسيكية التقليدية بدرجات باريسية هادئة لوّنت تنورات طويلة وجاكيتات مفصلة ومحددة عند الخصر، وأمتار سخية من الدانتيل والتول والقطن. كان كل شيء مُبهراً ومحسوباً، حتى تكاد تشعر بأن الدار تواطأت مع الطقس لكي تُمطر السماء مع بداية العرض. فالأمطار التي هطلت فجأة لم تؤثر عليه بقدر ما أضفت عليه جواً رومانسياً.
أما بالنسبة إلى «لويس فويتون» فإن الريفيير الفرنسية كانت خياراً فنياً، عدا أن علاقتها بالمنطقة تعود إلى عام 1908 حين افتتحت أول محل لها في مدينة نيس. فهذه المدينة والمناطق المجاورة لها كانت مرتعاً للأدباء من أمثال الكاتب فرانسيس سكوت فيزتجرالد وفرنسواز ساغان وويليم سومرست موغام، ممن كانوا من زبائن الدار الأوفياء في بداية القرن الماضي.
ورغم أن المنطقة ليست غريبة على العديد من الضيوف، بحكم أن بعضهم يمتلك فيها إما بيوتاً وإما يخوتاً، فإن الأغلبية منهم لم تزر متحف مايغت، وهذا ما تعنيه عروض «الكروز» عموماً: السفر والترحال بمفهوم الاكتشاف.
بالنسبة إلى «لويس فويتون»، التي أقامت عرضها في كيوتو اليابانية العام الماضي، وريو دي جانيرو وبالم سبرينغز قبلها، فإن اختيارها للريفييرا الفرنسية، وتحديداً متحف «مايغت Maeght» للفنون المعاصرة، له مبرراته. والصورة التي واجهت الحضور منذ أول لحظة أن نجوم من أمثال إيما ستون، وجينفر كونولي، وليا سايدو، وجاستين ثيرو وغيرهم، وجدوا منافسة كبيرة على الأضواء مع الفنانين مارك شاغال وألبرتو جياكوميتي اللذين تناثرت أعمالهما حول الحديقة. لا شك أن هذا ما كان يطمح إليه المصمم الشاب نيكولا غيسكيير الذي أكد حبه للفن المعاصر في عدة مناسبات. فأغلب عروض الدار، إن لم نقل كلها، تجري في أهم المتاحف العالمية. من متحف «اللوفر» ومنظمة «لويس فويتون»، إلى متحف «ميهو» في كيوتو، ومتحف «ريو» للفنون المعاصرة قبله، وأخيراً وليس آخراً متحف «مايغت». هذا الأخير يقع فوق تلة عالية تطل على مدينة «سان بول دي فانس» القديمة محاطاً بغابة وارفة من الأشجار. لم تكن هناك علاقة بين المكان والأزياء، فهو مجرد خلفية تعزز مكانة الدار الفنية، فالصبغة التي طبعت الأزياء كانت نوعاً من الشقاوة، التي تجسدت في التنسيق الذي يخاطب شابة صغيرة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض التنورات القصيرة جداً. وحسب شرح المصمم فإنه يوجهها إلى «شخص يتمتع بأسلوب خاص وعصري». هذا تماماً ما جسده من خلال تنسيقه قطعاً متعددة، قد لا يمتّ بعضها إلى بعض بِصلة، لكن المفاجأة أنها لا تبدو نشازاً، بل العكس تماماً. ربما أكثر جرأة مما قدمه سابقاً، وهو ما يمكن رده إلى ثقته المتزايدة بنفسه وبمكانته في الدار. ففي مرحلة تمر بها صناعة الموضة بعدة تغييرات تأتي على رؤوس مصممين بعد موسم أو موسمين فقط، نجح نيكولا غيسكيير في الاستمرار. فبعد 5 سنوات، جدد عقده مع «لويس فويتون» مؤخراً لمدة 5 سنوات أخرى، وهو ما قل حدوثه في عالم الموضة مؤخراً.
أما دار «غوتشي» الإيطالية، فقد أنهت هذه الجولة الفرنسية في منطقة «لي زارل» جنوب فرنسا أيضاً، وتحديداً في «Alyscamps» وهي مقبرة رومانية قديمة مدرجة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي.
وهي نفس المقبرة التي أشار إليها دانتي في كتابه «الجحيم» ورسم فيها كلٌّ من فان جوغ وبول غوغان بعض لوحاتهما.
غنيّ عن القول: إن المكان خلق أجواء غريبة، أضفت عليها الشموع المتناثرة والدخان المتصاعد في ظلمة الليل، رهبة. الأزياء في المقابل كانت قوية بالألوان المتضاربة وطبعات الورود والتطريزات التي عوّدنا عليها المصمم وأصبحت ماركته المسجلة إلى حد ما، لتأتي الصورة قوية بإيحاءاتها التي لعب فيها على القديم والحديث. أما إذا كانت فكرة أليساندرو ميكيلي هي الغوص في معنى الموت، باختياره مقبرةٍ كمسرح لعرضه، فإن النتيجة كانت أنه نجح في إضفاء الكثير من الرومانسية عليه. فالمبالغة في الألوان والجمع بين التناقضات خلقت نوعاً من التناغم الذي أكد حتى الآن أنْ لا أحد يمكن يُتقنه مثله. الدليل أن أرقام المبيعات ارتفعت بمجرد دخوله الدار، ولا تزال في نمو مستمر رغم الأزمة الاقتصادية.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.