برنارد لويس... «الشيطان مجسداً» أم «عبقري التاريخ»؟

لم يرتح إلا بغياب إدوارد سعيد

برنارد لويس
برنارد لويس
TT

برنارد لويس... «الشيطان مجسداً» أم «عبقري التاريخ»؟

برنارد لويس
برنارد لويس

كان برنارد لويس (1916 – 2018) ينتشي جذلاً كلما ذكره أحدهم بصورته الشديدة التناقض في المخيال العام بين من يراه «عبقري التاريخ» الذي كان مسؤولا أكثر من غيره عن رسم صورة الإسلام في العقل الغربي ومن يعتبره «الشيطان مجسداً» كما باح لسانه يوماً.
منظّر الاستقطاب الحتمي بين الغرب والشرق، وصائغ المفهوم الأخطر عن «صراع الحضارات» وإمام المستشرقين المهوّلين من «الأصوليّة الإسلاميّة» الذي رحل الأحد الماضي عن 102 عام حظي دوماً ببركات القرب من نخبة صناع القرار في الولايات المتحدة وإسرائيل وعمل كملهم روحي ومستشار استراتيجي لطاقم المحافظين الجدد في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وعدّه البعض واحداً من ثلاثة صاغوا الاستراتيجيّة الأميركية لإدارة العالم الإسلامي – إلى جوار زيبنغو بريجنسكي والرئيس السابق جيمي كارتر -، لكنّه تعرّض كذلك إلى أعنف الهجومات من أكاديميين وسياسيين كثيرين لإنكاره المجزرة الأرمنيّة بداية القرن العشرين، ولانحيازه الأعمى لإسرائيل وازدرائه للعرب والمسلمين، وحماسته الشديدة لاستخدام موقعه المؤثر في قلب المؤسسة الأميركية من أجل الترويج للحلول الصارمة والعنيفة بشأن سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
لويس الذي ولد في لندن لأبوين يهوديين وجد نفسه مبكراً مولعاً بالتاريخ وباللغات، فدرس التاريخ في معقل الاستشراق الأكاديمي البريطاني بكليّة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة – جامعة لندن – على يد أساتذة مثل المستشرق هاميلتون جيب ونورمان باينيز ليتخرّج منها لاحقاً بشهادة الدكتوراه عن رسالة له في التاريخ الإسلامي. وهو درس أيضاً في جامعة باريس على يد لويس ماسينييون المستشرق الفرنسي المعروف قبل أن ينخرط في الخدمة العسكريّة بالجيش البريطاني، وينتقل منها إلى عالم الجواسيس عميلاً متجولاً للمخابرات البريطانيّة في الشرق الأوسط ليعود بعد الحرب إلى الأجواء الأكاديمية أستاذا جامعيّاً في جامعة لندن لربع قرن، ولاحقاً – بعد فضيحة نسائية طلّق على إثرها زوجته – انتقل إلى الجانب الآخر من الأطلسي مدرساً في جامعات برينستون وكورنيل.
تخصص لويس مبكراً في تاريخ الشرق الأدنى وتحديداً سوريّا، لكنه كيهودي وصديق مقرّب من النخبة الإسرائيليّة – كان الصديق الشخصي لغولدا مائير وتناول الشاي معها في مطبخ منزلها - خشي التنقل في الدّول العربيّة ليستكمل أبحاثه بعد حرب فلسطين 1948 ولذا تحوّل إلى الدراسات التركيّة حيث فُتحت له على نحو غامض أرشيفات العهد العثماني فكان أول غربي تسنح له فرصة الاطلاع عليها عن كثب. وقد عمد منذ العام 1950 إلى نشر خلاصة أبحاثه وقراءاته عن تاريخ الشرق في كتب (ما لا يقل عن ثلاثين منها قيد التداول) ومئات مقالات الصحف والمجلات عدّ بعضها مرجعياً في مجاله (صعود تركيا الحديثة - 1961) كما مقالته في تحليل جذور الغضب الإسلامي (1990) التي نحت فيها تعبير «صدام الحضارات» - قبل أن يتولى زميله في جامعة هارفارد صموئيل هانتغنتون تعميم الفكرة على نطاق واسع. لويس المؤرخ تحول إلى صانع للتاريخ متمكن بفضل علاقاته الشخصيّة والفكريّة الوثيقة بعراب المحافظين الجدد السيناتور هنري جاكسون من الالتحاق مستشاراً مقرباً من فريق تلامذة جاكسون الذين تولوا السلطة في الولايات المتحدة ونظموا غزو العراق: ديك تشيني وبول وولفويتز وريتشارد بيرل. ويقال بأنه كان أحد أعضاء الفريق الضيق الذي استدعاه الرئيس بوش إلى مخبئه المحصن غداة هجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لصياغة رد الولايات المتحدة. وقد استفاد وقتها من تعطش الأميركيين الطارئ لفهم الشرق الأوسط فأصدر كتابيه (أين الخلل؟ - 2002) و(أزمة الإسلام - 2003) فحظيا بانتشار واسع كرّس سمعته في الغرب كمرجعية أولى فيما يتعلق بشؤون الإسلام والشرق الأوسط. لكن رغم تمكنه الفائق من النثر الأدبي، وسعة اطلاعه على مصادر تاريخيّة بلغات عدّة وقربه من مطابخ صنع القرار ومصانع الحدث فإن كتبه متشربّة بروح استشراقيّة فائرة وازدراء استثنائي للعرب وللمسلمين وتحليلاته تفتقد إلى النزاهة العلميّة، وتعكس – وفق إدوارد سعيد – «ديماغوجية قاصرة موفورة الجهل وتعميميّة» وتقدّم وصفات مسمومة تركز على تبرير خطوط الانقسام في العالم العربي، وتنظّر لصعود الراديكاليّة الإسلاميّة مستدعية حتمية الصّدام العنفي بين الشرق والغرب، كما لا يخفى إعجابه الدائم بالتجربة الصهيونيّة حتى أنه كُرّم كواحد من سبعين شخصية أميركيّة قدمت خدمات لا تقدّر بأثمان للدولة العبريّة. ويطرح لويس نظريّة مثيرة للجدل يعزو فيها كل فشل في نهضة العالم العربي إلى قصور ذاتي محض مبرئاً تركة الاستعمار الغربي من أي ذنب. ولم يتورع عن وصف هويات شعوب الشرق الأوسط بالمتخيلة والمتناقضة مستثنياً الإسرائيليين - الذين هم واقعاً أكثر مجموعة في العالم تعيش وهم الهويات المصنوعة. وقد عاب عليه الراحل إدوارد سعيد تعامله السطحي مع العالم الإسلامي ككلٍ، واحدٍ مُصمت، واعتبره نموذجا كلاسيكياً للمستشرق الخادم للسياسة، وعبد اللامركزية الأوروبيّة في قراءة الشرق وفنّد كثيراً من استنتاجاته في كتبه الرئيسيّة (الاستشراق) و(تغطية الإسلام)، واعتبر أن خبرته بالشرق الأوسط والمقتصرة على رحلات التجسس في أربعينات القرن الماضي لم تعد ذات قيمة حقيقية لفهم ثقافة المنطقة بعد التحولات الهائلة التي عاشتها شعوبها عبر عقود متعاقبة.
تعرّضت سمعة لويس العلميّة إلى أزمة حقيقية بسبب نقد سعيد لأعماله، فأكثرَ من مقابلاته الصحافية للرد عليه متهماً إياه بتسييس العمل الأكاديمي، وانسحب من جمعية دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشماليّة التي بدأ يسيطر عليها معادون للاستشراق وتلامذة سعيد ليطلق جمعية أخرى موازية بصحبة صديقه - المستشرق بدوره - فؤاد عجمي. وليس هنالك من شك أنه تنفس الصعداء عندما خطف الموت سعيد الذي كان تحوّل إلى أسطورة عالميّة في القبض على هفوات المستشرقين وانحيازاتهم وكشف تلفيق إمامهم – كما كان يسميه مريدوه. لكن لويس لم يهنأ كثيراً بغياب سعيد، إذ صوّب عليه الكثيرون سهام نقدهم لمشاركته في التخطيط والتبرير لغزو العراق الذي تسبب في خسائر بشريّة فادحة، وتالياً لإنكاره المذبحة الأرمنيّة في الطبعات اللاحقة من كتابه عن التاريخ التركي وكذلك في مقابلاته الصحافية معتبراً أنها «الرواية الأرمنيّة لأحداث ملتبسة في مرحلة قلقة من تاريخ تركيا دون وجود دلائل على حملة رسميّة منظمة لإبادة الأرمن»، وأخيراً لتهويله التهريجي من القنبلة النووية الإيرانيّة كما لو كان عرّافاً يقرأ الفلك. وقد تسببت تصريحات لويس الصحافية ومقالاته التي ضخّم فيها شخصيّة أسامة بن لادن - جاعلاً منه رمزاً مُجسّداً لتفكير العالم الإسلامي برمته - بانتقادات واسعة علّق عليها بقوله «لقد جعلني أسامة بن لادن شخصيّة مشهورة».
يترك لويس بعد غيابه تراثاً غاية في الخطورة ليس بالضرورة نصوصه المنحازة والتي أصبح من السهل نقدها وتفكيك مقولاتها بقدر ما هو في أجيال متعاقبة من تلامذته الدبلوماسيين والسياسيين والمثقفين في الغرب - والعالم العربي أيضاً - الذين قرأوا تاريخ الإسلام والمنطقة بعيني لويس وتشربوا تعميماته المنحازة دون امتلاك الأدوات الفكريّة اللازمة لنقضها، فأصبحوا كما نخبة سياسية وأكاديميّة وثقافيّة مصابة بعمى ألوان لا شفاء منه تجاه كل ما هو ليس غربيّاً. لقد تحولت المعارف التاريخيّة على يد لويس من أدوات لبناء جسور التفاهم بين الحضارات إلى متاريس حروب بين شعوب متعادية لن تتلاقى في وقت قريب.



رحيل محمد هاشم مؤسس دار «ميريت» بعد رحلة عطاء استثنائية

رحيل محمد هاشم مؤسس دار «ميريت» بعد رحلة عطاء استثنائية
TT

رحيل محمد هاشم مؤسس دار «ميريت» بعد رحلة عطاء استثنائية

رحيل محمد هاشم مؤسس دار «ميريت» بعد رحلة عطاء استثنائية

رحل في الساعات الأولى من صباح اليوم الجمعة الناشر المصري محمد هاشم، مؤسس ومدير دار «ميريت للنشر»، عن عمر يناهز 68 عاماً، بعد رحلة كبيرة مع صناعة الكتاب، فقد كان نموذجاً للناشر المثقف، صاحب الموقف الطليعي ثقافياً وسياسياً، وجعل من «ميريت» أحد أهم المنافذ الثقافية في القاهرة، وأحدث طفرة في صناعة النشر، وفتح من خلالها نافذة كبيرة للعديد من الأجيال ليروا إبداعاتهم منشورة بين دفتي كتاب، بعد أن كان النشر عقبةً كبيرةً تواجه كل مبدع مصري، ويضطر للوقوف سنواتٍ على أبواب دور النشر الحكومية.

أسس الراحل «دار ميريت» في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لتشكل هي و«دار شرقيات»، التي تأسست في الفترة نفسها تقريباً، رئة ثقافية أسهمت في احتضان جيل التسعينات في الرواية والشعر والنقد، وتقديمهم للحياة الثقافية والأدبية، ودشنت كثيراً من التجارب الطليعية التي لم تكن حصلت على الاعتراف الأدبي بعد، فكانت فضاءً للاحتفاء بكل إبداع جديد ومختلف، وظلت تمارس الدور نفسه في العقدين الأولين من الألفية الجديدة، فكثير من الأجيال الراهنة الذين أصبحوا نجوماً في الشعر والرواية والقصة، بدأوا مشوارهم الإبداعي من «ميريت» أو من «شرقيات».

لم تكن «ميريت» مجرد دار نشر، فقد تحول مقرها الأول الشهير في شارع قصر النيل بوسط العاصمة المصرية إلى منتدى ثقافي دائم، وكان له رواد من مشاهير الثقافة المصرية والعربية، فعندما كنت تدخل تجد الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم جالساً بأريحية وكأنه في بيته، وكان من ضمن رواد الدار أيضاً الروائيان الراحلان خيري شلبي و إبراهيم أصلان، والناقد محمد بدوي، والروائي الراحل حمدي أبو جليل، والشاعر الراحل أسامة الديناصوري، وغيرهم كثيرون من رموز الحركة الثقافية المصرية، وكان كل شاب يريد أن يبدأ مشواره الإبداعي لا بد له أن يمر يوماً على «ميريت»، ليتعرف على «مطبخ» الثقافة المصرية، ويتقرب من رموزها، يسمعهم، ويتعلم منهم، ويحصل على فرصة أن يسمعوه ويتعرفوا إلى إبداعه، فيُمنح صك الاعتراف.

فازت «ميريت» بجائزة نادي القلم الدولي «هيرمان كيستن» (kesten PEN الفرع الألماني)، وتمنحها وزارة «هسه» للعلوم والفنون، وقدرها 10.000 يورو، وتمنح لكتاب المقالات والروائيين فى جميع أنحاء العالم لمن يتصدون للاضطهاد والقمع ويدافعون عن الحق والحرية، كما تمنح للناشرين لتقديمهم الدعم والرعاية للكتاب المضطهدين في نشر فكرهم ويؤمنون بالحق فى الحرية والتعبير عن الرأي.

لم يتوقف دور محمد هاشم عند حدود العمل الثقافي وصناعة الكتاب، فقد كان ناشطاً سياسياً، حتى أصبح مقر الدار ربما أكثر صخباً وحيويةً من مقرات بعض الأحزاب السياسية. وأثناء ثورة 25 يناير، وبسبب قرب الدار من ميدان التحرير، مركز الحراك الثوري آنذاك، كانت ملاذاً لكثير من أبناء الثورة، خصوصاً من المثقفين، سواء لالتقاط الأنفاس، أو متابعة الأخبار، أو حتى المبيت في الدار التي فتحت أبوابها على مصاريعها. كما كان هاشم ناشطاً في ثورة 30 يونيو ضد جماعة الإخوان، وشارك في الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات التي أقيمت ضدهم، بل إن لافتات كثير من الوقفات ضدهم كانت تخرج من مقر الدار.

عن الراحل يقول الروائي والقاص محمد محمد مستجاب: «رغم أنني لم أكن من (شلة دار ميريت) التي اشتهرت في بداية الألفية، حيث كان يحضرها والدي رحمه الله (الروائي الراحل محمد مستجاب)، فإن علاقتي بعمنا محمد هاشم كانت بعد رحيل والدي في 2005، خصوصاً في إرسال أعمالي لإبداء الرأي فيها، ثم طلبه عملًا لي ليصدر عن (ميريت) لكن هذا لم يتحقق. لكن (ميريت) التي تنقلت من شارع قصر النيل ثم شارع صبري أبو علم ثم باب اللوق ظلت ظهراً حامياً للثقافة المصرية، وليس لي على المستوى الشخصي، وقد خرجت منها عدة مظاهرات تحمي مكتسبات ثورة يناير».

يضيف مستجاب: «محمد هاشم كان يرعى كثيراً من المواهب، ويحزن عندما يجدها انحرفت عن مسارها، واتجهت لشيء آخر بعيداً عن الكتابة. وسيظل اسمه غالياً على جميع الكتاب المصريين والعرب، ومنبراً طالما أحببناه وتعاركنا واختلفنا معه، لكنه كان دائماً مثل آبائنا؛ يعلم أننا سنعود كي نجد في حضرته الابتسامة، وفي جيبه النقود التي تدفئ أيامنا، والكتب التي تشعل خيالنا بالإبداع. برحيل (أبو ميريت)، خسرنا صرحاً ثقافياً حقيقياً في زمن العبث الثقافي».

ويقول الروائي سامح الجباس: «قدم محمد هاشم للثقافة المصرية والعربية أهم الأسماء التي تملأ الساحة الأدبية المصرية الآن، كلهم كانوا مجرد كتاب شبان هواة خرجوا من عباءة (ميريت)، وانطلقوا بعدها نجوماً في ساحة الأدب، وأنا منهم. ففي عام 2005 حملت في يدي أول مخطوط لكتاب أرغب في نشره، وذهبت مباشرة إلى (ميريت)، أهم وأشهر دار نشر خاصة وقتها، واستقبلني صاحب الدار محمد هاشم بحفاوة كأنني كاتب معروف. وحتى نهاية 2010 كنت زائراً شهرياً للدار، ومنها قرأت لكل هذا الجيل من الكتاب، فقد كانت ملتقى الكتاب، فيها كنت تقابل أحمد فؤاد نجم وخيري شلبي وحمدي أبو جليل وعلاء الأسواني والسيد ياسين وغيرهم من الصحافيين والفنانين. وكانت أبوابها مفتوحة دائماً للشباب روائيين، وشعراء، ومطربين، وموسيقيين. وفيها ندوات يومية تقريباً».

ويكمل الجباس: «مرت السنوات، وتعرضت (ميريت) لهزات زلزالية حتى أوشكت الدار على التوقف. وانتقلت الدار من مكان إلى آخر في نطاق وسط البلد. وكنت حتى بداية هذا العام حريصاً على أن أزورها كلما انتقلت من مكان إلى آخر ولو مرة واحدة في العام، تقديراً لموقف هاشم معي في بداياتي، فقد نشرت في الدار عام 2006، ثم انتقلت للنشر بعدها في أكثر من دار نشر، لكني كنت أدين بالفضل والامتنان لهذا الرجل. فتح محمد هاشم الباب لعشرات الكتاب ونسي نفسه، نسي أنه نشر رواية وحيدة بعنوان (ملاعب مفتوحة)، وقلت له في آخر زيارة منذ شهور إنه يجب أن يعيد طباعتها. سيظل اسم محمد هاشم، وتجربة (دار ميريت)، وستظل أفضاله تحيط بالكثيرين، مهما تنكروا له، وقد حان دور اتحاد الناشرين لتكريم اسم هذا الرجل. الكلام والذكريات عن محمد هاشم ودار ميريت يحتاج إلى صفحات وصفحات من الحب والامتنان، والكثير من الحزن والأسف».

ويروي الشاعر سمير درويش، رئيس تحرير مجلة «ميريت» التي كانت تصدر عن الدار، تجربته مع الناشر الراحل، قائلاً: «كان رجلاً جريئاً كريماً، طيِّباً بشوشاً محبّاً للحياة والناس. ذهبت له بمشروعي لإصدار مجلة ثقافية تنويرية، فوافق دون قيد أو شرط، وطوال خمس سنوات لم يتدخل ولا مرة، رغم أنه كان يصدُّ عنَّا ويحمينا».

محمد هاشم في «ميريت»، مع حسني سليمان في «شرقيات»، صنعا طفرة كبيرة في عالم النشر الثقافي منذ منتصف التسعينيات، سارا الخطوة الأولى التي فتحت طريق التحديث حتى اليوم.


أوانٍ فخارية من مدافن دار كليب الأثرية في البحرين

قطع فخارية من محفوظات متحف البحرين الوطني بالمنامة مصدرها موقع مدافن دار كليب في المحافظة الشمالية
قطع فخارية من محفوظات متحف البحرين الوطني بالمنامة مصدرها موقع مدافن دار كليب في المحافظة الشمالية
TT

أوانٍ فخارية من مدافن دار كليب الأثرية في البحرين

قطع فخارية من محفوظات متحف البحرين الوطني بالمنامة مصدرها موقع مدافن دار كليب في المحافظة الشمالية
قطع فخارية من محفوظات متحف البحرين الوطني بالمنامة مصدرها موقع مدافن دار كليب في المحافظة الشمالية

تحوي مملكة البحرين سلسلة من المقابر الأثرية، تُعرف باسم «تلال مدافن دلمون»، سُجلت ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لـ«منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (اليونيسكو) في صيف 2019. تضم هذه السلسلة في الواقع مجموعات عدة من المدافن، منها مجموعة تقع في أقصى جنوب مدينة حمد، وتجاور قرية دار كليب التي تبعد عن المنامة نحو 25 كيلومتراً. بدأ استكشاف «مدافن دار كليب» في عام 1965، حيث عمد باحثان يعملان لحساب «شركة نفط البحرين» (بابكو) إلى إجراء أول أعمال المسح فيه. وصل هذا الخبر إلى البعثة الدنماركية التي كانت تعمل في هذه الناحية من الخليج خلال تلك الفترة، فباشرت دراسة الموقع بشكل معمّق. توالت مواسم التنقيب خلال العقود التالية، وأدت إلى الكشف عن مجموعات متنوعة من اللقى، منها مجموعة من الأواني الفخارية تعود إلى حقب متلاحقة من الزمن.

تحمل «تلال مدافن دلمون» اسم إقليم برز شرق الجزيرة العربية خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد، كما تشهد المصادر السومرية، وكانت جزيرة البحرين حاضرة من حواضر هذا الإقليم الوسيط الذي شكل حلقة وصل بين بلدان الشرق القديم، الأوسط والأدنى. خرج من هذه المدافن عدد كبير من القطع الفخارية تعكس هذه التعددية، منها مجموعة من القطع مصدرها حقل «مدافن دار كليب» الذي يمثّل كما يبدو الطور الأخير من تلك الحقبة الغنية. تبرز في هذا الميدان بضع أوانٍ تتميز بحلل زخرفية تبدو غير مألوفة في محيطها، منها آنية على شكل زهريّة من الحجم الصغير، كشفت عنها بعثة محليّة في منتصف تسعينات القرن الماضي، وهي اليوم من محفوظات متحف البحرين الوطني بالمنامة. يبلغ طول هذه الزهرية المخروطية 12 سنتيمتراً، وعرضها 9 سنتيمترات، وهي من نتاج القرنين الأخيرين من الألفية الثانية قبل الميلاد، كما يؤكّد أهل الاختصاص، وتكوينها بسيط، ويغلب عليه اللون العسلي المائل إلى الأخضر الزيتي.

تُزين القسم الأعلى من هذه الزهرية شبكة من الخطوط الأفقية الدائرية، تحوي في وسطها خطاً متعرّجاً. خُطت هذه الشبكة باللون الأسود، وتقابلها شبكة مشابهة مختزلة تزيّن القسم الأسفل منها. بين هاتين الشبكتين، تحضر شبكة عريضة تحتلّ القسم الأوسط، وقوامها زخرفة نباتية متناسقة تعتمد طرازاً مكرّساً، يُعرف في قاموس الفنون باسم «بيبال»، أي شجرة التين الهندسية المقدسة. خطّت هذه الزخرفة النباتية كذلك باللون الأسود، وتتشكّل من أربعة أغصان أفقية تحمل أطرافها سلسلة من الأوراق اللوزية المرصوصة بشكل تعادلي في بناء محكم، وفقاً لنسق فني اعتُمد بشكل واسع في المناطق الشمالية الغربية من جنوب آسيا، وبات من خصائص حضارة وادي السند التي توهّجت على مدى قرون من الزمن، وبلغت نواحي عديدة من الشرق الأدنى وجنوب آسيا.

تبدو زهرية دار كليب على الأرجح من نتاج وادي السند، وتشهد للروابط الثقافية المتواصلة التي جمعت بين هذا الوادي وإقليم دلمون. لا نجد ما يماثل هذه الآنية في هذا الميراث، غير أننا نقع على قطعة تشابهها بشكل كبير، مصدرها المناطق الشرقية من المملكة العربية السعودية، وهي قطعة شبه مجهولة، قدّمت عالمة الآثار غرايس بوركهولدر تعريفاً بها ضمن كتاب لها صدر عام 1984، تناول مجموعة من اللقى الأثرية تمّ اكتشافها في هذه المناطق الشرقية.

خرجت من مدافن دار كليب كذلك مجموعة من القطع الفخارية تعود إلى الحقبة التي أطلق فيها المستكشفون الإغريقيون على جزيرة البحرين اسم تايلوس، وهي الحقبة التي تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى فترة دخول الإسلام. تُشكّل هذه القطع مجموعة من مجموعات مشابهة خرجت من المدافن المجاورة، وتحوي قطعاً تتفرّد في بعض الأحيان في تكوينها، منها قطعة من الفخار المزجّج، عُثر عليها خلال حملة محليّة تمّت بين عام 1993 وعام 1994، وهي من محفوظات المتحف الوطني بالمنامة.

صُنعت هذه الآنية بين القرن الأول والقرن الثاني للميلاد على الأرجح، وفقاً لتقنية نشأت قديماً في جنوب بلاد ما بين النهرين، وهي على شكل جرة لها عنق طويل، طولها 32.5 سنتيمتراً، وعرضها 22 سنتيمتراً. تشابه هذه الجرة في تكوينها العام جرة معاصرة لها خرجت من الموقع نفسه، وتتميّز بعروة على شكل مجسّم حيواني، تحل مكان العروة التقليدية المجرّدة من أي شكل تصويري. يصعب تحديد نوعية هذه البهيمة، والأرجح أنها تمثل كبشاً ذا قرنين مستديرين، وتشكّل امتداداً لتقليد قديم، تبدو شواهده محدودة في هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر هذا الكبش في قالب جامد تغيب عنه أي حركة ظاهرة، وتبدو قوائمه الأربع ثابتة في وضعية واحدة ثابتة، يغلب عليها طابع التحوير والتجريد. يتبع تكوين رأس هذه البهيمة هذا النسق، ويتميّز بقرنين عريضين صيغا على شكل هلالين متوازيين.


آخر ما قاله سعد الله ونوس عن «الخفقة السوداء في الرأس»

سعد الله ونوس كما بدا في الفيلم
سعد الله ونوس كما بدا في الفيلم
TT

آخر ما قاله سعد الله ونوس عن «الخفقة السوداء في الرأس»

سعد الله ونوس كما بدا في الفيلم
سعد الله ونوس كما بدا في الفيلم

مصعد المستشفى لا يكفّ عن الرنين، بينما المرضى وزوارهم يخرجون ويدخلون إليه. الممرات أشبه بنفق معتم. أطباء يعاينون صورة شعاعية، قبل أن تظهر لنا الكاميرا سعد الله ونوس على سرير المرض شاحباً، متعباً، هزيلاً، وقد فقد شعره، يتناول الدواء من يد شخص إلى جانبه، وتثبّت الممرضة إبرة المصل في ذراعه.

هكذا يبدأ «الوثائقي» المعنون: «هناك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدث عنها المرء»، الذي صوره المخرج عمر أميرالاي، مع صديقه الكاتب المسرحي سعد الله ونوس، قبل فترة قصيرة من وفاته يوم 15 مايو (أيار) 1997، وعرض يوم 28/11، في سينما متروبوليس ببيروت.الكلمة الأخيرةالفيلم بمثابة وصية، أو لنقل الكلمة الأخيرة التي تركها لنا هذا الكاتب الكبير بنصوصه كما بانخراطه الكامل في القضايا التي أحاطت به. منذ البدء يصارح أميرالاي سعد الله ونوس، الواقف «على حافة تخوم رجراجة بين الحياة والموت»، أنه جاءه ليستنطقه كشاهد على مرحلة «لتكون لسان حال جيلنا في هذا الصراع».

الفيلم سجل بعد اتفاق أوسلو، ونوس متوجس مما سيأتي، مزاجه جنائزي، ليس فقط بسبب المرض، بل بسبب الحالة العامة أيضاً. ثمة شرطان للسلام لم يتحققا بالنسبة لسعد الله ونوس. أن يحصل تغيير جوهري وجذري في البنى الاجتماعية والسياسية في إسرائيل. وأن يحصل الشيء نفسه في البلاد العربية من جهة أخرى. عندها التاريخ قد يجبرنا وتحت وطأة اليأس على التغيير والتجدد. نكبة 1948 «أقولها حرفياً إن إسرائيل سرقت السنوات الجميلة من عمري، وأفسدت على إنسان عاش خمسين عاماً، مثلاً، الكثير من الفرح، والكثير من الإمكانات»، يقول ونوس في مطلع الفيلم الذي عرض في سينما «متروبوليس» في بيروت قبل أيام، إلى جانب فيلم آخر «إلِيبسِس» للمخرجة ساندرا إيشيه تتحاور فيه مع عمر أميرالاي ضمن فعالية «حواران على أهبة الموت» لـ«سينماتك بيروت».

مات «رائد المسرح السياسي»، سعد الله ونوس بعد صراع طويل مع سرطان في البلعوم كان يفترض ألا يمهله أكثر من ستة أشهر بحسب الأطباء، لكنه بقوة الكتابة تمكن من المقاومة خمس سنوات. ومن حسن حظنا أنها كانت من أغزر فترات حياته إبداعاً، كتب خلالها أروع مسرحياته، وشارك في هذا «الوثائقي» البديع الذي تحدث خلاله عن العلاقة العضوية التي ربطته بالقضية الفلسطينية، وأحداث المنطقة كيف عاشها بروحه وضميره ووجدانه، حتى لتشعر وهو يتحدث أن المآسي التي مرّت نهشت جسده، حتى أودت به، وهذا ما يعتقده هو نفسه.

عمر أميرالاي

أميرالاي الساخر حد البكاء بقدر ما يبدو سعد الله ونوس حزيناً ومكفهراً، نرى صديقه عمر أميرالاي حين تحاوره المخرجة الفرنسية، في الفيلم الثاني، ساخراً هزلياً بمرارة، حتى تختلط الدموع بالقهقهات. ويجيب على الأسئلة باعتباره يعيش في عام 2030 خاصة وأن كل التوقعات في الخمسين سنة الماضية، حصلت، ولم يعد من مكان للخيال. لقد أصبح كل شيء واقعاً، وما سيحدث غداً نعرفه اليوم. فهو كسوري - كما يقول - يعيش خارج الزمان والمكان. والسوريون واللبنانيون يتقاسمون الشيء نفسه. فهما توأمان سياميان لا يوجد جرّاح يمكنه أن يفصل مصير أحدهما عن الآخر، المقرون بـ«اليأس».

«أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدث عنها المرء» (1997) يكتسب أهميته من حيث أنه اختصار لوجع جيل كامل في ساعة سينمائية مكثفة. تبدأ من نكبة 48 حيث فتح ونوس عينيه على قصة شابين من قريته «حسين البحر» تطوعاً في جيش الإنقاذ، ليحررا فلسطين من الذين جاءوا ليحتلوها. كان ترقّب مغمّس بالرهبة والخوف على مصيرهما. لكن الشعور تطور بمرور السنوات: «كنا نكبر وتكبر القضية معنا».

يسير الفيلم على وقع نقاط المصل وصوتها وهي تتدحرج ببطء إلى عروق ونوس. «كنا بلاداً فقيرة» لكن مع كل الهموم اليومية الكثيرة «كنا نحمل هموم القضية وتحولاتها على كواهلنا النحيلة، المتعبة».هزيمة 1967 لحظة حاسمة بعد أن استقر في الأذهان عبر سنوات الكذب والتدجيل أن نكبة 1948 كانت نتيجة الخيانة والأسلحة الفاسدة، وأنها لم تكن أبداً بسبب ضعف القدرة القتالية عند الجندي العربي. «زرعوا في أذهاننا أن مسألة هزيمة إسرائيل هي مسألة ممكنة، في أي لحظة».لذلك جاءت هزيمة 67 مدويّة. «لم أتصور أن القوات العربية في مصر بالذات، وكذلك في سوريا هي من الضعف والتفكك إلى الحد الذي بدت فيه خلال الأيام الستة». وعدت الأنظمة العربية بأنها ستحمي الوطن وأنها المؤهلة للقتال، ولم تفعل شيئاً إلا مراكمة الهزائم.

البكاء مع بلوغ النهاية مشاهد استسلام الجنود كانت مؤلمة. «الصدمة حادة وعنيفة، إذ أحس الجميع أنهم مطعونون بكبريائهم، أنهم مهانون حتى العظم». مشاهد تتخلل المقابلة، منها الأطفال المشردون في الخيام، يأكلون الخبز اليابس مع الشاي، عبد الناصر يعترف بمسؤوليته بعد الهزيمة ويتنحى، جنود إسرائيليون يقصفون بالطائرات، جنود عرب يستسلمون. تتالى المشاهد التي تدعو كلها لمزيد من الانكسار.يكاشفنا ونوس وكأنما يستعيد اللحظة حية. عندما تأكدت الهزيمة «شعرت أنني سأموت في تلك اللحظة، شعرت أنني أختنق.» بكى وبكى، وشعر أنها النهاية. وأن عمراً قد انتهى، وأن التاريخ قد توقف، وأن وجوده قد انطوى.

أهمية حرب 73 أنها كشفت بعد هزيمة ساحقة، أن إسرائيل ليست حصناً منيعاً لا يمكن مسّه، وليست تلك الدولة غير القابلة لأن تجرح وتخسر معارك. «لذلك صفقنا كثيراً. عندما قامت حرب 1973. مجرد شعورنا بأن جنودنا يستطيعون أن يقاتلوا، أعاد لنا شيئاً من الثقة المضعضعة والمعدومة بالذات».

لكن هذه الحرب، من ناحية أخرى، في رأي ونوس، أجهضت الفوران المبشّر بعد 67، وربما أنها كانت في ذهن بعض من شاركوا فيها مقدمة لما أتى بعدها.لم يبقَ سوى الانتحارحين زار أنور السادات إسرائيل أصاب ونوس الذهول. جلس وكتب «أنا الجنازة والمشيعون معاً». كان ذلك آخر نص، ومن بعده التزم سعد الله ونوس الصمت. كان متوتراً ولا يستطيع السيطرة على نفسه بعد أن أنهى كتابة ذلك النص. «تناولت حبة النوم، وحاولت أن أخرج من حالتي. بعد ساعتين أو أقل استيقظت أشد توتراً وضيقاً وكانت الظلمة شاملة أمامي. في تلك الليلة أقدمت على محاولة الانتحار الجدية».

في فترة الصمت الطويلة المغمسة بالاكتئاب، أمضى معظم وقته في القراءة والتأمّل، وفي مواجهة أسئلة التاريخ الموجعة، إلى أن أنعشت مشاعره انتفاضة 1989 وحفزته على كسر الصمت. في تلك السنة بدأ يخطط لكتابة مسرحيته «الاغتصاب». لم يكن غريباً أن يكسر صمته بمسرحية تتناول الصراع العربي الإسرائيلي، وتحاول تحليل بنية النخبة الحاكمة في إسرائيل.

عندما راودته فكرة المصالحةنهاية المسرحية، أثارت الجدل، لأنها تضمنت حواراً بينه وبين طبيب نفسي إسرائيلي، يردد طوال المسرحية مقتطفات من سفر إرمية مستنزلاً اللعنات على السياسة العدوانية للنخبة الحاكمة في إسرائيل، والتي لا تؤدي فقط إلى الإجهاز على الفلسطيني، وإنما على تدمير الإنسان اليهودي أيضاً.

يعترف أنه في تلك اللحظة، كان يفتح باباً على الصلح، وأن إسرائيل في مسرحيته لم تعد حُرُم. «مجرد أن أقدم في المسرحية شخصية يهودية إيجابية تحتج على ما يحدث، وعلى ممارسات (الشين بيت) إزاء الفلسطينيين وعمليات التعذيب التي يقومون بها، مجرد أن أقدم شخصية من هذا النوع إنما يحمل في طياته تعاطفاً مع الإسرائيليين».

المشكلة في البلاد العربية أيضاً، بهذه البنى المتخلفة التي لم تحدّث و«تجعل من شعوبها كماً بشرياً مهملاً» حيث لا يجد المواطن أمامه سوى أن «يطأطئ رأسه».

العلاقة بين القصف والسرطانيعتقد سعد الله ونوس أن ثمة علاقة مباشرة بين حرب الخليج التي أجهزت على بقية الآمال الموجودة لدى العرب، وبدء شعوره بالإصابة بالورم أثناء الحرب، وخلال القصف الجوي الوحشي الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق. ثم جاءت مفاوضات مدريد بعد هزيمة العراق التي يصفها بـ«الاستسلام» لأنها «لا يمكن أن تكون بداية لسلام حقيقي». الاتفاقات التي تمخضت عنها «ما هي إلا فصل من فصول هذه الحرب الدائرة التي يمكن أن تطول بيننا وبين إسرائيل».

إسرائيل غدت حقيقة تاريخية، غير أنه بقراءة متأنية يستنتج أنها لا تملك مقومات الاستمرار، هي مشروع خاسر. «لا حياة لها إلا إذا اندمجت كجزء في الكل، لا كمخفر مهمته أن يدمّر المنطقة، ويجعلها ممرغة باستمرار في الهزيمة والتخلف والتفتت».يسأله أميرالاي: «هل سنموت، وفينا العلة التي اسمها إسرائيل؟»يجيب: «على الأقل بالنسبة لي شخصياً، من المؤكد أن هذا سيحدث».

أميرالاي رحل هو الآخر عام 2011. ولم يشكّ ونوس بأن جيله كله سيمضي و«في رأسه تلوح هذه الخفقة السوداء الشبيهة بعلامة، هي علامة الخيبة التي تذوق مرارتها على مدّ عمره. لأن إسرائيل ستكون باقية حين يذهب جيلنا إلى نهاية حياته».