الأسد في روسيا للمرة الثالثة... هل بدأ بوتين رسم ملامح التسوية؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى استقباله رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوشي (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى استقباله رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوشي (أ.ف.ب)
TT

الأسد في روسيا للمرة الثالثة... هل بدأ بوتين رسم ملامح التسوية؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى استقباله رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوشي (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى استقباله رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوشي (أ.ف.ب)

بدا الفارق واضحا هذه المرة، إذ منحت روسيا صفة رسمية للزيارة الثالثة التي يقوم بها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى روسيا منذ اندلاع الأزمة وتفجر الحرب الأهلية الطاحنة في بلاده.
أحيطت ترتيبات الزيارة التي تم تحضيرها على عجل بالتكتم، مثل سابقتيها. تم نقل الأسد على متن طائرة عسكرية روسية، وحيدا من دون مرافقين عدا مترجم انشغل أمام كاميرات الصحافيين بكتابة محضر اللقاء.
لكن، خلافا للمشهد في أول زيارة في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، عندما بدا الأسد ضعيفا متعثر الكلمات، مشتت الذهن، ومذعورا بعض الشيء. وغابت عن المكان رموز الدولة السورية، وتبين لاحقا أنه نقل على متن طائرة شحن، ولم يسمح له بإبلاغ حتى بعض المقربين منه بوجهته، تعمدت موسكو هذه المرة أن تستدرك الثغرات في المشهد السابق. إذ وقف الرئيس فلاديمير بوتين بانتظار الأسد على باب قاعة الاجتماعات في القصر الرئاسي في سوتشي، وبرز العلمان الروسي والسوري خلفهما أثناء المحادثات، وتم إدخال الصحافيين المعتمدين في مقدمة اللقاء عملا ببروتوكولات استقبال الرؤساء.
لكن الأهم من هذا كله أن روسيا أطلقت اسم «زيارة عمل» على اللقاء الثالث. صحيح أن الأسد لم يكن يحلم أن يطلق على زيارته لقب «زيارة دولة»، لكن منحها تسمية رسمية شكل تعويضا رمزيا عن «الإهانات» التي تعرض لها في أوقات سابقة خلال لقاءاته مع بوتين. كما أنه عكس رسالة مهمة من جانب موسكو توحي ببعض تصوراتها للمرحلة المقبلة.
ولا شك أن الزيارات الثلاث للأسد إلى روسيا شكلت منعطفات، في كل مرحلة من مراحل الصراع في بلاده، ناهيك من اللقاء الرابع بين الرئيسين الذي كانت له ظروف وملابسات خاصة لأنه جرى في قاعدة حميميم الروسية نهاية العام الماضي، وترافق مع أجواء تعمدها الجانب الروسي الذي أعلن «انتهاء العمليات العسكرية في الجزء النشط منها وإطلاق عملية تقليص الوجود العسكري في سوريا» ليظهر للعالم أنه المسيطر في المنطقة وصاحب قرار الحرب والسلام.
أهم ما ميز اللقاء الأول بعد مرور عشرين يوما فقط على بدء التدخل العسكري المباشر والنشط في سوريا، هو عنصر المفاجأة الطاغية فيه. كان لظهور الأسد في أكتوبر 2005 (رغم غياب رموز السيادة) أن ينقل للعالم رسالة واضحة بأن التدخل العسكري المباشر لن يحمل تغييرات في الموقف الروسي توحي بصفقة ثمنها رأس الأسد، كما راهنت طويلا أطراف عدة.
بعد ذلك اللقاء بدأت أطراف عدة تعيد ترتيب حساباتها في التعامل مع ملف الدخول الروسي إلى سوريا. أما من جانب الأسد فقد كان المطلوب إعطاء الشرعية الكاملة لهذا التدخل ومنحه الزخم السياسي والإعلامي القوي، على المستوى الدولي، وهو أمر حصلت عليه موسكو.
أيضا كان من المهم وضع استراتيجية التحرك الروسي في سوريا بعد قرار التدخل. ويقول العارفون بآلية تفكير الرئيس الروسي إنه غالبا لا يثق كثيرا بالتقارير المقدمة إليه، ويفضل أن يفحص دقتها بشكل مباشر. لذلك كان من الطبيعي أن يرغب في لقاء الرجل الذي يطالب العالم برحيله، وجها لوجه، وأن يبلغه مباشرة بالرؤية الروسية لإبعاد التدخل وماذا تريد موسكو في المقابل.
بعد الزيارة مباشرة تسارعت وتيرة وضع الأسس القانونية للوجود الروسي الدائم في سوريا، عبر اتفاقية حميميم التي اشتملت على عناصر توحي بأنها اتفاق على وجود أوسع بكثير من حدود القاعدة العسكرية.
وطبيعي أن استراتيجية العمليات العسكرية لم تكن لتناقش بالتفصيل على مستوى الرئيسين، لكن المهم كان وضع الملامح العامة لها في ظروف القناعة الروسية آنذاك بأن الجيش السوري غير قادر على تنفيذ اختراقات مهمة. وعمد اللقاء إلى تحفيز همم العسكريين السوريين الذين كانوا منهكين وجربوا على مدى سنوات تلقي الخسائر واحدة تلو الأخرى. هذا أمر كان حيويا جدا لبوتين كما كشف لاحقا مسؤولون عسكريون. ولوحظ أنه بعد اللقاء مباشرة بدأت موسكو تصعد ضرباتها العسكرية بشكل عنيف وتم فتح عدة جبهات قتالية في آن واحد.
أما الزيارة الثانية في سوتشي في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 فقد كان لها وقع مختلف. ويكفي تتبع عدد المرات التي أطلق فيها الأسد عبارات الشكر والثناء لروسيا وجيشها.
كانت قوات الأسد باتت تسيطر بفضل النشاط العسكري الروسي والتعاون مع «الحلفاء» الإيرانيين على نحو نصف أراضي سوريا، و«الجزء الأكبر من السكان» (الباقين فيها) كما يحلو لوزارة الدفاع الروسية أن تكرر.
ورغم كل الإشارات التي أحاطت بالأسد في ذلك الوقت بأنه لم يعد يسيطر على القرار في بلاده وأن روسيا أخذت مع إيران وتركيا مفاتيح القرار منه. لكن تعمد الكرملين أن يتم ترتيب اللقاء مباشرة قبل القمة الروسية الإيرانية التركية التي كانت مقررة في سوتشي لبحث الخطط اللاحقة في سوريا، أوحى بأن بوتين أراد مجددا توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأن الإنجازات التي تمت في سوريا على الصعيد الميداني لا يمكن ترجمتها سياسيا من دون التعامل مع الأسد.
بهذا المعنى، فإن زيارة الأسد الثانية كان الهدف منها استجلاء فرص نقل المعركة الكبرى إلى الحلبة السياسية، على أبواب جنيف 8 وفي إطار تفاهمات الضامنين الثلاثة، وبالتوازي مع استعداد المعارضة لعقد جولة مفاوضات حاسمة في «الرياض 2».
في تلك الأجواء كانت موسكو تحضر بنشاط لمؤتمر الحوار السوري في سوتشي، وسط تباينات واسعة في الآراء داخل مراكز صنع القرار الروسي أسفرت عن تغيير موعده مرات، وعن تغيير شكله أيضا، من مؤتمر لـ«الشعوب السورية» إلى مؤتمر حوار تدعى إليه الأطراف السياسية وممثلي الكيانات القومية والأقليات المختلفة والعشائر.
كانت المعضلة التي تواجه بوتين وهو يستعد للقاء نظيريه التركي والإيراني لوضع سيناريوهات المرحلة المقبلة، أن إشارات عدة جاءت من دمشق توحي بتحفظ الأسد على فكرة سوتشي، لأنه خشي من أن يتحول المؤتمر نقطة عبور نحو تنفيذ الشق المتعلق بالانتقال السياسي في قرارات مجلس الأمن.
لذلك طلبت دمشق وفقا لدبلوماسيين روس وسوريين كشفوا بعض تفاصيل الخلاف في وقت لاحق، أن يقتصر نقاش المؤتمر على ملفي المصالحات وإنهاء الحصار الاقتصادي وإطلاق برامج إعادة الأعمار. وهما ملفان رحبت موسكو بإدراجهما على جدول أعمال سوتشي لاحقا، لكنها أصرت في الوقت ذاته على أن يكون ملف الإصلاح الدستوري محوريا. لذلك كان من الضروري أن يأتي الأسد ويعلن من سوتشي استعداد دمشق للانخراط في الجهد الروسي.
ولفت الأنظار إلى أن بوتين تعمد خلال اللقاء مع الرئيسين التركي والإيراني بعد ذلك مباشرة الإشارة إلى أنه «من أجل إطلاق تسوية جدية لا بد من تقديم تنازلات من كل الأطراف بما فيها الحكومة السورية».
حصل بوتين في الزيارة الثانية على ما أراد، وألزم الأسد بحضور مؤتمر سوتشي الذي عولت عليه موسكو لتقديم بديل لفشلها في ترجمة إنجازاتها العسكرية سياسيا في جنيف، ومنح الأسد في الوقت ذاته غطاء روسيا واسعا يعزز مكانته في الظروف الجديدة، لكنه يحمل هذه المرة صفة مختلفة، إذ لم تعد إيران تمثل الأسد في اللقاءات الثلاثية بل باتت موسكو تحدد ملامح التحرك للنظام السوري.
وتوحي ملابسات الزيارة الثالثة، وتعمد موسكو منحها صفة رسمية، أن موسكو باتت تستعد لإطلاق مرحلة جديدة، محاطة بتعقيدات واسعة. إذ فتح التغير الذي أحدثته الضربة العسكرية الغربية على مواقع في سوريا ثم التراشق الصاروخي الإسرائيلي الإيراني والتهديد بتحوله إلى مواجهة شاملة على مرحلة صعبة لموسكو، القلقة من فقدان جزء كبير من الإنجازات التي حققتها في سوريا على مدى عامين ونصف العام. وصحيح أن الضربة الغربية كانت محدودة ميدانيا لكن موسكو تقر بأنها بالغة التأثير سياسيا. وهذا يفسر تحذير الوزير سيرغي لافروف أكثر من مرة من أن «الهجوم الثلاثي عقد التسوية السياسية». وتراقب موسكو بدقة التحركات الفرنسية والأميركية وترى فيها محاولة لكسر الاحتكار الروسي للملف السوري.
أما الاشتباك الإسرائيلي الإيراني فلدى موسكو قناعة أنه لن يتطور إلى مواجهة واسعة، وهي أقامت خطا ساخنا مع الطرفين وعملت على تطويق الموقف وحصلت على تطمينات من طهران وتل أبيب في هذا الشأن. لكن الخشية الأساسية سببها تداخل المصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية في سوريا، ما يساعد على تواصل تأجيج الموقف بهدف توسيع مساحات التأثير والنفوذ.
ينطلق الكرملين وفقا لرأي خبراء مقربين منه من أن المشهد الميداني الحالي لن يتعرض لتغييرات كبرى جديدة، وأن ما تم إنجازه لجهة توسيع مساحة السيطرة على الأرض هو الحد الأقصى الممكن تنفيذه عبر عمليات عسكرية، بالإضافة إلى عنصر ثالث مهم يقوم على أن موسكو حققت عمليا كل ما كانت تسعى إليه عبر تدخلها العسكري المباشر، وأي تصعيد جديد سوف يؤدي إلى نتائج عكسية.
لذلك حملت الزيارة الثالثة للأسد أهمية خاصة بالنسبة إلى الكرملين. إذ لا بد من تفعيل العملية السياسية استباقا للتحركات الغربية، ولا بد أن يعلن الأسد بشكل واضح وعلني أنه ملتزم بالعملية التي تقودها موسكو.
وهذا ما عكسه حرص الكرملين على نقل تفاصيل الحديث بين الطرفين. وخصوصا الشق المتعلق بالتزام الأسد بإرسال لائحة اللجنة الدستورية عن الحكومة السورية إلى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، والانخراط في العملية السياسية، وأيضا إشارة بوتين إلى أن إطلاق قطار التسوية سوف يترافق مع خروج القوات الأجنبية من سوريا. هذه الإشارة ليست جديدة ولكنها حملت مغزى مباشرا هذه المرة على خلفية الضغوط المتواصلة لتقليص الوجود الإيراني في سوريا، وعلى خلفية رسالتين مهمتين وجهتهما روسيا مؤخرا، أولهما تراجع موسكو عن قرار تزويد الأسد بصواريخ «إس 300» والثاني أن موسكو اكتفت بعبارات القلق والدعوات إلى ضبط النفس لكنها لم تعلن أي إدانة لقصف أراضي سوريا من جانب إسرائيل.

تفاصيل الزيارة الثالثة:
قال الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف، أن الطرفين أجريا «مباحثات مفصلة» حول تطورات الوضع في سوريا.
وفي إشارة إلى أن هدف اللقاء كان دفع النظام السوري لإعلان تأييده العملية السياسية، قال بيسكوف إن «الأسد أكد لبوتين استعداداه لتسوية الأزمة في سوريا سياسيا»، ونقل عنه عبارة: «دمشق دائما تدعم بحماسة العملية السياسية، التي يجب أن تجري بالتوازي مع محاربة الإرهاب».
وقال الناطق الروسي إن بوتين ركز على ضرورة تهيئة ظروف إضافية لإعادة إطلاق عملية سياسية شاملة في إطار النتائج التي جرى تحقيقها عبر منصة آستانة وفي مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عقد في سوتشي. مضيفا أن الطرفين تطرقا إلى «الخطوات المشتركة اللاحقة» التي يمكن اتخاذها لتحقيق هذا الهدف.
ورأى الكرملين أن «النتيجة بالغة الأهمية للقاء اليوم تكمن في اتخاذ الرئيس السوري قرارا بتوجيه وفد من ممثليه إلى الأمم المتحدة لتشكيل اللجنة الدستورية، المعنية بالعمل على صياغة القانون الأساسي في سوريا على أساس عملية جنيف».
وكان بوتين أكد في ختام اللقاء ارتياحه لسير المناقشات وقال إنه تناول مع الأسد الخطوات المشتركة اللاحقة بشأن متابعة مكافحة الإرهاب في سوريا، والانتصارات والنجاحات التي حققها الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب وإعادة الاستقرار في البلاد الأمر الذي وفر الظروف المواتية لمتابعة العملية السياسية.
وشدد بوتين على أن الأسد تعهد بأنه سيرسل لائحة بأسماء المرشحين لعضوية لجنة مناقشة الدستور في قائمة الحكومة السورية في أقرب وقت ممكن إلى الأمم المتحدة، وزاد أن روسيا رحبت بهذا القرار وتدعمه كل الدعم. وأضاف بوتين أنه إلى جانب تفعيل العملية السياسية من الضروري اتخاذ الخطوات اللازمة لدعم الاقتصاد في سوريا... وأيضا ضرورة حل القضايا الإنسانية المعقدة... و«نتطلع إلى دعم الأمم المتحدة وجميع الدول المعنية بحل الأزمة في سوريا».
كما شدد بوتين في ختام المحادثات على أنه «مع تحقيق الانتصارات الكبرى والنجاحات الملحوظة من قبل الجيش العربي السوري في الحرب على الإرهاب، ومع تفعيل العملية السياسية، لا بد من سحب كل القوات الأجنبية من أراضي الجمهورية العربية السورية».
من جانبه، اعتبر الأسد اللقاء «مثمرا بكل ما تعنيه الكلمة»، ووجه الشكر إلى بوتين والحكومة الروسية التي «لم تتوقف خلال مراحل الأزمة المختلفة عن تقديم الدعم الإنساني للمواطنين السوريين الذين نزحوا من المناطق المختلفة بسبب الإرهاب».
وقال إن الطرفين أجريا تقويما للعملية السياسية خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد مؤتمر سوتشي، وبعد عدة جولات لمؤتمر آستانة، و«تحدثنا بالخطوات المطلوبة لدفع هذه العملية، طبعا ركزنا بشكل أساسي على لجنة مناقشة الدستور المنبثقة عن مؤتمر سوتشي، التي ستبدأ أعمالها بمشاركة الأمم المتحدة، واتفقنا أنا والرئيس بوتين على أن ترسل سوريا مرشحيها لهذه اللجنة للبدء بمناقشة الدستور الحالي في أقرب فرصة».
وكان بوتين استهل اللقاء بالتأكيد على أنه «بفضل النجاحات العسكرية تم خلق ظروف إضافية مناسبة لاستئناف مسار العملية السياسية الكاملة، وقد تم إحراز تقدم كبير في إطار عملية آستانة، كما تم إحراز تقدم واضح أثناء مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، والآن بإمكاننا الإقدام على الخطوات التالية بشكل مشترك، والهدف المنشود الآن هو إعادة إعمار الاقتصاد وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المحتاجين، وكما تعلمون: «نحن على تواصل مع جميع الأطراف المعنية بهذه العملية المعقدة بما في ذلك الأمم المتحدة والمبعوث الأممي السيد دي مستورا، وأود أن أناقش معكم كل هذه الاتجاهات لعملنا المشترك».
بينما أشار الأسد إلى «أن كثيرا من التغيرات الإيجابية تمت بعد لقائنا السابق في سوتشي خاصة فيما يتعلق أولا بمكافحة الإرهاب، فساحة الإرهابيين في سوريا أصبحت أصغر بكثير وخلال الأسابيع الأخيرة فقط، مئات آلاف السوريين عادوا إلى منازلهم وهناك ملايين أيضا في طريقهم إلى العودة وهذا يعني المزيد من الاستقرار، وهذا الاستقرار باب واسع للعملية السياسية التي بدأت منذ سنوات». وشدد على أنه «كما أعلنا سابقاً نعلن اليوم أيضا مرة أخرى أننا دائما ندعم ولدينا كثير من الحماس لهذه العملية وهذا اللقاء اليوم هو فرصة لوضع رؤية مشتركة للمرحلة القادمة بالنسبة لمحادثات السلام سواء في آستانة أو في سوتشي».



زيارة الدبلوماسيين لجنوب لبنان... دعم دولي للمسار الدبلوماسي ولإجراءات الجيش

دبلوماسيون عاينوا نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني خلال جولة برفقة الجيش اللنباني بجنوب لبنان (مديرية التوجيه)
دبلوماسيون عاينوا نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني خلال جولة برفقة الجيش اللنباني بجنوب لبنان (مديرية التوجيه)
TT

زيارة الدبلوماسيين لجنوب لبنان... دعم دولي للمسار الدبلوماسي ولإجراءات الجيش

دبلوماسيون عاينوا نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني خلال جولة برفقة الجيش اللنباني بجنوب لبنان (مديرية التوجيه)
دبلوماسيون عاينوا نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني خلال جولة برفقة الجيش اللنباني بجنوب لبنان (مديرية التوجيه)

​لم تكن جولة ممثلي البعثات الدبلوماسية إلى جنوب لبنان حيث مواقع انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، حدثاً بروتوكولياً عابراً؛ بل بدت أقرب إلى معاينة سياسية وأمنية مباشرة، تحمل في طياتها رسائل متعددة الاتجاهات، في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، يتقاطع فيه مسار التهدئة مع التحضير لمؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني.

وتزامنت الجولة مع لقاءات سياسية ودبلوماسية في قصر بعبدا، حيث تابع رئيس الجمهورية جوزيف عون الثلاثاء، التحضيرات للاجتماع المقرر عقده في باريس للبحث في حاجات الجيش، واطّلع من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، على نتائج الجولة التي نظمت الاثنين، والانطباعات التي تكوّنت لدى الدبلوماسيين.

وفي مقاربة سياسية تعكس نظرة المؤسسة التشريعية إلى دلالات الجولة وأبعادها، وضع رئيس «لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين» في البرلمان اللبناني، النائب فادي علامة، الزيارة في إطارها السياسي والدبلوماسي الأوسع، رابطاً بين البعد الميداني والرسائل الدولية التي حملتها.

رسالة دعم للجيش

وقال علامة لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «الجولة الميدانية التي قام بها مبعوثون وسفراء من بعثات دبلوماسية أجنبية إلى جنوب لبنان، لا سيما إلى منطقة جنوب الليطاني، تكتسب دلالات سياسية وأمنية بالغة الأهمية، وتندرج في سياق دعم المسار الدبلوماسي وخفض منسوب التصعيد، بالتوازي مع دعم واضح لدور الجيش اللبناني».

وأوضح علامة أنّ «أهمية هذه الزيارات تكمن في أنها تتيح للأصدقاء الدوليين الاطلاع مباشرة على ما يجري على الأرض، بعيداً من التقارير أو الانطباعات غير الدقيقة»، لافتاً إلى أنّ «الوفود استمعت إلى شروحات ميدانية من الجيش اللبناني، وزارت مواقع محددة، ما أسهم في تكوين صورة أوضح عن طبيعة المهام التي يقوم بها الجيش، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) ومع آلية الإشراف على وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم)».

وأشار إلى أنّ «الأجواء التي رافقت الجولة كانت إيجابية، وتعكس جدية ومصداقية المؤسسة العسكرية في تنفيذ الإجراءات المطلوبة لتطبيق القرار 1701، وكذلك الالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية»، مضيفاً أنّ «هذا الأداء يعزّز موقع لبنان ويقوّي دوره، ويؤكد قدرة الجيش اللبناني على تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة».

سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد بخاري يطلع على إجراءات الجيش (مديرية التوجيه)

ولفت علامة إلى أنّ «لجنة الشؤون الخارجية النيابية» دأبت بدورها، «على القيام بزيارات ميدانية إلى مقر قيادة (اليونيفيل) في الناقورة، حيث اطّلع على التقارير المقدّمة حول التنسيق القائم مع الجيش اللبناني»، معتبراً أنّ «التكامل بين العمل الميداني للجيش والتقارير الدولية، يقدّم صورة دقيقة عمّا يجري في الجنوب».

سحب الذرائع

ورأى أنّ هذه الجولة «توجّه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها: تعالوا وشاهدوا على الأرض ما يقوم به الجيش اللبناني»، مؤكداً أنّ ذلك «يسحب أي ذرائع يمكن استخدامها للتشكيك في الأداء اللبناني، ويكرّس أولوية الحل الدبلوماسي».

وعن انعكاس هذه الزيارة على مؤتمر دعم الجيش اللبناني المرتقب، شدّد علامة على أنّ «الدعم الدولي للجيش يبقى عنصراً أساسياً، لأن حجم المهام الملقاة على عاتقه كبير جداً، سواء في الجنوب أو على الحدود الشرقية أو في مختلف المناطق اللبنانية»، مؤكداً أنّ «من دون دعم فعلي، لا يمكن للمؤسسة العسكرية أن تواكب كل هذه المسؤوليات».

ويتوسع النقاش من توصيف دلالات الجولة إلى تفكيك شروطها السياسية وسقفها الزمني، وما إذا كانت تشكّل عامل ردع، أو مجرد أداة لإدارة الوقت، حيث يضع مدير «معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف»، الدكتور سامي نادر، الجولة في إطار أوسع من الحراك الدولي المتصل بلبنان، معتبراً أنّها تندرج ضمن مسار «دعم الجيش اللبناني والحرص على تنفيذ الأمور وفق المهل الموضوعة، بما يتيح تنفيذ ما هو مطلوب وفق الإيقاع المحدد».

معيار الدعم وحدود التصعيد

وأشار نادر إلى «أنّ الرسائل الدولية كانت واضحة لجهة منح لبنان مهلة حتى نهاية السنة، لنشر الجيش في الجنوب وحصر السلاح جنوب الليطاني، غير أنّ هذه المهلة باتت اليوم موضع مراجعة»، لافتاً إلى أنّ «الأميركيين أنفسهم باتوا يعتبرون، في الفترة الأخيرة، أنّ هذا الأمر لم يتحقق بالكامل».

وأوضح أن «هذا التقييم الأميركي انعكس في أصوات معترضة داخل الولايات المتحدة، إضافة إلى تصريحات صدرت عن الجيش ورئاسة الجمهورية، وهو ما فتح الباب أمام إدخال وساطات إقليمية ودولية متعددة، في محاولة لتخفيف التصعيد العسكري والضغط على إسرائيل، وفي الوقت نفسه توجيه رسالة إلى الحكومة اللبنانية بأنها متأخرة في تنفيذ الجزء الأول من التزاماتها».

توزيع أدوار

وشرح نادر أنّ «المعادلة المطروحة تقوم على خفض التصعيد مقابل إعطاء ضمانات بأن التنفيذ حاصل، وأن أي تأخير هو تأخير محدود لا يستدعي بطبيعته أي عمل عسكري»، معتبراً أنّ هذا المسار «يمنع تصعيداً كبيراً، لكنه لا يعني أن إسرائيل ستتوقف كلياً عن الضربات».

ورأى أنّ ما يجري يشبه «توزيع أدوار»، حيث لا قرار بشن حرب واسعة، في مقابل مسار سياسي - دبلوماسي يتقدّم عنوانه مؤتمر دعم الجيش، بمشاركة سعودية وفرنسية وأميركية. وربط نادر مباشرة بين الجولة الدبلوماسية وجولة قائد الجيش العماد رودولف هيكل الخارجية، معتبراً أنّها تمهيدية للمؤتمر، لأن «الفكرة الأساسية هي الدعم، لكن هذا الدعم بات مرتبطاً بتنفيذ ما هو مطلوب».

سفراء ودبلوماسيون وملحقون عسكريون يستمعون إلى شروحات الجيش حول إجراءاته (مديرية التوجيه)

وأشار إلى أنّ العلاقة بين التنفيذ والدعم أصبحت واضحة، لافتاً إلى أن «الإعلان عن حصرية السلاح ترافق مع وصول دفعات مساعدات متتالية». واعتبر أنّ «إنجاز المرحلة الأولى جنوب الليطاني يفتح الباب أمام انعقاد مؤتمر الدعم وإطلاق مساعدات إضافية، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية».

غير أنّ هذه المرحلة الثانية، بحسب نادر، «لا تزال غير محسومة، في ظل تباين المقاربات بين من يتحدث عن الاحتواء، ومن يدعو إلى إزالة السلاح بشكل كامل، في مقابل رأي يقول إن السلاح الذي كان يشكّل تهديداً لإسرائيل لم يعد موجوداً في الجنوب». وخلص إلى أنّ «النقاش حول مفهوم حصرية السلاح ما زال مفتوحاً بين التسليم الكامل وضبط الاستخدام».


اجتماع الدوحة... هل يعجّل بتشكيل قوة «استقرار غزة»؟

مساعدات مصرية تتكدس أمام معبر رفح بانتظار السماح بدخولها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)
مساعدات مصرية تتكدس أمام معبر رفح بانتظار السماح بدخولها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)
TT

اجتماع الدوحة... هل يعجّل بتشكيل قوة «استقرار غزة»؟

مساعدات مصرية تتكدس أمام معبر رفح بانتظار السماح بدخولها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)
مساعدات مصرية تتكدس أمام معبر رفح بانتظار السماح بدخولها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

تدخل مرحلة نشر «قوات الاستقرار» في قطاع غزة، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع المدعوم أممياً، مرحلة نقاشات تبدو نهائية، مع اقتراب الموعد الرئيسي لانتشارها العام المقبل، وفق تسريبات أميركية.

تلك النقاشات التي تقودها واشنطن في الدوحة عبر اجتماع بمشاركة أكثر من 25 دولة، بينها مصر والأردن، يعقد الثلاثاء، يراه خبراء تحدَّثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستركز على 3 محاور: المهام، والتشكيل، وموعد الانتشار، مشيرين إلى أنها ستكون فاصلةً في تحديد مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار، فإذا جرى تجنب نزع سلاح القطاع سيُكتب لها الانتشار القريب، أو اللجوء لبديل محتمل وهو تنفيذ البند 17 بخطة السلام، المعني بانتشار وإعمار منفردين في مناطق بالقطاع، وتحديداً التي تحت سيطرة إسرائيلية.

ويشهد الاجتماع مشاركة دول أعلنت بالفعل استعدادها لإرسال قوات إلى القطاع، إلى جانب دول ما زالت مترددة في الإقدام على هذه الخطوة، إضافة لعدد من الدول الأوروبية في مقدمتها إيطاليا، بخلاف مصر والأردن، دون مشاركة إسرائيلية مباشرة، على أن يُعقَد اجتماعٌ آخر حول الأمر بعد نحو شهرين، وفقاً لما ذكرته «هيئة البث الإسرائيلية».

ويعد الاجتماع بمثابة مرحلة تخطيطية تهدف إلى وضع أساس عملي لتنفيذ الترتيبات الأمنية وإدارتها على أرض الواقع، حالما يتم وضع إطار سياسي يسمح بذلك، وفق «رويترز».

وبحسب المخطط المذكور، الذي نقلته «رويترز»، فمن المفترض أن يتناول الاجتماع قضايا جوهرية، مثل الهيكل القيادي، ونطاق القوة، وقواعد الاشتباك، ومسألة التفويض الدولي، بما في ذلك إمكانية اتخاذ إجراء يُصرّح به من قِبل آليات الأمم المتحدة.

فلسطيني يقود حفاراً يُستخدَم لنقل الخرسانة والمعادن وحطام المباني والمنازل المُدمَّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وكانت المرحلة الثانية من اتفاق غزة، التي تتضمن نشر القوات، على قمة مباحثات بين المبعوث الأميركي توماس برّاك، في إسرائيل، الاثنين، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق الهيئة.

وبتقديرات مصدر مصري مطلع تحدَّث لـ«الشرق الأوسط»، فإن الاجتماع يناقش المهمة، والتشكيل، والموعد المحتمل للانتشار، مشيراً إلى أن «العقبات تتركز فقط في مهام تلك القوة، هل ستكون قوة تحقيق سلام، أم نزع سلاح حماس فقط؟». وأضاف: «مصر والدول التي تريد المشاركة تريدها قوة سلام، أما نتنياهو فيريد أن تكون مسؤولة عن نزع السلاح الذي فشل في نزعه عبر عامين من القتال».

وبحسب المصدر فإن «مشاركة تركيا ضمن القوات مرحب بها من جانب واشنطن، بوصف حماس أقرب لها وقادرة على الاستماع لها، لكن نتنياهو يرفض، لكن ربما تكون رؤية واشنطن الأقرب للتنفيذ».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني عبد المهدي مطاوع أن اجتماع الدوحة مهم للغاية، خصوصاً أنه دون حضور إسرائيلي، وهذا يعني أنه لن يكون لها دور وهذا مهم، مشيراً إلى أن الاجتماع سيكون فرصةً لتوضيح المهام التي ستقوم بها هذه القوة بناء على الرؤية الأميركية، والذي يمكن البناء عليه في معرفة الدول التي ستشارك، خصوصاً أن هناك دولاً ترفض المشاركة في نزع السلاح.

ويناقش اجتماع الدوحة مهام تلك القوة، وما إذا كانت ستعمل بالقوة في مناطق تخضع لسيطرة «حماس»؛ بهدف نزع سلاحها، أم في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، بحسب هيئة البث.

ونقلت قناة «آي 24» الإسرائيلية عن مسؤول غربي مشارك في تنفيذ الخطة تشككه البالغ، قائلاً إنه من غير الواضح ما إذا كانت «حماس» ستتخلى عن أسلحتها.

وفي معرض رده على السبب وراء عدم التخلي عن الخطة في ظل هذا الموقف من قبل «حماس»، قال المسؤول الغربي إن «موقف كثير من الدول هو دعم الخطة رغم المشكلات، لأنها لا ترى خياراً آخر. نحن والدول الغربية الأخرى نفضِّل عدم الانسحاب، لأننا لا نريد أن نرى إسرائيل تعود إلى القتال في غزة».

شاب فلسطيني يجلس على حافة مبنى مُدمَّر في حي الصفتاوي غرب مدينة جباليا في شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويرى المصدر المصري أنه «لا بدائل ممكنة بشأن قوة الاستقرار سوى تنفيذ قرار مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بنشر تلك القوات بتوافق حتى لا يتهدد اتفاق غزة بالانهيار، وواشنطن ستكون راغبة في ذلك».

بالمقابل، يعتقد مطاوع أنه «حال لم تصل واشنطن لتفاهمات بشأن نزع سلاح حماس، فستتحرك لبديل وهو نشر قوات الاستقرار في مناطق سيطرة إسرائيل بغزة، وبدء الإعمار فيها استناداً للبند 17 من خطة ترمب الذي يسمح بهذا التحرك المنفرد».

ولم تكشف مصر بعد عن تفاصيل مشاركتها بالاجتماع، غير أنها تطالب في الآونة الأخيرة منذ موافقة مجلس الأمن الدولي على خطة ترمب في نوفمبر الماضي بشرعنة نشر «قوة الاستقرار».

وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الصيني، وانغ بي، الثلاثاء، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار بغزة، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ للسلام، بما يسهم في تثبيت التهدئة ومنع تجدد التصعيد، وفق بيان للخارجية.

وبدا الرئيس الأميركي، في تصريحات الاثنين، متفائلاً بشأن مستقبل قوة تحقيق الاستقرار الدولية في غزة قائلاً: «ينضم إليها مزيد من الدول. وهناك دول مشارِكة بالفعل، لكنها سترسل أي عدد من القوات أطلبه منها»، وذلك قبل نحو أسبوعين من اجتماع مرتقب مع نتنياهو في الولايات المتحدة يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

ويتوقع مطاوع أن يكون اجتماع ترمب ونتنياهو الفيصل في مرحلة نشر القوات، وحال حدوث تفاهمات سيكون الانتشار منتصف الشهر المقبل.


«سد النهضة»: التصعيد المصري - الإثيوبي يتواصل ويفاقم التوترات

سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)
سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)
TT

«سد النهضة»: التصعيد المصري - الإثيوبي يتواصل ويفاقم التوترات

سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)
سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

تصعيد متواصل بين مصر وإثيوبيا بشأن نزاع «سد النهضة»، وسط اتهامات متبادلة وتحذيرات من تفاقم التوترات.

ورد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الاثنين، على اتهامات إثيوبية لمصر بـ«محاولات زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي للحفاظ على هيمنتها المائية»، والسعي لـ«احتكار مياه النيل استناداً إلى معاهدات قديمة»، قائلاً إنها «تفتقر للدقة وتحتوي على مغالطات علمية وأكاذيب متكررة».

وأكد الوزير المصري أن «إثيوبيا تلجأ إلى اتهام مصر بالاحتكار للتغطية على فشلها في إدارة وتشغيل سد النهضة».

وشدد وزير الموارد المائية، في تصريحات إعلامية، على أن «النمط الإثيوبي في إدارة الأنهار الدولية يعتمد على افتعال الأزمات»، محذراً من «سوء إدارة سد النهضة في الجفاف والفيضان، وهو ما يترك تبعات خطيرة على دولتي مصب نهر النيل» (مصر والسودان).

واعتبر الوزير المصري أن بناء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق مع دولتي المصب يجعله «غير قانوني وغير شرعي»، وشدد على «استعداد القاهرة لكل السيناريوهات المحتملة».

وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم في كلمته خلال اجتماع «المجلس الوزاري لوزراء المياه بدول حوض النيل» (وزارة الري المصرية)

وتأتي تصريحات وزير الري بعد يوم واحد من أخرى متلفزة لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، أكد فيها «حق بلاده كاملاً في استخدام الوسائل المتاحة طبقاً لما يكفله القانون الدولي للدفاع عن نفسها ومصالحها المائية حال وقوع ضرر على أمنها المائي»، مشيراً إلى أن «المسار التفاوضي مع الجانب الإثيوبي وصل إلى طريق مسدود».

مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، السفيرة منى عمر، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات وزير الري تتماشى مع الرؤية الدبلوماسية المصرية للتعامل مع قضية «سد النهضة» بما يؤشر على أن «الصبر المصري قد نفد» وأن باب التفاوض أثبت فشله والآن جاء وقت البحث عن بدائل أخرى يمكن أن تدفع أديس أبابا للتخلي عن تعنتها بشأن إدارة وتشغيل «سد النهضة» بشكل منفرد.

وأضافت: «جميع البدائل مطروحة بالنسبة لمصر»، مشيرة إلى أنه «بالتزامن مع استخدام الأساليب الدبلوماسية الناعمة التي يمكن أن تضغط باتجاه تغيير مواقف أديس أبابا فإن الخيارات الخشنة متاحة أيضاً إذا أحدث (السد) ضرراً مباشراً على المصريين سواء كان ذلك في حالات الجفاف أو ما إذا أقدمت إثيوبيا على تصريف كميات هائلة من المياه بشكل مفاجئ بما يؤدي إلى فيضانات تؤثر سلباً على الأمن الغذائي والمائي لمصر».

وأشارت إلى أن «التوترات قائمة بين البلدين وإن لم تكن قد وصلت إلى المواجهة العسكرية، لكن على مستوى الخطاب الإعلامي فإن المواجهة مستمرة، وهو ما يجعل هذه التوترات مفتوحة على اتجاهات مختلفة».

وأعلنت أديس أبابا افتتاح مشروع «سد النهضة» رسمياً في التاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط اعتراضات من دولتي المصب (مصر والسودان) للمطالبة باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «تشغيل السد»، بما لا يضر بمصالحهما المائية.

وبعد افتتاح الحكومة الإثيوبية مشروع السد، نددت القاهرة بتلك الخطوة، وأرسلت خطاباً إلى مجلس الأمن الدولي أكدت فيه أنها «لن تغض الطرف عن مصالحها الوجودية في نهر النيل».

ولوحت مصر باستخدام «جميع الأدوات المتاحة أمامها» بعد التشغيل الرسمي للسد وغرق بعض الأراضي في «طرح النهر» في أكثر من محافظة، وفي ذلك اتهمت أديس أبابا بـ«سوء إدارة السد» وعدم التنسيق مع دولتي المصب.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن مصر «لن تقف مكتوفة الأيدي أمام النهج غير المسؤول الذي تتبعه إثيوبيا»، مشدداً على أن القاهرة ستتخذ كل التدابير لحماية مصالحها وأمنها المائي.

مصر تشدد إجراءاتها لمواجهة تأثيرات سلبية لسد النهضة (وزارة الري والموارد المائية المصرية)

وحسب مساعد وزير الخارجية المصري السابق لشؤون السودان، السفير حسام عيسى، فإن «لغة الخطاب التصعيدي من جانب مصر هي محاولة لأن تعود إثيوبيا عن مواقفها المتعنتة بشأن إدارة (سد النهضة) أو التراجع عن خططها التوسعية بشأن معاداة جيرانها من أجل الوصول إلى منفذ على البحر الأحمر، وترجو أن تصل الرسالة إلى أديس أبابا».

وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «التوترات ستظل قائمة بعد أن أضحت إثيوبيا مصدر توتر في منطقة شرق أفريقيا وطالما استمرت في لعب دور الدولة التي ترفض الاعتراف بالقانون الدولي المنظم لإدارة الأنهار الدولية أو ما زالت مُصرة على تهديد جيرانها لتحقيق مصالحها الوطنية على حساب الغير»، في إشارة إلى رغبتها السيطرة على ميناء «عصب» الإريتري.

وتابع: «الكرة الآن في الملعب الإثيوبي، مصر استخدمت جميع وسائل الصبر الاستراتيجي، وفي حال استجابت أديس أبابا لنداء القانون الدولي، وهو أمر مستبعد، فإن مصر سوف تنفتح على التعاون معها، ودون ذلك فإن أساليب الضغط السياسي والدبلوماسي وغيرها من الأساليب الخشنة ستظل حاضرة في المشهد».

وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في نهاية أكتوبر الماضي، «حتمية حصول بلاده على منفذ (عصب) البحري الإريتري»، مشيراً إلى أن قضية وصول بلاده إلى البحر الأحمر «قانونية وتاريخية وجغرافية واقتصادية يجب التعامل معها بهدوء»، وهو ما فاقم التوترات مع أسمرة التي عززت تقاربها مع القاهرة أخيراً.

الخبير السوداني في الشأن الأفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، يرى أن التصعيد بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة» يأتي في خلفيته توجه أديس أبابا نحو الوصول لمنفذ بحري على السواحل الإريترية، وهو ما يمثل تهديداً لمصر باعتبار أنه سيتيح لإثيوبيا التواجد على باب المندب وهو البوابة الجنوبية لقناة السويس كما أنه يهدد حليفاً قوياً لمصر (إريتريا).

وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إثيوبيا هدفت للربط بين أزمة «السد» والوصول إلى «البحر الأحمر» وهو ما يجعل التصعيد يأتي في إطار أوسع من مجرد مياه النيل، مستبعداً الوصول إلى مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين.