إينيو ياكوبوتشي من ماسح أحذية إلى مرشح لجائزة «بوليتزر»

هزت صوره في فيتنام وكمبوديا ضمير العالم

ياكوبوتشي في إحدى ساحات القتال
ياكوبوتشي في إحدى ساحات القتال
TT

إينيو ياكوبوتشي من ماسح أحذية إلى مرشح لجائزة «بوليتزر»

ياكوبوتشي في إحدى ساحات القتال
ياكوبوتشي في إحدى ساحات القتال

لم تكن تلك الحقبة الفريدة من تاريخ الحروب الحافلة بالأحداث والمعارك الداهنة لتهز الضمير العالمي، إلا بفضل توثيق المصور الشهير إينيو ياكوبوتشي، الذي اقتحم بكاميرته ساحات الحروب في فيتنام ولاووس وكمبوديا وفلسطين. وبفضل سبعة أشخاص، هم كل من تبقى من سكان قريته الصغيرة مُورّييا، التي تقع على قمة أحد الجبال في مقاطعة الإبروتسو في الوسط الإيطالي، نعيش تلك الأحداث الدامية مرة أخرى، عبر 140 صورة مختارة في المعرض الذي نظمه هؤلاء الأشخاص بمناسبة الذكرى الــ40 لانتحار ياكوبوتشي عن عمر 37 عاماً.
بدأ إينيو في نهاية الخمسينات من الأسفل، من ماسح أحذية بشوارع روما إلى الترشح إلى جائزة «بولتزير» من قبل جريدة «نيويورك تايمز»، إذ كان عام 1975 الغربي الوحيد الذي تمكن من تصوير «المحاربين الحمر» بمدينة فنوم بين الفيتنامية. وكان يعيش مما يبيعه يوماً بيوم من الصور التي يلتقطها. يقول عنه الصحافي الإيطالي برناردو فالي، الذي اشتهر أيضاً بتحقيقاته الصحافية في فيتنام ولاوس وفلسطين والعراق، إن «إينيو كان رجلاً بسيطاً، وكان له ميل ما للمخاطرة وفي تلك الحرب وجد إيقاعاً مناسباً له».
لقد خاطر بحياته أكثر من مرة لمجرد حب السبق الصحافي، كما تمكن عبر الهاتف من بث خبر انتصار قوات «الفياتكونغ» على الأميركان في كاتغ تري، رغم صعوبة الاتصال الهاتفي آنذاك، ومنع الأميركان نشر الخبر. وكان قد فرّ إلى الغابة يلاحقه ضابط عالي الرتبة كان ينوي إطلاق النار عليه، إلا أنه تمكن من الهرب على دراجة نارية، ووصل سالماً إلى سايغون بعد أن نجح في عبور خطوط النار.
لقد كان الصحافي الأسترالي ديريك ولسون قد أهدى إليه أول آلة تصوير قديمة، وبها بدا حياته كمراسل حربي، متابعاً حرب الأيام الستة عام 1967 بين العرب وبين إسرائيل، وفي شبه جزيرة سيناء متتبعاً آثار موشي ديان. ومع ويلسون والصحافية الإيطالية الشهيرة أوريانا فلاتشي حصل على «تعميده» (كمصور حرب) في الحرب التي دارت في الجنوب الشرقي الآسيوي. كان هو ناقل الأخبار الفعلي والحقيقي إلى الصحافيين الذين كانوا ينتظرون أخبار الحرب وهم جلوس أمام الكؤوس بفندق «الكونتنونتال» وسط مدينة سايغون.
ولد ياكوبوتشي في أحد البيوت الصغيرة لعائلة فلاحية فقيرة أوكلت تربيته إلى مؤسسة دينية حيث تابع دراسته في المرحلة الابتدائية وتعلم ممارسة الرعي. ولما بلغ من العمر 15 سنة عاد إلى أسرته، ثم هرب من هذا العالم إلى روما التي كانت تمثل حلماً للعديد من شباب مقاطعته، ذلك أنها كانت المدينة التي هي بصدد الكشف عن دعة سنين الازدهار الاقتصادي وعن الحياة الجميلة.
وفي روما التقى بالصدفة الصحافي الأسترالي ويلسون مبعوث وكالة «رويترز»، ومن ثم اشتغل ساعي بريد لحساب الوكالة التي كان يعمل بها صديقه. وبعد ذلك، أصبح مراسلاً لـ«ديلي تلغراف» البريطانية من بلجيكا لمدة 18 شهراً. وفي سنة 1962 نجده بلندن دائماً بصحبة الصحافي الذائع الصيت ويلسون، حيث يشتغل كعامل تنظيف في نزل مخصص للشباب. وحينها درس اللغة الإنجليزية. وفي عام 1963 نجده مع ويلسون في باريس حيث عمل هذا الأخير لحساب «فرانس برس»، بينما عمل ياكوبوتشي سائقاً لحساب السفارة الأسترالية. وفي سنة 1967 غطى الحرب العربية - الإسرائيلية. وبعدها انتقل إلى مدينة مسينا في جزيرة صقلية الإيطالية، حيث تمكن من الحصول على عمل، إلى أن أخذه معه الصحافي ويلسون في السنة التالية إلى سايغون التي كانت عاصمة فيتنام الجنوبية، التي أحبها حال وصوله إليها، إذ يقول: «أعجب تناقض ظهر على وجه الأرض. إنها السوق السوداء، الباغيات، دور السينما والملاهي الليلية وحماس أهلها تجاه الغربيين». وبسايغون تمكن من العمل كمصور لحساب وكالة «أسوشييتد برس» ولـ«يوناتد برس إنتارناشيونال» مقابل 15 دولاراً للصورة الواحدة، كما عمل أيضاً مع صحيفة «التايم» الأميركية الأسبوعية ومع صحف محلية أخرى.
في تلك الأيام، كتب صديقه الصحافي ويلسون قائلاً: «كنت دائماً أتحرج حين أسال عن أخبار إينيو، وإذا قيل لي بأنه مات فلا أتعجب، لكن لما يقولون لي بأنه حي أتعجب أكثر؛ إذ إن البقاء على قيد الحياة بسايغون صعب جداً». إلا أن إينيو لا يجد راحته أو شيئاً من السلام الباطني إلا بين أهل الجبال المعروفين بـ«ديغار»، وهم من الذين شاركوا الفرنسيين الذين كانوا يحتلونهم آنئذ في حرب الهند الصينية ضد الجنرال هوشي منه. لقد وجد إينيو ياكوبوتشي ملجأ وضيافة عند قبيلة «آوته» وقَبِل هو بنمط عيشها وبطقوس الانتماء إليها والولاء لها.
حب المغامرة والمعرفة حملاه على الذهاب إلى كمبوديا لما وسع رئيس الولايات المتحدة الأميركية ريتشارد نيكسون مجال الحرب، لتشمل لاووس لقطع الإمدادات على قوات «الفياتكونغ».
تزوج إينيو بفتاة فائقة الجمال من البورجوازية الراقية لمدينة سايغون اسمها جزيلّا، كانت أمها رئيسة لشركة لتوزيع الأشرطة السينمائية. وكان في أعلى قمة النجاح إذ إن صوره تتناولها أكبر الصحف العالمية. صار غنياً. وكان من ثمرة هذا الوضع الجديد في حياته أن هدأ قليلاً، وأصبحت صوره تحكي الحياة اليومية، ولا تنقل معارك الحرب ومآسيها. إلا أنه لم يتمكن من مقاومة المشاركة في غزو الأميركان للاووس.
ثم تأزمت علاقته مع زوجته جزيلّا، ذلك أن المرأة أصابها الذعر لما وقفت على حقيقة أصله البائس، وتعرفت على والديه. فرحلت إلى باريس، أما هو فعاد إلى متابعة الحرب في الجنوب الشرقي الآسيوي التي أصبحت أكثر قسوة وأكثر خسارة بالنسبة للأميركان. وفي سنة 1973 صوّر آخر الجنود الأمريكان وهم يغادرون سايغون، إذ سقطت المدينة في 30 في أبريل (نيسان) ومعها نظام فان ثيو.
وواصل ياكوبوتشي تصوير ما بعد الحرب. فقد تأثر بالغ التأثر بالعدد الكبير من الأطفال المهملين في ملاجئ الأيتام البائسة. وكثير منهم كان يعيش على حافة الطرقات، يبيع الجرائد أو يمسح الأحذية. وربما كان إينيو يرى نفسه في هؤلاء الأطفال.
وكتب آنذاك «مذكرات حرب»، وهو كتاب صغير، تحدث فيه عن المجزرة التي حدثت آنذاك في كمبوديا، والتي استند إليها فيلم «صبيحة الصمت» الذي فاز بالأوسكار.
وأخيراً عاد إينيو نهائياً إلى إيطاليا حيث كان منهداً عضوياً ونفسياً، وكان عاجزاً عن استعادة نشاطه العادي. وفي سن 35 كان يشعر بأنه قد كُبر جداً كي يعيد البدء من جديد. وأخذ يزداد انغلاقاً كل يوم... كان يشعر بالخيانة بعد نهاية علاقته مع جزيلّا، وكان يعتبر نفسه قد طُعن في ظهره من قبل زملائه. فقد فضوله المرضي والهوس بطلب الكمال ففضل الانتحار.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.