رغم ارتياحهم حاليا لوجود البيشمركة.. سكان كركوك يتسلحون

(«الشرق الأوسط») تستطلع أجواء المدينة التي تضم نسيجا عرقيا ودينيا ومذهبيا غنيا

اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته  وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)
اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)
TT

رغم ارتياحهم حاليا لوجود البيشمركة.. سكان كركوك يتسلحون

اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته  وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)
اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)

وسط حالة الخراب المتداعية وبقايا مدينة الأشباح للمجتمعات التي هجرها سكانها منذ وقت طويل، تقف قلعة كركوك القديمة لتتلو علينا ما يمكن أن يجري في مستقبل العراق القريب بنفس الإتقان الذي تشرح به ماضي المدينة العريق.
عبرنا نقطة التفتيش عند مدخل القلعة قبل غروب الشمس بساعة، وتمهلنا المسير وسط الحشائش النامية وبقايا الأسلاك الشائكة المتناثرة. لقد كانت هذه الأطلال الخاوية مجتمعا عامرا، كان نموذجا مصغرا لمدينة كركوك الكبيرة حيث تجمع الناس من كل الأديان وعاشوا وعملوا معا، حيث يمكنك العثور على قبور أنبياء اليهود تحت قباب المسجد الخضراء.
أجلى صدام حسين السكان من منازلهم وحول القلعة إلى قاعدة عسكرية. وعقب سقوطه في عام 2003، احتشد الناس عائدين إليها للتنزه والاستلقاء تحت أشعة شمس الربيع المهيبة، غير أن حالة الإنعاش تلك كانت وجيزة، وسرعان ما اختبأت خلف حاجز النسيان. بوقوع العراق فريسة لكوابيس الطائفية، صار المشي في شوارع كركوك أشبه ما يكون بلعبة الموت الروسية الشهيرة. لم يبق إلا مقيم واحد فقط في تلك القلعة العريقة - وهو رجل عنيد يبلغ من العمر أرذله يرفض المغادرة على الرغم من انهيار منزله أمام عينيه.
كركوك هي مدينة يجتمع فيها نسيج غني من الأديان والأعراق العراقية. ولا تشكل مجموعة واحدة الأغلبية في هذه المدينة - فهناك المسيحيون والأكراد، والسنة والشيعة، والتركمان والعرب، يعيشون كلهم معا في مكان واحد. وتعتبر كركوك كذلك مركزا لصناعة النفط في البلاد. وقد جعل هذان العنصران من كركوك نقطة الخلاف الرئيسة ضمن المفاوضات بين حكومة إقليم كردستان وبغداد. إذ يزعم الأكراد أن كركوك هي مركزهم التاريخي في العراق ويرغبون في ضمها إلى إقليمهم. بينما ظلت بغداد ترفض التنازل عنها إليهم.
لكن ما يدعو للاستغراب والسخرية أن الهجوم الذي يقوده مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وكذلك البعثيون السابقون، قد وهبت أحداثه كركوك إلى الأكراد. فعندما وصلت أنباء سقوط الموصل إلى آذان القوات العراقية الرابضة في المدينة، تخلوا عن أسلحتهم وفروا هاربين. ودخلت قوات البيشمركة - وهي الميليشيات الكردية الأصلية التابعة لحكومة إقليم كردستان - لتحل محلهم وتملأ الفراغ الذي خلفوه.
«إقليم داعش» يبدأ على مسافة 30 ميلا إلى الجنوب من كركوك على الطريق الواصل إلى تكريت. وتبلور خط المواجهة بين مسلحي التنظيم والبيشمركة إلى كيلومتر واحد خلال أقل من أسبوعين على الحدود بين الدولتين الجديدتين الفعليتين. ويقول جنود البيشمركة، المرابطون في قاعدة خانقين بالقرب من خط المواجهة في جلولاء عند الجنوب الشرقي من إقليم كردستان، إنهم يدافعون عن أراضيهم بمنتهى الفخر والإصرار. ويقول دابان، وهو مقاتل بعينين زرقاوين ثاقبتين ويتمتع بسمعة طيبة بين أقرانه لمهارته في استخدام سلاح الدوشكا «إنني سعيد من أجل القتال لأنها المرة الأولى التي تكون لنا فيها حدود ندافع عنها في تاريخنا».
إن من العسير اعتبار «داعش» جارا صديقا للأكراد، وخلال الأسبوعين الماضيين وقعت اشتباكات مستمرة بين الجانبين على طول الحدود الجديدة. ورغم ذلك، يقول الكثير من الناس إنهم يشعرون بقدر من الأمان الآن أكثر مما كان عليه الأمر قبل الأزمة. ويقول فرحات، وهو أحد سكان كركوك «قبل أن تسيطر قوات البيشمركة على كركوك كانت هناك حادثتان أو ثلاث حوادث إرهابية في كل أسبوع. كانت الانفجارات وعمليات الخطف، وكان الوضع غير آمن. لكن لم يحدث شيء مطلقا منذ أن سيطرت البيشمركة على المدينة. إن كركوك آمنة للغاية الآن».
لكن هناك دلائل على وجود توترات متفرقة. ففي ظهيرة يوم الجمعة وعقب فترة ليست بالطويلة من الصلاة، أشعل مجموعة من الرجال الغاضبين النار في صناديق القمامة على منتصف الطريق المؤدي إلى تكريت احتجاجا على أزمة الوقود المتزايدة في المدينة. وسمع إطلاق الأعيرة النارية. وفي قاعدة كركوك الجوية، وهي عبارة عن مجمع عسكري مهجور من قبل الجيش العراقي، قال لنا جنود البيشمركة الذين يحرسون المدخل إن كميات ضخمة من الأسلحة قد سرقت قبل وصولهم لتأمينها. وقد جرت استعادة بعض من هذه الأسلحة، وليس غالبيتها. وقد أخبرنا السكان المحليون في سوق السلاح شبه القانونية إن مدنيين يسلحون أنفسهم، تحسبا للأوضاع. وأخبرنا ضابط من جهاز الأمن الكردي (آسايش) اسمه هونر «إننا على يقين من أنهم يسلحون أنفسهم».
ويشعر سكان كركوك بالفخر جراء التنوع الذي يتميزون به، غير أنهم قلقون كذلك من الأخطار التي قد يجلبها مثل ذلك التنوع على العراق. وقد بدأت بعض الجماعات في المدينة بتسليح أنفسها ببطء ولكن بكل تأكيد. فقد أعلنت الجبهة التركمانية العراقية الأسبوع الماضي عن تشكيل ميليشيا جديدة في كركوك، وقالت إنهم سيقاتلون إذا ما رفضت قوات البيشمركة تسليم المدينة إلى الحكومة المركزية في بغداد. وعقب بضعة أيام نظم الصدريون مسيرة لهم في شوارع المدينة.
واجتمعت مجموعة من السكان التركمان في مقر الحزب الشيوعي التركماني بالمدينة لمناقشة المأزق الحرج الذي يمرون به. وقال حسن توران، نائب قائد الجبهة التركمانية العراقية «نعم إننا نثق بالبيشمركة، لكننا نريد قوات مشتركة لحماية المدينة. لقد استخدم الأكراد تنظيم (داعش) ذريعة للسيطرة على السلطة في كركوك».
لكن علي شكر عمر بياتلي، وهو رجل كبير في السن وذو قبعة أنيقة، كان أقل دبلوماسية حيث قال «دعوني أوضح لكم الأمر بطريقتي. كان هتلر السبب وراء قيام إسرائيل، فقد أباد اليهود، ثم جاءوا ليحكموا. وقد أباد العراق الأكراد، وقد جاءوا الآن ليحكمونا». ثم تدخل رجل ضخم يجلس على مقربة في الحوار قائلا «لا ينبغي علينا الخوض في التاريخ كثيرا»، قال ذلك مشيرا بإصبعه الذي تلتف حوله مسبحة خشبية طويلة، ثم أضاف «لكل منا تاريخه، لكن يجب علينا العيش معا في هذه المدينة».
كان التركمان في كركوك - وهو مجتمع يضم كلا من السنة والشيعة - يعيشون في حالة من السلام النسبي في تلك المدينة خلال السنوات الأخيرة. لكن الحظ لم يحالف بعض الجماعات الأخرى.
في منطقة أخرى بالمدينة، ارتدى الأب توما رداءه وسار عبر بوابة مدخل المدينة، ولوح بيديه في تحية ودية لاثنين من الحراس المسلحين الرابضين هناك، ثم قام بفتح باب كنيسته. وفي الوقت الذي أزاح فيه الستائر المخملية الثقيلة كشف عن محراب مزين بنصوص آرامية ومذبح ملون يقع في وسط المحراب. وتعتبر كنيسة القديس يوحنا المعمدان إحدى الكنائس الآشورية في كركوك. قال الأب توما «إن الكنيسة قد تعرضت للتهديد عدة مرات منذ سقوط صدام، وقد انفجرت عبوة ناسفة العام الماضي في كنيسة العائلة المقدسة. وإننا في انتظار ما سيحدث بعد ذلك». ويقول الأب توما إنه غير خائف من تحركات البيشمركة في المدينة - ربما بسبب أنه كان يعيش وسط انعدام الأمن والخوف لسنوات عديدة. وقال «شخصيا، أعتقد أن البيشمركة طيبون لأنهم سيدافعون عن المسيحيين. إنني خائف من تعرض الكنيسة للهجوم من قبل قوات (داعش)». لم يكن المسيحيون والمسلمون يخافون بعضهم بعضا في كركوك. فهناك في القلعة القديمة تقف آثار كنيسة آشورية قديمة بجانب مسجد النبي دانيال. وهما على مقربة بحيث يكادان يتلامسان.
«أبو يوسف» يمشي تحت أشعة الشمس الغاربة، وهو من العرب السنة في كركوك، في ساحة القلعة المهجورة مع زوجتيه وأطفالهم. اعتاد «أبو يوسف» المكوث هنا حينما كان ضابطا برتبة لواء في جيش صدام حسين. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يعود فيها منذ خمسة عشر عاما.
وبينما كان أبناؤه يركضون بين أنقاض القلعة، نظر حوله ولخص المعضلة العراقية في كلمات قليلة قائلا «إنني أفضل حكومة تمثل العراق ككل، ولكن لا وجود للأمن منذ عام 2003. لم تتفهم الولايات المتحدة ولا بريطانيا الوضع الحقيقي حين قامتا بالغزو. والدليل على ذلك هو ما تشاهدونه الآن في البلاد».



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.