أكد صندوق النقد الدولي أن الطلب العالمي على الوظائف البسيطة، التي لا تتطلب مهارات عالية، ارتفع خلال السنوات الماضية بشكل كبير، خصوصاً مع زيادة العرض العالمي لهذه النوعية من الوظائف، الذي تضاعف خلال الفترة الماضية مع الزيادة المستمرة في عدد سكان العالم.
وأضاف الصندوق، خلال تقريره التحليلي السنوي عن نظرة الاقتصاد العالمي، الذي صدر مساء الاثنين، أن قطاع الخدمات بدأ يستحوذ على حصة متزايدة من عدد الوظائف في السوق العالمية، ويأتي ذلك على حساب حصة القطاع الصناعي من القوى العاملة. وأشار إلى أن السنوات الماضية شهدت حالة من التغير الوظيفي لشريحة كبيرة من العاملين، حيث انتقل عدد كبير من الموظفين من قطاع التصنيع إلى قطاع الخدمات، وتزامن ذلك مع زيادة في مستوى عدم المساواة في الدخل فيما بين القطاعات المختلفة، موضحاً أن هذه الزيادة في مستوى عدم المساواة في الدخل ترجع إلى الفجوة الكبيرة بين عوائد بعض الصناعات داخل قطاع الخدمات.
وأكد الصندوق أن تراجع نصيب القطاع الصناعي من حجم الوظائف المشغولة على مستوى العالم أصبح يثير قلق العديد من الاقتصاديين وصناع القرار حول العالم، سواء في الدول النامية أو في الدول المتقدمة، مشيراً إلى أن القطاع الصناعي طالما كان المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في جميع الدول خلال مراحل تقدمها المختلفة، وكان بمثابة القلعة الحصينة للنمو الاقتصادي ومصدراً أساسياً لتوفير الوظائف ذات الدخول المرتفعة، خصوصاً للعمالة غير الماهرة.
وأضاف الصندوق أن هذا التحول من القطاع الصناعي إلى قطاع الخدمات لا يجب أن يعرقل مستويات النمو الاقتصادي وتطلعات الدول النامية للوصول إلى مرحلة الاقتصاديات المتقدمة، والارتقاء بمستويات الدخول وتحقيق مستوى معيشة أفضل للموطنين.
وأشار التقرير إلى أن نسب مشاركة النساء في سن العمل ارتفعت بشكل كبير خلال العقد الماضي، فيما تراجع نصيب مشاركة الشباب والرجال في سوق العمل على مستوى العالم. وأوضح التقرير أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كان لها الأثر الأكبر في هذا التغير الديموغرافي في سوق العمل الدولي، الذي نتجت عنه أيضاً زيادة في مشاركة العمالة الكهلة في سوق العمل.
وأضاف التقرير أن زيادة التقدم التكنولوجي وزيادة الاعتماد على الآلات الحديثة، واستبدالها بالعنصر البشري في العملية الصناعية، كان لها دور ملحوظ في تشكيل سوق العمل بشكلها الحالي.
وحول مدى انتشار التكنولوجيا بين الدول في ظل نظام العولمة، أكد التقرير أن العولمة ساهمت في تغيير عملية انتشار التكنولوجيا حول العالم، وذلك من خلال الأسواق المفتوحة وزيادة التبادل التجاري والاستثمارات المباشرة بين الدول. وساهم ذلك في تغيير شكل وطبيعة النمو الاقتصادي العالمي.
من جانبه، أكد بيرتراند جرس، مؤلف الجزء الثالث من تقرير «نظرة الاقتصاد العالمي التحليلي»، أن الصين تعتبر نموذجاً منفرداً وحالة استثنائية لما توصل إليه التقرير بشأن تغير شكل قوى العمل في السوق العالمية، مشيراً إلى أنه رغم زيادة التقدم التكنولوجي في الصين؛ إلا أن الطلب على القوى العاملة في المجال الصناعي ما زال مرتفعاً، وبشكل مستمر.
وفي تقريره، أوضح الصندوق أن تزايد أعداد كبار السن في الاقتصاديات المتقدمة يجفف موارد القوى العاملة، وقد يؤدي لإبطاء النمو الاقتصادي، لكنه أشار إلى أن السماح بتدفق العمال المهاجرين صغار السن قد ينعش سوق العمل في هذه البلدان.
وأقّر الصندوق أن حكومات الدول المتقدمة تواجه ردود فعل عكسية وسلبية جراء السماح بتوافد المهاجرين، لكنه أشار إلى أنها تواجه خيارات محدودة في نهاية المطاف، ولا يمكنها عملياً تجنب تقاعد العاملين كبار السن وتركهم لسوق العمل، حتى مع تبني سياسات تساعد على ضمان إمداد السوق بشكل ثابت بالعمال.
وتوقعت الأمم المتحدة، في أحد فصول التقرير، أنه بحلول منتصف القرن الحالي، سينخفض عدد السكان في نحو نصف الدول المتقدمة، ما يعني أن العمال صغار السن «عليهم إعالة ضعف عدد كبار السن الذين يعولونهم الآن». وجاء في التقرير «إذا لم تشارك أعداد متزايدة في سوق العمل، فإن التقدم في السن قد يؤدي إلى إبطاء نمو الاقتصاديات (المتقدمة)، وفي حالات كثيرة، يؤدي إلى تقويض استمرارية أنظمة الضمان الاجتماعي لديها». وتابع أنه «رغم أن استقبال اللاجئين قد يشكل تحديات، ويثير رد فعل سياسي سلبي. فإنه يمكن أيضاً أن يكون نعمة للدول المستضيفة»، وأن «الهجرة قد تخفف من ضغوط السكان الذين يكبرون في السن، وتساهم في مكاسب أخرى طويلة الأمد، مثل النمو والإنتاجية الأعلى».
وتواجه بعض الاقتصاديات المتقدمة انخفاضاً في مساهمة الرجال في مقتبل العمر (الأشخاص ما بين 25 - 54 سنة) في القوى العاملة، خصوصاً أولئك من الدرجات التعليمية الأدنى، لأسباب من بينها الأزمة المالية العالمية. وأوضح التقرير أن «التغييرات الجذرية في التكوين الديموغرافي» مع خروج كبار السن من سوق العمل في الدول المتقدمة ستكون كبيرة، ناصحاً الدول المتقدمة بأن «تعيد النظر في سياسات الهجرة لتعزيز إمدادات العمالة».
صندوق النقد: «الخدمات» تلتهم حصة «الصناعة» من العمالة
حث الدول المتقدمة على قبول المهاجرين لإنقاذ اقتصادها
صندوق النقد: «الخدمات» تلتهم حصة «الصناعة» من العمالة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة