احتفال بمرور 110 سنوات على ولادة قاموس «المنجد»

«المنجد» يطلق نسخته الإلكترونية
«المنجد» يطلق نسخته الإلكترونية
TT

احتفال بمرور 110 سنوات على ولادة قاموس «المنجد»

«المنجد» يطلق نسخته الإلكترونية
«المنجد» يطلق نسخته الإلكترونية

مرت مائة وعشرة أعوام على صدور قاموس «المنجد»، الذي لا يزال يعتبر أحد أكثر القواميس العربية عملية وعصرية واستخداماً من قبل الطلاب، كما الكتّاب والمستشرقين والمعنيين باللغة العربية. وهي مناسبة لن تمر عابرة، إذ دعت «دار المشرق»، الناشرة للقاموس، لاحتفالية يوم الثلاثاء 17 أبريل (نيسان) تدوم ساعتين، بدءاً من الخامسة مساء في «جامعة القديس يوسف»، في بيروت، في «مسرح بيار خاطر»، حرم العلوم الإنسانية، يتحدث خلالها نخبة من الخبراء والمشرفين على إعداد المنجد. وسيعرض فيلم قصير عن تاريخ هذا القاموس ومساره التاريخي، ويطلع الحاضرون على وثائق ومناجد أصلية وأخرى نادرة، ومقالات كتبت حوله في الصحف والمجلات منذ عام 1940، وأصبح العثور عليها عصياً.
وتوثق «دار المشرق» باستمرار لكل ما يحيط بهذا القاموس الذي توالدت منه قواميس عدة، فقد أصبح على مرّ السنين بمتناول القارئ «منجد الجيب» و«منجد الصغار» و«المنجد الإعدادي» و«المنجد الوسيط»، وغيرها. وتأكيداً على أن المسار متواصل، خصوصاً أن هذا القاموس بيع منه ملايين النسخ على مرّ السنين، وكانت طبعاته تخضع باستمرار لتجديد وإعادة نظر، ومحاولة دائمة للبقاء على تماس مع مفردات العصر وتحولات استخدامات الألفاظ، فإن «دار المشرق» ستعلن عن إطلاق «المنجد الإلكتروني» و«المنجد المفصل» عام 2018، بنسختيه: عربي / فرنسي، وعربي / إنجليزي، وستهدى في أثناء الحفل 30 نسخة من «المنجد المفصل» الجديد، و30 نسخة أخرى من «منجد الطلاب» 2017، إلى الحضور بسحب القرعة، علماً بأن الدعوة مفتوحة لكن تتطلب حجزاً مسبقاً.
كان الأب اليسوعي لويس معلوف، وهو أديب وصحافي ولغوي، قد وضع هذا القاموس عام 1908 بجهد منفرد وجبار، وبتشجيع من الآباء اليسوعيين، بعد ما لمسه في أثناء رئاسة تحريره لجريدة «البشير» (من سنة 1906 إلى سنة 1933) من عمق المشكلات اللغوية التي يعانيها الكتاب. وكان العصر لا يزال تحت تأثير مرحلة الانحطاط، فقرر الإفادة من المعاجم الكلاسيكية ليضع قاموساً يسهل تداوله بين الناس، ثم أضاف إليه قسم الأعلام الذي وضعه برفقة راهب آخر، هو الأب فرناند توتل.
وتجدر في هذه المناسبة العودة إلى لويس معلوف، أحد الأعلام الذين اشتغلوا على اللغة في سياق النهضة اللغوية التي كان فيها للمسيحيين اللبنانيين دور ريادي، وولدت في ظلها صحف وأسماء بارزة جددت في الأدب، من إيليا أبو ماضي إلى جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، ولا ينسى دور الجامعات في بيروت، كالأميركية وجامعة القديس يوسف التي كان صاحب «المنجد» أحد تلامذتها. فبعد تخرجه في لبنان، توجه لويس معلوف إلى أوروبا في ثلاث سفرات، حيث درس الفلسفة في إنجلترا، وأفاد من كتب المتحف البريطاني، وتزود بعلم اللاهوت في فرنسا، وأجاد لغات شرقية وغربية، منها: الإنجليزية، والفرنسية، واللاتينية، واليونانية، والسريانية، والعبرانية.
وأثار «المنجد» عند صدوره في طبعته الأولى، وكان من 737 صفحة، مرفقاً بـ400 صورة توضيحية، صدى كبيراً طيباً في المنطقة العربية، شرقاً وغرباً. فقد وصف يومها بأنه «جامع مانع»، وأنه «يلحق بالمعيوش»، و«لم ينجز شبيه له من قبل». وكتبت «المقتطف» المصرية، عام 1908، محتفية به: «هو قاموس اختصره جامعه وأحسن ترتيبه، وأضاف إليه كثير من الكلمات التي عرّبت حديثاً، وأوضح بعض تسمياته بالصور، فهو يفضل على كل قاموس عربي وقع عليه نظرنا».
ومر المنجد منذ انتدب لوضعه الأب لويس معلوف إلى اليوم بمراحل عدة: ففي عام 1956، أضيفت إليه أقسام في مختلف الاختصاصات. وعام 1960، أعيد النظر بشكل كبير في تسهيل طريقة البحث فيه، حيث رُجِع إلى الجذرين الثلاثي والرباعي لتبسيط مهمة المستخدم للقاموس. وعام 1973، رأينا «المنجد في اللغة والأعلام». ثم عام 1998، كانت ولادة «المنجد في اللغة العربية المعاصرة». ورصد حياة «المنجد» بمتفرعاته على مدى قرن وعشرة أعوام تحتاج بحثاً مطولاً. لكن من الظريف العودة إلى تلك المقدمة التي كتبها معلوف للطبعة الأولى شارحاً: «إن أدباء العربية وأئمتها لهجوا بمسيس الحاجة إلى معجم ليس بالمخل المعوز، ولا بالممل المعجز، فخصصنا الوقت الطويل لمطالعة الأمهات واختيار المواد وترتيبها على نسق سهل المراس، وتحرينا المحافظة على عبارات الأقدمين، وتوخينا أن يكون هذا المؤلف على صغره غزير المادة وافرها، وأسميناه المنجد، وأملنا أن يجد فيه المتأدب والكاتب عوناً حسناً ونجدة وافية في البحث والتنقيب».
وتحت شعار «المنجد المعاصر دوماً»، سيتحدث في عيد هذا القاموس القديم الجديد كل من البروفسور سليم دكاش، رئيس جامعة القديس يوسف، حول «التاريخ إن حكي»، ومدير «دار المشرق»، الأب صلاح أبو جودة، عن معنى أن يكون «المنجد هو القاموس»، وهناك كلمة لوزير الثقافة غطاس خوري، ومداخلة للبروفسور هنري عويس مدير مرصد اللغات العربية وأخواتها في جامعة القديس يوسف، بعنوان: «ماذا تأخذون الجعة أو ماء الشعير أو البيرة؟»، وكلمة للبروفسورة جينا أبو فاضل عميدة كلية اللغات في الجامعة نفسها، عن «المنجد الثنائي 2018»، وهناك كلمة للبروفسور جرجورة حردان، «ما بعد المنجد»، وأخرى للأب بطرس عازار، «ويبقى منجد الطلاب وسيلة للتواصل»، وثالثة للبروفسور أمين فرشوخ «المنجد في اللغة والحداثة».
على أمل أن يجتهد اللغويون العرب، ليتجاوزوا «المنجد» الذي لم يسلم من النقد، رغم كل الجهود التي بذلت لتطويره. فلا يزال وجود معجم عربي عصري جامع بالفعل حلماً يراود الكثيرين، وحاول العلامة عبد الله العلايلي وتوقف متحسراً، كما حاولت المجامع اللغوية ثم تحنطت، ولم نعد نسمع عن محاولات جادة؛ ربما لهذا يستحق الموجود الاحتفاء والاحتضان بانتظار غد أفضل.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».