العنف في كشمير يدفع بالمنطقة مجدداً إلى حافة الهاوية

طلاب في مدينة سريناغار في الجزء الذي يدار من قبل السلطات الهندية في كشمير يحتجون على عمليات القتل التي قامت بها القوات الهندية خلال الأيام الماضية في الإقليم (أ.ف.ب)
طلاب في مدينة سريناغار في الجزء الذي يدار من قبل السلطات الهندية في كشمير يحتجون على عمليات القتل التي قامت بها القوات الهندية خلال الأيام الماضية في الإقليم (أ.ف.ب)
TT

العنف في كشمير يدفع بالمنطقة مجدداً إلى حافة الهاوية

طلاب في مدينة سريناغار في الجزء الذي يدار من قبل السلطات الهندية في كشمير يحتجون على عمليات القتل التي قامت بها القوات الهندية خلال الأيام الماضية في الإقليم (أ.ف.ب)
طلاب في مدينة سريناغار في الجزء الذي يدار من قبل السلطات الهندية في كشمير يحتجون على عمليات القتل التي قامت بها القوات الهندية خلال الأيام الماضية في الإقليم (أ.ف.ب)

ما إن أذاعت وسائل الإعلام صور افتتاح أكبر حديقة للزهور في آسيا في مدينة سريناغار، في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من إقليم كشمير، حتى لقي أكثر من 24 شخصاً مصرعهم، الأمر الذي دفع بالمنطقة المضطربة إلى هوة العنف مجدداً.
وفي ما وصفت بأنها واحدة من أكبر الضربات في العقد الحالي، تمكنت القوات الهندية من قتل 14 عنصراً متطرفاً محلياً في 3 عمليات منفصلة داخل كشمير، بينما كان القتلى الآخرون من صفوف قوات الأمن الهندية وبعض المدنيين.
واندلعت موجة جديدة من المظاهرات المناهضة للهند، إلى جانب الاشتباكات بين القوات الحكومية والسكان المحليين في أجزاء مختلفة من كشمير، في تحد لحكم نيودلهي، مستخدمين السلاح ووسائل الإعلام الاجتماعية.
جدير بالذكر أن المسلحين يقاتلون الحكم الهندي منذ عام 1989، مطالبين بأن يصبح إقليم كشمير جزءاً من باكستان، أو يتحول إلى دولة مستقلة. ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن كلاً من الهند وباكستان، المسلحتين نووياً، تسيطر على أجزاء مختلفة من الهيمالايا المضطربة، وخاضتا 3 حروب بسبب النزاع على هذه المنطقة منذ عام 1947. وتتهم الهند باكستان بالعمل على تدريب وتسليح المتمردين، وإرسالهم لشن الهجمات الإرهابية في الجانب الهندي، وهي المزاعم التي طالما نفتها باكستان.
وكشمير هي منطقة تضم 12 مليون نسمة، نحو 70 في المائة منهم مسلمون. وفي ذروة التمرد في تسعينات القرن الماضي، غادر أبناء الجالية الهندوسية في الإقليم إلى الجانب الهندي، بعدما تعرضوا لاعتداءات.
وبعد 10 سنوات من الهدوء والسلام في كشمير، أعرب سكان الإقليم في السنوات الأخيرة عن التضامن المفتوح مع المسلحين المناهضين للحكم الهندي، وسعوا إلى حمايتهم عن طريق الاشتباك مع القوات الهندية في الشوارع في أثناء العمليات العسكرية التي تجريها القوات الحكومية.
وتصاعدت وتيرة أعمال العنف في الجزء الهندي من كشمير منذ يوليو (تموز) من عام 2016، عندما قتلت القوات الهندية برهان واني، وهو أحد الشبان الذين كانوا يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية في دعوة واستمالة الشباب الكشميري لرفع السلاح.
وأفادت مصادر الاستخبارات الهندية بأن الزيادة في عدد الشباب الذين يحملون السلاح باتت مثيرة للقلق. وينضم كثير من الشبان الكشميريين المتعلمين إلى صفوف المتشددين، باعتبارهم أبطالاً على المستوى المحلي. وفي الآونة الأخيرة، عندما انتشرت صور الشاب الكشميري مانعان واني حاملاً السلاح وهو يسعى لنيل درجة الدكتوراه من جامعة عليكرة الإسلامية على وسائل الإعلام الاجتماعية، انتقل التمرد في الإقليم إلى مستوى جديد تماماً.
كما انضم شاب آخر يدعى أشرف سحري، 28 عاماً، وهو طالب الدراسات العليا في جامعة كشمير، إلى صفوف المتشددين خلال الأسبوع الماضي. ومن المثير للاهتمام أنه خريج كلية الإدارة، ويعمل لدى إحدى شركات التجارة الإلكترونية. وفي اليوم نفسه، انضم عبيد بهات، وهو نجل أحد رجال الشرطة في الإقليم، إلى جماعة جيش محمد. وقد انتشرت الصور الفوتوغرافية لكلا الشابين وهما يحملان السلاح انتشار النار في الهشيم عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي في الإقليم.
وكثير من هؤلاء المسلحين الشبان قد ولدوا في أعقاب التمرد الذي بدأ في عام 1989 ضد الوجود الهندي في كشمير. ووفقاً لآخر إحصاء لسكان الإقليم، فإن نحو 60 في المائة من المقيمين الذكور هم دون سن الثلاثين عاماً، و70 في المائة منهم هم دون سن الخامسة والثلاثين.
كانت رئيسة الحكومة الفيدرالية في الولاية، محبوبة مفتي، قد أبلغت البرلمان الوطني بأن 280 شاباً قد انضموا إلى صفوف المتمردين خلال السنوات الثلاث الماضية. وهناك 127 شاباً من بينهم قد حملوا السلاح اعتباراً من عام 2017.
ما بدأ في عام 1989 في صورة حفنة من الرجال الحاملين للسلاح في «جبهة تحرير جامو وكشمير»، مطالبين بالاستقلال التام للإقليم عن كل من الهند وباكستان، قد صار أكثر فتكاً وترويعاً مع تكوين الجماعات المسلحة الموالية لباكستان في أوائل التسعينات.
ومع ظهور كل جماعة متطرفة جديدة، تتغير العبارات الدينية والشعارات والرايات والخطاب العام داخل كشمير. وكان الخط الأساسي الذي يجمع هذه التنظيمات سوياً ثابتاً لم يتغير رغم ذلك، فقد كانوا كلهم يريدون أن تتحول كشمير إلى منطقة نفوذ لـ«داعش».
ولم تعد رايات «داعش» السوداء، التي صدمت بظهورها سكان الوادي قبل بضع سنوات، من المظاهر الشاذة بين سكان الإقليم. وفي واقع الأمر، رفضت الإدارة والأجهزة الهندية انتشار تلك الرايات باعتبارها مضللة للضحايا من الشباب، ثم أعلن الرجال الذين يرفعون تلك الرايات ويحملون الأسلحة عن ولائهم للجماعات الإرهابية المعروفة عالمياً. وأصبح زاكر موسى، الزعيم الموالي لتنظيم القاعدة، هو القائد المحبوب بين الشباب، وصار اسمه يُذاع في كل مظاهرة ومناسبة.
وتعكس شعارات «داعش» التي انتشرت على الجدران في الإقليم ما تقول أجهزة الأمن الهندية إنه يعبر عن انقسام عميق بين الاستقلال السياسي للانفصاليين التقليديين والشبان المتطرفين.
وأعلن تنظيم داعش عن نياته للمرة الأولى في الانتقال إلى إقليم كشمير في عام 2016، ووصف الإقليم بأنه جزء من أرض خراسان. ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، بدت الإشارات الأولى لنشاط عناصر التنظيم في الظهور. وفي فبراير (شباط)، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن مقتل أحد ضباط الشرطة في مدينة سريناغار، عاصمة كشمير، وذلك من خلال قناة على تطبيق «تلغرام» الإلكتروني، تسمى «ولاية كشمير». وقال قائد شرطة كشمير شيش بول فايد إن الهجوم المذكور تسبب في كثير من القلق لدى القيادة الهندية، وصرح لشبكة «إن دي تي في» الإخبارية الهندية بأنه رغم عدم انتشار تنظيم داعش بالقدر الكبير في المنطقة، فإن الهجوم يمكن أن يكون مستنداً إلى آيديولوجية التنظيم الإرهابي.
وثارت حالة أخرى تشهد بتأثير «داعش» على الشباب المتشدد في كشمير عندما توفي محمد توفيق، من جنوب الهند، في إحدى المواجهات مع الأمن الهندي الشهر الماضي. ووفقاً لمصادر الاستخبارات الهندية، لا يمكن استبعاد وجود المسلحين التابعين لتنظيم داعش في ولايات كيرالا وتيلانغا، بجنوب الهند، وتخشى السلطات أن يكون التنظيم قد تمكن من إنشاء بضع وحدات تابعة له في وادي كشمير كذلك.
وفي اجتماع رفيع المستوى عقد أخيراً بين حكومة الولاية وأجهزة الاستخبارات الهندية، تم التنبيه على حكومة الولاية بتوخي المزيد من الحذر لمواجهة تداعيات مثل هذه الحركات المتطرفة داخل كشمير.
وفي حادثة أخرى مماثلة، وفي أثناء جنازة أحد المسلحين الآخرين، ويدعى عيسى فاضلي، كان هناك شجار محتدم بين حاملي العلم الباكستاني الوطني وحاملي رايات «داعش» السوداء.
وهذا من الاتجاهات الخطيرة، كما قال أحد كبار رجال الشركة لمراسلة صحيفة «الشرق الأوسط»، مضيفاً أن التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» و«القاعدة»، قد تمكنت من إنشاء خلاياها في وادي كشمير، ولا سيما في عاصمة الإقليم، وتخشى الأجهزة الأمنية من وقوع عدد من الهجمات الكبيرة بواسطة التنظيم حتى يبلغ المكانة البارزة التي يصبو إليها هناك.
وكان عدد المجندين في تنظيم «داعش» و«القاعدة» في كشمير محفزاً لجماعة أنصار «غزوات الهند» في الوادي، وقد تكون تلك الأعداد غير كبيرة حتى هذه اللحظة، ولكنهم يبذلون محاولات يائسة للتواصل مع زعمائهم في أفغانستان وسوريا بغية توسيع قاعدة المجندين هنا، وذلك وفقاً للتقديرات الشرطية المستمرة في الإقليم.
ووفقاً لتقرير عن بوابة «الإرهاب في جنوب آسيا»، فقد تمكنت قوات الأمن الهندية من قتل أكثر من 200 عنصر خلال عمليات مكافحة الإرهاب المستمرة منذ عام 2017، وهو أعلى رقم مسجل منذ عام 2010. وفي عام 2016، كان الرقم المسجل لا يتجاوز 165 حالة. ومع ذلك، وبالنسبة لكل النجاحات المحققة بواسطة القوات المسلحة الهندية في تطهير المنطقة من الإرهابيين، لا تزال دورة العنف مستمرة بلا هوادة. والأسباب في ذلك كثيرة للغاية. ومن بين أبرز الأسباب حقيقة مفادها أن أغلب حالات التمرد في كشمير تنشأ وتنمو من الداخل. ولقد كلفت الحكومة الهندية الرئيس الأسبق لمكتب الاستخبارات الهندية، دينشوار شارما، بمهمة إجراء المحادثات مع الانفصاليين في كشمير، ولكن لا يبدو أن هناك توقفاً لأعمال العنف هناك، التي يعتقد الخبراء أنها سوف تستمر وتتصاعد وتيرتها خلال فصل الصيف المقبل.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.