اضطراب في قطاع المجوهرات بالهند بعد وقائع احتيال

يسهم بنحو 7 % من الناتج المحلي

صالة عرض مجوهرات في مومباي (رويترز)
صالة عرض مجوهرات في مومباي (رويترز)
TT

اضطراب في قطاع المجوهرات بالهند بعد وقائع احتيال

صالة عرض مجوهرات في مومباي (رويترز)
صالة عرض مجوهرات في مومباي (رويترز)

تعرضت صناعة المجوهرات والأحجار الكريمة في الهند، والتي تقدر قيمتها السوقية بنحو 60 مليار دولار، لواحدة من كبرى الصدمات عقب فضيحة الاحتيال المصرفي بقيمة 2 مليار دولار، التي كُشف عنها مؤخراً وكانت بواسطة اثنين من كبار العاملين في صناعة الماس ومن أصحاب البصمات العالمية الكبيرة.
وتشكل مدينتا مومباي وسورات الساحليتان العمود الفقري لصناعة الماس في الهند. وفي حين أن سورات تعد المركز العالمي في صناعة صقل وتشكيل الماس الخام، فإن مومباي من أهم المراكز التجارية الكبيرة لهذه الصناعة ككل.
وخلال الأعوام الخمسين الماضية، احتجز قطاع المجوهرات والأحجار الكريمة نحو 475 مليار دولار من الصادرات الهندية على الرغم من عدم وجود إنتاج محلي من الذهب والماس. ويلعب هذا القطاع دوراً مهماً في الاقتصاد الهندي، إذ إنه يسهم بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، ويشكل نسبة 15.71% من إجمالي الصادرات السلعية الهندية. كما يعمل في هذه الصناعة نحو 4.64 مليون موظف وعامل.
ووفقاً لوزارة التجارة والصناعة الهندية، فإن 14 من كل 15 ماسة مبيعة حول العالم مصدّرة بالأساس من الهند. أما الماس الخام فيأتي في المقام الأول من الخارج. ويوجد الاحتياطي الأساسي من الماس الخام في دول بُتسوانا، وروسيا، وكندا، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، وتنزانيا، في حين أن الاحتياطي الثانوي يوجد في ناميبيا، وأنغولا، والكونغو، غرب أفريقيا، وأميركا الجنوبية.
- سورات عاصمة الماس
ويمر أغلب الماس الخام عبر مدينة سورات، عاصمة الماس الهندية، من أجل الصقل والتشكيل، وبالتالي تقف سورات عند المرحلة الوسطى من سلسلة التوريد. وأخيراً، يتم شحن الماس المصقول إلى بلجيكا، وتل أبيب، والولايات المتحدة، والشرق الأوسط، وهونغ كونغ، والصين، وهي كبرى أسواق الماس في العالم للبيع للمشترين وشركات إنتاج وتصنيع الماس. وتعد الهند مركزاً عالمياً لأسواق المجوهرات نظراً إلى انخفاض التكاليف وتوافر العمالة ذات المهارة الفائقة.
وجاء في تقرير لشركة «بين وشركاه» نُشر في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017: «تعد الهند إحدى أسرع الأسواق العالمية نمواً في قطاع المجوهرات حتى عام 2030. ويؤدي التوسع المتواصل في مجال المجوهرات والماس لدى الطبقات الوسطى إلى زيادة الطلب على الماس والمجوهرات في البلاد».
ووفقاً لتصنيف مؤسسة «كير»: «من شأن إغلاق شركات المجوهرات الاحتيالية أن يسبب صدمة كبيرة للتجارة الهندية الرائجة، والتي تمثل 13% من إجمالي صادرات الهند في السنة المالية 2017. وسوف يكون له تأثير بنسبة 5 إلى 6% على تجارة الماس والمجوهرات الخارجية من حيث القيمة خلال العام المقبل، أي 2018 - 2019». وقد تتأثر المبيعات كذلك بنحو 16% جراء ذلك.
وتراجعت الصفقات بنسبة 8 - 10% منذ وقوع الحادثة الشهيرة في 14 فبراير (شباط). يقول كيرتي شاه، أحد العاملين في صقل وتداول الماس في مدينة سورات الهندية: «لا يرغب صاغة الماس في المجازفة والمخاطرة. والآن، أصبحت البنوك أكثر تشدداً في توزيع رؤوس المال المتداولة، ولا سيما بالنسبة إلى صاغة الماس. ولقد أدى ذلك إلى تباطؤ كبير في الأعمال بنحو 10% على الأقل». ومما يزيد الأمور سوءاً، أن دورات السداد هي الأخرى، قد أصبحت أطول وقتاً بمقدار أسبوعين. وقال كيرتي شاه مضيفاً: «في وقت سابق، اعتاد المتداول التعامل مع 20 - 25 من اللاعبين في الصناعة، أما الآن فقد أصبحوا أكثر خوفاً وحذراً ولا يتعاملون إلا مع حفنة قليلة من أهل الثقة فقط. ولقد أسفر ذلك أيضاً عن تباطؤ التدفق النقدي».
- الاحتيال المصرفي وآثاره
في أعقاب عملية الاحتيال الشهيرة، عززت المصارف الهندية من تدابيرها حيال إقراض الصاغة وتجار المجوهرات، وتم اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان منح الائتمان فقط للمصدرين الأصليين لا لأولئك الضالعين في ما يسمى المعاملات الدائرية، والتي تتضمن استيراد وتصدير نفس الشحنة بصورة متكررة بهدف الاستفادة من انخفاض سعر الفائدة على القروض من البنوك، وفقاً لشخصيات مطلعة على تلك الشؤون.
يقول براكاش شاندرا بينشا، المدير الإقليمي في مجلس ترويج صادرات المجوهرات الهندية: «ما زلنا في انتظار وقوع المزيد من التأثيرات، ومن شأنها الإضرار بالتدفقات الائتمانية في الصناعة أو تتسبب في تباطؤ التقدم الملحوظ في هذه الصناعة».
ويقوم المصرفيون، في أعقاب عملية الاحتيال، بمراجعة كل الحسابات المصرفية المتعلقة بصناع وصاغة الماس والمجوهرات، وفي بعض الحالات يحاولون الحصول على المزيد من الضمانات والمستندات الإضافية.
ووفقاً لتقديرات البنك المركزي الهندي، فإن قيمة التعرض المصرفي الهندي لصناعة المجوهرات والأحجار الكريمة في البلاد تبلغ 11 مليار دولار. ويعد التمويل من الأدوات الأساسية بالنسبة إلى قطاع الماس الهندي. إذ يستحوذ على 6 مليارات دولار من السوق الهندية و5.5 مليار دولار من القنوات المصرفية الدولية على أساس سنوي، وفقاً لمجلس ترويج صادرات المجوهرات الهندية.
- مخاوف من هجرة أعمال الصقل والتشكيل
وتخشى صناعة الماس من أن جزءاً من أعمال الصقل والتشكيل قد ينتقل إلى بلجيكا وإسرائيل في أعقاب عملية الاحتيال التي شوهت وجه تلك الصناعة في الهند بين المجتمع الدولي. كما تخشى أيضاً من الصعوبات التي فرضتها البنوك على منح الائتمان مما يؤثر سلباً على أعمال الصناعة.
وتعد مدينة أنتويرب البلجيكية المركز العالمي للماس، ونحو 29% من الماس الخام الذي يذهب إلى الهند يأتي من أنتويرب. يقول فيبول شاه، أحد مصدّري الماس الهنود، إن بعضاً من أنشطة الصقل والتشكيل في الهند قد يذهب إلى أنتوريب باعتبارها المركز العالمي للماس.
ومن شأن هذه الخطوة من جانب البنوك أن تؤدي إلى مشكلات مالية ضخمة لشركات الماس. ومنذ سنوات، تعمل صناعة الماس على التمويل المصرفي، وإن توقف هذا المصدر فسوف تكون هناك أزمة خطيرة في التمويل المطلوب لشراء الماس الخام من المشترين في الخارج.
وقال محلل الماس، أنيرودها ليدبايد: «في غياب التمويل المصرفي، سوف تنهار صناعة الماس الهندي تماماً. وإن افترضنا أن إحدى شركات الماس ترغب في الائتمان بقيمة 10 ملايين دولار من أحد البنوك، فإنه يجب على الشركة تقديم ضمانات بنسبة 100% في صورة ممتلكات غير منقولة، أو مجوهرات، أو خلافه. إن الصناعة تتجه نحو أيام عسيرة».
- كيف احتال تجار الماس على البنوك؟
يُستخدم أسلوب المعاملات الدائرية الشائع في هذا القطاع وسيلةً للاحتيال، وهو مثل الفيل في الغرفة الضيقة، كما تصفها دوائر التداول في مومباي. وتصف جريدة «وول ستريت جورنال» المعاملات الدائرية بأنها: «صورة من صور المقايضة التي تنطوي على شركة تبيع أصولاً غير مستغلَّة لشركة أخرى، وفي نفس الوقت توافق على إعادة نفس الأصول بنفس السعر الأصلي تقريباً». وفي مناقشة صريحة مع فريق التحقيق الهندي، أوضح جيه. باتيل تاجر الماس من مومباي، كيف يعمل عدد قليل من الشركات في مجموعات كبيرة لنقل بعض الشحنات مرات تلو المرات بهدف الحصول على الائتمان المصرفي باسم رأس المال المتداول.
وأضاف: «نفترض أن الشحنة (شحنة الماس) تم تصديرها من هنا. فسوف تبدأ في الحصول على دفعات (قروض الشحنة) في دفاترك الخاصة بمجرد تصديرها إلى الولايات المتحدة، أو هونغ كونغ، أو بانكوك، أو أي مكان آخر خارج الهند. ثم يتم تهريب الشحنة المصدرة مرة أخرى إلى الداخل. وفي الدفاتر المحاسبية، يكون التاجر قادراً على أن يثبت الأموال التي يدين بها العملاء له. ولكن في واقع الأمر، هؤلاء العملاء ليسوا إلا شركته الخاصة في الخارج». وبالتالي، تستخدم القروض الجديدة في سداد القروض السابقة، والباقي من الفواتير الزائدة يدخل إلى جيب التاجر في هدوء.
وقال السيد باتيل: «يتم تقديم المستندات للبنوك بشأن هذه الصادرات والقروض المطلوبة لرأس المال المتداول لتصفية التكاليف. ولا يتسنى للبنك معرفة ما إذا كانت الأموال قد استخدمت في تغطية التكاليف من عدمه».
يقول برافين شانكار بانديا، الرئيس الأسبق لمجلس ترويج صادرات المجوهرات الهندية: «لقد عانت صورة صناعة الماس الهندية كثيراً في أعقاب الكشف عن عملية الاحتيال. وانتقل عدد قليل من اللاعبين بأعمالهم إلى بلجيكا وإسرائيل على الرغم من أننا سوف نحاول الحيلولة دون ذلك. ونحن نحاول التفاعل مع وزارة المالية، حيث نناقش معهم الأوضاع الحالية للتجارة».


مقالات ذات صلة

بعد مكاسب قياسية... هل يكسر الذهب حاجز الـ3000 دولار في 2025؟

الاقتصاد بائع يعرض أساور ذهبية لزبون في صالة عرض مجوهرات في مومباي بالهند (رويترز)

بعد مكاسب قياسية... هل يكسر الذهب حاجز الـ3000 دولار في 2025؟

شهد الذهب عاماً استثنائياً من المكاسب خلال 2024، متفوّقاً على توقعات الأسواق ومحافظاً على مكانته بصفته ملاذاً آمناً للمستثمرين، ويسير على المسار نفسه في 2025.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك ذهبية في خزائن الأمانات في دار الذهب «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)

ارتفاع أسعار الذهب قرب أعلى مستوياتها

ارتفعت أسعار الذهب، الجمعة، بالقرب من أعلى مستوياتها في ثلاثة أسابيع، مدفوعةً بتراجع الدولار الأميركي وزيادة تدفقات الاستثمار نحو الملاذات الآمنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك ذهبية في مصنع كراستسفيميت للمعادن غير الحديدية في مدينة كراسنويارسك الروسية (رويترز)

الذهب يتألق في أولى جلسات 2025

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الخميس، مستفيدةً من الزخم الإيجابي الذي اختتمت به عام 2024، وهو العام الذي شهد أداءً قياسياً للذهب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك من الذهب الخالص (رويترز)

الذهب يسجل أفضل أداء سنوي منذ أكثر من عقد في 2024

لم تشهد أسعار الذهب تغيراً يُذكر اليوم الثلاثاء، وهو آخر يوم تداول في عام حافل بالأحداث شهد تسجيل المعدن الأصفر أفضل أداء سنوي منذ أكثر من 10 سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك من الذهب الخالص (رويترز)

تراجع أسعار الذهب وسط ترقب لتوجهات «المركزي الأميركي»

تراجعت أسعار الذهب وسط تداولات ضعيفة اليوم الاثنين في وقت يترقب فيه المتعاملون بيانات اقتصادية من الولايات المتحدة الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مدبولي: الحكومة المصرية ستتابع إجراءات طرح 10 شركات خلال 2025

مدبولي مترئساً اجتماعاً لمتابعة إجراءات طرح شركتَي «صافي» و«وطنية» (رئاسة الحكومة)
مدبولي مترئساً اجتماعاً لمتابعة إجراءات طرح شركتَي «صافي» و«وطنية» (رئاسة الحكومة)
TT

مدبولي: الحكومة المصرية ستتابع إجراءات طرح 10 شركات خلال 2025

مدبولي مترئساً اجتماعاً لمتابعة إجراءات طرح شركتَي «صافي» و«وطنية» (رئاسة الحكومة)
مدبولي مترئساً اجتماعاً لمتابعة إجراءات طرح شركتَي «صافي» و«وطنية» (رئاسة الحكومة)

أعلن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة ستتابع إجراءات طرح 10 شركات خلال عام 2025، وتحديد البرنامج الزمني للطرح.

كلام مدبولي جاء خلال عقده اجتماعاً، يوم الأحد؛ لمتابعة إجراءات طرح شركتَي «صافي» و«وطنية» التابعتين للقوات المسلحة، في إطار خطة الحكومة لطرح 10 شركات حكومية خلال العام الحالي، سواء من خلال البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين.

حضر الاجتماع وزير المالية أحمد كجوك، ووزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب، ومدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة اللواء مجدي أنور، بالإضافة إلى ممثلي صندوق مصر السيادي والجهات المعنية.

في مستهل الاجتماع، أشار مدبولي إلى ما تم الإعلان عنه الشهر الماضي بشأن اعتزام الحكومة طرح 10 شركات حكومية سواء من خلال البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين، مؤكداً أن هذه الطروحات تأتي في إطار تنفيذ «وثيقة سياسة ملكية الدولة» والجهود المبذولة من قِبل الحكومة المصرية لدعم دور القطاع الخاص، وزيادة مساهمته في النشاط الاقتصادي.

وأشار إلى أن خطة الطرح تشمل 4 شركات تابعة للقوات المسلحة، وهي «وطنية»، و«صافي»، و«سايلو»، و«شيل أوت»، موضحاً أن الحكومة تعتزم متابعة إجراءات طرح الشركات المُشار إليها خلال العام الحالي، وتحديد البرنامج الزمني لعملية الطرح.

من جانبه، أوضح وزير المالية أن طرح الشركات يأتي في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، ويعكس التزام الحكومة بدعم القطاع الخاص، وتحسين مناخ الاستثمار.

وقال إن شركتَي «صافي» و«وطنية» تمثلان خطوةً مهمةً في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وأشار وزير الاستثمار، من جهته، إلى أن الوزارة، بالتعاون مع صندوق مصر السيادي، تتابع إجراءات الطرح من كثب؛ لضمان سير العملية بسلاسة، مشدداً على أهمية التنسيق مع جميع الجهات المعنية لتحقيق الأهداف المرجوة.

في السياق ذاته، استعرض اللواء مجدي أنور جهود جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في تجهيز الشركات لعملية الطرح وفق الجداول الزمنية المحددة، مع التركيز على تحقيق أقصى درجات الشفافية.

يُذكر أن الحكومة كانت قد أعلنت، الشهر الماضي، خطتها لطرح 10 شركات حكومية في إطار استراتيجية تهدف إلى تنشيط الاقتصاد الوطني، وجذب استثمارات محلية وأجنبية جديدة.