تنامي القلق في البيئة الشيعية من حرب إسرائيلية على لبنان

«حزب الله» لم يبدد المخاوف بعد التغييرات في الإدارة الأميركية

TT

تنامي القلق في البيئة الشيعية من حرب إسرائيلية على لبنان

تزايدت المخاوف في أوساط البيئة الشيعية من اندلاع حرب إسرائيلية جديدة على لبنان، ضاعفتها شائعات يتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتحدث عن إخلاء «حزب الله» مواقعه العسكرية في سوريا، وتنامت مع التغييرات في الإدارة الأميركية التي أفضت إلى تعيين شخصيات معارضة بشدة لإيران، في وقت يعتبر الخبراء والمراقبون أن وجود شخصيات من الصقور المعارضين لطهران «قد يمنح إسرائيل غطاءً سياسياً لأي عملية عسكرية تنوي تنفيذها».
ومع أن الناشطين السوريين المعارضين لم يلحظوا أي تغيير في تموضع الحزب في سوريا خلال الأيام الأخيرة، تتناقل مواقع التواصل ومنصات إعلامية في لبنان أنباء غير مؤكدة عن إخلاء «حزب الله» مواقعه العسكرية في سوريا، تحسباً لضربات عسكرية أميركية، فيما تتحدث شائعات أخرى عن تحركات عسكرية أميركية وغربية، بينها بريطانية، لتنفيذ ضربات ضد النظام السوري أو مواقع لحلفائه في سوريا. ويتم التعاطي مع هذه المعلومات بجدية في أوساط البيئة الشيعية التي تعيش قلقاً متنامياً من عملية عسكرية إسرائيلية أو أميركية مباغتة تستهدف جنوب لبنان.
ولم يصدر عن «حزب الله» أي مؤشر يمكن أن يبدّد تلك المخاوف بعد تناميها، ما جعل تلك الاحتمالات قائمة، رغم أن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم كان قد قال في الأسبوع الماضي قبل إثارة المخاوف، إنه لا يتوقع حرباً إسرائيلية على لبنان، وأكد استعداد الحزب لذلك، وأنهم «معنيون بأن نكون في موقع الدفاع بكل أشكال الدفاع المتاحة».
وازداد المشهد الداخلي إرباكاً في ظل إحجام الأمين العام لـ«حزب الله» عن تقديم أي معلومات أو إيضاحات في خطابه الأخير حول هذه التطورات، بل ترك التقديرات مفتوحة. فقد أشار في خطابه الأخير الذي أعلن خلاله البرنامج الانتخابي لمرشحي الحزب، إلى أن هناك «تطورات سياسية كبيرة»، بينها «المناورات الأميركية والإسرائيلية»، لافتاً إلى أنه «في كل ليلة، يصلنا أن مواقع الجيش السوري ومواقع حزب الله وقوات الحلفاء في سوريا ستتعرض لقصف من الطائرات الأميركية... ويقال انتبهوا واحتاطوا وانتشروا». وأضاف: «في النهاية، هناك تطورات في المنطقة والعالم»، لكنه امتنع عن التحدث عنها، تاركاً الأمر لخطابات أخرى لا ترتبط بإعلان البرنامج الانتخابي.
ويربط أفراد البيئة الشيعية في لبنان مخاوفهم بالتغييرات التي تحصل في المنطقة، بدءاً من المناورات الإسرائيلية - الأميركية الأخيرة، والتغييرات في الإدارة الأميركية، والتصعيد ضد إيران، فضلاً عن تحذيرات إسرائيلية من قرب اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان.
ويتفق الخبراء على أن التغييرات في الإدارة الأميركية «قد تشكل غطاء لإسرائيل، أكبر من ذي قبل، في حال قررت الدخول في حرب، من غير أن يجزموا بوجود مؤشرات عملية على الاستعداد لحرب جديدة.
ولا ينفي رئيس منتدى سفراء لبنان السفير اللبناني الأسبق خليل مكاوي أن التغييرات الأميركية قد تكون مؤشراً على تصعيد في المنطقة، معتبراً أن الشخصيات التي تتسلم مهامها في الإدارة الأميركية «يمكن أن تشكل غطاءً لإسرائيل في حال قررت القيام بحرب جديدة»، لكنه استبعد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون إسرائيل عازمة على القيام بحرب، بالنظر إلى أن «حساباتها مختلفة»، وأن «إسرائيل تعرف أن الرد سيكون قاسياً على ضوء ربط (حزب الله) جبهتي لبنان وسوريا ببعضهما البعض».
المعطى نفسه أكده مدير مركز «الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري» (أنيجما) الدكتور رياض قهوجي، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، «أن هناك متغيرات مهمة، وتطال إيران بشكل أساس، ومن الطبيعي أن ينتظر الجميع مواقف أكثر تشدداً من إيران وتمددها في المنطقة»، بالنظر إلى «إجماع لدى الباحثين والمراقبين على أن نفوذ إيران تضاعف في سوريا، وهناك انتظار لخطوات غربية لاحتواء الوضع، وقد تكون من بينها الضربات العسكرية».
وشدد قهوجي على أن إسرائيل «لا تزال على التهديدات والتحذير نفسه من تنامي النفوذ الإيراني في سوريا»، لافتاً إلى أن «الإقدام على عمل عسكري هو أمر وارد دائماً، إنما دونه حسابات عديدة»، حيث «تنتظر إسرائيل وضعاً سياسياً دولياً وإقليمياً مناسباً لخطوة مشابهة، وتكون محسوبة من وجهة نظرهم». وإذ أشار إلى أن إسرائيل «قامت بعمليات متقطعة في سوريا وفق حساباتها»، رأى أن إقدامها على عمل عسكري شامل يتمثل في التوغل في سوريا، أو احتلال أجزاء منها برياً أو التصعيد بحجم العمليات وتوسيع مناطق النفوذ «خاضع لحسابات دولية»، معتبراً في الوقت نفسه أن «العمل العسكري الإسرائيلي في سوريا سيلاقي غطاءً سياسياً مضموناً في التغييرات السياسية في الولايات المتحدة».
ومع أن قهوجي يعتبر أن العمل العسكري الإسرائيلي تجاه سوريا «ممكن جداً وقائم بأي لحظة، لم يجزم إذا كانت هناك تحضيرات لعملية عسكرية، كما يُشاع في لبنان». وقال: «لم أقرأ عن تحركات عسكرية أميركية استثنائية إلا في الصحافة اللبنانية، بينما لم تأت على ذكرها مصادر أجنبية موثوقة عادة ما تكون مطلعة على تحركات مشابهة»، وأضاف: «لم يشر الباحثون إلى تحركات غير عادية للقوات الأميركية والغربية، ما يحيل كل تلك المعلومات المنتشرة في لبنان إلى سياق الخطابات الانتخابية».



مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».