«أصابع» أردوغان التي أغضبت القاهرة

مصر وتركيا.. من طرد السفراء الى مساع التهدئة

«أصابع» أردوغان التي أغضبت القاهرة
TT

«أصابع» أردوغان التي أغضبت القاهرة

«أصابع» أردوغان التي أغضبت القاهرة

لا يفوت زائر إسطنبول هذه الأيام ملاحظة شارات «رابعة» في زواريب المدينة وأحيائها الشعبية، فيما تتصدر هذه الشارة صفحات مؤيدي أردوغان على موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي بوصفها دليلا على التضامن مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. ويحتاج متابع وسائل الإعلام الرسمية التركية بعض الوقت ليدرك أنه ليس في مصر، بسبب الكم الهائل من الأخبار المتعلقة بالوضع المصري فيها.
وتمر العلاقات بين مصر وتركيا بفترة حرجة حاليا، بسبب مواقف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان المؤيدة للرئيس المصري المعزول التي وصلت إلى حد استدعاء السفراء، لكن بعض الساسة في القاهرة، يقولون إن تركيا ومصر «مثل تفاحة مشطورة نصفين على جانبي البحر المتوسط». وأعاد بعض كبار السياسيين المعتدلين في تركيا ذكر المثل نفسه عقب توتر العلاقة بين البلدين التي انتهت الأسبوع الماضي بطرد كل منهما سفير الدولة الأخرى في إجراء نادر.

تكره الغالبية العظمى من أنصار قائد الجيش المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الطريقة التي رفع بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أصابعه الأربعة لتتحول تلك «الإشارة» إلى رمز لمظاهرات صاخبة في شوارع القاهرة قادتها جماعة الإخوان المسلمين.. وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.
رفع أردوغان أصابعه الأربعة، للتعبير عن غضبه من فض السلطات المصرية اعتصامين لأنصار الرئيس السابق. وقال مبررا موقفه إنه لن يحترم من وصلوا للسلطة بانقلاب، في إشارة إلى الثورة الشعبية على حكم مرسي في 30 يونيو (حزيران) الماضي، مما أدى إلى زيادة التوتر في العلاقة مع مصر. ومع ذلك يبدو موقف أردوغان المنحاز للإسلاميين مختلفا عن مواقف رئيس تلك الدولة التي تعد واحدة من الدول الكبرى في المنطقة إلى جانب كل من مصر وإيران ودول معتبرة أخرى.. فماذا يريد أردوغان؟
هكذا يسأل النائب البرلماني المصري عاطف مغاوري، المختص في الشؤون الدولية، ويجيب قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن الرجل يُظهر نفسه في عباءة الخليفة العثماني حين يتعامل مع العرب، وفي بدلة الأوروبي حين يتعامل مع الغرب، سعيا لتحقيق الأهداف الأساسية لحزبه، وعلى رأسها الانضمام للاتحاد الأوروبي وشغل دور عراب المنطقة أمام العالم.
يقول محللون أتراك معارضون لسياسات أردوغان إنه يتحدث عن مصر في كل خطاباته، لكنه لا يتحدث إلى المصريين، بل إلى الأتراك الذين يتوقع منهم أن يصوتوا مع حزبه في الانتخابات البلدية المقبلة، التي تعد «بروفة» للانتخابات النيابية والرئاسية التي ستليها. ولهذا، لا يبدو أن أردوغان ينصت لنصائح من يطالبه بتهدئة «الجو» مع المصريين. فالعلاقات مع مصر - كما يقول أحد المقربين منه - ستتحسن لاحقا مهما كانت نتائج المخاض المصري، «فأردوغان سيفوز إذا فاز (الإخوان)، لكنه لن يخسر إذا ما خسروا، وسيعود إلى واقعيته».
ولا يأبه رئيس الحكومة التركية للتطورات السلبية التي أحاطت بالعلاقات التركية - المصرية في الآونة الأخيرة، فهو يتوقع أن يقبض الثمن في الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية المقبلة. ويعترف المحلل السياسي التركي محمد زاهد غل المقرب من حزب العدالة والتنمية، بأن قسما من كلام أردوغان هو «للاستهلاك الداخلي»، مشيرا إلى أن شارات رابعة أصبحت عنوانا يفاخر برفعه كثيرون ممن يتعاطون الشأن العام في تركيا.
وبدأ رئيس الحكومة التركية القادم من حزب إسلامي، انتقاد سياسات القاهرة بشكل متصاعد منذ الإطاحة بمرسي، على الرغم من أن جماعة «الإخوان» التي ينتمي إليها الرئيس السابق هاجمت أردوغان حين زار العاصمة المصرية الخريف الماضي، وذلك حين تحدث الزعيم التركي عن أفضلية الحكم العلماني للمصريين، قائلا في كلمات لم تعجب قيادات «الإخوان» حينها إنه رئيس حكومة مسلم لدولة علمانية، وإن العلمانية لا تعني اللادينية.
ويقول علاء فاروق، رئيس وحدة دراسات آسيا الوسطى بمركز القاهرة للدراسات التركية، لـ«الشرق الأوسط» إن الرأي العام يتحدث في الوقت الراهن عن أزمة في العلاقات التركية - المصرية، معربا عن اعتقاده أن الأزمة ليست وليدة اليوم، ولكنها بدأت منذ الإطاحة بمرسي.
وارتفعت وتيرة الانتقادات التركية لمصر بعد فض اعتصامي أنصار مرسي في ميداني رابعة والنهضة بالقاهرة والجيزة، في 14 أغسطس (آب) الماضي. وعقب انتقاده موقف الأزهر بسبب انحيازه لثورة 30 يونيو (حزيران)، زاد أردوغان من حدة تصريحاته التي طالت القضاء المصري أيضا حين قال مع بدء إجراءات محاكمة الرئيس السابق إنه لا يكن «أي احترام لهؤلاء الذين اقتادوا مرسي أمام القضاء». ويضيف فاروق لـ«الشرق الأوسط» إن العلاقات تكاد تكون منعدمة منذ 30 يونيو الماضي، «كون السيد أردوغان يرى أنه كان معارضا، ثم وصل إلى السلطة في بلاده.. ويرى أن عزل الرئيس (السابق) مرسي انقلاب عسكري، كونه، أي أردوغان، اكتوى بنار الانقلابات العسكرية في تركيا منذ فترة.. بالإضافة إلى الاقتراب الآيديولوجي بين أردوغان ومرسي من حيث تبني كل منهما ما يسمى (المشروع الإسلامي) في المنطقة».
ويزيد فاروق قائلا إن التقارب الآيديولوجي بين الرئيس المصري السابق ورئيس الوزراء التركي، يفسر تعامل أردوغان بتشدد مع ملف القاهرة، وضد الحكام الجدد، وذلك من خلال التصريحات شبه اليومية «التي لا تليق بمسؤول ربما يسعى للتقارب بين منطقة الشرق الأوسط وتركيا». وفي ما بدا تحديا جديدا أغاظ المصريين الذين ثار الملايين منهم ضد حكم «الإخوان»، ورغم تخفيض العلاقة بين البلدين أخيرا، فإن أردوغان عاود تحديه القاهرة ورفع مجددا أربعة من أصابع يده إلى أعلى، مؤكدا تضامنه مع أنصار مرسي أثناء حضوره مؤتمرا جماهيريا لحزبه في شمال تركيا.
ويلقي معارضو أردوغان عليه باللائمة في تردي العلاقات مع مصر، إلى حد يقارب ترديها خلال مرحلة الوحدة بين سوريا ومصر أيام الرئيس المصري عبد الناصر. ويرى هؤلاء أن تصريحات أردوغان تأتي دائما في سياق «صب الزيت على النار»، آخذين عليه عدم ترويه في هذا الملف والتعامل معه على أنه «شخصي».
وإذ يشير زاهد غل، إلى أن أحزاب المعارضة التركية تنتقد عموما الحكومة في سياستها الخارجية وطريقة تعاطيها مع الدول العربية، لا سيما مصر وسوريا، فإنه يؤكد أن «ثمة جزئية لا يمكن أن نغفل عنها، وهي أن تركيا عموما لا تختلف في توصيف ما حصل في مصر؛ إذ إن المعارضة والموالاة على السواء تعدان ما حصل انقلابا وليس ثورة». ويرى غل أنه «لا يوجد أي حزب سياسي يمكن أن يجرؤ على أن يمتدح وجود العسكري في السلطة، ذلك أن تركيا عانت كثيرا من الانقلابات ومن حكم العسكر، وهي تسعى لإبعاد أي شبح عسكري عن السلطة». ويؤكد أن أردوغان يكون «مرتاحا جدا عندما يتحدث في الشأن المصري لأنه يقف مع المظلوم ضد سطوة الجيش، والشعب البسيط (في تركيا) يدرك أن الانقلابات تأتي دائما بالدماء».
وعن التباين في مواقف رئيس الجمهورية عبد الله غل وأردوغان في الشأن المصري، يقول زاهد غل إن «رئيس الجمهورية ليس سلطة تنفيذية ولا يملك الصلاحيات»، جازما في الوقت نفسه بأنه «لا توجد وجهات نظر مختلفة، بقدر ما أن رئيس الجمهورية لديه أسلوب دبلوماسي».
لكن حسن بوغون، مدير الأخبار الخارجية في صحيفة «إيدنلك» يرى أنه «على الرغم من عدم وجود موقف معاد من غل تجاه الإخوان، فإنه يمكن أن نقول إنه يوجد الآن موقفان تركيان رسميان بالنسبة للتطورات في مصر؛ موقف يمثله غل ونائب رئيس الوزراء بولند أرينج والجماعات الدينية، وموقف تمثله حكومة العدالة التي يترأسها أردوغان».
وكقادة الأحزاب المعارضة، يحمل نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض فاروق لو أوغلو، أردوغان «جزءا كبيرا من مسؤولية ما آلت إليه العلاقات بين تركيا ومصر أخيرا.. أمر محزن للغاية». وانتقد تقييم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للقضاء المصري في تصريحات لصحيفة «حرييت»، متهكما «كما لو أن القضاء في تركيا مستقل ويعمل بشكل جيد، فأردوغان الذي لديه مثل هذا النظام القضائي ينتقد القضاء في مصر».
ويرى زاهد غل أن العلاقات المصرية - التركية لن تتدهور أكثر مما هي عليه الآن، مستبعدا أن تصل الأمور إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية وإقفال السفارات، لكنه يرى أن الوضع الحالي سيبقى قائما لفترة طويلة.
ويشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتدهور فيها العلاقات، لكنها الأكبر منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، و«مع ذلك بقى التبادل الدبلوماسي قائما».
بدوره، يقول حسن بوغون إن طرد السفير التركي من القاهرة وفي المقابل طرد السفير المصري، لم يكن مفاجئا «على اعتبار أن العلاقات المصرية - التركية بدأت في التدهور بعد الحركة الشعبية التي خاضها الشعب المصري في ميدان التحرير والتي انتهت بإسقاط حكومة الإخوان واعتقال المسؤولين وعلى رأسهم محمد مرسي ووضعهم في السجن»، مشيرا إلى أن «حكومة العدالة والتنمية منذ بداية اعتصامات التحرير اتخذت موقفا مؤيدا لـ«الإخوان» ولم توفر أي طاقة لدعمهم، بل فتحت أبواب تركيا للهاربين من قادة وكوادر «الإخوان» واحتضنتهم وأمنت لهم جميع احتياجاتهم».
وأشار بوغون إلى ما تداولته وسائل الإعلام التركية أخيرا من أن «(الإخوان) أعلنوا عن تأسيس حزب لهم في إسطنبول، واعتقد الجميع أن (الإخوان السوريين) هم الذين أسسوا حزبهم، ولكن في الحقيقة هم (إخوان مصر) الذين يرعاهم أردوغان هم الذين أسسوا حزبهم في إسطنبول بالتعاون مع (الإخوان السوريين)، ويعقدون اجتماعاتهم السرية في العديد من فنادق إسطنبول البعيدة عن أعين الإعلاميين، وبما أن إخوان سوريا لم ينجحوا ولن ينجحوا في تحقيق أي مأرب لهم في سوريا، فإن الهدف الحقيقي من وراء هذا الحزب هو تفعيل دور (الإخوان المصريين) في مصر والاعتماد عليهم بعد فشل (إخوان سوريا)».
ويعتقد كثير من المهتمين بالعلاقات بين البلدين أن القطيعة بدأت بالفعل بعد الإطاحة بمرسي في 3 يوليو (تموز) الماضي، وأن مسألة طرد السفيرين كانت مجرد عملية «تحصيل حاصل» لما كان يدور بالفعل تحت السطح. ويقول فاروق إن «العلاقات لم تنقطع بطرد السفيرين، بل كانت أساسا في حالة جمود منذ 30 يونيو الماضي، ولم يكن أي من الطرفين يعلن عن ذلك».
وتوجد على ما يبدو إجراءات تقوم باتخاذها كل من مصر وتركيا للتضييق على الرجال المحسوبين على النظامين هنا وهناك، سواء كانوا من الشخصيات الرسمية أو غير الرسمية. ويشير علاء فاروق إلى أن بعض المصادر التركية ذكرت في الفترة الأخيرة أن «مصر تحجم هنا من وجود الأتراك حتى بالنسبة لغير الرسميين، وكذلك كانت تركيا تفعل الأمر نفسه»، وذلك قبل أن يتفجر الخلاف ويظهر بقوة على السطح «خاصة بعد تصاعد تصريحات أردوغان أخيرا تجاه مصر».
ويتخوف البعض من تدخلات تركيا الدولية تجاه القاهرة، ومحاولاتها تحريض بعض الأطراف ضد مصر.. «كما أنه توجد مصادر تقول إن أردوغان يسعى للحيلولة دون التقارب الروسي مع السلطات الجديدة في مصر»، وفقا لفاروق الذي يجيب عما إذا كانت العلاقات بين البلدين يمكن أن تعود لسيرتها الأولى في حال استقرت الأوضاع تحت مظلة خارطة الطريق المصرية، قائلا إن تركيا في نهاية المطاف لا تستطيع الاستغناء عن مصر.
ويضيف قائلا: «لكن أرى أن تركيا الآن ربما تسعى إلى تجييش المجتمع الدولي ضد القاهرة خاصة أوروبا، لمحاولة عزل مصر دوليا والضغط عليها والاستعانة ببعض الدول الأخرى، مثل البرازيل وغيرها».
وتوجد للأتراك استثمارات ضخمة في عدة مدن مصرية خاصة في مدينة الإسكندرية، منذ سنوات. وكانت خارطة الاستثمارات التركية تتضمن، منذ عام 2010، توسعات في مجالات شتى منها صناعة الغزل والنسيج والكيماويات والسيارات، وغيرها.
ويرى فاروق أن مصر ما زالت في حاجة إلى تركيا، وأنه لم يكن ضروريا التسرع في الرد على كل ما يصدر من أنقرة، مشيرا إلى أن البلدين سيعود كل منهما للآخر، «لكن الخطوة الأولى أرى أنها ينبغي أن تأتي من جانب مصر.. الحكومة المصرية في ظل التراجع الأمني والاقتصادي وغيره، ليست في حاجة إلى عداءات مع دول مثل تركيا. ولم يكن يصح أن تكون ردود الفعل المصرية بالطريقة التي ظهرت بها وهي في مرحلة عدم ثبات في هذه المرحلة. التقارب سيأتي، لكن ربما يطول الوقت نوعا ما».
ومن السهل أن تجد في أحاديث المصريين عن الأتراك محاولات للتفرقة بين رئيس الوزراء وحزبه الأقرب إلى تيار الإسلام السياسي في بلدان كمصر وليبيا وتونس وسوريا، من جانب، ورئيس الدولة عبد الله غل، وعموم الشعب التركي من الجانب الآخر. وهنا يسأل البعض قائلا: ما مدى استفادة الدولة التركية من توجهات رئيس الحكومة أردوغان ضد مصر؟ ويجيب فاروق موضحا: «نستطيع أن نقول إن الحكومة التركية ربما لن تستفيد شيئا من تصريحات أردوغان، لكن أردوغان يركز على بعض الأشياء في السياسة».
ويضيف رئيس وحدة دراسات آسيا الوسطى بمركز القاهرة للدراسات التركية، إن من بين تلك الأشياء التي يركز عليها أردوغان هي أنه «ربما يرى، مع حزبه، أنهما يحققان المكسب الأكبر؛ حيث إنه يقول دائما إنه ينتصر للحريات والديمقراطية والدولة المدنية».
لكن النائب المصري، مغاوري، له وجهة نظر أخرى يفسر بها موقف أردوغان. ويشير مغاوري أولا إلى كثير مما يتردد من لغط حول ما يقال عن أن لـ«أردوغان» أطماعا في استعادة الهيمنة القديمة للإمبراطورية العثمانية أو أنه يستخدم ملف الدول العربية والإسلامية لتحقيق مصالح له مع الغرب خاصة أميركا وأوروبا.
ويجيب النائب مغاوري قائلا: «علينا أن نعلم أن حزب العدالة والتنمية في تركيا جاء على ملف وفكرة سعي انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وهناك شروط لدى الاتحاد الأوروبي موضوعة أمام الجانب التركي لاستيفائها قبل قبول عضويته في الاتحاد. وحين وصل الأمر إلى طريق مسدود مع وجود حالة رفض لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بدأت تركيا، عن طريق حزب أردوغان، تغازل وتسعى في الوقت نفسه للضغط على الجانب الأوروبي بناء على فكرة التوجه إلى الشرق، بما تمتلكه من تراث ديني أو تاريخي، واستدعاء الفترة العثمانية وما فيها من تراث، إلى درجة ظهور بعض المصطلحات مثل (العثمانلية الجديدة) وغيرها».
ويزيد النائب المصري أن تركيا ربما تريد أن تدخل الاتحاد الأوروبي بصفتها مفتاحا للشرق الأوسط أو الشرق الأوسط الكبير، وعلى أنها قوة ضاغطة وتمتلك المفاتيح. ويضيف: «إذا نظرنا إلى منطق كتاب الدبلوماسية التركية في المنطقة الذي أصدره أحمد داود أوغلوا (وزير الخارجية التركي) القائم على منهج (المشكلات صفر)، أي حل مشكلات المنطقة بكل تناقضاتها، فإن تركيا اصطدمت مع المنطقة نفسها ومع تركيبة هذه المنطقة».
ويتابع مغاوري أن تركيا اليوم «صنعت العديد من المشكلات ولم تعمل على حلها، وأصبحت طرفا مغذيا لجماعات إرهابية، وأصبحت سياسة أردوغان مع فتح الحدود واستضافة تنظيمات تعمل ضد دولها، محاولة لاستثمار الحراك السياسي في بعض البلدان العربية التي شهدت ما أطلق عليه (الربيع العربي)، وما تبعه من صعود لتيار الإسلام السياسي في المنطقة وتصدره المشهد، حيث أرادت تركيا، من خلال حكومة حزب العدالة والتنمية، أن تكون راعية لحكومات الإسلاميين في الدول العربية».
ويقول أحد الدبلوماسيين المصريين إن «المشكلة التي واجهت تركيا ربما تنحصر في معادلة جاءت بنتائج عكسية لشعوب ثورات الربيع العربي التي لم تكن لتمانع في تكرار النهج التركي في الحكم، في المرحلة الجديدة، إلا أن الإسلاميين في دول (الربيع العربي) كانوا يسيرون نحو تجربة النموذج الباكستاني». ويقول مغاوري: «لولا ثورة (30 يونيو) لدخلت مصر النموذج الباكستاني.. أي جماعات إرهابية وجيشا مرتبطا بأميركا».
وعن الوضع الراهن بين مصر وتركيا، يوضح مغاوري قائلا إن «الموقف في أي علاقات دولية إذا تجاوزت حدود السيادة، فإنها تكون قد دخلت في إطار آخر. ومن حق أي دولة أن تختلف على وضع معين في دولة أخرى، لكنها حين تتجاوز حق الاختلاف والنقد إلى التحريض، فإن هذا يتحول إلى موقف عدائي ينقل العلاقات الدولية والثنائية بين أي دولتين إلى حيز العداء، وهذا ما فعلته تركيا مع مصر».
وفي جلسات النوادي النيلية المسائية، يقول السياسيون المصريون، من قيادات حكومية وحزبية إن من حق تركيا أن ترفض أو تختلف مع المتغيرات في سياسة الدولة، أو تتعاطف أو تناصر وضعا بعينه، لكنها حين تتجاوز هذا، وتصل إلى حد تقديم الدعم إلى طرف بعينه في مواجهة طرف آخر تناصبه العداء، واستضافة مؤتمرات واجتماعات تنظيمية لـ«الإخوان»، فإن هذا موقف عدائي.
ويعلق مغاوري قائلا إنه عند هذه النقطة يكون من حق الدولة التي يقع عليها الضرر أن تتخذ ما تراه من الإجراءات الدبلوماسية المتعارف عليها لتحافظ على هيبتها.. «من أبسط الإجراءات، مثل استدعاء السفير، إلى حد طرده، وقد تصل إلى قطع العلاقات»، مشيرا إلى أن الموقف المصري الأخير من تركيا جاء تلبية لرغبة شعبية حقيقية، باعتبار السفير التركي في القاهرة شخصا غير مرغوب فيه، وكذلك تخفيض العلاقات الدبلوماسية إلى قائم بالأعمال وليس سفيرا، وذلك «استجابة لحالة الرفض الشعبي بمصر لمواقف أردوغان، لأن استمرار الفعل التركي في عدم وجود رد فعل مصري ينتقص من السيادة المصرية والمكانة المصرية في العلاقات الدولية».
لكن القاهرة لم تنتظر وواصلت إجراءات الرد على انتقادات أردوغان، وبعد أن سحبت سفيرها، عبد الرحمن صلاح، من هناك، صعدت الأمر بإبلاغ سفير تركيا في القاهرة حسين عوني بوتسلي، أنه بات شخصا غير مرغوب فيه، وعدت وزارة الخارجية المصرية تصريحات رئيس الوزراء التركي تدخلا في شؤونها الداخلية «فضلا عما تتضمنه من افتراءات وقلب للحقائق وتزييف لها بشكل يجافي الواقع منذ ثورة (30 يونيو)».
ومع ذلك لا يخفي البعض في الوسط الدبلوماسي المصري ارتياحه لموقف الرئيس التركي المعتدل تجاه مصر وقوله ما معناه إن البلدين لا يمكن أن يصل بهما الأمر إلى مرحلة القطيعة. كما توجد إشارات على مساع ووساطات إقليمية للتهدئة بين القاهرة وأنقرة.
وحين توترت العلاقة في الأيام الأخيرة بين مصر وتركيا جرى إلقاء اللوم على مناصري النظام السابق، واتهامهم بأنهم يستعينون بتركيا، وأن أردوغان أصبح رأس حربة لأنصار مرسي بتدخله في شؤون مصر. لكن أسامة رشدي، القيادي في «التحالف الوطني لدعم الشرعية» المؤيد لنظام مرسي، يرد قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن هذه اتهامات مفتعلة.. «لا علاقة لنا بمسار العلاقات المصرية - التركية.. تركيا لديها مشكلة تاريخية تتعلق برفض الانقلابات العسكرية، وعانت طويلا من الانقلابات العسكرية منذ الستينات إلى آخر انقلاب على حكومة أربكان سنة 1997، فهي لديها حركات تتبنى قيما أخلاقية تعبر عنها الحكومة التركية».
وتتهم جهات مصرية أيضا التيار الإسلامي المناصر لمرسي في مصر بالتعاون مع تركيا لرفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وغيره من قيادات عسكرية، إلا أن رشدي، الذي يشغل أيضا موقع المستشار السياسي لحزب «البناء والتنمية» الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، يقول إن المصريين هم من يقومون بإدارة هذا الملف، ولا علاقة له بتركيا ولا غيرها.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.