«كاتساروس» أقدم صالة مزادات بالقاهرة تحتفل بمئويتها

بدأت استوديو سينمائياً... والملك فاروق كان أبرز زوارها

من مقتنيات صالة «كاتساروس»
صاحب «كاتساروس» الحالي مجدي محمود يجاور صورتَي والدته وجده
من مقتنيات صالة «كاتساروس» صاحب «كاتساروس» الحالي مجدي محمود يجاور صورتَي والدته وجده
TT

«كاتساروس» أقدم صالة مزادات بالقاهرة تحتفل بمئويتها

من مقتنيات صالة «كاتساروس»
صاحب «كاتساروس» الحالي مجدي محمود يجاور صورتَي والدته وجده
من مقتنيات صالة «كاتساروس» صاحب «كاتساروس» الحالي مجدي محمود يجاور صورتَي والدته وجده

«أُخذت المناظر الداخلية باستوديو كاتساروس». جملة يمكن أن يطالعها عشاق السينما على أفيشات وتترات الأفلام المصرية القديمة التي أنتجت خلال حقبتي العشرينات والثلاثينات، لتشير إلى ذلك الاستوديو القديم الذي تأسس عام 1918، في وسط القاهرة، على يد اليونانيين الخواجة كاتساروس، والخواجة ميخائيل ميخايليديس، الذي ما لبث أن تحوّل إلى صالة للمزادات وبيع التحف والأنتيكات منذ أربعينات القرن الماضي، وقد توارثها الأبناء والأحفاد، لتكون اليوم الأكبر والأقدم في العاصمة المصرية.
ومع احتفال «كاتساروس» بمئويتها، زارت «الشرق الأوسط» الصالة التي تضمّ عشرات القطع الفنية الممثلة في الأنتيكات والتحف النادرة، والفازات والشمعدانات، والسجاجيد والتابلوهات، وكذلك أفيشات الأفلام القديمة التي تحمل هوية المكان في سنواته الأولى.
«أنا مجدي محمود حفيد جورج ميخايليديس»؛ ديباجة يردّدها دائماً بفخر صاحب المكان الحالي الذي انتقلت له الصالة من والدته هيلينا، التي بدورها هي بدورها ورثتها عن والدها جورج ميخايليديس.
يفتح الحفيد أبواب الصالة للجميع، من هواة التحف والأنتيكات، ومحبي الفنون والثقافة، ويعيش معهم شغفهم بمقتنيات الصالة ناقلاً خبراته، ويقلب معهم دفاتر الماضي مفتخراً بما تشهد عليه «كاتساروس».
من بين صفحات هذه الدفاتر، يقول: «منذ بداية القرن العشرين تواجد اليونانيون بكثرة في مصر، ومن بينهم الخواجة كاتساروس وجدّي الخواجة ميخائيل ميخايليديس اللذين تشاركا في إنشاء استوديو تصوير سينمائي، وكان جدّي تحديداً مسؤولاً عن توريد الأثاثات وديكورات السينما؛ كونه محباً للتحف والأنتيكات، كما كان يكتب بعض قصص الأفلام، ومن بين الأفلام التي صُورت هنا (فتش عن المرأة)، (بسلامته عايز يتجوز)، (زوجة بالنيابة)».
استمر الاستوديو في ممارسة نشاطه حتى أوائل الأربعينات. ومع إنشاء الاقتصادي المصري طلعت حرب، استوديو مصر عام 1935، ثم خروج كاتساروس منها، تحوّل النشاط لصالة مزادات، يشرف عليه الخواجة ميخايليديس، ليلمع اسم الصالة في هذا المجال في السنوات التالية، وهي الفترة التي ازدهر فيها نشاط المزادات في البلاد على يد الأجانب والخواجات.
يعود الحفيد لحديثه: «لمعت أسماء بعينها في مجال المزادات مثل ماريو جازاتي، إم جي دي، كوريلا، إلّا أنّ جورج ميخايليديس كان أكثرهم شهرة؛ لأنه كان المُصفي القضائي والخبير لعدد من السفارات والجاليات الأجنبية بمصر، وفي مقدمتها الفرنسية واليونانية، وامتد النشاط إلى تصفيات أخرى، ليحفر جدي لنفسه وللصالة سمعة طيبة، إلى جانب كونها أكبر مساحة لصالة مزادات في مصر، وربما في الشرق الأوسط، حيث تحتل ما يقرب من ألف متر مربع».
واصلت الصالة عملها حتى وفاة جورج ميخايليديس في عام 1971، لتنتقل إدارة «كاتساروس» إلى ابنته هيلينا، وليلمع اسمها بوصفها أول عاملة بالمزادات في مصر، خصوصاً بعد حصولها على الجنسية المصرية.
استمرت إدارة المكان على حالها، حتى وفاة هيلينا ميخايليديس العام الماضي، ليكون نجلها مجدي محمود وريثها، والمشرف على المكان وإدارته حالياً. يقول الابن، الخبير في تقييم وتثمين الأعمال الفنية والتحف: «الثقة في المكان والسمعة الجيدة والنزاهة والشفافية في التعامل مع الزبائن أمور ورثناها عن جدي ثم والدتي، وهي أبرز العوامل التي جعلت المكان يعيش 100 عام».
يأخذنا صاحب كاتساروس في جولة بالصالة، مواصلاً حديثه بفخر: «يأتي لي زبائن الآن ويخبرونني أن آباءهم كانوا يشترون التحف من والدتي، أو أجدادهم كانوا يشترون من جدي الأنتيكات، بل ويحتفظون معهم بفواتير الشراء القديمة التي تحمل اسم كاتساروس، وهذا بالطبع يكون مصدر فخر لي، وتغمرني السعادة عندما أسمع ذلك منهم؛ لذا أحاول جاهداً الحفاظ على هذه السمعة التي وصلت في الماضي إلى قصور الملوك والعائلات العريقة والطبقات الأرستقراطية».
ويعود مجدداً إلى ذكريات الماضي، متحدثاً عن أبرز زوار المكان قائلاً: «بالطبع قبل الأربعينات كان يتوافد على الاستوديو الممثلين والمخرجين والفنيين من أبرز الأسماء اللامعة في السينما في ذلك الوقت، وبعد تحول النشاط للمزادات جذبت الصالة العشرات من عاشقي التحف وعلى رأسهم الملك فاروق».
ويستطرد بمزيد من الفخر: «قصّتْ لي والدتي أن الملك فاروق زار (كاتساروس) أكثر من مرة، حيث كان محباً لاقتناء الأنتيكات، وفي كل زيارة كانت توضع له السجادة الحمراء في الشارع، وكان يسمى شارع أبو السباع وقتها، حيث تمشي فوقها سيارته الملكية حتى تتوقف أمام باب الصالة، ليدخل الملك ويكون الخواجة جورج ميخايليديس في استقباله، وينتقي الملك من المعروضات ما يروق له، ثم كانت والدتي تذهب إلى السرايا لتحصيل الفواتير التي كان يدفعها فاروق من حسابه الخاص».
عرف الباشاوات والهوانم أيضاً الطريق إلى «كاتساروس»، وكان أبرز الزبائن الدائمين السياسي المصري فؤاد باشا سراج الدين. وبجانب هواة التحف؛ جذبت الصالة المصريين والأجانب، الذين كانوا يريدون قطعاً خشبية بعينها، حيث كان الخواجة ميخايليديس لديه عمالة مصرية يشرف عليها لعمل قطع موبيليات بعينها. كما كان من زبائنها عدد من اليهود المصريين، لتكون «كاتساروس» بمثابة بوتقة انصهرت فيها الأديان الثلاثة، والجنسيات المختلفة، ولتكون شاهدة على التعايش والتسامح بينها.
مع احتفال «كاتساروس» بمئويتها اتجهت لنشاط آخر، تعود به إلى سيرتها الأولى، حيث بدأت في تنظيم بعض الأنشطة والندوات الثقافية. عن ذلك يقول محمود: «تجتذب الصالة بعض الزبائن الذين تحولوا بمرور الوقت إلى أصدقاء للمكان، وجميعهم مثقفون، حيث نناقش بعض الموضوعات الثقافية، ومع زيادة العدد فكرنا في تنظيم ندوة داخل الصالة عن منطقة القاهرة الخديوية التي تستهوينا جميعاً». ويستطرد: «بعدها فكرنا في ندوة أخرى عن أفيشات السينما، وجمعنا عدداً من هذه الأفيشات من جانب الهواة، وحاضر بها المخرج السينمائي الشهير سمير سيف، ولاقت إقبالاً جماهيرياً لم أتوقعه امتد للسفيرين الأرجنتيني والبلجيكي، وهو ما يدعونا للتفكير في تنظيم سلسلة ندوات شهرية، تتحول معها كاتساروس إلى منتدى ثقافي وفني».



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.