تتفاعل أزمة تلوث مياه النيل بمخلفات المصانع في مصر، يوماً بعد آخر، إلى الحد الذي تبدو فيه التحذيرات والقوانين الرادعة عاجزة عن وضع حد يحافظ على بيئة نظيفة.
قش الأرز
وقد لجأ الباحثون المصريون إلى ما بات يُعرف بـ«المعالجة الخضراء»، وتمكنوا أخيرا من ابتكار أكثر من طريقة تستخدم فيها مواد طبيعية لتنقية المياه الملوثة بمخلفات صناعية، وكان من بينها قش الأرز وقشر الرمان وثفل الشاي.
الباحثة والمدرس بقسم الهندسة الكيميائية بجامعة المنيا، د.جيهان قطب توصلت إلى استخدام «السيلكا» المستخرجة من قش الأرز في أكثر من تطبيق، كان أبرزها تنقية مياه الصرف الصناعي. وتقول د.جيهان لـ«الشرق الأوسط»، إنها تمكنت من «استخدام السيلكا بعد تحويلها إلى حجم النانومتر (النانو واحد من المليار) مع مادة (تيتانيوم أيزو بروكسيد) لأداء وظيفة تنقية مياه الصرف الصناعي من الأصباغ، وذلك عبر استخدام تقنية التحليل الضوئي»، وتضيف أن طريقتها الجديدة أسفرت عن إزالة 65 في المائة من صبغة الميثيلين الأزرق في أول دقيقة من استخدام (النانو سيلكا) في وسط مائي يحتوي على تلك الصبغة». وكانت الباحثة قد نشرت بحثها في مارس (آذار) 2016 بمجلة Arabian Journal of Chemistry التي تصدرها جامعة الملك سعود السعودية.
وأضافت أن الفائدة البيئية اللجوء لتلك التقنية في تنقية المياه، ستكون مزدوجة، فمن جهة سيؤدي التوسع في استخدام قش الأرز إلى تخليص البيئة المصرية من أحد أهم مشكلاتها وهي إحراق قش الأرز التي تسبب ما يعرف بـ«السحابة السوداء» الملوثة للهواء، وعلى جانب آخر ستساهم في إنقاذ مياه نهر النيل من مياه الصرف الصناعي.
وبحسب تقرير لجهاز شؤون البيئة صدر في ديسمبر (كانون الأول) 2016، فإن الملوثات الصناعية هي أخطر مهددات مياه النيل، والتي تستقبل سنويا كميات كبيرة منها، ويشير التقرير إلى أن 150 مليون متر مكعب من الملوثات التي تصب في النيل مصدرها 8 منشآت صناعية فقط.
الرمان والشاي
محاولة أخرى لحصار التلوث، أقدمت عليها الباحثة بمعهد بحوث البترول د.منى منصور، التي توصلت دراسة نشرتها أيضاً في دورية Arabian Journal of Chemistry في أبريل (نيسان) 2016 إلى تحويل الكميات الكبيرة من قشور الرمان بعد استهلاك الثمرة من عبء على البيئة إلى استخدام فعال لنفس الغرض. وتنتج مصر سنويا 130 ألف طن من الرمان، ويتخلف عن استهلاكها أطنان من القشور.
وتقول د.منى لـ«الشرق الأوسط»، إنها تمكنت باستخدام مستخلص قشر الرمان في تحضير أكسيد الحديديك iron oxide في حجم متناهي الصغر، ثم استخدامه في معالجه المياه التي تحتوي على المركبات الهيدروكربونية الأروماتية متعددة الحلقات، وهي من المشتقات البترولية، والتي تصنف بأنها من أخطر الملوثات العضوية الدقيقة، ومن مسببات السرطان».
واختبرت الباحثة تنقية المياه باستخدام الأكسيد المحضر باستخدام مستخلص قشر الرمان أن 2.8 مليغرام فقط منها كانت كافيه لإزالة المخلفات من كل غرام من المياه الملوثة.
وتمكنت الباحثة من التوصل إلى محاولة لمواجهة الصرف الصناعي بأحد المواد الطبيعية، في بحث نشرته في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي بدورية Advances in Natural Sciences تفاصيل استخدامها لـ«ثفل الشاي» في هذه المهمة.
واستخدم مستخلص ثفل الشاي في تحضير جزيئات «أكسيد الزنك» النانوميتريه لإزالة المركبات الدوائية من البول البشري، والتي تعوق عملية تنقية مياه الصرف الصحي لاستخدامها في أغراض الري والزراعة. وتقول الباحثة: «الدراسات السابقة التي استخدمت ثفل الشاي كانت ذات طبيعة طبية وركزت على استخدام المركبات النباتية الموجودة به، والتي تتميز بأنها مضادة للأكسدة، في صناعات الأدوية، ولكنها المرة الأولى التي يتم الاستفادة من الصفات الكيميائية لهذه المركبات في مجال مختلف، وهو تنقية مياه الصرف الصحي».
وتضيف أن «نتائج الاختبارات التي أجرتها أظهرت أن 1.5 غرام من أكسيد الزنك المحضر باستخدام مستخلص ثفل الشاي كان كافيا لإزالة المركبات الدوائية من كل لتر من البول البشري، والذي تم فصله من عينات بول من متطوعين تحت العلاج بعقار إيبوبروفين، الإيفيدرين، بروبرانولول». وترى د.جيهان أن نتائج بحثها يمكن أن تكون مفيدة في التوجه الرسمي المصري حاليا للاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة».