مفاوضات برعاية روسية تسابق هجوماً واسعاً على الغوطة

المدنيون بدأوا الاستعدادات لإطلاق «مقاومة شعبية»

طرقات بلدة عربين بالغوطة الشرقية كما بدت بعد هطول الأمطار فوق الركام أول من امس (أ.ف.ب)
طرقات بلدة عربين بالغوطة الشرقية كما بدت بعد هطول الأمطار فوق الركام أول من امس (أ.ف.ب)
TT

مفاوضات برعاية روسية تسابق هجوماً واسعاً على الغوطة

طرقات بلدة عربين بالغوطة الشرقية كما بدت بعد هطول الأمطار فوق الركام أول من امس (أ.ف.ب)
طرقات بلدة عربين بالغوطة الشرقية كما بدت بعد هطول الأمطار فوق الركام أول من امس (أ.ف.ب)

تسابق مساعي المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها روسيا بين النظام السوري وفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية لدمشق، انفجار الوضع العسكري، وسط استعدادات من قبل النظام لشن هجوم واسع ينطلق من الجبهة الشرقية للغوطة، ومعلومات عن أن المدنيين المحاصرين بدأوا الاستعدادات لـ«مقاومة شعبية» عبر تلقيهم تدريبات على السلاح وتجهيز الأقبية، بغرض مواجهة توغل مرتقب للنظام.
وقالت مصادر معارضة في الغوطة لـ«الشرق الأوسط» إن مفاوضات عميقة ترعاها روسيا، وتشارك فيها جميع الفصائل في الغوطة، انطلقت خلال الأيام الماضية، لكنها لم تتوصل إلى حل يقضي بتثبيت الهدنة التي يطالب بها المعارضون. وقالت المصادر إن هناك «تكتما حول طبيعة المفاوضات التي تشارك فيها الفصائل بطريقة غير مباشرة عبر التواصل مع الروس، رغم أن (جيش الإسلام) موضوع في الواجهة»، مشيرة إلى أن الفصائل «ترفض مبدأ النظام في المفاوضات الذي يضعها أمام خيارين؛ إما الاستسلام وإما الإبادة».
وأشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى مفاوضات تجري حالياً بين قوات النظام والفصائل المعارضة «لإخراج (هيئة تحرير الشام)، (جبهة النصرة سابقاً)، من الغوطة الشرقية». ونقلت صحيفة «الوطن»، القريبة من النظام السوري، عن مصادر، أن «مفاوضات ماراثونية» تجري للتوصل إلى تسوية برعاية روسية، من دون إضافة تفاصيل حول البنود التي يجري التباحث حولها.
لكن القيادي البارز في «جيش الإسلام»؛ الفصيل الأقوى في الغوطة الشرقية، محمد علوش، نفى أي مفاوضات مع النظام. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن متمسكون بحقنا المشروع في الدفاع عن أنفسنا بكل قوة، وفتحنا المجال أمام الحل السياسي وشاركنا في المفاوضات التي تؤدي إلى حقن دماء السوريين، لكن الطرف الآخر خالف هذه الاتفاقيات وخرق جميع الهدن».
كذلك نفى المتحدث باسم فصيل «فيلق الرحمن»، ثاني أبرز فصائل الغوطة، وائل علوان، «أي تواصل أو مفاوضات مع النظام». وأكد الفصيلان نيتهما التصدي لأي هجوم مرتقب لقوات النظام. وشدد علوان على «التصميم لصد جميع محاولات الاقتحام والاعتداء على الغوطة الشرقية».
ولوّح النظام بالخيار العسكري لحسم المعركة في الغوطة. وقال الناشط يوسف البستاني إن الخطر الفعلي «لا يتمثل في تهديدات النظام بشن عملية عسكرية، بل بتشديد الحصار، وهو الملف الأكبر الذي يهدد به النظام الفصائل؛ أي التجويع وقتل المدنيين». وقال البستاني لـ«الشرق الأوسط»: «النظام يدرك استحالة السيطرة العسكرية لأن الثوار هم أبناء الغوطة ويقاتلون لحماية وجودهم، لذلك يلجأ لتشديد الحصار والتجويع»، مشدداً على أن المدنيين الآن «يعيشون مرحلة صعبة لأن الأيام المقبلة ستكون بمثابة تحد لهم».
وكشف البستاني عن أن المدنيين «بدأوا استعداداتهم لتنظيم مقاومة شعبية؛ إذ باشروا التدرب على السلاح، ونظموا دورات تدريب طبية، بينما لجأت العائلات لتجهيز الأقبية بغرض الاحتماء فيها، استعدادا لأسوأ المراحل المنتظرة إذا باشر النظام عمليته العسكرية».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن قوات النظام بدأت التمهيد للعملية العسكرية المرتقبة بقصف صاروخي على الغوطة، حيث استهدفتها بنحو 240 صاروخاً خلال نصف ساعة عصر أمس الأحد؛ سقطت في مدن وبلدات دوما وسقبا ومسرابا وجسرين وحمورية وكفربطنا، بموازاة تحشيدات عسكرية دفع بها النظام لانطلاق العملية العسكرية بقيادة العميد سهيل الحسن المعروف بـ«النمر».
وفي حين بدا أن المفاوضات لم تتوصل إلى أي اتفاق، أفيد عن وصول «قوات النمر» التي يقودها العميد سهيل الحسن أمس إلى دمشق، للمشاركة في عملية عسكرية كبرى تستعد لها قوات النظام لحسم الوضع في الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها فصائل معارضة؛ أبرزها «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن».
وكان النظام قد استقدم تعزيزات من الفرقة التاسعة والدفاع الوطني و«درع القلمون» إلى جبهة شرق دمشق، بعد الهجوم الذي شنته الفصائل المعارضة مطلع العام الحالي على «إدارة المركبات» في حرستا، حيث تمركز قوات النظام في حرستا. وتعد قوات «النمر» من أبرز المجموعات المقاتلة في صفوف قوات النظام، ولعبت دوراً في السيطرة على عدة أحياء من حلب المحاصرة وريفها، إلى جانب المشاركة في عمليات محافظة دير الزور ومحيط الرقة. ويأتي استقدام هذه القوات بعد أسبوع من القصف الجوي والمدفعي العنيف على بلدات الغوطة الشرقية المحاصرة، والذي راح ضحيته أكثر من 269 مدنيا؛ وفق «مركز الغوطة الإعلامي» المعارض، وفي المقابل قتل وأصيب العشرات في مناطق سيطرة النظام بقذائف «هاون» كانت تتساقط بشكل عشوائي على مختلف أحياء دمشق المتاخمة للجبهة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».