انتقاد الماني لسياسات ترمب في افتتاح مؤتمر ميونيخ

أمين عام «الناتو» يوجه تحذيراً لباريس وبرلين ويؤكد أهمية العلاقة مع واشنطن

وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين تتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (أ.ب)
وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين تتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (أ.ب)
TT

انتقاد الماني لسياسات ترمب في افتتاح مؤتمر ميونيخ

وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين تتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (أ.ب)
وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين تتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (أ.ب)

بدا اليوم الأول من مؤتمر ميونيخ أشبه بأوركسترا أوروبية في مواجهة تصدع التحالف عبر الأطلسي. فالمؤتمر الذي يعقد بعد عام تقريبا على تولي دونالد ترمب الرئاسة الأميركية، افتتح بكلمتين لوزيرتي الدفاع الألمانية والفرنسية توالتا فيهما على الحديث عن ضرورة تقوية دفاع وأمن أوروبا لكي تصبح قادرة على مواجهة المخاطر منفردة من دون أن تضطر لطلب المساعدة من واشنطن. ولم تتردد وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين بتوجيه انتقادات لاذعة لترمب، من دون أن تسميه، تعقيبا على قراره خفض تمويل الأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد اعتراض المنظمة الدولية على قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل. وفي ميزانية العام 2019 اقترح ترمب تخفيض ميزانية التنمية الدولية إلى الثلث وإيقاف تمويل بشكل كلي عن بعض المنظمات المرتبطة بالأمم المتحدة. وفيما بدا درسا في الأمن الجيو - سياسي موجها لترمب، تحدثت فون يدر لاين بإسهاب عن ضرورة اتباع أي عملية عسكرية بعملية إنمائية لإنجاحها. وقالت: «الأمم المتحدة بحاجة إلى تقوية وليس إضعاف، وقد لا نحب كل قراراتها ولكن علينا دعمها. وقد تعلمنا كثيرا من أزمة اللاجئين مؤخرا وعلينا أن نعزز منظمات الأمم المتحدة المرتبطة باللاجئين للمساهمة بالقضاء على اليأس الذي يعزز من التطرف والعنف». وأضافت: «أصدقاؤنا الأميركيون عليهم أن يتولوا مسؤولياتهم الأبعد من المسؤولية العسكرية. فما النفع من تخليص الموصل من (داعش)، لكن بعدها يموت أهاليها جوعا؟».
وفي معرض انتقادها لمواقف الإدارة الأميركية، تحدثت فون دير لاين على ضرورة وجود «بعد سياسي» لأي عمل عسكري. وقالت: «البعد العسكري يسمح بالتغلب على الأزمات ولكن لا يمكن أن يكون طريقا للسلام الكامل. وقد رأينا ذلك في مالي وأفغانستان وسوريا والعراق». ورأت أن هناك حالات تتطلب ضرورة التركيز على القوة العسكرية مثل محاربة «داعش» مثلا، «لأنها لا تتفاوض بل تقطع الرؤوس»، ولكنها أضافت: «على المدى البعيد يجب أن يكون هناك استقرار سياسي وعسكري لأن الضربات العسكرية لا يمكن أن تمنع تطرف الأجيال التي ينمو بالإقصاء والتهميش».
انتقاد الوزيرة الألمانية هذا جاء مصحوبا بالحديث بإسهاب عن خطة الدفاع الألمانية - الفرنسية الجديدة التي تم التوصل إليها العام الماضي، وقالت: «نريد أن يكون للأوروبيين جيشا وسنموله من الصندوق الأوروبي. نريد أن نستخدم هذا الوزن العسكري إن كان هناك ضرورة لذلك». وذكرت بكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إن أوروبا يجب أن تعمل على توفير الحماية لنفسها.
وفيما بدا أيضا ردا على انتقادات ترمب لألمانيا بعدم إنفاقها بما يكفي على ميزانية الدفاع، أعلنت فون دير لاين أن ألمانيا ستزيد ميزانيتها الدفاعية وقالت: «قررنا تخصيص ميزانية في السنوات القادمة في الدفاع والسياسات التنموية، أي لتحقيق أهداف الناتو والمساعدات الإنمائية». وأضافت أن هذا يعني «إننا سنستطيع أن نستمر في تغيير توجه الجيش الألماني لأننا في السنوات الـ25 الماضية كنا نخفض ميزانيات الجيش. لكننا الآن سنزيدها ونحدث الجيش».
وبعد الحرب العالمية الثانية خفضت ألمانيا من ميزانيتها الدفاعية، في سياسة ما زالت معتمدة حتى الآن. إلا أنها مؤخرا ومنذ انتخاب ترمب، تتعرض لانتقادات شديدة بسبب عدم دفعها التزاماتها كعضو في الناتو، إذ يطالب الحلف الدول الأعضاء أن تنفق 2 في المائة من إجمالي دخلها العام على الميزانية الدفاعية.
تبعت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي نظيرتها الألمانية وتحدثت بدورها عن أهمية الخطة الأوروبية الجديدة. وقالت: «يجب أن تكون لدينا استراتيجية مستقلة تخدمنا بشكل جيد دون أن نضطر للطلب من الولايات المتحدة أن تساعدنا». وأضافت أنه على مدى الشهور المقبلة ستكثف فرنسا «شراكتها العظيمة مع ألمانيا لكي تكون لدينا طائرات مسيرة سويا مشتركة..الهدف مواجهة التهديدات المشتركة». وعددت بارلي عددا من هذه المخاطر من بينها الهجمات الإلكترونية العام الماضي، قالت إنها كلفت الشركات الفرنسية ملايين اليوروات. وتابعت تتحدث عن الشراكة قائلة: «نحن نضاعف الجهود لعصرنة موادنا العسكرية وإعادة النظر في التسليح وتجديده لكي تتمكن من التحرك والانتشار بسرعة. الصندوق الأوروبي للدفاع هو بمثابة ثورة دفاعية في بروكسل».
ولكن الوزيرة الفرنسية كانت حريصة على التأكيد على ضرورة الإبقاء على التعاون مع الولايات المتحدة وتعزيزه. وقالت: «التحالف مع الولايات المتحدة من خلال الناتو لا يمكن الاستغناء عنه لذلك علينا أن نقوم بكل ما نستطيع لتعزيزه».
وقد عكست الكلمتان تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الشهير في نهاية مايو (أيار) الماضي عندما قالت إن أوروبا لم «يعد بإمكانها الاعتماد على حلفائها» لحمايتها وأنه بات عليها أن تأخذ الأمر بيدها. كلامها حينها جاء بعد رفض ترمب الالتزام باتفاق باريس للتغير المناخي وبعد سلسلة انتقادات وجهها لألمانيا بسبب قبولها إدخال اللاجئين السوريين واعتباره أيضا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمرا إيجابيا.
ولكن أمين عام الناتو ينس شتولتنبرغ التي تحدث بعدهما، وجه تحذيرا لهما بعدم تحييد واشنطن والناتو. وقال إنه يرحب بجهود الاتحاد الأوروبي حول الدفاع واعتبرها فرصة من شأنها «أن تساهم بتحسين تقاسم الأعباء، ولكنها تحمل مخاطر أضعاف التحالف عبر الأطلسي وتجاوز الناتو أو ازدواج عمله».
وأضاف، فيما بدا انتقادا للخطة، قائلا: «الاتحاد الأوروبي لا يمكنه حماية أوروبا بنفسه والدول الخارجية تحمل دورا أساسيا في الدفاع عن الاتحاد الأوروبي». وذكر فرسنا وألمانيا بأنه بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فان 80 في المائة من إنفاق الناتو سيكون من خارج دول الاتحاد الأوروبي. وشدد على ضرورة التكامل بين الاتحاد الأوروبي والناتو وليس التنافس.
وتطرق ينس شتولتنبرغ إلى تحديات أخرى تواجه الحلف الأطلسي أبرزها استمرار البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وقال حول ذلك: «علينا بذل أقصى الجهود الممكنة دبلوماسيا وسياسيا لدفع كوريا الشمالية للتخلي عن سلاحها. وأشار أمين عام الناتو أيضا إلى الخطورة القادمة من إيران»، وقال: «إيران أيضا تشكل مصدر قلق فيما يتعلق بالانتشار النووي. لذلك لكي يكون الاتفاق النووي مع إيران فعالا يجب تنفيذه بشكل صحيح».
ورغم أن الكلام خارج أمن أوروبا كان قليلا في اليوم الأول من مؤتمر ميونيخ، فإن ما تحدث به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كان أكثر ما لفت من تصريحات. فقد رسم غوتيريش صورة قاتمة للغاية عن الشرق الأوسط، بعد أن صدر تقريرا عن المؤتمر أظهر أن 8 من أبرز 10 أزمات في العالم هي في الشرق الأوسط.
وعدد غوتيريش الأزمات المتتالية في المنطقة من سوريا إلى اليمن إلى فلسطين.. وقال: «الشرق الأوسط يشهد مأساة كبيرة وهناك خيوط تتشابك.. والوضع معقد جدا ومتداخل». وتحدث كذلك عن المخاوف من حرب إسرائيلية مع «حزب الله» في لبنان قال إنها إذا حصلت ستحمل «دمارا كبيرا لكل لبنان». ورأى غوتيريش أن أي تصعيد في أي أزمة ستكون له «عواقب كارثية» في الشرق الأوسط.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».