ماحي بينبين في معرض تشكيلي بمراكش «بين الأسود والأبيض»

يضم لوحات تنطلق من الذات لتؤكد التزاماً نحو قضايا الإنسان والمجتمع

ماحي بينبين بين لوحات معرضه بمراكش (تصوير: مولاي عبد الله العلوي)
ماحي بينبين بين لوحات معرضه بمراكش (تصوير: مولاي عبد الله العلوي)
TT

ماحي بينبين في معرض تشكيلي بمراكش «بين الأسود والأبيض»

ماحي بينبين بين لوحات معرضه بمراكش (تصوير: مولاي عبد الله العلوي)
ماحي بينبين بين لوحات معرضه بمراكش (تصوير: مولاي عبد الله العلوي)

في آخر معارضه، بـ«رواق أسود على أبيض»، بمدينته مراكش، حيث ولد سنة 1959، يمنح ماحي بينبين عشاق الفن التشكيلي فرصة التعرف على جديده الفني، من خلال لوحات تنتظم تحت عنوان «ماحي بينبين... بين الأسود والأبيض»، تنطلق من تجارب الذات لتؤكد وفاءً لاختيارات صاحبها، سواء لجهة الشكل الفني أو المراهنة على «موضوعَي التشظي والانكسار اللذين يلحقان الكائن جراء تعرّضه لمختلف أنواع الشطط والقهر»، على رأي الفنان والشاعر عزيز أزغاي، الشيء الذي يؤكد إصراراً على «إبراز قيم الصمود والكرامة في مواجهة الرعب واليأس».
وقال بينبين، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض، كما يظهر من عنوانه، يحيل على العلاقة التي ربطته بـ«رواق أسود على أبيض»؛ مشيراً إلى أن لوحاته تأتي متناغمة مع ما عرف به، من حيث مواد الاشتغال والاختيار الفني، مع تأكيده على أن عمله الفني والإبداعي، بشكل عام، «يتضمن التزاماً أخلاقياً واجتماعياً اتجاه قضايا الإنسان والمجتمع».
وقدم «رواق أسود على أبيض» للمعرض الذي يتواصل إلى 21 فبراير (شباط) الحالي، ولصاحبه الذي يعد من أبرز الوجوه الفنية في المغرب، وأكثرها حضوراً في الخارج، دون نسيان مساره الإبداعي على صعيد الكتابة السردية، الذي هو «سليل مفارقات خصيبة انتهى به المطاف إلى تبنيها وتحويلها إلى مادة للإبداع الروائي أو العمل التشكيلي»، بالقول إن أعمال ماحي بينبين هي «قطع من الحياة»، تنقل لسخطه وقناعاته، في آن، مع الاحتفاء بالإنسان، في مواجهة الظلم والنكران؛ وهي أشياء اكتسبها من نضاله الشاق، تماماً كما هو حال شخصيات لوحاته، التي تكدح تحت وطأة العذاب الذي تعيشه. لذلك؛ فمن يعرف الرجل والفنان يدرك رقته، التي هي، في آن، أنيقة بألم، تنقل لوضعية يعرف صاحبها كيف يتعامل معها، على اعتبار أن الفنان، هو حارس زمنه، يقدم شهادته، في حين يعبّر عن ذاته بحجاب متعفف.
بالنسبة لماحي بينبين، الفن هو، قبل كل شيء، التزام أخلاقي واجتماعي، هو الذي ظل عالمه مسكوناً بأولئك الذين يعانون، الشيء الذي جعله يندد بالتعسف، والعنف بجميع أشكاله، هو الذي لا يخفي أن من مهام الفن «جعل العالم أكثر قابلية للاحتمال، مع إضفاء معنى على كلّ ما يحيط بنا».
ويعتبر بينبين أحد الفنانين المغاربة القلائل الذين تألقوا عالمياً في ميداني الفن التشكيلي والكتابة السردية. لا يتعلق الأمر، هنا، كما يرى الكاتب والناقد المعطي قبال، بنزوة أو بميل رومانسي، بل بـ«توجه وموهبة إلى التعبير عن دواخل ذاتية جريحة ومآس بشرية تتردد يومياً على ناظرنا: قتلى الحروب، غرقى الهجرة السرية، تسكع الأطفال في الأزقة، تفشي العنف على نحو صارخ».
يستعيد المعطي قبال المفارقة الباصمة لذاكرة ماحي بينبين، التي تمثلت في «تجربة الانفصام التي عرفها جراء مجالسة والده الدائمة للملك الحسن الثاني، في حين الأخ الأكبر قابع في غياهب سجن تزمامارت، حيث اعتقل لمدة 18 عاماً رفقة ضباط قاموا مدفوعين بمؤامرة انقلاب ضد الحسن الثاني. اختفى الأخ لتعيش الأم رفقة أطفالها في ترقب عودته يوماً ما»؛ لذلك، لم تكن للوحات ماحي بينبين إلا أن تعبر عن «مرحلة أضحى فيها الجسد ذليلاً بفعل هيبة السطوة والخوف»، فـ«رافقت أشغاله بطريقتها الخاصة ما سمي آداب وفنون السجون، وهو نتاج روائي، تشكيلي يعتبر شهادة أو صك اتهام في حق (سنوات الرصاص) التي عاشها المغرب»، وذلك من دون أن تنقاد أعماله التشكيلية لبلاغة آيديولوجية أو سياسية ضيقة، بل «تحاول بدءاً من تجربة عائلية ترجمة انمحاء إنسانية الإنسان، تشييء جسده، كائنه. يتجلى عنف التشظي في الوجوه المجوفة وكأنها نحتت بشفرات حادة، في الأعضاء والأطراف المبتورة الساقطة في الفراغ، أو الآيلة إلى السقوط».
وفضلاً عن قيمته الفنية وصيته الذي ذاع في الخارج حتى صار أحد أعمدة الفن التشكيلي والنحت في بلده، وأكثرهم حضوراً وحظوة في الخارج، يتميز ماحي بينبين بحضور أدبي، على مستوى الكتابة السردية لا يقل عن إبداعاته التشكيلية، مع المحافظة على خط الالتزام نفسه، هو الذي يتداخل في رواياته، الذاتي بالموضوعي، حاملاً همّ المثقف في فكره والإنسان في داخله، مترجماً آلام مجتمع بكامله وآماله، مقتسماً حيرته مع قرائه، عن هذا الذي جرى للمغرب وللمغاربة، حتى صار الكبار يتسولون بالصغار، والشباب يهاجرون خارج البلد أو يفجّرون أنفسهم، منطلقاً من أفكار يطور بها أحداث رواياته، التي انطلق في إبداعها مع «قمة العبودية» (1992)؛ مروراً بـ«أكلة لحوم البشر» (1992)؛ و«جنازة الحليبـ» (1994)؛ و«ظل الشاعر» (1997)؛ و«غبار الحشيش» (2001)؛ و«الله يخلف» (2013)؛ و«نجوم سيدي مومن» (2009)، التي تناول فيها الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في 16 مايو (أيار) 2003، والتي حولها المخرج المغربي نبيل عيوش إلى فيلم سينمائي تحت عنوان «يا خيل الله»؛ وصولاً إلى «مجنون الملك» (2017)، التي يتحدث فيها عن والده الفقيه بينبين، التي نقرأ على ظهر غلافها: «ولدت في عائلة شكسبيرية، بين والد في حاشية الملك وشقيق معتقل. (...) للبقاء في خدمة جلالة الملك، تخلى والدي عن زوجته وأبنائه. ترك ابنه في مواجهة أشباحه.
ما هي أعذار «المجنون».. وأعذار الأب؟ قدر وحدة صادمة وعبودية اختيارية... كل شيء عبثي في هذا العالم السفلي. كان لوالدي طعم غريب للحياة، مرت سنوات وأنا أبحث عن طريقة لسردها. هذه القصة، لها خيال الحكاية الغابرة وفداحة الدراما الإنسانية».



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.