معركة على الجثث في الموصل

ذوو 9 آلاف مفقود يريدون استرجاعها لدفنها... والبلدية عاجزة

مدنيون يحملون جثة انتشلوها من  منزل في الحي القديم بالموصل (رويترز)
مدنيون يحملون جثة انتشلوها من منزل في الحي القديم بالموصل (رويترز)
TT

معركة على الجثث في الموصل

مدنيون يحملون جثة انتشلوها من  منزل في الحي القديم بالموصل (رويترز)
مدنيون يحملون جثة انتشلوها من منزل في الحي القديم بالموصل (رويترز)

كان العراقيون الذين عادوا إلى الحي القديم في الموصل يدركون أن من الصعب العيش وسط الركام الذي خلفته المعركة مع تنظيم داعش، لكن ثمة أمرا واحدا في المنطقة يجدون أنه لا يطاق بعد مرور سبعة أشهر على توقف القتال.
قال عبد الرزاق عبد الله الذي عاد مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى الحي الذي شهد آخر معركة خاضها المتشددون في يوليو (تموز) الماضي مع القوات العراقية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة «لا أريد أن يمشي أطفالي بجوار جثث قتلى في الشارع كل يوم». وأضاف لوكالة رويترز: «نقدر على العيش بلا كهرباء لكننا نحتاج لأن ترفع الحكومة الجثث. فهي تنشر الأمراض وتذكرنا بالفظائع التي عشناها».
وتتصاعد رائحة الموت التي تزكم الأنوف من أركان تمتلئ بالركام وسط الخراب الذي حل بالشطر الغربي من الموصل ومن سيارات يأكلها الصدأ لا تزال مفخخة بالمتفجرات ومن بيوت مهجورة بعدما فر من استطاع
الفرار من النهاية الدموية لحكم المتشددين الذي استمر ثلاث سنوات. وغالبية الجثث الملقاة في العراء في شوارع كثيرة لمتطرفين من التنظيم ممن تراجعوا إلى المباني المتلاصقة في الحي القديم الذي لم يعد إليه سوى نحو 5000 فقط هم الذين ضاقت بهم الدنيا فاضطروا للعودة من سكانه قبل الحرب والذين كان عددهم يبلغ 200 ألف نسمة.
وحسب سكان ومسؤولين بمدينة الموصل فإن جثث آلاف من المدنيين لم تنتشل بعد من الأنقاض لكن الحكومة
العراقية التي يقودها الشيعة ترفض ذلك. وقال العميد محمد محمود رئيس قوات الدفاع المدني في المدينة: «لا توجد جثث أخرى لمدنيين لانتشالها في الموصل». والدفاع المدني التابع لوزارة الداخلية هو المكلف برفع الجثث وإصدار شهادات الوفاة.
ويقول الدفاع المدني إنه جمع جثث 2585 مدنيا حتى منتصف يناير (كانون الثاني) وإنه لم يتم التعرف على أصحاب الكثير منها وإنه استكمل عملياته. ولا يريد الدفاع المدني إهدار موارده على جثث المتشددين. وقال محمود: «لماذا نمنح الإرهابيين (فرصة) الدفن اللائق».
ويهدد الخلاف على جثث القتلى بزيادة غضب سكان المدينة الذين أرهقتهم حرب صعبة وحكم المتشددين القاسي في مكان وجد فيه التنظيم في البداية بعض التعاطف. كذلك فإن العدد النهائي للقتلى من المدنيين مسألة سياسية لها حساسية كبرى في العراق بل وخارجه.
واضطرت مديرية البلدية إلى تشكيل فريقها المتخصص لتلقي طلبات سكان المدينة للعثور على أكثر من 9000 مفقود أغلبهم كانت آخر مرة يشاهدون فيها في الحي القديم ومن المفترض أنهم دفنوا تحت الركام. ويعمل الفريق حاليا على إنجاز طلبات لرفع 300 جثة ويرسل مجموعات لانتشالها كلما أمكن. لكن هذه الجثث هي التي شاهدها جيران أو أفراد العائلات أو المارة وحددوا مواقعها.
وقال دريد حازم محمد، رئيس لجنة انتشال الجثث بمديرية البلدية: «لا نعرف عدد الجثث الأخرى تحت الركام.... إذا لم تتصل بنا أسرة أو شاهد رأى الناس يموتون لإبلاغنا على وجه التحديد بعدد الجثث في موقع ما فلا سبيل لنا لمعرفة ما إذا كانت هناك جثة أو خمسة أو 100 مدفونة فيه».
وأفاد سكان بأنه تم حفر قبور جماعية مع اشتداد حدة المعركة وأن 100 من جيرانهم دفنوا بشكل جماعي في قبور غير عميقة في باحة مسجد أم التسعة بالحي القديم. وقال محمود كريم: «دفنت أنا بنفسي بين 50 و60 شخصا، بيدي، بينما كانت الطائرات تحلق فوق الرؤوس وتقصف المدينة».
ووصل العديد من العائلات لاستخراج جثث أقاربها لدفنها في مقابر ملائمة. وقال كريم: «لكن آخرين لا نعرف أين عائلاتهم». فبعض هؤلاء قضى نحبه بينما لا يزال آخرون ضمن آلاف ما زالوا في مخيمات اللاجئين أو استأجروا أماكن للإقامة بإيجارات غالية في مناطق أخرى من المدينة.
ولم تذكر مديرية البلدية في الموصل العدد المحدد للخسائر البشرية في صفوف المدنيين غير أن رئيسها عبد الستار الحبو قال إنه يتفق مع تقديرات بمقتل نحو عشرة آلاف مدني خلال المعركة بناء على تقارير المفقودين ومعلومات عن القتلى من المسؤولين. ويشمل الرقم ضحايا القتال البري وضحايا قصف قوات التحالف.
وردا على طلب للحصول على تعليق أحال متحدث باسم التحالف الأميركي إلى تقارير متاحة عن الأحداث. وأوضح تجميع محصلة هذه التقارير أن الجيش الأميركي يعترف بقتل 321 فردا بناء على «مزاعم لها مصداقية» وذلك من عشرات التقارير عن سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين بسبب الغارات الجوية لقوات التحالف قرب الموصل.
وأوضحت البيانات أن التحقيق ما زال جاريا في 100 تقرير آخر عن سقوط ضحايا من ضربات التحالف قرب الموصل كل منها يشير إلى قتيل أو عدة قتلى.
ورغم أن أبرز المشاكل في الموصل هي جثث المقاتلين المتروكة في الشوارع فإن السكان يقولون إنهم عثروا أيضا على جثث لأفراد يشتبه أنهم من أقارب أعضاء تنظيم داعش في بيوتهم. وقال صاحب بيت في الحي القديم طلب حجب اسمه خوفا من رد فعل المسؤولين إنه ظل أسابيع يطلب من الدفاع المدني المجيء ورفع جثتين من حجرة النوم الرئيسية في بيته بالطابق السفلي. وقد تحللت الجثتان لكن من الواضح من الملابس أنهما لامرأة وطفل. وأضاف الرجل، مشيرا إلى تنظيم داعش: «الدفاع المدني رفض لأنهم قالوا إن المرأة والطفل من داعش.... قالوا إنهم يعاقبونني لأنهم يعتقدون أنني أيدت داعش».
وجمع فريق البلدية 348 جثة لمتشددين حتى الآن لكن لا يزال عدد كبير منها موجودا. ويمر السكان بها في طريقهم لجلب المياه من المضخات المؤقتة في أحد الشوارع بينما يلعب أطفال صغار على مسافة غير بعيدة من جثتين على عتبة أحد البيوت. ومن الممكن التعرف على بعض المقاتلين من ملابسهم بينما كشف جيران للحكومة عن هوية البعض وعثر على بعض الجثث لمقاتلين ما زالوا ممسكين بسلاحهم الذي استخدموه في المعركة الأخيرة في مواجهة القوات العراقية وقوات التحالف التي حاصرتهم.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.