مايكل كاريك... أسطورة خط الوسط الذي لم يحظ بالتقدير المناسب

لاعب يجعل كرة القدم تبدو سهلة للغاية من خلال التمرير الصحيح والتمركز في المكان المناسب

فاز كاريك بعدد كبير من البطولات مع مانشستر يونايتد («الشرق الأوسط») - كاريك لم يشارك مع المنتخب الإنجليزي  إلا في 34 مباراة  («الشرق الأوسط»)
فاز كاريك بعدد كبير من البطولات مع مانشستر يونايتد («الشرق الأوسط») - كاريك لم يشارك مع المنتخب الإنجليزي إلا في 34 مباراة («الشرق الأوسط»)
TT

مايكل كاريك... أسطورة خط الوسط الذي لم يحظ بالتقدير المناسب

فاز كاريك بعدد كبير من البطولات مع مانشستر يونايتد («الشرق الأوسط») - كاريك لم يشارك مع المنتخب الإنجليزي  إلا في 34 مباراة  («الشرق الأوسط»)
فاز كاريك بعدد كبير من البطولات مع مانشستر يونايتد («الشرق الأوسط») - كاريك لم يشارك مع المنتخب الإنجليزي إلا في 34 مباراة («الشرق الأوسط»)

لو طرحنا سؤالاً عن أفضل لاعبي خط الوسط في كرة القدم الإنجليزية على مدى العشرين عاماً الماضية، فسوف يتبادر إلى أذهاننا على الفور أسماء مثل ستيفن جيرارد الذي كان يُعد لاعباً متكاملاً، وفرانك لامبارد الذي كانت لديه قدرة فائقة على تسجيل الأهداف، وبول سكولز الذي كان يمتلك قدرات خططية هائلة، فضلاً عن قدرته على صناعة وتسجيل الأهداف. لكن هناك لاعبَ خط وسط آخر يستحق أن يحجز مكانه بين هؤلاء الأساطير، لاعب لديه قدرة استثنائية على التمرير والتحكم في «رتم» المباراة بتمركزه الرائع وذكائه الشديد، لكن هذا اللاعب لم يحظَ بالتقدير الذي يتناسب مع قدراته وإمكانياته، خصوصاً على المستوى الدولي.
إنه نجم خط وسط مانشستر يونايتد مايكل كاريك، الذي قرر اعتزال كرة القدم بنهاية الموسم الحالي. ورغم أنه ليس من نوعية اللاعبين الذين يستحوذون على صدر صفحات الصحف والمجلات من خلال إحراز هدف جميل من تسديدة قوية من مسافة 30 ياردة أو من خلال تصدره للإحصائيات المتعلقة بصناعة وإحراز الأهداف، فإنني في كل مرة أشاهده فيها وهو يلعب مع مانشستر يونايتد على مدى سنوات طويلة أشعر بالذهول من قدرته الفائقة على أن يجعل كرة القدم تبدو سهلة للغاية من خلال التمرير الصحيح والتمركز في المكان المناسب.
وعندما نريد أن نُعلم الجيل القادم من لاعبي خط الوسط الشباب فن استخلاص الكرة والاستحواذ عليها، وأن يكون لديك رؤية كاشف للملعب بالكامل بحيث تعرف أين ستمرر الكرة حتى قبل أن تتسلّمها، فلا يوجد أفضل من مايكل كاريك كمثال نموذجي على ذلك.
ولا يوجد لاعب آخر لديه القدرة على تمرير الكرة بهذه السرعة، وبكلتا قدميه، وضرب خطوط الفريق المنافس من خلال التمرير الطولي القصير والمباشر لزملائه في الخط الأمامي - لا تبدو مثل هذه التمريرات القصيرة بروعة تمريرة بطول 60 ياردة مثلاً، لكن كاريك يستطيع القيام بذلك أيضاً وبمنتهى السهولة.
وعندما ننظر إلى «الجيل الذهبي» لكرة القدم الإنجليزية، ونتساءل عن الأسباب التي جعلتنا نفشل في استغلال إمكانيات لاعبين من الطراز العالمي، فأنا أرى أنه بدلاً من السؤال حول لعب لامبارد وجيرارد معاً في الفريق ذاته، كان يتعين علينا أن نسأل لماذا لم يكن كاريك هو الخيار الأول خلف هذين النجمين، خصوصاً أنه كان سيمنحهما القدرة على التحرك للأمام بكل سهولة واستغلال قدرتهما على صناعة وتسجيل الأهداف. وإذا نظرنا إلى المواسم الاستثنائية التي قدمها جيرارد ولامبارد مع فريقيهما في الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا فإننا سندرك أنهما قاما بذلك بفضل الأداء القوي من جانب لاعبين يتسمون بالذكاء والالتزام من خلفهما، مثل الفرنسي كلود ماكيليلي، أو الأرجنتيني خافير ماسكيرانو في حالة لامبارد، وتشابي ألونسو في حالة جيرارد (لاعب ذو قدرات دفاعية كبيرة) يمكنهما من التحرك للأمام واستغلال قدراتهما في المناطق الأمامية.
وخلال أغلب فترات الـ40 عاماً الماضية، كانت الثقافة الكروية والفلسفات الخططية في إنجلترا مغرمةً باللعب المباشرة والمثير والإيقاع السريع والمباريات التي تشهد كثيراً من الأهداف أو التدخلات القوية في خط الوسط، وهو الأمر الذي كان يعني عدم الانتباه بالشكل الكافي لقدرات وإمكانيات كاريك، وحتى تجاهله في بعض الأوقات من الانضمام لمنتخب بلاده، وهو الأمر الذي كان له مردود سلبي على المنتخب الإنجليزي في حقيقة الأمر.
ولحسن الحظ، فإن الانفتاح على الكرة العالمية والاستعانة بخدمات مديرين فنيين أجانب مميزين ولديهم الرغبة في تقديم أفكار جديدة قد أدى إلى تطوير أفكارنا خلال السنوات الأخيرة، كما تغيرت الفلسفة التدريبية وقوة المسابقة بصورة دراماتيكية. ونتيجة لذلك، حظي كاريك بتقدير أكبر من ذي قبل، ولا يوجد دليل على ذلك أكبر من تصريحات المدير الفني السابق لبرشلونة الإسباني جوسيب غوارديولا، الذي صرح بأن كاريك هو اللاعب الوحيد في العالم الذي كان يمكن ضمه للفريق الاستثنائي العملاق الكتالوني الفائز ببطولة دوري أبطال أوروبا على حساب مانشستر يونايتد في ملعب ويمبلي الشهير عام 2011. وفي الحقيقة، لا يمكن أن تكون هناك إشادة أكبر من هذه لكاريك، خصوصاً أن غوارديولا نفسه كان يلعب في نفس المركز، فضلاً عن دوره كمدير فني في ظهور سيرجيو بوسكيتس في المركز نفسه.
وفاز كاريك بعدد كبير من البطولات مع مانشستر يونايتد، سواء على المستوى المحلي أو القاري، وكان أحد الأعمدة الأساسية للفريق على مدى سنوات طويلة، لكنه رغم كل ذلك لم يشارك مع المنتخب الإنجليزي سوى في 34 مباراة. وأشعر بأنه لو كان كاريك يحمل الجنسية الإسبانية أو الإيطالية أو الألمانية لشارك في عدد أكبر من المباريات الدولية، بسبب الطريقة المختلفة التي تحتفي بها هذه الدول بمثل هؤلاء اللاعبين الذين يجيدون صناعة اللعب والقيام بالواجبات الدفاعية في منتصف الملعب على أكل وجه.
لم تُتَح لي الفرصة من قبل للحديث مع مايكل كاريك فيما يتعلق بكرة القدم، لكني أشعر بأن هذه لن تكون هي نهاية مسيرته الرائعة في اللعبة، لكنها ستكون بداية مسيرة أخرى أكثر روعة. ولم يكن غريباً أن يصرح المدير الفني لمانشستر يونايتد جوزيه مورينيو بأنه يتوقع انضمام كاريك للجهاز الفني بالنادي بنهاية الموسم.
ولم يشارك كاريك (36 عاماً) منذ إصابته بعدم انتظام في ضربات القلب في سبتمبر (أيلول) الماضي رغم أنه عاد للتدريبات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد فترة علاج. وكان مورينيو قد قال في وقت سابق: «سيسعد النادي جدا إذا لعب كاريك دوراً في الجهاز الفني وأنا كذلك وأتوقع منه أن ينضم لنا».
وخاض كاريك أربع مباريات في فترة الإعداد للموسم مع يونايتد، لكنه لعب مباراة رسمية واحدة هذا الموسم في كأس الرابطة خلال الفوز على بورتون ألبيون وقال إنه بدأ يشعر «بشيء غريب»، خلال المباراة، وخضع بعدها لجراحة بالقلب. وتوقع مورينيو عودة كاريك للعب هذا الموسم قبل أن يتولى منصباً تدريبياً.
وأضاف المدرب البرتغالي: «قضى كاريك بضعة أشهر دون تدريب، وهو الآن في الأسبوع الثاني من التدريبات وهو لاعب مهم بالنسبة لنا». وتابع: «أعتقد أن القرار جيد للفريق وله بأن ينهي فترته كلاعب كرة قدم بنهاية الموسم دون التعرض لإصابة أو لمشكلة».
واستهلَّ كاريك مسيرته مع وستهام يونايتد عام 1999 ثم انتقل إلى توتنهام هوتسبير في 2004، وانضم إلى يونايتد في 2006 وخاض معه أكثر من 300 مباراة، وأصبح قائداً للفريق قبل بداية الموسم الحالي. وفاز بالدوري الإنجليزي الممتاز خمس مرات إضافة إلى دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس العالم للأندية وثلاثة ألقاب لكأس رابطة الأندية الإنجليزية.
ولو أظهر كاريك في دوره التدريبي الجديد الذكاء الكروي والخططي ذاته الذي كان يتميز به كلاعب، فلن يكون من المستبعَد أن يساعد لاعبين صغار في السن على التألق، وأن يبرز اسمه بين كبار المديرين الفنيين في العالم خلال السنوات المقبلة. وربما يأتي اليوم الذي نعرب فيه عن تقديرنا لكاريك بصورة أكبر من ذلك، لكن كمدرب هذه المرة.



من عصر دي ستيفانو إلى حقبة كارفاخال... ريال مدريد يواصل صنع المعجزات

الريال وفرحة الفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الـ15 (إ.ب.أ)
الريال وفرحة الفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الـ15 (إ.ب.أ)
TT

من عصر دي ستيفانو إلى حقبة كارفاخال... ريال مدريد يواصل صنع المعجزات

الريال وفرحة الفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الـ15 (إ.ب.أ)
الريال وفرحة الفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الـ15 (إ.ب.أ)

في مايو (أيار) 2004، قام طفل يبلغ من العمر 12 عاماً بشعر أصفر طويل ينتظره مستقبل مشرق، بوضع قميص ريال مدريد الأبيض بجوار أحد الأعمدة الموجودة في ملعب التدريب بالنادي الموجود به لوح من الغرانيت عليه العبارة الشهيرة «يحترم ماضيه، ويتعلم من حاضره، ويؤمن بمستقبله». وفي اليوم الأول من يونيو (حزيران) 2024، كان هذا الطفل، الذي أصبح رجلا يبلغ من العمر 32 عاماً بلحية رمادية وصنع تاريخاً حافلاً، يرتدي هذا القميص على ملعب ويمبلي، وقفز ليسجل برأسه في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا ليقود النادي الملكي لاستكمال أعظم إنجاز في تاريخه على الإطلاق. وأشير بهذا إلى داني كارفاخال.

لقد مر عشرون عاماً تقريباً منذ ذلك اليوم في عام 2004. في ذلك اليوم، وقف كارفاخال، وهو طفل صغير في أكاديمية الناشئين، إلى جانب ألفريدو دي ستيفانو، البالغ من العمر 78 عاماً، والذي يعد أهم لاعب في تاريخ أندية كرة القدم، ورمزا لكل شيء: الرجل الذي غيّر وصوله عام 1953 ريال مدريد ولعبة كرة القدم إلى الأبد، والذي شكّل أسطورة النادي وهويته. والآن، عندما يتعلق الأمر ببطولة دوري أبطال أوروبا؛ تلك المسابقة التي يشعر ريال مدريد بأنها أصبحت ملكا له، أصبح كارفاخال يتفوق على دي ستيفانو. قد يبدو هذا سخيفاً للبعض، لكن هذا هو ما حدث مؤخراً.

عندما فاز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا عام 1960 بعد الفوز على إينتراخت فرنكفورت 7 - 3 في مباراة من أعظم المباريات عبر التاريخ (ب.أ)

لقد فاز عدد قليل من اللاعبين بنفس عدد بطولات دوري أبطال أوروبا التي فاز بها كارفاخال، حيث نجح خمسة لاعبين في الحصول على اللقب ست مرات، من بينهم أربعة من زملاء كارفاخال: فبعد الفوز على بوروسيا دورتموند في المباراة النهائية بهدفين دون رد على ملعب ويمبلي، انضم كارفاخال ولوكا مودريتش وناتشو فرنانديز وتوني كروس إلى باكو خينتو - الذي ظل رقمه القياسي المتمثل في أكثر اللاعبين فوزا بالبطولة صامدا لمدة 58 عاماً - كأكثر اللاعبين فوزا باللقب على الإطلاق. ويُعد كارفاخال هو اللاعب الوحيد من هذا الجيل الذي شارك أساسياً في جميع المباريات النهائية الست، على الرغم من أنه خرج مستبدلا في مباراتين منها. وقال كارفاخال والدموع في عينيه بعد الفوز على بوروسيا دورتموند في المباراة النهائية التي سجل فيها هدفا: «لقد جئت إلى هنا وأنا طفل صغير، والآن أنا هنا. سيكون من الصعب للغاية أن يكسر أحد هذا الرقم الذي حققناه».

لقد كان هناك كثير من الصور، وكثير من التصريحات، وكثير من اللحظات، التي ستظل خالدة في الأذهان بعد فوز «الميرنغي» بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الـ 15 – نعم المرة الخامسة عشرة، هل تصدقون هذا؟ لقد كانت هذه هي آخر مباراة للنجم الألماني توني كروس، الذي أعلن اعتزاله كرة القدم بنهاية الموسم الحالي. وسجل راقص السامبا البرازيلي فينيسيوس جونيور هدفاً أخر في المباراة النهائية للبطولة الأقوى في القارة العجوز، وهو لا يزال في الثالثة والعشرين من عمره، وهو الأمر الذي جعل المدير الفني لريال مدريد، كارلو أنشيلوتي، يرشح النجم البرازيلي للفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم لهذا العام، قائلاً: «إنه يستحق الكرة الذهبية بلا شك». وقال جود بيلينغهام، الذي لا يزال في العشرين من عمره، إنه ظل متماسكاً حتى رأى أمه وأباه بعد المباراة. وأشاد بيلينغهام بأنشيلوتي قائلاً: «إنه يعرف جيدا ما يفعله». لقد فاز ريال مدريد باللقب هذا الموسم، بنفس الطريقة التي رأيناها من قبل، حيث يبدو الفريق عرضة للهزيمة في بعض الأوقات، لكنه يعود بكل قوة ويحسم الأمور تماماً لصالحه في نهاية المطاف.

كارفاخال وفرحة افتتاح التهديف لريال مدريد (أ.ب)

لم يكن أحد يشك في قدرة ريال مدريد على حسم اللقب، لم يخسر النادي الملكي أي مباراة نهائية في هذه البطولة منذ عام 1981، فقد لعب الفريق تسع مباريات نهائية وفاز بها جميعا. وقال كروس: «يبدو أنه لا يمكن هزيمتنا في مثل هذه المباريات. إنه لأمر جنوني أن أتساوى مع خينتو كأكثر اللاعبين فوزا بلقب هذه البطولة، وهو أمر لم أتخيل أبدا أنني سأحققه». ولا يقتصر الأمر على فوز ريال مدريد بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشرة في تاريخه فحسب، لكن النادي الملكي فاز أيضا بست من هذه البطولات في آخر عشر سنوات: من لشبونة 2014 إلى لندن 2024. وسيبقى إنجاز خينتو - لاعب ريال مدريد الوحيد الذي فاز بأول خمس كؤوس أوروبية في الفترة بين عامي 1956 و1960 قبل أن يفوز باللقب للمرة السادسة في عام 1966- خالداً.

ويظل فريق عام 1966 متفرداً للغاية، حيث كان ريال مدريد قد خرج من البطولة لأول مرة في عام 1960 - على يد برشلونة - وخسر المباراة النهائية في عامي 1962 و1964. وكان دي ستيفانو قد رحل، ولم يكن النادي في حالة جيدة من الناحية الاقتصادية. وكان الفريق الذي تغلب على نادي بارتيزان في نهائي عام 1966 مكوناً بالكامل من اللاعبين الإسبان. وإذا كان ذلك يساهم في عدم النظر إلى الفريق الحالي على أنه يحاكي الجيل الذهبي لريال مدريد، الذي فاز بأول خمس كؤوس أوروبية، فهناك عناصر أخرى تدعم ذلك أيضاً، وهي أن ذلك الفريق هو الذي بنى وشكّل هوية ريال مدريد، وكان فريقا لا يقهر، وهيمن على الساحة الكروية بشكل قد لا يضاهيه أو يحاكيه هذا الجيل. وبدلاً من ذلك، فاز الفريق الحالي لريال مدريد ببعض بطولاته الأوروبية خلال السنوات الأخيرة بصعوبة شديدة، بل وبقدر كبير من الحظ في نظر البعض. وكان هناك اتفاق على أن الفوز ببطولة عام 2022 كان «سخيفاً» بضع الشيء، إن جاز التعبير، ثم جاءت الخسارة الثقيلة برباعية نظيفة أمام مانشستر سيتي في العام التالي كأنها «عادلة» تماماً، لكي تعكس القوة الحقيقية للفريق.

ومع ذلك، وكما قال كروس بعد تلك الخسارة أمام مانشستر سيتي: «ليس من الطبيعي أن نفوز بدوري أبطال أوروبا طوال الوقت. آخر مرة سمعت فيها أن هناك نهاية حقبة في هذا النادي كانت في عام 2019، لذلك نحن بخير». لقد كان النجم الألماني محقا تماماً في تلك التصريحات، فقد كان ريال مدريد على ما يرام، بل وكان أفضل من أي ناد آخر. لقد فاز النادي بست كؤوس أوروبية في عقد واحد من الزمان، وهو إنجاز لا يضاهيه أي إنجاز آخر، بما في ذلك الإنجاز التاريخي الذي حققه النادي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. في بعض الأحيان تكون بحاجة إلى الابتعاد قليلاً عن التاريخ الذي تصنعه لكي تدرك حجم الإنجازات التي حققتها بالفعل. الزمن يغير التصورات: يُنظر إلى الماضي بشكل مختلف، وفي يوم من الأيام سيصبح ما يفعله النادي حالياً ماضياً، وسيُنظر إليه على أنه شيء استثنائي.

لم يكن ريال مدريد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي فريقا غير قابل للهزيمة أيضا، لكن لا يوجد أي شيء يمكن أن ينتقص من حجم الإنجازات التي حققها ذلك الفريق. وخلال السنوات الخمس الأولى التي فاز فيها ريال مدريد بكأس أوروبا، كان بطلا لإسبانيا مرتين، في حين فاز أتلتيك وبرشلونة بلقب الدوري ثلاث مرات خلال تلك الفترة. وعندما فاز ريال مدريد بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة، كان أتلتيكو مدريد هو من فاز بلقب الدوري المحلي. وكانت خمسة فرق - أتلتيك وبرشلونة وأتلتيكو مدريد وديبورتيفو وفالنسيا - أبطال إسبانيا عندما كان ريال مدريد بطلاً لأوروبا.

لكن ما المشكلة في ذلك؟ يكفي ريال مدريد فخرا أنه فاز بستة ألقاب لدوري أبطال أوروبا في عقد واحد فقط من الزمان! وفي الواقع، يمتلك الفريق الحالي لريال مدريد سجلا أفضل من الجيل الذهبي فيما يتعلق بعدد مرات الفوز بلقب الدوري. ويجب الإشارة هنا إلى أنه بعد عام 1966، بقي ريال مدريد 32 عاماً دون أن ينجح في الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا. لقد عاد ليفوز باللقب الأوروبي في عامي 2000 و2002، على الرغم من أن الفرق التي فازت باللقب في المرات السابعة والثامنة والتاسعة كانت مختلفة بشكل كبير، والدليل على ذلك أن روبرتو كارلوس وراؤول وفرناندو مورينتس كانوا هم اللاعبين الثلاثة فقط الذين شاركوا في المباريات النهائية الثلاث لهذه البطولات، وسجل زيدان ذلك الهدف الخرافي في نهاية أول موسم له مع النادي الملكي.

أنشيلوتي أكد أن الفوز بدوري الأبطال للمرة الـ15 كان أصعب من المتوقع (أ.ب)

وكان النادي قد بنى فريقه الغلاكتيكوس (العظماء) الشهير، لكنه تعثر، وواجه صعوبة كبيرة في الفوز باللقب العاشر، وظل الأمر على هذا النحو لأكثر من عقد من الزمان. وعلى مدار ستة أعوام متتالية، لم يتمكن ريال مدريد من تحقيق الفوز في الأدوار الإقصائية. لقد انتظر النادي اثني عشر عاماً، وهو ما بدا وكأنه وقت طويل للغاية، لكي يصل مرة أخرى إلى المباراة النهائية في لشبونة في عام 2014. وكان الفريق خاسراً أمام أتلتيكو مدريد حتى الدقيقة 92، قبل أن ينجح سيرخيو راموس في إحراز الهدف القاتل بضربة رأس قوية، لتكون بالتأكيد اللحظة الأكثر تأثيرا بعد ذلك في تاريخ ريال مدريد. وقال بول كليمنت، مساعد أنشيلوتي، في وقت لاحق: «كل صباح كل يوم عندما كان راموس يأتي، كنت أشعر بالرغبة في تقبيله». لقد كان الفريق ينتظر النهاية الأكثر صدمة، وكان كل شيء على وشك الانهيار، قبل أن يتدخل راموس وينقذ كل شيء.

وبدلا من ذلك، كانت هذه هي نقطة البداية والانطلاقة الحقيقية. لقد فاز ريال مدريد باللقب للمرة العاشرة. وبعد ذلك بعامين، فاز باللقب ثلاث مرات متتالية، في إنجاز استثنائي بكل تأكيد. لقد بدا الأمر وكأن النادي لن يكون قادرا على تكرار ذلك الأمر، خاصة بعد رحيل النجوم البارزين - كريستيانو رونالدو، وسيرخيو راموس، وغاريث بيل، وكاسيميرو، ورافائيل فاران - وكذلك المديرين الفنيين، حيث أقيل أنشيلوتي من منصبه في غضون عام واحد، ثم رحل زيدان، الذي بدأ مساعداً لأنشيلوتي وأصبح بعد ذلك المدير الفني الأكثر نجاحاً في البطولة.

لاعبو ريال مدريد يواصلون احتفالاتهم في حافلة جابت شوارع العاصمة (أ.ف.ب)

وكان ريال مدريد يعاني من أجل العثور على بديل مناسب. وفي أحد الأيام، تلقى خوسيه أنخيل سانشيز، المدير العام للنادي، مكالمة هاتفية من أنشيلوتي حول إمكانية تعاقد إيفرتون مع بعض لاعبي ريال مدريد على سبيل الإعارة. وخلال المحادثة، سأله أنشيلوتي عن الكيفية التي تسير بها عملية البحث عن مدير فني جديد، وقال له سانشيز إن الأمور لا تسير بشكل جيد. وعندئذ، قال أنشيلوتي مازحا: «حسناً، هناك مرشح واحد واضح، وهو أفضل مدرب في العالم (يعني نفسه)»، وقال: «هل نسيتم من قادكم للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة؟»، وفي اليوم التالي، تلقى أنشيلوتي اتصالاً بشأن توليه قيادة ريال مدريد، وفي غضون ثلاث سنوات، رفع ريال مدريد الكأس ذات الأذنين للمرة الحادية عشرة والمرة الثانية عشرة، ليكون هذا هو أفضل عقد من الزمان لأكبر ناد في العالم، بقيادة المدير الفني الأكثر نجاحاً على الإطلاق في هذه المسابقة، وبمشاركة أربعة من أنجح خمسة لاعبين في تاريخ النادي. أما كارفاخال الذي وضع الحجر الأول في ملعب التدريب قبل 20 عاماً، فكان هو من وضع اللمسة الأخيرة على الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشرة، في إنجاز استثنائي!

* خدمة «الغارديان»