روسيا تطالب قبرص بتسليمها إسرائيلياً متهماً بالاتجار بالأعضاء البشرية

TT

روسيا تطالب قبرص بتسليمها إسرائيلياً متهماً بالاتجار بالأعضاء البشرية

أصدرت كل من روسيا وكوسوفو، التي لا تعترف بها روسيا، مذكرتي توقيف بحق المواطن الإسرائيلي موشيه هريئيل، البالغ من العمر 70 عاماً، وذلك للاشتباه بأنه يدير شبكة دولية لتهريب الأعضاء البشرية والتجارة بها.
والمواطن المذكور معتقل في قبرص منذ الخامس من الشهر الجاري، عندما ضبط وهو يحاول - حسب الشبهات - تجنيد مواطنين محتاجين إلى زرع أعضاء، ويخبرهم بأن لديه متبرعين بأعضائهم من كوسوفو وتركيا وروسيا وغيرها من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وقد رفضت المحكمة في لارنكا طلب الإفراج عنه، بكفالة مالية، وأبقته رهن الاعتقال حتى يتم البت في طلب روسيا وكوسوفو من الإنتربول اعتقاله لمحاكمته. وقال القاضي ميخاليس خرلمبوس في قراره: «نظراً إلى خطورة الجرائم، أرى أن هناك خطراً واضحاً لهربه قبل بدء عملية تسليمه. إن شروط الكفالة التي وضعها محامو الدفاع عنه غير مرضية». ورفضت هيئة الادعاء إطلاق سراحه لعدم وجود ارتباطات له بقبرص وإمكانية فراره إلى الشطر الشمالي من الجزيرة الذي يتبع لتركيا. وسيبت في أمر تسليمه في الخامس من الشهر المقبل.
ويُلاحق هريئيل في عدة دول منذ نحو عشر سنوات بتهم استغلال ضحايا، وخصوصاً من مناطق فقيرة في شرق أوروبا وآسيا الوسط، عبر وعدهم بدفع 15 ألف يورو (18 ألف دولار) مقابل استئصال أعضائهم. والمتلقون، وهم إسرائيليون بشكل رئيسي، يدفعون ما يصل إلى 100 ألف يورو (122 ألف دولار) لعملية الزرع. وبرزت قضية شبكة تهريب الأعضاء عام 2008 عندما انهار تركي في مطار بريشتينا بعد استئصال كليته. وفي 2013 حكمت محكمة في كوسوفو على خمسة أطباء كوسوفيين بالسجن لمدد تصل إلى ثماني سنوات، بتهمة تهريب الأعضاء. وقال المدعون حينها إن المتبرعين، الذين استؤصلت أعضاؤهم في عمليات غير مشروعة، لم تقدم لهم الرعاية الطبية اللازمة وعوملوا كـ«نفايات». لكن المحكمة العليا في كوسوفو ألغت الأحكام في 2016 وأمرت بمحاكمة جديدة لا تزال مستمرة.
ويذكر قرار الاتهام أن هريئيل هو العقل المدبر لشبكة تهريب الأعضاء، فيما يشتبه بأن الطبيب التركي يوسف ارتشين سونميز، الذي تطلق عليه وسائل الإعلام في كوسوفو «فرانكنشتاين التركي» ولا يزال متوارياً، هو من قام بعمليات الزرع.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.