العلاقة بين الشعر والسرد

الإشكالية ليست بين النوعين فتجاورهما حتمية تاريخية (1 – 2)

«كليلة ودمنة» وغيرها كالمقامات والرحلات و«ألف ليلة وليلة» ظلت تنمو دون تأصيلٍ نقدي على مدى تاريخ الأدب العربي القديم
«كليلة ودمنة» وغيرها كالمقامات والرحلات و«ألف ليلة وليلة» ظلت تنمو دون تأصيلٍ نقدي على مدى تاريخ الأدب العربي القديم
TT

العلاقة بين الشعر والسرد

«كليلة ودمنة» وغيرها كالمقامات والرحلات و«ألف ليلة وليلة» ظلت تنمو دون تأصيلٍ نقدي على مدى تاريخ الأدب العربي القديم
«كليلة ودمنة» وغيرها كالمقامات والرحلات و«ألف ليلة وليلة» ظلت تنمو دون تأصيلٍ نقدي على مدى تاريخ الأدب العربي القديم

لو أردنا أن نلخص العلاقة بين الشعر والسرد في تراثنا العربي لقلنا إنها علاقة مرتبكة، وتعود إشكالية هذه العلاقة المرتبكة في تكوينها إلى ثلاثة أبعادٍ: دينية، وسياسية، وثقافية، وهذه الأبعاد متداخلة التأثير، متشعبة الحضور في سياق الثقافة العربية، بدءاً بمرجعية التصور، ومروراً بمكونات الإنتاج، وانتهاء بعملية التلقي، ورغم اختلاف حقول الاشتغال في هذه الأبعاد إلا أنها مارست دوراً مؤثراً في تحديد علاقة التجاور والتباعد بين الشعر والسرد.
وفي ظل هذه الأبعاد، حظي الشعر بأفضلية النوع على السرد، وأعيد تأسيس منظورنا الثقافي والنقدي وفقاً لهذه المعادلة، ولعلَّ مقولة «الشعر ديوان العرب» إحدى المقولات التي كرّست أفضلية الشعر على السرد، وفي المقابل تعود هذه المقولة لتنتصر للسرد في عهدنا الراهن، فيقال إن «الرواية ديوان العرب الجديد»، والإشكالية ليست بين النوعين، فتجاورهما حتمية تاريخية لا تقبل الجدل، غير أن المشكلة هي مشكلة وعي ثقافي من ناحية، وتغليب نوعٍ على آخر من ناحية أخرى، ومن ثمَّ فإن تداخلهما الفني قائمٌ، وأما تجاورهما الثقافي فيبقى محلَّ تساؤلٍ، والمعطيات الثقافية تشير إلى أنَّ نزعة الانتصار للشعر كانت جناية على السرد؛ لتحلَّ به لعنة الإقصاء، التي وصلت ذروتها عند المسعودي حين أعلن أن نصوص «ألف ليلة وليلة» الأولى غثة باردة.
لا تسعى هذه المقالة للحديث عن العلاقة بين الشعر والسرد من الداخل - من داخل النص - فهذا النوع من الدراسة درسٌ جمالي بحتٌ، ولا أعتقد أن أحداً ينكره، ففي الشعر من السرد ما في السرد من الشعر كذلك، ونسب التجاور هنا قائمة على خصوصيَّة النص، وظرفيَّة تكوينه الجمالي والمعرفي، وأمَّا ما أنا بصدد الحديث عنه هنا، فهو العلاقة المرتبكة بين الشعر والسرد في الفضاء الثقافي، خارج التكوين النصي للشعر والسرد، فالحديث، إذن، صراع خطاباتٍ حول ظاهرتي الشعر والسرد في ثقافتنا العربية.
لنبدأ الحكاية!
ماذا يعني أن يكون ربعُ القرآن قصة؟ وماذا يعني أن يقصي القرآنُ الشعرَ ويباعد بينهُ وبين الرَّسول؟ وماذا يعني أن يستثمر الرسول القصة القرآنية ويقدم القصة في حديثه بوصفها أحد أهم وسائل الخطاب النبوي؟ هل من دلالاتٍ يمكن التقاطها؟
لم يكن تبني القرآنِ القصة من ناحية، وإقصاءَ الشعر من ناحية ثانية، أمراً اعتيادياً، بل كان تبنياً ينمُّ عن حالة الصراع التي خاضها القرآن، مع قيمٍ ثقافية سائدة، يمثل الشعر أبلغ رموزها، وأدواتها في الحرب على الدين الجديد، فهل من طبيعة الأشياء، والحال هذه، أن ننظر إلى القصة في القرآن على أنَّها مجرَّد تشكلٍ بيانيٍّ، وأن دلالتها الثَّقافية معدومة خارج سياق القرآن؟ إن سؤالاً – كهذا - من شأنه أن ينبِّه إلى أهميَّة القراءة السِّياقية؛ التي تربط بين النَّص والتكوينات الثقافيَّة الخارجيَّة، في محاولة لكشف دلالة حضورِ النِّص في سياقه الأكبر، ولذلك؛ فإنَّ النظر إلى القصة القرآنية بمعزلٍ عن محيطها الخارجي يلغي كثيراً من حيويَّة التفاعلات الاجتماعيَّة التي تشكلت حول القرآن، وخطاب القصة في مقابل الشعر إبَّان نزول القرآن كان أحد الخطابات الملائمة؛ لتمرير رسالة القرآن الدينية والجمالية.
وتشغل القصة في القرآن حيِّزاً مؤثراً في سياق الخطاب الدينيِّ؛ من أجل تكوين مجتمعٍ ذي قيمٍ ثقافية جديدة، فحضورها تجاوز كونه وسيلة من وسائل الإبلاغ والتأثير والإمتاع - رغم أهمية هذه الوسائل؛ التي لا تخلو من عمقٍ نفسي وجمالي - والنظر إلى القصة القرآنية، في ضوء البيئة الثقافية؛ التي توجَّهت إليها بالخطاب يكسِب القضية أبعاداً أكثر عمقاً؛ مما يغدو معه البحث في السياقات المحيطة بظروف حضور القصة أمراً بالغ الدِّلالة، ولتكتمل دائرة الخطاب، لا بدَّ من تواصلٍ مع المتلقي، مستوعباً ظروف تكوينه الثقافي والاجتماعيِّ، ومستشرفاً أفقاً أبعد من الرَّاهن، فهل استخدام القرآن السرد يحيل إلى حضورٍ خاصٍّ لهذا اللون في السياق الاجتماعي قبل نزول الوحي وأثنائه؟ أم هل هو سعي إلى تأسيس سياقٍ ثقافيٍّ، وتشكيل ذائقة ثقافية موازية للثقافة الشعرية التي عرفها العرب؟ ثم هل يضيف لنا هذا المنحى القرآني فهماً يعين على تفسير موقف القرآن من الشعر في غير موضعٍ؟ وهل يساعد ذلك على إعادة رسم العلاقة بين الشعر والسرد في سياق الثقافة العربية؟ هذه أسئلة استدعاها الحضور القوي والمميز للقصة في القرآن؛ إذ يمكن أن نؤكد أن استخدام القرآن للقصة هو أحد أهم القضايا الفكرية والأسلوبية التي تحتاج إلى قراءة فاحصة.
الشعر في حياة العرب
سؤال الحضور بالنسبة إلى الشعر - في حياة العرب - سؤالُ قيمة أكثر منه سؤال استفهامٍ؛ ذلك أن كلَّ ما راج في تراثنا من أقوالٍ يؤكِّد أن العرب أمة شاعرة، ليس في المستوى الإبداعي فحسب، بل في مستوى الاعتداد والعناية به، غير أنه يجدر بنا النظر في مستوى أهمية الشعر، من حيث وضعيته التاريخية والاجتماعية والمعرفية في حياة العرب، ولعلَّ مقولة عبد الله بن عباس تأتي بوصفها استهلالاً معرفياً لمقتضى العلاقة بين معرفتين دينية ودنيوية، يقول ابن عباس: «إذا قرأتم شيئاً من كتاب الله، فلم تعرفوه، فاطلبوه في أشعار العرب؛ فإن الشعر ديوان العرب».
إن تعلق العرب بالشعر أمرٌ بيّنٌ لا يحتاج إلى برهانٍ، غير أن هذا التعلق قد طغى على فنٍ آخر لا يقل أهمية لدى العرب، وهو السرد بكل أشكاله، فهل انصراف العرب عن السرد لمصلحة الشعر كان بسبب صعوبة نقل القصص وحفظها، أم بسبب ندرتها؟ إن صعوبة حفظ القصص ونقلها يمكن أن تكون سبباً مقنعاً إذا كانت الغاية منصبة على النقل الحرفي للقصص، أما عن الندرة فهي تبدو مسألة غير واقعية؛ ذلك أن القرآن عندما أقصى الشعر تبنَّى في الوقت نفسه القصة، وهذا التبني يؤكد رسوخ حضورها في حياة العرب بصرف النظر عن تعاطيها، أو تقديم الشعر في الأهمية، ولعلَّ استنطاق مقولة أبي عمرو بن العلاء: «ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلَّه، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير»، ينفي مبدأ الندرة، فهذه المقولة جوهرية من حيث تصويرها نوعية تراثنا الأدبي، وحجمه في فترة ما قبل الإسلام، وتنبع أهمية هذه المقولة كونها تحدِّد نمط الموروث بأنه علمٌ وشعرٌ، وعلى الرغم من حمل القدماء العلم في عبارة أبي عمرو بن العلاء على أنه حمولات المعرفة التي يحملها الشعر، فإن قراءة النص من منظور العلاقة بين الأنواع الأدبية يمكن أن يحمل العلم في العبارة على أنه كلُّ شيءٍ من فنون القول غير الشعر، كما أنَّ العلم في العبارة السابقة لا يقصد به ما عُرف عن العرب من طبابة وفراسة وقيافة وغيرها مما يمكن أن نعدَّه من المعارف العقلية؛ فالعبارة تؤكد صراحة على «قالت العرب»، وما دام أن القول يحتمل الشعر والنثر، فقد خصت العبارة الشعر بلفظه، أما النثر فبلفظ العلم؛ الذي تندرج تحته أشكال عدة من خطابة ومنافراتٍ ومناظراتٍ ومفاخراتٍ وسجعِ كهانٍ وحكمٍ وأمثالٍ ووصايا وأخبارٍ ونوادرَ وأسمارٍ وقصص.
حضر القرآنُ في بيئة ثقافية تملك خطابين؛ شعري وسردي، وعلى الرَّغم من تسيُّد الشعر على خطاب السرد، فقد كانا يشكلان قطبين مختلفين في المعطيين الثقافي والاجتماعي، غير أنَّ مجيء القرآن غيَّر هذه المعادلة، حيث قرَب القصة وأقصى الشعر، فقد نفى الشعر عنه بوصفه نوعاً، ولم يلغ حضوره بوصفه نصاً ثقافياً خارج السياق القرآني، وقد حاول القرآن في غير موضعٍ المباعدة بين خطابه وخطاب الشعر، حيث حرص على أن يقدِّم خطاباً مستقلاً له أدواته الخاصة، ووسائله المستقلة، في تأكيد حضور الرسالة المنوطة به، ومن يتأمل الآيات التي وردت حول الشعر والشعراء يجدها تؤكِّد حقيقة عدم استهجان الشعر من حيث هو شعرٌ، بل الغاية التأكيد على أن القرآنَ غيرُ الشعر، وأنَّ النبي غيرُ الشعراء، كما أنَّه ليس بكاهنٍ ولا مجنونٍ ولا ساحرٍ، وهي صفات ردَّدها المشركون في وصف الرسول، صلى الله عليه وسلم، والقرآن لم يكن عند نزوله يسعى إلى إحداث قطيعة معرفية وثقافية مع تراث العرب قبل الإسلام، وإنما الغاية كانت تأسيس ثقافة موازية من ضمن أدواتها السرد؛ وهو ما يجعل القصص في القرآن يحضر بصفته نوعاً جمالياً ومعرفياً.
وحضور القصة في القرآن بهذه الغزارة، وهذا التنوع السردي يمكن أن نقرأه من الناحية الثقافية على أنَّه معادلٌ موضوعي للشعر، لقد علم الصحابة موقف القرآن من الشعر، لكنهم أرادوا أن يتبينوا موقفه من القصة، فبادروا إلى سؤال الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن قولٍ دون القرآن وفوقَ الحديث، فأنزل الله «نَحْنُ نَقُصُّ عَليْكَ أحْسِنِ القَصَصِ...»... العرب أمة أحبَّت الشعرَ، فهو فنُّها الأول، وديوانها كما قال ابن عباس، وليس بوسعهم أن يسلُوهُ أولاً، كما أنه ليس بوسعهم أن يتشاغلوا به عن القرآن ثانياً، وهو ما دعا ابن سلامٍ الجمحي إلى الإشارة إلى أّنَّ العرب تشاغلت بالدين والجهاد عن الشعر.
ورغم هذه الحمولات الدينية التي تقف خلف القصة، وما يمكن أن تمليه هذه الحمولات على المجتمع من تقديرٍ مفترضٍ للاهتمام بحركة النوع القصصي، فإن جدلية التاريخ مع الدين تثبت حضورها في تبنى الأكثر تأثيراً في صياغة أي مشروعٍ ثقافيٍّ، ورغم أن القرآن قد انتصر للقصة وأعلى من شأنها، فإن الانصراف عن السرد قد وقع، فلماذا؟
الانصراف هنا في مقابل الإقبال، انصرافٌ عن القصة، وإقبالٌ على الشعر، انصرافٌ معناه عدم الاشتغال على القصة من الناحيتين النقدية والتاريخية، وإقبالٌ على الشعر بكامل الأدوات المعرفية، واللغوية، والجهود العلمية؛ لدراسة الشعر والعناية به، والمتتبع للحركة العلمية النقدية لا يجد ما يغيِّر هذه الفرضية، إلا إذا اعتبرنا كتاباً واحداً هو كتاب «القصَّاص والمذكِّرين» لابن الجوزي كتاباً في نقد القصة، وفي الحقيقة، هو كتابٌ وصفي تصنيفي لا يخلو من الخلط في المفاهيم بين الوعظ والذكر والقص، ولمزيد من الاحتراز يمكن أن نعدَّ بعض الآراء المتفرقة في كتب الأدب باباً من أبواب النظر في القصة، لكنها على قلتها لا تؤدي الدور المطلوب لإبراز جماليات التراث السردي، فقد ظلَّت نصوص السرد بما فيها؛ «كليلة ودمنة»، والمقامات، والرحلات، و«ألف ليلة وليلة»، والسير الشعبية، وغيرها، تنمو دون تأصيلٍ معرفي أو نقدي على مدى تاريخ الأدب العربي القديم.

* أستاذ السرديات في جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.