التعطش للدماء وصدمة الإصلاح

«تيتوس أندرونيكوس»... يعرضها مسرح شكسبير الملكي البريطاني

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

التعطش للدماء وصدمة الإصلاح

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

يتغنى ماركوس، شقيق المحارب الروماني تيتوس أندرونيكوس، في مسرحية «تيتوس أندرونيكوس» المعروضة حالياً على مسرح شكسبير الملكي البريطاني: «واأسفاه، نهرٌ قرمزي من الدماء الدافئة كنافورة مزبدة تثيرها الرياح، يرتفع ويهبط بين شفتيك الورديتين، يذهب ويجيء بنَفَسك العسلي»؛ إنها أشد مسرحيات شكسبير دموية على الإطلاق: قطْع ألسنة، وبتْر أياد، وأكْل لحوم البشر، واغتصاب جماعي، وإحياء الموت بكل شعائره المروعة. وغالباً ما يقترن سفك الدماء بالفرار الروحي لشخصيات ضائعة، وليس بالضرورة تعبيراً عن أزماتها؛ يعترف آرون، عشيق ملكة القوطيين في المسرحية: «لقد ارتكبتُ ألف فعلة شنيعة عن طيب خاطر يخامرني عند قتل ذبابة، ولا شيء يحزن قلبي حقاً إلا عجزي عن ارتكاب ألف مثلها!».
وعلى الرغم من موقع المسرحية الروماني، لا تُخرج البريطانية بلانش ماكنتاير مسرحية تاريخية عن روما، وإنما عن أي عاصمة في منحنى سقوطها الأخلاقي والحضاري، وهي تستمد مصادرها من مزيج من الأساطير والخرافات القُرْوُسْطيّة. وفي تناقض صارخ مع تلك الاقتباسات الكلاسيكية، يلْعب الممثلون أدوارهم في ثياب معاصرة لا يبررها النص المنطوق.
يبدأ العمل بالعملاق المسرحي ديفيد تراوتون في دور تيتوس العائد إلى موطنه، تُتوجه هالة الانتصار بعد حرب ضد القوطيين دامت عشر سنوات. نبصر عرضاً راقصاً يعمه الصمت، ونخاله من فرط تجريبيته معدَّاً للقرن الواحد والعشرين. يرجع المقاتل ملهياً بعجرفته ويده الباطشة كبطل من أبطال الحرب، إلا أنه خلف قبل رحيله عصراً من التقشف أتى على الأخضر واليابس. تمتد حدود دولته الإمبريالية حتى بلاد القوطيين، بينما مواطنه يشتهي اللقمة الجافة. وما ينفع المواطن إن تشربت أمته بالروح العسكرية والبروباغندا القومية حتى الثمالة وهو لا يجد ما يسد به رمقه؟ وهل يبرر له جوعه اللجوء إلى العنف ضد السلطة؟
وهنا، يباغتنا العمل بتساؤل محير: هل يتولد عنف المواطن من قهر الدولة أم العكس؟ الدجاجة جاءت أولاً أم البيضة؟! تُناقش المخرجة هذه الدائرة الجهنمية المفْرغة في مشاهد تشي بفلسفة العرض، وتزودنا بمفاتيح استيعابه. والدائرة مفْرغة لأنها تخفق في طرح تحليل كامل للوضع، أو سلك سبيل لفك التلاحم. لا تحسم المسرحية النقاش، وإن تبدو كأنما تمتدح عنف رجل الشارع، وتختلق له الأعذار في عدة مواقف جدلية. تطيح قوات الشغب بالمتظاهرين يميناً ويساراً، بينما تنخرط الفرق المتصارعة في حرب شوارع مخيفة لإيمانها بـ«البربرية الفردية»، حسب وصف الناقد مايكل بيلينجتون في جريدة «ذا غارديان».
ووسط الجانبين، تندس ثلة من الفوضويين وناهبي الملكيات العامة، ويَبرز رجلٌ يحْمل لافتة عليها عبارة «التقشف يقتل». وثمة كاميرا ديجيتال ترْصد المظاهرات عند كل منعطف، لترمز إلى فعالية صحافة المواطن وشيوع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المجال العام؛ إنها ملمح من ملامح «الثورة» في القرن الواحد والعشرين.
وعلى الرغم من أن تيتوس يُعبِّر عن نموذج النبيل المحارب الجسور، فإنه لا يؤمن بحتمية التجديد أو العصرنة، ويعبد شعائره عبادته لآلهته. وسرعان ما يفقد ثقة مواطنيه، وتئن عاصمته تحت ثقل القسر وغياب القانون. وعلى النقيض منه، كان الإمبراطور الشاب ساتورنينوس، الوحشي في قراراته المتحيِّن لكل فرصة للانفراد بالسلطة، لا يخاطب أحداً إلا عبر ميكروفون. وبقدر وقوعه في قبضة جنون الارتياب، يبْلغ التفسخ الأخلاقي لدولته العصرية المستحَلَّة بأدوات التواصل الاجتماعي أوجه.
لم يكن ساتورنينوس عدو تيتوس الأوحد؛ تأمر ملكةُ القوطيين المهزومة ابنيها باغتصاب لافينيا ابنة تيتوس. يتعهدها الرجلان بالحب والرعاية قبل اغتصابها، ثم يشوهانها لحد يعْجزها عن النطق باسم الجناة، وسوف يستوقفنا المغتصبان وهما يعدِّدان أطرافها المبتورة على نحو تشريحي. ويقال إن الخواطر الفَتَشيّة المتعلقة بتقطيع النساء إرباً في الأدبيات التالية تحيل القراء في الغالب إلى حادثة اغتصاب لافينيا.
وفي بؤرة الفعلة ذاتها، يند تعاطفٌ «نرجسي بطريركي» عن ماركوس الذي ينهي إلى أخيه تيتوس بلسان بارد: «إنها ابنتك»، فيجيبه بثبات جندي لا تهزه المهالك: «إنها هي إذن!». يقتل تيتوس الرجلين انتقاماً، ويخبزهما في فطيرة، ثم يقدِّمهما في مأدبة تحْضرها أمهما تامورا: «واجعلهم يدركون ما يجعل ملكة تركع في الشوارع، وتلتمس عبثاً الرحمة». ينسال مجرى آخر من الدماء حين يقتل تيتوس ابنته لافينيا رحمةً بها، ثم يصارح تامورا بأنها التهمت لتوها ابنيها. وينحرها فتهتف: «أواه! أيتها التقوى القاسية المارقة». وبعدها، يقتل الإمبراطور تيتوس في حمام من الدماء القرمزية تقطر على خشبة المسرح، ثم يقتل لوسيوس الإمبراطور. وعلى ضفة الدماء السائلة أنهاراً، يصير لوسيوس أخيراً إمبراطوراً!
الحق أن إنجلترا لم تكن تعيش ثقافةً تتكل على الانتقام وقت كتابة هذه المسرحية، لا انتقام السلطة من المواطن ولا العكس. وعليه، تطلب إضفاءُ الوحشية على الدراما بتلك البقاع الأجنبية كإيطاليا درجة ساخرة من الانفصال والتباعد. ومثل ذلك الانعزال بين البنى الاجتماعية والشكل الدراماتورجي كان يهدف إلى السماح للمسرح الإليزابيثي بأن يتحدث عن شيء آخر عبر شتى ضروب الإيحاءات والتلميحات.
ولكن غاية شكسبير الحقيقية كانت التركيز على قضايا اجتماعية ملحة نجَمت عن صدمة الإصلاح الإليزابيثي وقهره العنيف للماضي، وهو ما تمثَّل في عزوفه عن المشاركة في مشروع ثقافي أعم رمى وقتذاك إلى إيجاد تشريع تاريخي للإمبراطورية الإمبريالية. لقد صعد شكسبير بعاصمة على شفا التفسخ الثقافي إلى منطقة الضوء الدرامي، وسهام تيتوس المسددة لأعدائه كانت مسددة في الواقع إلى الملكة إليزابيث الأولى، ومثلها تصوِّب مخرجة مسرحيتها المعاصرة سهامها إلى حزب إنجلترا الحاكم.
وبالمثل، كان الاغتصاب حدثاً آيديولوجياً في حبكة شكسبير: «أواه يا لوسيوس الأحمق، ألا تفطن إلى أن روما ما هي إلا برية من النمور؟»، وتدهور لافينيا الجسدي صار يعكس حالةَ الدولة عقب محاولة الإصلاح الاقتصادي والسياسي حينذاك، مستحضراً فوضى تعيشهما الأمة البريطانية في عام 2017، عقب قرار خروجها من الاتحاد الأوروبي. إن لافينيا ذات اليدين المقطوعتين واللسان الأبتر، التي «ينبغي أن تكون ميتة غير أنها ليست ميتة بعد»، تُطِّوع رؤية شكسبير التراجيدية للتعطش إلى الحكم الأوحد، وتبعات التهور السياسي حتى في أعتى الديمقراطيات الغربية، مؤيدةً رأي الناقد البريطاني جوناثان بيت؛ إنها «مسرحية خليقة بعصرنا».



هند صبري وعليا بات تُتوَّجان في «البحر الأحمر» بجوائز «غولدن غلوب» العالمية

جمانا الراشد مع النجمتين الفائزتين وهيلين هوني وشيفاني باندايا - مالهوترا (غيتي - بإذن المهرجان)
جمانا الراشد مع النجمتين الفائزتين وهيلين هوني وشيفاني باندايا - مالهوترا (غيتي - بإذن المهرجان)
TT

هند صبري وعليا بات تُتوَّجان في «البحر الأحمر» بجوائز «غولدن غلوب» العالمية

جمانا الراشد مع النجمتين الفائزتين وهيلين هوني وشيفاني باندايا - مالهوترا (غيتي - بإذن المهرجان)
جمانا الراشد مع النجمتين الفائزتين وهيلين هوني وشيفاني باندايا - مالهوترا (غيتي - بإذن المهرجان)

شهد مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في دورته الخامسة احتفالاً خاصاً أعلنت خلاله جوائز «غولدن غلوب» فوز الممثلة التونسية هند صبري بـ«جائزة عمر الشريف»، وتتويج النجمة الهندية عليا بات بجائزة «غولدن غلوب هورايزن» لهذا العام، في أول تعاون من نوعه بين المهرجان والمؤسّسة الأميركية العريقة.

في هذا السياق، قالت رئيسة جوائز «غولدن غلوب»، هيلين هوني: «يسعدنا أن نقدّم جائزة عمر الشريف للفنانة والممثلة الداعمة للأعمال الإنسانية هند صبري، التي تعكس أعمالها الفنّية قوة السينما العربية وأثرها العالمي، في ظلّ تسليط الضوء على الإرث الفنّي العريق الذي تركه الفنان المصري الراحل عمر الشريف الذي يُعدّ من أبرز صنّاع السينما المصرية وروّادها. كما يسرّنا أن نُقدّم للممثلة الهندية الشهيرة عليا بات جائزة (غولدن غلوب هورايزن)، احتفاء بأثرها الكبير في السينما العالمية وتأكيداً على مكانة المنطقة المتنامية بكونها وجهةً بارزةً تلعب دوراً ملحوظاً في صناعة الأفلام السينمائية والمحتوى التلفزيوني على الساحة العالمية».

جمانا الراشد: شراكة تحمل دلالات خاصة

من جانبها، قالت رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد: «في حين نواصل الاحتفاء بمرور 5 أعوام على تأسيس المؤسّسة، نفخر اليوم بتعزيز مكانة مهرجان (البحر الأحمر السينمائي الدولي) بكونه منصّةً رائدةً تُمكّن صنّاع الأفلام من تحقيق حضور وتقدير عالميَيْن. وللمرّة الأولى، نتعاون هذا العام مع جوائز (غولدن غلوب) في شراكة تحمل دلالات خاصة، وتُسهم في توسيع الحضور الدولي للمواهب الصاعدة من العالم العربي وآسيا وأفريقيا. ويُجسّد هذا التعاون فرصة لصنّاع أفلامنا للحصول على التقدير الذي يستحقونه، والوصول إلى جمهور أوسع حول العالم. ومن خلال إطلاق جائزة «هورايزن»، نؤكّد فخرنا بدعم المواهب الواعدة التي تفرض حضورها بقوة، إذ يشرّفنا أن نتعاون مع مثل هذه الجهة المرموقة لتكريم هند صبري وعليا بات، الممثلتَيْن الاستثنائيتَيْن اللتين تواصلان رسم معالم صناعة السينما».

والجائزتان تُضيئان على إنجازات ألمع المواهب الإبداعية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وشمال أفريقيا. ولا يزال عمر الشريف، الممثل المصري الأول الذي فاز بجائزة «غولدن غلوب» ونال لاحقاً ثلاثاً منها عن أدائه المتميّز في فيلمَي «لورنس العرب» و«دكتور جيفاغو»، من أبرز الشخصيات التي كُرِّمت في تاريخ هذه الجوائز التي انطلقت منذ 80 عاماً. وتحتفي «جائزة عمر الشريف» بسجلّه الحافل بالأعمال الفنية الخالدة وبصمته الملحوظة في السينما العالمية، فيما تحتفي جائزة «غولدن غلوب هورايزن» بالمواهب الإبداعية الناشئة التي تؤثر شهرتها السريعة في عالم الترفيه بشكل ملحوظ على الإرث الثقافي الإقليمي والدولي.

هند صبري: المرأة تشهد حقبة واعدة جداً

وقالت الممثلة هند صبري: «أشعر بفخر كبير لحصولي على هذه الجائزة المرموقة التي تحمل اسم أحد أبرز عمالقة السينما الذين لا يتكرّرون في عالمنا العربي. وانطلاقاً من التزامي الراسخ طوال مسيرتي المهنية بدعم المرأة وتمكينها من خلال القصص المُعقّدة والأدوار المركّبة، يسرّني أن أقف اليوم على خشبة مسرح مهرجان (البحر الأحمر السينمائي الدولي) من خلال جوائز (غولدن غلوب)، إلى جانب الممثلة عليا بات إحدى ألمع نجمات الجيل الجديد وأكثرهنّ موهبةً والتزاماً. ولا شكّ أنّ المرأة تشهد اليوم حقبة واعدة جداً في تاريخ صناعة الأفلام، مما يجعلني أشعر بفخر كبير لأكون جزءاً من تاريخ جوائز (غولدن غلوب) الخالد».

عليا بات: للجائزة معنى خاص

بدورها، قالت عليا بات: «يشرّفني أن أحصل على هذا التكريم المرموق من جوائز (غولدن غلوب)، وأشعر بامتنان كبير لما أحظى به من فرصة استثنائية لتمثيل جيل جديد من الفنانات الطموحات والنساء اللواتي يُحدثن فرقاً ملحوظاً في السينما والتلفزيون حول العالم. ولهذه الجائزة معنى خاص اليوم، في الوقت الذي تلتقي فيه نخبة من ألمع المواهب السينمائية العالمية لسرد القصص الأكثر شمولية وتأثيراً حول العالم. وتُعدّ جوائز (غولدن غلوب) من أبرز الجوائز الفنّية على الساحة العالمية. ويسعدني أن أكون اليوم جزءاً منها، وأتطلَّع لمواصلة التقدُّم في مسيرتي المهنية عبر رواية مزيد من حكايات النساء القويات والمُلهمات».


بصمة إصبع تكشف سرّ زورق دنماركي عمره 2400 عام

دليل يفكّ أسرار أقدم قارب اسكندنافي (المتحف الوطني الدنماركي)
دليل يفكّ أسرار أقدم قارب اسكندنافي (المتحف الوطني الدنماركي)
TT

بصمة إصبع تكشف سرّ زورق دنماركي عمره 2400 عام

دليل يفكّ أسرار أقدم قارب اسكندنافي (المتحف الوطني الدنماركي)
دليل يفكّ أسرار أقدم قارب اسكندنافي (المتحف الوطني الدنماركي)

ساعدت بصمة إصبع اكتُشفت على بقايا حطام قارب «هيورتسبرينغ» الدنماركي القديم في حلّ اللغز الذي طال أمده حول منشأ هذا الزورق الخشبي الاسكندنافي.

ووفق «الإندبندنت»، اكتُشف موقع حطام القارب، الذي يُعتقد أنه كان يحمل 80 راكباً، للمرّة الأولى في جزيرة آلس الدنماركية، ونُقّب عنه للمرّة الأولى في أوائل القرن العشرين.

ويعتقد علماء الآثار أنه من المرجّح أنّ القارب كان يخصّ محاربين هاجموا الجزيرة وهُزموا، لكن مصدر قدوم هؤلاء الأشخاص ظلّ مجهولاً.

حتى الآن، طُرحت نظريات عدّة حول منشأ القارب على مدى المائة عام الماضية، إذ اقترح البعض أنّ طاقمه ربما جاء من شمال ألمانيا، أو جزء آخر من الدنمارك الحالية.

في دراسة حديثة، حلَّل الباحثون مواد العزل والحبال التي لم تُدرس سابقاً، والتي وُجدت مع القارب، بالإضافة إلى بصمة إصبع جزئية، مما يشير إلى المنطقة المُحتملة لمنشأ القارب العائد تاريخه إلى 2400 عام.

وكتب الباحثون في دراسة نشرتها مجلة «بلوس ون»: «يمنحنا تحليلنا العلمي لمواد عزل القارب أول دليل رئيسي جديد منذ أكثر من قرن».

وأضافوا: «بصمات الأصابع مثل هذه نادرة جداً بالنسبة إلى هذه المدّة الزمنية. إنه لأمر رائع أن نجد اتصالاً مباشراً بأحد الأشخاص الذين استخدموا هذا القارب القديم».

وكشف التحليل الأخير أنّ مادة العزل كانت تتكوَّن بشكل رئيسي من دهن حيواني وقار الصنوبر.

ونظراً لعدم وجود غطاء كبير من غابات الصنوبر في الدنمارك خلال هذه المدّة، يشتبه العلماء في أنّ إحدى المناطق الساحلية على طول بحر البلطيق إلى الشرق، حيث كانت توجد غابات الصنوبر، قد تكون الموقع الأصلي للقارب.

ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجّح أنّ القارب قطع مسافة طويلة عبر المحيط المفتوح للوصول إلى جزيرة آلس، ممّا يشير إلى أن الهجوم كان مُنظّماً ومُدبّراً مسبقاً.

وكتب العلماء: «عُزل القارب ضدّ الماء بالقار المستخرج من أشجار الصنوبر، التي كانت نادرة في كلّ من الدنمارك وشمال ألمانيا خلال الألفية الأولى قبل الميلاد».

وأوضحوا: «هذا يعني أن القارب وطاقمه جاءوا على الأرجح من مناطق أبعد شرقاً على طول شواطئ بحر البلطيق، إذ كانت غابات الصنوبر أكثر وفرة».

أُلحِق تاريخ المواد الجديدة التي عُثر عليها في القارب إلى القرنين الرابع أو الثالث قبل الميلاد، وهو ما يتوافق مع التواريخ السابقة لخشب موقع هيورتسبرينغ.

كما عثر العلماء على بصمة إصبع بشرية جزئية في جزء من مادة العزل، ويشتبهون في أن أحد أفراد الطاقم قد يكون تركها.

يقول الباحثون إنّ هذا على الأرجح يوفّر «ارتباطاً مباشراً ببحّارة السفينة القديمة». وكتبوا: «التحليل الجديد لأقدم قارب خشبي اسكندنافي يقرّبنا خطوة من حلّ اللغز الذي يعود إلى 100 عام حول أصول القارب القديم».

وأضاف العلماء: «باستخدام أحدث الأساليب العلمية، حدَّد الباحثون منطقة بحر البلطيق بأنها المصدر الأكثر ترجيحاً للقارب العائد تاريخه إلى نحو 2400 عام، واكتشفوا أيضاً بصمة إصبع تركها أحد البحّارة القدامى في القطران المُستخدم لعزل السفينة ضدّ الماء».

تُعزّز النتائج الأخيرة الاعتقاد بأنّ القارب استخدمته مجموعة صغيرة من الغزاة الذين هاجموا جزيرة آلس في جنوب الدنمارك قبل أكثر من 2000 عام.

وكتب الباحثون: «هُزم الغزاة، وأغرق المدافعون المحلّيون القارب في مستنقع على هيئة قربان لتقديم الشكر على انتصارهم».

وقالوا: «منذ أن بدأ التنقيب عن القارب في المستنقع أوائل عشرينات القرن الماضي، ظلَّ السؤال عن مصدر قدوم الغزاة لغزاً مفتوحاً».


فنان من ذوي الهمم يُحوّل جروحه الأولى إلى أعمال عملاقة

يلتقط لحظة مرضه القديم ويُحوّلها إلى احتفال بالحياة (إنستغرام)
يلتقط لحظة مرضه القديم ويُحوّلها إلى احتفال بالحياة (إنستغرام)
TT

فنان من ذوي الهمم يُحوّل جروحه الأولى إلى أعمال عملاقة

يلتقط لحظة مرضه القديم ويُحوّلها إلى احتفال بالحياة (إنستغرام)
يلتقط لحظة مرضه القديم ويُحوّلها إلى احتفال بالحياة (إنستغرام)

ظهرت مجموعة من المُجسّمات العملاقة، المستوحاة من طفولة فنان من ذوي الهمم وذكرياته عن ساحل لانكشاير، في أنحاء منتجع بلاكبول.

وذكرت «بي بي سي» أنّ هذا المعرض، ذا الأشكال الأكبر من الواقع، هو عمل الفنان الشهير جيسون ويلشر ميلز، الحاصل على وسام الإمبراطورية البريطانية، والذي صرَّح بأن هذه المنحوتات تستكشف طفولته عندما شُخِّصت إصابته بحالة مناعة ذاتية نجمت عن إصابته بجدري الماء في سنّ الحادية عشرة.

وتشمل الأعمال الفنية جراثيم ملوّنة قابلة للنفخ بألوان زاهية، ومجسّماً عملاقاً مستلقياً على سرير مستشفى يشاهد التلفزيون ومحاطاً بجنود بلاستيكيين ضخام، بالإضافة إلى عمل «صخرة بلاكبول»، وهي منحوتة بطول 10 أقدام (3 أمتار) تقع خارج المعرض.

قال الفنان المولود في ويكفيلد إن المعرض يدور حول «الخلط بين ذكرياتي عن المستشفى» وساحل لانكشاير. وأضاف ويلشر ميلز أنه اعتمد على تجربته في أن يصبح من ذوي الهمم وهو طفل، ممزوجة بذكريات عن المناطق الساحلية بما فيها بلاكبول، التي قال إنّ لديه ارتباطاً خاصاً بها، إذ كانت جدّته تُدير نزلاً هناك.

وتابع: «هناك كثير من روح المناطق الساحلية في هذه القطع الفنّية، حتى الأضواء على المنحوتات هي نفسها المُستخدمة في ملاهي الواجهات البحرية».

أما عمله الفنّي «صخرة بلاكبول»، فمستوحى من الوقت الذي قضاه ويلشر ميلز في قاعة برج الرقص، وهو يشاهد راقصي القاعة على أنهم جزء من بحثه.

وقال الفنان المولود في ويكفيلد إنّ لديه مودة كبيرة لبلاكبول. وأضاف: «لدي كثير من الألفة مع المنتجع، حتى إنّ جدّتي كانت تُدير نزلاً في بلاكبول منذ سنوات».

وعلَّقت عضوة المجلس المحلي لبلاكبول ورئيسة لجنة السياحة والفنون والثقافة، المستشارة لين ويليامز: «تستمرّ مهمّة معرض غراندي الفنّي في جلب الفنّ العالمي لسكان بلاكبول مع الفنان الرائع جيسون ويلشر ميلز»، علماً بأنّ هذا المعرض يملكه ويديره مجلس بلاكبول، ويشكّل جزءاً من دائرة الفنون التابعة له.