قرار القدس يرضي أصوليين... ويثير غضب معتدلين

قبلة الحياة للتنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها

تواصل الغضب والاشتباكات في رام الله للأسبوع الثالث على التوالي رداً على القرار الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (إ.ب.أ)
تواصل الغضب والاشتباكات في رام الله للأسبوع الثالث على التوالي رداً على القرار الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (إ.ب.أ)
TT

قرار القدس يرضي أصوليين... ويثير غضب معتدلين

تواصل الغضب والاشتباكات في رام الله للأسبوع الثالث على التوالي رداً على القرار الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (إ.ب.أ)
تواصل الغضب والاشتباكات في رام الله للأسبوع الثالث على التوالي رداً على القرار الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (إ.ب.أ)

في فبراير (شباط) من عام 2017 أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيلحقون الهزيمة بإرهاب الجماعات المتطرفة و«قوى الموت» حسب تعبيره. تصريحات ترمب جاءت في قاعدة ماكديل في تامبا بولاية فلوريدا، مقر القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، ويومها أضاف: «لقوى الموت والدمار، اعلموا أن أميركا وحلفاءها سيلحقون بكم الهزيمة»، مضيفاً مرة أخرى: «سنتغلب على الإرهاب، ولن ندعه يتجذر في بلادنا».
هل جاءت وتجيء قرارات ترمب الأخيرة لتخدم فكرة القضاء على الإرهاب أم أنها باتت بمثابة قبلة الحياة لتلك التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها؟
خلال حملته الانتخابية الرئاسية تحدث دونالد ترمب. عن أحلامه في أن يكون الرئيس القادر على جلب السلام للشرق الأوسط، وإنهاء حالة النزاع الذي طال بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويومها قال المراقبون للمشهد هناك إن الرجل يحلم بأن يضحى واحداً من القياصرة الذين يكتبون أسماءهم في سجلات التاريخ الأميركي، غير أن قراره الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل من جهة، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس من جهة أخرى، أكد أن ما تحدث به ترمب، ضرب من ضروب الأوهام، وفاته أن القدس هي أكبر كثيراً من كونها مدينة جغرافية عادية. لقد فات ترمب أنها مدينة ذات صبغة مطلقة، ولهذا فإن اسمها يرتبط لغوياً وفعلياً بـ«القداسة»، إنها القدس أو بيت المقدس، وإن مكانتها في قلوب المسلمين والمسيحيين، لا يمكن أن تقل أبداً عن أهميتها بالنسبة لليهود، ومعنى تخصيصها لفريق بعينه وتمكينه منها، وبمساندة أميركية لا تعرف سوى القوة كمعيار وحيد لها، هو بمثابة إثارة الأحقاد والكراهية لدى الفريقين الآخرين، مما يدفعهما في طريق المقاومة، وبخاصة إذا كانت القوة هي السند الوحيد الذي تعرفه إسرائيل وأميركا من ورائها، ومن هنا ينبغي طرح علامة الاستفهام، هل جاء قرار الأميركي ليقدم خدمة ذهبية للتيارات الإرهابية التي تؤمن بالعنف والقتل كلغة حوار؟
الشاهد أنه قبل الجواب على السؤال المتقدم قد يعن لنا أن نتساءل: «أليس قرار القدس نابعاً من قلب أصولية مسيحية أميركية ويخدمها ويبث فيها مشاعر سلبية لا تعرف إلا لغة الغطرسة والكبرياء وبعيداً عن ما هو مسيحي من قيم وأخلاق حقيقية؟

الأصولية المسيحية والقرار الأميركي
ظهرت الازدواجية الأميركية في شخص ترمب خلال الحملة الرئاسية الانتخابية عينها، ففي الوقت الذي كان فيه يتشدق بتصريحات عن السلام بين الجانبين، كان يعد تيار اليمين الأصولي المسيحي الأميركي، بما لا يملك أي إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. هذا التيار وبخلاف ما يذهب كثير من الباحثين ليس تياراً يهودياً وحسب، ذلك أن غالبيته من أنصار الرؤى الإيمانية المسيحية المغلوطة عمداً، والتي ترى أن دولة إسرائيل هي المعنى والمرادف لتمام وكمال النبوءات، وأنها العلامة الأخيرة المؤكدة لنهاية العالم، ومن ثم حدوث ما يسمى بـ«المجيء الثاني»، الذي لا بد له، وأن يمر عبر معركة نهائية على الأرض بين قوى الخير وقوى الشر، ما يطلق عليها معركة هرمجدون.
ولعل الناظر للمشهد يدرك أن ترمب كان لا يسعى لمصلحة السلام، أو حتى صالح اليهود الأميركيين حتى، ذلك أن نصب عينيه أن يحصل في الدورة الثانية على أصوات الأميركيين الذين صوتوا له في المرة الأولى، باعتباره رئيساً يفي بما يعد به، وهل يهود أميركا يدعمون هذا القرار؟
مثير جداً الجواب، سيما وأن عدداً من استطلاعات الرأي التي أجرتها منظمة «جي ستريت» الجناح المنشق عن الإيباك، جماعة الضغط الداعمة لإسرائيل في أميركا، أكدت أن ثمانين في المائة من الأميركيين اليهود يؤيدون حل الدولتين، في حين عبر اثنان وسبعون في المائة عن تأييدهم لجعل القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيلية مستقلة.
«جي ستريت» عينها وفي استطلاع رأى لها العام الجاري (2017) أظهرت أن ستة عشر في المائة فقط من يهود أميركا يؤيدون نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فيما أربعة وأربعون في المائة يرفضون نقل السفارة إلى القدس رفضاً تاماً، وستة وثلاثون في المائة لن يقبلوا النقل إلا في وقت لاحق، عندما يسود السلام بالفعل في إسرائيل وفلسطين. القضية إذن هي غزل براغماتي من ترمب على أوتار الأصولية الأميركية المسيحية الداخلية التي دعمته وتدعمه سيما داخل الكونغرس، وبصفة خاصة بين الأعضاء الديمقراطيين الذين وقفوا وبكل قوة وراء قرارات ترمب الأخيرة، باختصار غير مخل فإن «التيار المسيحي الأصولي في الولايات المتحدة الأميركية، بات اليوم يمثل أكبر كتلة دينية لها تأثير فاعل على صعيد الحياة السياسية، بعد أن بلغ نحو 25 في المائة من مجموع السكان في البلاد»، وعليه فإن أفضل من وصف حقيقة قرار ترمب كان «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية (صاحب النفوذ الكبير في كل الإدارات الأميركية)، حينما أشار إلى أنه «لم يكن هناك أي سبب دنيوي لاستفزاز العالم العربي بهذا القرار».
لعل الذين قدر لهم الدخول بعمق في قراءة أدبيات الجماعات الأصولية الإسلاموية على اختلاف أشكالها وألوانها، يدرك كيف أن «مدينة القدس»، تمثل ركيزة من ركائز مغازلة العوام والدهماء، بمعنى اتخاذها مبرراً وذريعة من أجل تبرير أفعالهم وحماقاتهم المرتبطة بالدم والقتل، بالتنكيل وإثارة الفوضى والذعر حول العالم.
هذا التيار الأصولي على الجانب الإسلامي لا يزال يتحدث عن تحرير بيت المقدس من الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان الجميع يدرك إدراكاً جيداً أنه أكبر القوى المتحالفة سراً مع الصهيونية العالمية، وخير دليل على ذلك، أنه لم تطلق رصاصة واحدة من قبل تلك التنظيمات داخل إسرائيل، ولم تقم بعملية واحدة على الأرض الخاضعة للاحتلال.
في هذا السياق يتوقف المرء مع تصريحات المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد أحمد حسين، والتي أشار فيها إلى أن أكثر من 90 في المائة من «منابع وموارد وصحيح الإرهاب ستزول»، إذا ما تم حل القضية الفلسطينية، الأمر الذي سيوفر على العالم الكثير من المشكلات، وقد بين في تصريحاته كيف أن الإرهابيين يدعون أنهم يحاربون من أجل إعادة القدس، موضحاً أن كل من يلبس عباءة القضية الفلسطينية باسم الإرهاب، ومن يلبس الإسلام باسم الإرهاب، فإنه يروج لمزاعم باطلة وحجج واهية.

أصولية تنتعش وإرهاب يتصاعد
لم يكن الأسوأ القادم ليغيب عن أعين العلماء المسلمين الثقات، فعلى سبيل المثال وجدنا مفتي الديار المصرية الدكتور «شوقي علام» ينبه لخطورة القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكيف أنه سوف يؤجج مشاعر الكراهية، ويثير المسلمين ويعطي مبرراً أكيداً للمجموعات الإرهابية أن تنتعش من جديد. ولعل المثير في المشهد هنا هو أن أصوات أميركية ارتفعت عالياً للتحذير من تبعات هذا القرار على تصاعد وانتعاش الموجات الأصولية والإرهابية في العالمين العربي والإسلامي.
خذ إليك على سبيل المثال ما كتبته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية ذائعة الصيت الأيام القليلة الماضية، فقد أشارت إلى أن «الجماعات (الجهادية)، وعلى رأسها تنظيم داعش، سوف تستغل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل» مؤكدة أن «هذه الجماعات كانت كثيراً ما تعتبر قضية فلسطين والاحتلال الإسرائيلي محركاً لها وسبباً لوجودها».
أما «ريتا كاتز» مديرة مجموعة «سايت» الاستخباراتية التي تعمل من على الأراضي الأميركية، فقد حذرت بدورها من هجمات إرهابية محتملة لتنظيمي القاعدة وداعش، تزامناً مع الإعلان المرتقب - في وقت تصريحها - بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ومضيفة: «ينبغي أن نتوقع حملة طويلة ومستمرة يقودها (الجهاديون)، على خلفية نقل العاصمة الأميركية إلى القدس، تنطوي على تحذيرات وتهديدات من قبل قادتهم، بالنظر إلى أن هذه المسألة تمثل نقطة حاسمة داخل الحركة (الجهادية) العالمية عبر خطوط (داعش) و(القاعدة)».

«داعش» والفرصة الذهبية المنتظرة
جاء قرار ترمب كهدية على طبق من ذهب للدواعش، بعد أن كره العالم العربي والإسلامي إرهابهم، وصباح الجمعة الثامن من ديسمبر (كانون الأول) نشرت الدورية الناطقة باسمهم «صحيفة النبأ» بياناً لهم عنوانه «بيت المقدس إنْ أولياؤه إلا المتقون». البيان وكما توقع الجميع كان دعوة مفتوحة لإعادة التأكيد على العنف وخياراته كطريق وحيد وفريد لاستعادة مقدسات المسلمين، وتبيان أن السلام والتعايش ما هو إلا أداة لموالاة الكفار والمشركين.
نص البيان مدعاة للتنبؤ بما هو آت إذ يقول: «بل وصل الأمر بالضالين أن ينكروا على كل مجاهد في الأرض، ويطعنوا في جهاده للمشركين»، وكأن قتال التنظيم الإرهابي هو طعن في الجهاد وقتال للمجاهدين، وهم أبعد ما يكونون عن فهم معنى الجهاد وشروطه ومقاصده»، ما يعني أن «داعش» يسعى لاستغلال اللحظة الآنية من أجل تسييس القضية الفلسطينية، ووضع مدينة القدس، لصالح أجنداتهم. ولعل من قرأ بيان «داعش» وفيه أنه: «كانت القدس في أيدي اليهود منذ 60 عاماً، والآن فقط يبكي الناس حين أعلن الصليبيون اليوم أنها عاصمتهم»، يدرك نيات التلاعب على الأوتار الأصولية لدى العوام في العالمين العربي والإسلامي، رغم زيف الادعاءات في الأصل، والدليل أن «داعش» يحاول أن يدرأ عن ذاته تهمة التخاذل في مواجهة إسرائيل في الداخل، بالقول إنه حين تهاجم الدول العربية المحيطة بها، فيفقد الإسرائيليون من يحرسونهم من العرب المحيطين بهم وهي دعوة غير صادقة، ومسلك للفرار من القول بوجود رابط بين الجانبين.
وعلى الرغم من المشهد المرتبك والمرائي لـ«داعش»، فإن غرف الحديث الخلفية، في تطبيق «تيليغرام» والتابعة لأنصار «داعش» نشرت صوراً انتقامية، ومن بين هذه الصور حرق الأعلام الأميركية والإسرائيلية ورسائل من نوعية «سنقتلكم ونقطع رقابكم»... هل غابت «القاعدة» بدورها عن المشهد؟
لم يكن لـ«القاعدة» أن تغيب أو تتوارى عن المشهد بحال من الأحوال، و«القاعدة» التي نشأت في جبال وكهوف أفغانستان، وعلى أيدي رجالات من الشرق الأوسط بعضهم من فلسطين مثل «عبد الله عزام» للقدس في سلوكياتها ومنهجها الجهادي مكانة كبيرة، فقد كان المجاهدون هناك ضد السوفيات يصرخون بالأصوات الزاعقة: «اللهم أنصرنا هنا في كابل، ولا تمتنا إلا في بيت المقدس»، مما يعني أن قضيتهم الأولى هي قضية القدس، وأن أفغانستان ممر وليست مستقراً.
كان طبيعي أن تسارع «القاعدة» في جزيرة العرب إلى إصدار بيان، نقله موقع «سايت» SITE السابق الإشارة إليه، قال فيه: «إن قرار ترمب يمثل تحدياً صريحاً للشارع المسلم الذي يعتقد بمركزية القضية الفلسطينية»، وأضاف البيان: «أمام هذا الخطب الجلل فإننا نقف إلى جانب أهلنا في فلسطين، وسننصرهم بكل ما نملك ولو حبواً على الركب، فعليكم بزاد الصبر، والجهاد في سبيل الله».
بيان «القاعدة» دعا أصحاب الاختصاص في متابعة شؤون الأصوليات والأصوليين مثل موقع «لونغ وور جورنال» إلى التساؤل: «أين سيأتي رد (القاعدة) على قرار القدس؟».
الموقع ذكر قائمة من الأهداف التي اختارها التنظيم للرد على إجراءات سابقة مماثلة، وقد ذكر القراء بـ«القسم الكبير» الذي أقسمه زعيم التنظيم السابق «أسامة بن لادن»، وفيه هدد الأميركيين بأنهم لن يهنأوا بالأمن قبل أن يعاش واقعاً في فلسطين، كما استحضر الموقع عدة حالات مماثلة وقعت فيها عمليات إرهابية رداً على مواقف أو تصرفات إعلامية وسياسية، مشيراً إلى احتمال أن تأخذ أية عملية قادمة للتنظيم سياقاً مماثلاً من ناحية اختيار الأهداف.
ثم ماذا؟: بالقطع سيكون للقرار الأميركي تداعيات سلبية كثيرة، تعزز من أحلام الأصوليين المسيحيين في الغرب، وتثير ثائرة الإسلاميين في الشرق، وبينهما يضيع السلام في العالم عامة، وفي القدس مدينة السلام بصفة خاصة.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.