بينما كان الممثل كيڤن سبايسي يحاول رد الضربات الموجعة التي تلقاها من الوسطين الفني والإعلامي، كان المخرج ريدلي سكوت يفكر في كيف يمكن له أن يستبدل المشاهد الكثيرة التي خصها لذلك الممثل في فيلمه الجديد «كل المال في العالم» (All the Money in the World).
المسألة كانت مصيرية بالنسبة للممثل الذي يشهد له الجميع بالتميّـز. كَيفن سبايسي أدهش العالم بعدد من الأداءات الرائعة. في عام 1995 قام ببطولة «المشتبه بهم المعتادون» (The Usual Suspects) لبريان سينجر (نال عنه أوسكاره الأول)، وفي العام نفسه ظهر في «سبعة» لاعباً شخصية القاتل لديفيد فينتشر، وتحت إدارة سام مندس قام ببطولة «جمال أميركي» سنة 2000 الذي نال عنه أوسكاره الثاني.
لا ريب في موهبته وقدرته على احتواء صلب الشخصية التي يؤديها وكيف يريدها أن تكون. لكن هذه الموهبة لم تساعده (ولا تاريخه الحافل بالجوائز الأخرى) في درء ردات الفعل الغاضبة التي وقعت حال انتشار فضيحة تعرضه لممثلين شباب بتحرشات جنسية. كان ذلك مباشرة بعد فضيحة هارفي ونستين، لكن حتى من دون تلك الفضيحة، فإن فضيحة سبايسي كانت من النوع المزلزل. من النوع الذي دفع محطة تلفزيونية لإلغاء اشتراكه في مسلسلها الناجح House of Cards الذي قام سبايسي ببطولته منذ عام 2013. ويدفع الآن صانعو فيلم «غور»، الذي أنجز سبايسي بطولته مؤدياً شخصية الأديب غور فيدال، للتريث بشأن عرض الفيلم تجارياً.
- الخطر الصامت
المشكلة الأكبر كانت في الفيلم الجديد الآخر «كل المال في العالم» الذي اندفع المخرج والمنتج ريدلي سكوت لتصويره في أواخر شهر مايو (أيار) من هذه السنة، أي قبل أشهر قليلة من اندلاع فضيحة سبايسي. في الرابع عشر من أغسطس (آب) دخل المخرج الاستوديو لكي يشرف على توليفته وإعداده للعرض. بعد شهرين وقعت الفضيحة. في العشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) قام سكوت بتصوير المشاهد التي كان أداها سبايسي مع ممثل آخر وبعد عشرة أيام أنجز إعادة التصوير ودخل بالفيلم مجدداً لعمليات ما بعد التصوير. هذا الأسبوع بوشر بعرض الفيلم تجارياً.
إنه شغل مخرج عمره 80 سنة، لكنه لا يزال يعمل بطاقة من هو في الأربعين من عمره. لكن المسألة ليست شخصية. لم يكترث سكوت، ولا أحد من المتصلين بالفيلم، بما كان سبايسي يفعله في حياته (التي كانت خاصة). الموقف ليس أخلاقياً ولا تأديبياً، ولا علاقة له بقبول أو رفض مثل هذه الممارسات المثلية. بل كانت أن فيلماً من تلك التي تكلفت أكثر من 100 مليون دولار لصنعها، ونحو ذلك للترويج، لا تستطيع أن تنوء تحت ثقل إعراض المشاهدين عن الفيلم بسبب أحد ممثليه.
الوازع الأخلاقي لدى المشاهدين، ذلك الصامت الذي لا يجرى التصويت علناً عليه، كان السبب في خشية صانعي هذا الفيلم (القائم على أحداث حقيقية) من سقوط الفيلم في عروضه؛ ما دفع شركة صوني (كوليمبيا سابقاً) إلى الإيعاز لسكوت بأن يفعل المستحيل وفي أقصر فترة زمنية ممكنة لإنقاذ الفيلم.
من ناحية أخرى، لم يكن ينفع تأجيل عرض الفيلم إلى ما بعد مرور العاصفة. إحدى المؤسسات التلفزيونية لديها مسلسل مماثل تعزم عرضه في مطلع العام المقبل وعرضه سيطيح بفيلم صوني- سكوت تماماً.
في العاشر من نوفمبر، تلقى الممثل كريستوفر بلامر مكالمة من المخرج ريدلي سكوت الذي كان يعمل على توليف «كل المال في العالم» يخبره فيه أنه سيسافر ليلاً إلى نيويورك، حيث يعيش الممثل المعروف (88 سنة) ويريد مقابلته في اليوم التالي.
تم تحديد الوقت والتقى الاثنان في أحد مطاعم المدينة، حيث أخبر سكوت بلامر بأنه اختاره ليلعب الدور الذي كان سبايسي قد قام بتمثيله. حسب بلامر، أنه فهم تماماً السبب ووافق في الجلسة ذاتها بعدما أتيح له، في تلك الجلسة، وقبل أن يقرأ مشاهده في مساء اليوم نفسه، معرفة دوره وحجم ذلك الدور.
في الأسبوع التالي حط بلامر، الذي لديه ثلاثة أفلام أخرى في مراحل مختلفة من التنفيذ، في لندن ووقف أمام الكاميرا ليمثل دوره.
- حكاية منهج
يقوم «كل المال في العالم» على حكاية واقعية حدثت سنة 1973عندما اختطفت عصابة حفيد الملياردير جون بول غَـتي، وطالبت بفدية قدرها 17 مليون دولار من والدته (ميشيل ويليامز في الفيلم) التي لجأت إلى الجد طالبة منه دفع الفدية. لكن الجد يرفض بدعوى أنه إذا ما وافق على دفع الفدية عرّض أفراد عائلته لحوادث مماثلة في المستقبل. على الرغم من صحة ذلك، فإن عداءه للأم كان السبب وراء رفضه. فما كان منها إلا اللجوء إلى عميل «سي آي إيه» سابق (مارك وولبرغ) في الوقت الذي بدأت الأمور تتعقد بين الخاطفين أنفسهم.
مما سبق يمكن معرفة أن دور كريستوفر بلامر لم يتضمن بضعة مشاهد موزعة له في أرجاء الفيلم، بل كان دوراً مركزياً يحتل ما لا يقل عن 20 في المائة من المشاهد الذي تبلغ مدة عرضه 132 دقيقة. والمسألة لم تكن مجرد السرعة في تدبير ممثل بديل (لا يقل مقدرة) فقط، بل في تصوير مشاهده.
هنا تبرز ملكية الأسلوب القديم الذي يعمل المخرج سكوت بمقتضاه.
هو من النوع الذي يرسم بنفسه كل لقطة من لقطات أفلامه (يسمون المنهج بـStory Board) وهو كان رسم المشاهد التي أداها كيفن سبايسي القيام بها؛ لذلك كان جاهزاً لتنفيذها مرة أخرى مع كريستوفر بلامر بديلاً.
يمكّن هذا الأسلوب المخرج الذي يعمل بمقتضاه أن يبدأ التصوير من دون كثير تجارب. يوفر بذلك الكثير من الوقت الذي تحتله المناقشات وتجربة هذا الحل أو ذاك قبل اختيار أحدهما. مع مدير تصوير خبير (مثل داريوش فولسكي هنا) فإن التصوّر المسبق أيضاً يؤمّن تواصلاً مثمراً للأفكار المعتمدة بحيث ما على المخرج ومدير تصويره وباقي العاملين سوى التنفيذ.
- ريدلي سكوت في 2017
ريدلي سكوت لا يتوقف عن العمل. لديه 54 فيلماً بصفته مخرجاً (كتب أربعة منها فقط) وفي حوذته 173 عملاً من إنتاجه، منها ما لا يزال في مراحل مختلفة من التنفيذ، والكثير منها أنتجه لسواه من المخرجين. هذا العام فقط أنجز ثمانية أفلام، هي:
> إخراج:
- Alien: Covenant
- All the Money in the World
> منتجاً:
- Phoenix Forgotten
- The Man Who Brought Down the White House
- Murder on the Orient Express
> منتجاً منفذاً
- Newness
- Clive Davies: The Soundtrack of Our Lives
- Blade Runner 2049
المخرج {السوبرمان} أنقذ فيلمه في آخر لحظة
ريدلي سكوت... 200 مليون دولار كادت تتبخر على {كل المال في العالم}
المخرج {السوبرمان} أنقذ فيلمه في آخر لحظة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة