النقد الأدبي وسؤال الثقافة

تي.س. إليوت
تي.س. إليوت
TT

النقد الأدبي وسؤال الثقافة

تي.س. إليوت
تي.س. إليوت

ما الفرق بين النقد الأدبي والنقد الثقافي؟ أم أن النقد الأدبي نقد ثقافي؟ وما الحاجة إلى النقد الأدبي اليوم؟ وما علاقته بالثقافة؟
هذه أسئلة تطرح أحياناً، ولها مبرراتها بطبيعة الحال بعد الاهتمام الذي تزايد في السنوات الأخيرة بما سمي «النقد الثقافي» الذي ألفت فيه كتب وألقيت محاضرات. والسؤال في جوهره لا ينصب على وجود أو عدم وجود ذلك النقد، أو على مشروعيته وأهميته، وإنما يتجه إلى ما يراه البعض أنه نقيضه؛ أي النقد الأدبي. فقد بات النقد الأدبي متهماً بعدم الحاجة إليه، في ظل وجود نقد آخر يعنى بالثقافة ككل، وليس محصوراً في الأدب.
ولعل مما يزيد الأسئلة إلحاحاً، ويرفع درجة حدتها أحياناً، إعلان بعض الكتاب بين الحين والآخر أنهم غير معنيين بالنقد الأدبي، أو بالمشتغلين فيه، وأنهم حين يكتبون لا يهمهم القراء إجمالاً، ناهيك بأن يكونوا نقاداً يدعون سلطة على النصوص بتحليلها والحكم عليها. «لست معنياً بالنقاد» يعلن الشاعر أو القاص، مضيفاً: «وليس النقد الأدبي مما يؤثر في كتابتي». ومن هنا، يأتي تحول السؤال إلى ما يشبه الجزم بهامشية النقد الأدبي، أو موته كما أعلن قبل سنوات.
نحن إذن أمام سؤالين لكنهما متداخلان: سؤال الثقافة وسؤال المشروعية. فمن الممكن أن يكون سؤال الثقافة مما يطرح في محاولة لإنقاذ النقد الأدبي، بمعنى أن استمرار هذا الحقل العتيد الممتد قدماً إلى أرسطو، وربما من سبقه، لا أمل له في البقاء إلا إن هو اعتنى بالثقافة، ووضع الأدب جانباً، أو لم يكرس اهتمامه بالنصوص الأدبية، وانشغل بالسياقات الثقافية وبالقضايا التي تطرح بوصفها جزءاً من الثقافة ككل.
إن السؤالين متداخلان فعلاً، لأن النقد الأدبي جزء من الثقافة، ونقد الأدب في نهاية المطاف نقد ثقافي، بمعنى أنه نقد للثقافة في تجلياتها الإبداعية، لكن مشروعيته لا تأتي من هنا فحسب، وإنما من أنه عملية أساسية أو تأسيسية، ليس في صياغة موقف تجاه الأدب أو في كونه مقاربة للنصوص الأدبية فحسب. فالنقد الأدبي هو ما لا يمكن تصور الكتابة من دونه أصلاً؛ العملية الكتابية عملية نقدية، والنقد ممارسة تبدأ بكاتب النص، سواء وعى ذلك أم لم يعه. والوعي لن يتأتى إلا إن تخلى الكاتب عن تصوره للكتابة بوصفها ليست أكثر من وحي يوحى، أو إلهام ينصب عليه، أي إن تنازل عن التصور الرومانسي ومفهوم الإلهام، أو خفف من ذلك المفهوم. النقد هو ما يفعله الكاتب حين يتخير الكلمات، حين يحذف ويضيف، حين يوازن بين الدلالات والإيحاءات، حين يكتشف مفردة غير مناسبة أو يتبين دلالة قد يساء فهمها أو دلالة ستضيف بعداً أعمق أو أجمل لما يتخلق بين ناظريه أو في سمعه أو وجدانه. الكاتب هو أول نقاد عمله، والنقد عملية متداخلة مع الكتابة، جزء عضوي منها، مكون من مكوناتها.
من هو الناقد إذن؟ الناقد هو الكاتب ابتداءً، ثم هو المتلقي الذي يحمل من الإحساس والثقافة والخبرة ما يدفعه إلى قراءة العمل، ويمكنه مما يعد في حقيقته استمراراً لما بدأ لدى الكاتب لحظة الكتابة، والكاتب يتحول إلى متلق لعمله بمجرد انتهائه منه، مثلما أنه متلق لأعمال غيره ناقد لها. ما يفعله الناقد هو مواصلة العملية النقدية بعد أن يكتمل العمل ويصل إلى القراء. الكتاب الذين لا يأبهون بردود أفعال القراء، والناقد واحد من أولئك القراء، إما كاتب يكتب لنفسه أو كاتب يدعي عدم الاهتمام بالآخرين (أحياناً نتيجة عدم الرضا عن ردود الأفعال). الكتابة، كما يقول أحد أشهر النقاد والشعراء معاً، الأميركي ت. س. إليوت، هي الفعل الاجتماعي لإنسان في عزلة. والإنسان في عزلة ليس بالضرورة منقطعاً عن المجتمع، وإنما هو في عزلة لحظة الكتابة. لكن لحظة الكتابة تلك ليست لحظة وحدة وانعزال تام، هي لحظة هادرة بالمجتمع وبالثقافة وبردود الفعل التي لا تعلن عن نفسها مباشرة بالضرورة، وإنما تقبع هناك في شبه الشعور أو في اللاشعور، تؤثر في الكتابة من حيث إنها لغة، واللغة رحم الثقافة وكيانها وحياتها.
الكاتب والناقد / المتلقي جزء من الثقافة في نهاية المطاف. وإذا كانت الكتابة فعلاً ثقافياً أو اجتماعياً، فإن النقد كذلك. حتى النقد الجمالي، النقد المعني بالدرجة الأولى بما هو جميل أو قبيح في النص، يمتح من قيم ثقافية تحدد له ما هو جميل وما هو غير ذلك. لكن النقد بمعناه الأوسع، بمقارباته الكثيرة، بنظرياته، بمفاهيمه ومصطلحاته، تكوين ثقافي، تكونه الثقافة ويشارك في تكوينها. وهذا يعني أن مقاربة النص، بغض النظر عن الزاوية التي تأتي منها، مقاربة للثقافة التي تتمثل في النص.
ونقد الأدب نقد للثقافة، من حيث إن الأدب روح الثقافة، حامل رئيس من حامليها. كيف يمكن نقد الرواية - حتى من الناحية الجمالية - دون التعرض للثقافة التي خرجت الرواية من رحمها، والتي تصف حياة الناس بلغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وقيمهم. ويصدق ذلك على باقي الفنون الأدبية. وفي ظني أن منشأ التصور من أن نقد الأدب ليس نقداً للثقافة هو رؤية لا ترى الأعمال الأدبية بوصفها مصنوعات للثقافة وناقلات لها. ولكن ذلك بالتأكيد يختلف عن نقد يتوقف عند الشأن الثقافي البعيد عن الأدب، أي الذي يقارب الثقافة من خلال مكوناتها المختلفة مباشرة، وليس من خلال تمظهرها في الأدب. هنا سيختلف الأمر كثيراً: سنتحدث عن الممارسات والمعتقدات واللغة، وغير ذلك من مكونات الثقافة، من حيث هي جديرة بالتحليل والفهم والتقويم أيضاً، لكن بعيداً عن المتخيل الشعري أو الروائي أو المسرحي، أي تلك من حيث هي مؤثرة في حياة الناس بصفة عامة. وهذا ما أدى إلى تنامي ما يعرف بالدراسات الثقافية التي قد تسمى نقداً ثقافياً، مع أن العلاقة بينهما ليست واضحة تماماً.
حين نشرت أول كتبي «ثقافة الصحراء» (1991)، وضعت العنوان، وأضفت: «دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر»، لأني لم أرَ في الأدب سوى ثقافة متصلة بالمكون البيئي الذي وجدته مصدراً للهوية لدى كتاب الحداثة السعوديين والخليجيين في ثمانينات القرن الماضي. الثقافة والأدب متلازمان، ونقد أحدهما، أي تحليله وتفسيره وتقويمه، نقد للآخر بالضرورة؛ إنها العلاقة التوأمية التي تجعل السؤال عن مسافة بينهما لا معنى له، أو لا ضرورة على الأقل. وهي أيضاً العلاقة التوأمية نفسها التي تصورتها مع الزميل د. ميجان الرويلي، حين وضعنا «دليل الناقد الأدبي» (1995، 2002)، موقنين أن صفة «الأدبي» في العنوان تنسحب على «الثقافي» بصفة عامة، كما تؤكد ذلك مصطلحات الكتاب السبعون.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.