بعد نحو 10 سنوات على كارثة إفلاس مصرف ليمان براذرز، ترجح التوقعات أن يتواصل نمو الاقتصاد العالمي الذي سجل هذه السنة خلال عام 2018، لكن مخاطر أزمة ديون جديدة تلوح في الأفق.
وبحسب مقال لديزموند ليشمان في «نيويورك تايمز»، فإن أجواء الاقتصاد العالمي تبدو كما لو أنها في إطار عام 2008، والأسواق العالمية قد تشهد «فقاعة أصول جديدة».
ويرى ليشمان في تحليله أنه على الرغم من أن «الاقتصاد الأميركي في حالة جيدة، والاقتصادات الناشئة تنمو... فإن أسعار الأصول العالمية ترتفع مرة أخرى بسرعة بما يتجاوز قيمتها، أو بمعنى آخر فإن هناك فقاعة… ولكن بينما كانت فقاعات 2008 تقتصر إلى حد كبير على أسواق العقارات والائتمان الأميركية، تبدو اليوم الفقاعات في كل ركن تقريباً من أركان الاقتصاد العالمي».
وتشير جميع المؤشرات الدولية الحديثة إلى تحسن الاقتصاد العالمي. ففي الولايات المتحدة، يتوقع أن تستمر خلال العام المقبل واحدة من أطول دورات النمو التي شهدها هذا البلد في تاريخه. أما الدول الناشئة، فعاودت النهوض باقتصادها بعد التباطؤ الذي سجلته عام 2014، حيث الصين تلعب دور المحرك، فيما قوى اقتصادية كبيرة مثل البرازيل تخرج من الانكماش، وأخيراً، عادت منطقة اليورو التي كانت آخر منطقة تنضم إلى قطار النمو، لتسجيل انتعاش قوي.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية بيار موسكوفيسي مبدياً ارتياحه، إن «الأزمة التي حلت بقارتنا باتت خلفنا، وهذا النمو يدعو إلى الاعتقاد بأن (هذا الوضع) مستديم».
ويتوقع صندوق النقد الدولي ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي نمواً عالمياً بنسبة 3.7 في المائة العام المقبل، وقد استعادت المنظمتان تفاؤلاً نادراً ما ظهر منذ نحو 10 سنوات، في تباين مع أجواء التشاؤم المخيمة قبل نحو سنة إثر التصويت البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة بناء على برنامج حمائي.
غير أن المؤسسات الدولية تسارع إلى التخفيف من الحماسة العامة وتدعو مختلف الدول إلى اغتنام «الظروف المواتية من أجل إصلاح أوضاعها»، وهو ما رددته مراراً المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. وتشير هذه الدعوات إلى أن الوقت حان لتطبيق الإصلاحات التي تسمح بمقاومة أي عواصف في المستقبل.
وما يزيد من وطأة هذه الدعوات أنه من غير المستبعد أن يشهد العالم أزمة جديدة، وقد ضاعف صندوق النقد الدولي ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وكثير من الخبراء الاقتصاديين في الآونة الأخيرة التحذيرات من مخاطر المديونية المتزايدة في القطاع الخاص، في وقت يعمل فيه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي تدريجياً على وضع حد لسياستهما المتساهلة المعتمدة في السنوات الماضية.
وقال الأمين العام لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أنخيل غوريا، أخيراً، إن «مديونية الأسر والشركات بلغت مستويات قياسية في كثير من الدول»، مشيراً بصورة خاصة إلى الشركات المعروفة بتسمية «زومبي»، التي تستمر وتمول بفضل القروض متدنية الكلفة، والتي يمكن أن تنهار حين تعود معدلات الفائدة وترتفع من جديد.
وقال خبير في الدين العام طلب عدم كشف اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنها مشكلة فعلية»، موضحاً أن «مديونية الشركات في بعض الدول الناشئة الكبرى تصبح طائلة وتطرح بالنسبة لبعضها مشكلة مديونية مفرطة، وبالتالي صعوبات في السداد حين تعود معدلات الفائدة إلى الارتفاع».
ولفت إلى أنه «حين يصبح لإحدى هذه الشركات وقع معمم على النظام الاقتصادي، عندها تضطر الدولة إلى تقديم المساعدة لها من أجل إنقاذها، ما يتسبب بانتقال الديون من القطاع الخاص إلى القطاع العام»، وهو ما حصل بعد الأزمة المالية عام 2008، حين قامت بلدان مثل إسبانيا وآيرلندا بدعم مصارفها.
وتسلط الأضواء هذه المرة بصورة رئيسية على الصين، وقد حذر صندوق النقد الدولي في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي من أن مصارف العملاق الآسيوي غير مهيأة لمواجهة مخاطر مالية متواصلة، مثل تلك «الشركات الزومبي» التي لا تستمر إلا بفضل الديون وانتشار المنتجات الاستثمارية غير الخاضعة لضوابط.
إزاء هذا الوضع، أبدى غوريا ثقته في السلطات الصينية، وقال: «أجل، إنها مشكلة. أجل، إنها معروفة وقد تم رصدها، لكن نظراً إلى قدرات السلطات الصينية على التحرك سريعاً حيال هذا الموضوع، نعتقد أن الوضع لم يخرج عن السيطرة».
وفي نهاية السنة، ظهرت «بيتكوين»، العملة الافتراضية التي تنتقد في غالب الأحيان باعتبارها «فقاعة مضاربة»، والتي لا تتوقف عن تسجيل مستويات قياسية، مصدر قلق جديداً في الأسواق، خصوصاً إن عمد المشترون إلى الاقتراض لشرائها.
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية انياس بيناسي - كيريه: «الأمر الخطير هو اقتران الفقاعة بالمديونية». وقالت متابعة: «لا أعتقد أن ظاهرة بيتكوين بلغت حجماً يمكنها من زعزعة استقرار الأسواق، لكن الأمر نفسه كان يقال عن الرهون العقارية» التي تسببت بالأزمة المالية، داعية إلى الحذر.
النمو العالمي يتسارع... والمخاطر أيضاً
الاقتصاد يعيش «أجواء 2008» بفقاعات في كل مكان
النمو العالمي يتسارع... والمخاطر أيضاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة