مسيحيون عراقيون في الأردن: فقدنا كل شيء ولن نعود

يحلمون بغد أفضل بعيداً عن وطنهم

تلاميذ مسيحيون عراقيون يصطفون بمدرسة «كنيسة اللاتين » في عمان (أ.ف.ب)
تلاميذ مسيحيون عراقيون يصطفون بمدرسة «كنيسة اللاتين » في عمان (أ.ف.ب)
TT

مسيحيون عراقيون في الأردن: فقدنا كل شيء ولن نعود

تلاميذ مسيحيون عراقيون يصطفون بمدرسة «كنيسة اللاتين » في عمان (أ.ف.ب)
تلاميذ مسيحيون عراقيون يصطفون بمدرسة «كنيسة اللاتين » في عمان (أ.ف.ب)

في مدرسة أردنية تستضيف لاجئين عراقيين مسيحيين بشرق عمان، يحلم عراقيون بغد أفضل بعيدا عن العراق، أرض أجدادهم حيث فقدوا كل شيء ولم يعودوا يشعرون بالأمان.
وتقول ولاء (40 عاما)، وهي تحتضن ابنها التلميذ في المدرسة التي زارها قبل أيام السفير الفرنسي لدى الأردن بمناسبة الإعلان عن هبة فرنسية: «لقد فقدنا كل شيء؛ بيوتنا سرقت ونهبت ودمرت وأحرقت، لم يتبق لنا شيء هناك كي نعود من أجله».
وولاء لويس واحدة من آلاف العراقيين المسيحيين الذين نزحوا إلى الأردن من ناحية برطلة قرب الموصل بعد أن سيطر عليها تنظيم داعش في 2014. وعلى الرغم من استعادة القوات الحكومية العراقية اليوم المنطقة، فإنها، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، لا تفكر بالعودة إلى بلدها بعد أن أحرق تنظيم داعش منزلها وكل ما تملكه في العراق، وبسبب شعورها بعدم الأمان.
وفرض المتطرفون لدى سيطرتهم على المنطقة على المسيحيين إما اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو النفي أو الموت. وبحسب الأب رفعت بدر، مدير «المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام»، فإن نحو 10 آلاف و300 مسيحي عراقي فروا إلى الأردن منذ الهجوم الذي شنه «داعش» على مناطق الموصل وسهل نينوى، شمال العراق.
وحضرت ولاء مع عشرات غيرها من الأهالي من مسيحيي العراق الذين فر أغلبهم من الموصل والبلدات المسيحية المحيطة، مساء الثلاثاء الماضي إلى «كنيسة اللاتين» في ماركا شرق العاصمة الأردنية، حيث يدرس أبناؤهم في المدرسة التابعة للكنيسة. وأعلن يومها عن تمويل مقدم من صندوق الدعم بوزارة الخارجية الفرنسية المخصص لضحايا العنف العرقي والديني في الشرق الأوسط، بقيمة 120 ألف يورو لمساعدة المدرسة على الاستمرار لسنة دراسية كاملة.
ووسط قاعة الاحتفال، وضعت شجرة كبيرة مزينة لأعياد الميلاد. وأدى أطفال المدرسة الذين علقوا جميعهم على صدورهم صلبانا خشبية كبيرة، في بداية الاحتفال، النشيد الوطني العراقي: «موطني موطني... الجلال والجمال والسناء والبهاء... في رباك في رباك».
وقال السفير الفرنسي في عمان ديفيد بيرتولوتي: «التعليم ضروري لهؤلاء الأطفال الذين اضطروا إلى الفرار من بلدهم»، مشيرا إلى أنهم «كانوا ضحايا للعنف، والاضطهاد من جماعة متطرفة أجبرتهم على الفرار». وأضاف: «أشعر بالسعادة جدا لرؤيتهم هنا، في هذه المدرسة، سعداء مع الناس الذين يعتنون بهم والذين منحوهم كثيرا من الاهتمام والحب».
وتروي ولاء أنها جاءت إلى الأردن في أغسطس (آب) من العام الحالي، وقدمت طلب لجوء لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أجل إعادة توطينها «في أي بلد يكون آمنا من أجل مستقبل أطفالي الثلاثة». وتتذكر ولاء بحسرة الظروف الصعبة التي مرت بها مع عائلتها التي نامت لأيام في الحدائق العامة والكنائس في أربيل.
ويقول عدد من اللاجئين المسيحيين إنهم يريدون المغادرة إلى أوروبا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة. وتؤكد ولاء، التي كان زوجها يملك محلا لتصليح السيارات في بلدتها، أنها تعاني من أمراض القلب وضغط الدم، وأنها تعاني الأمرّين بالأردن بسبب الحاجة المادية. وتقول: «صرفنا كل ما نملك، ولم نتسلم دينارا واحدا من أي جهة، حتى إنني لا أملك المال كي أراجع طبيبا أو أشتري هدية لأطفالي بمناسبة أعياد الميلاد». ثم ترفع يديها إلى السماء وهي تردد: «الله وحده يعلم بحالنا».
وردد الطلاب الذين وقفوا بصفوف متوازية لدى وصولهم إلى المدرسة صلاة باللغة السريانية. وتقول مديرة مدرسة «كنيسة اللاتين» سناء بكي، إن المدرسة التابعة للكنيسة «تستقبل نحو مائتي طالب من المسيحيين العراقيين الذين فروا من الموصل ومناطق سهل نينوى، والذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاما، وقد فاتتهم سنة دراسية أو أكثر بسبب الحرب». وتضيف: «الدراسة مسائية وباللغة الإنجليزية، لأن جميعهم لا يفكرون بالعودة إلى العراق، وسبق لهم أن تقدموا بطلبات لجوء»، مشيرة إلى أن المدرسة تعمل على «تأهيلهم للمدارس التي سيلتحقون بها في دول اللجوء».
وتتابع: «يتم تدريسهم مجانا على أيدي مدرسات عراقيات متطوعات. كما يتم توفير الكتب والملابس ووجبة طعام مجانا لهم». لكنها تقول إن «الأمر ليس بالسهل، لأن أغلبهم تعرضوا لضغوطات ومشكلات نفسية نظرا للمآسي التي مروا بها خلال السنوات القليلة الماضية».
ويؤكد الأب خليل جعار، راعي «كنيسة اللاتين»: «يقول المثل: (إذا أردت أن تدمر أمة، فامحُ تاريخها وجهِّل أطفالها)، لذلك علينا أن نعمل لكي يأخذ كل هؤلاء الأطفال حقهم في التعليم والحياة». ويتابع: «عانينا من مشكلات مالية خلال الفترة الماضية، ولكن نحمد الله الآن على أننا حصلنا اليوم على أموال تكفينا للاستمرار للسنة الدراسة الحالية».
وتحلم بان بنيامين يوسف (43 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال، ببناء «حياة جديدة» مع عائلتها كما تقول، بعد المعاناة التي مرت بها في العراق. وتقول: «بعد أن سرق ودمّر وحرق (الدواعش) منزلنا ومحل زوجي لبيع المواد الغذائية، قررنا حزم أمتعتنا والمجيء للأردن على أمل البدء بحياة جديدة». وتروي أنه «بعد اشتداد العنف الطائفي في عام 2006 وصلتنا تهديدات بالقتل، فهربنا من بغداد إلى الموصل، وهناك أيضا بعد أعوام وصلتنا تهديدات بالقتل، فهربنا إلى قرية كرمليس المسيحية شمال الموصل، حتى جاءنا (الدواعش) فهربنا إلى أربيل في صيف 2014». وتضيف: «ليس بإمكاننا العودة. مدننا مدمرة وفقدنا كل شيء. لا يوجد شيء نعود من أجله».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.