قالت هيئة الرقابة الروسية إن متابعة محرك البحث العالمي الشهير «غوغل» لم تُظهر أي تغيير في سياسته الخاصة بإتاحة أخبار قناة «آر تي» ووكالة «سبوتنيك» الروسيتين. وأكد المكتب الصحافي في هيئة الرقابة الفيدرالية الروسية لوكالة «تاس» إن «مراقبة عمل محرك البحث، بما في ذلك بالتعاون مع (آر تي)، لم تُظهر حتى الآن أي تغيير في أولويات ترتيب أخبار وسائل الإعلام الروسية». وكانت شخصيات من الوسط الإعلامي الروسي قد تحدثت عن قيام «غوغل» بإزاحة أخبار وسائل إعلام روسية عن «الأولويات في نتائج البحث» عندما يحاول المستخدم العثور على أي خبر، وأن محرك البحث منح الأولوية لوسائل إعلام غربية، تُظهر أخبارها أولاً ضمن نتائج البحث، بينما تظهر أخبار الإعلام الروسي، وتحديداً «آر تي» و«سبوتنيك» في ترتيب متأخر.
- ضربات مؤلمة
وتشكل هذه القضية ما يمكن وصفه بفصل جديد في المواجهة الإعلامية الدائرة بين روسيا والولايات المتحدة، والتي دخلت مرحلة «تبادل الضربات المؤلمة» بين الجانبين، بعد أن طالبت وزارة العدل الأميركية يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مكتبي قناة «آر تي» ووكالة «سبوتنيك» في الولايات المتحدة، بالتسجيل رسمياً بصفة «عملاء أجانب» بموجب القوانين الأميركية.
وأتى هذا الطلب على خلفية قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، والحديث عن علاقة بين قناة «آر تي» ومايكل فلين، المستشار السابق للرئيس دونالد ترمب لشؤون الأمن القومي. كما وصف تقرير للاستخبارات الأميركية القناة بأنها «وسيلة الدعاية الرئيسية الدولية للكرملين». واتهمت وزارة العدل الأميركية، وسائل الإعلام الروسية، ببث أخبار كاذبة بهدف التدخل في السياسة الأميركية الداخلية. وقالت تقارير إعلامية إن الأمن الفيدرالي الأميركي استجوب مواطناً أميركياً يعمل في مكتب وكالة «سبوتنيك» في الولايات المتحدة، وسألته حول عمل الوكالة.
- بروباغندا
وليست الحرب الدائرة حالياً في الفضاء الإعلامي بين البلدين جديدة على العلاقات بين موسكو وواشنطن، وتعود بدايتها إلى الحقبة السوفياتية، حين كان الإعلام بكل أشكاله المتوفرة في تلك المرحلة أداة استغلها الجانبان بمهارة في المواجهة الآيديولوجية، التي كانت تُخفي في طياتها تنافساً للسيطرة على أوسع مساحات ممكنة من العالم. ومع أن الاتحاد السوفياتي لم يكن يملك حينها وسائل إعلام قوية تبث الأخبار عالمياً، إلا أنه استفاد من مناهضة السياسة الأميركية في كثير من دول العالم، والإقبال على الأدب السوفياتي بشكل عام كأدوات رئيسية في الـ«بروباغندا»، بينما اعتمدت الولايات المتحدة، ومعها الغرب وسائل أخرى في مقدمتها المحطات الإذاعية التي تُبث بكل اللغات العالمية، بما في ذلك العربية والروسية وغيرها. وحتى فترة ليست بعيدة كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يسيطرون على المساحات الأكبر من الفضاء الإعلامي العالمي، يديرون مؤسسات مهمة فيه وفق مصالحهم وبما يخدم أهداف سياساتهم الخارجية.
- إعلام عابر للحدود
مع النقلة النوعية في عالم الاتصالات والإنترنت بدأ الغرب يفقد تدريجياً موقع «الإعلام الأقوى والأوسع انتشاراً» وظهرت القنوات الفضائية، والمواقع الإخبارية على الإنترنت. واستغلت روسيا هذه الظروف، وأقدمت على أول خطوة نوعية في هذا المجال حين أسست قناة «روسيا اليوم» الإنجليزية، ثم بلغات أخرى، مثل العربية والإسبانية وغيرها، وتُبث القناة عبر الأقمار الصناعية إلى كل دول العالم. وقناة «آر تي» وليدة مؤسسة إعلامية روسية عريقة، هي وكالة الأنباء «ريا نوفوستي»، التي قامت بمبادرات عدة في مجال نقل الأخبار من وجهة النظر الروسية إلى المواطنين في أرجاء العالم بلغاتهم المحلية. وفي عام 2013 أسست السلطات الروسية وكالة الأنباء الدولية «روسيا سيغودنيا» على أرضية وكالة «ريا نوفوستي»، وتضم الوكالة الجديدة «ريا نوفوستي» كل اللغات، ومعها شبكة قنوات «آر تي» وشبكة الراديو، وكل الكيانات الإعلامية التابعة لـ«ريا نوفوستي».
- وجهة نظر رسمية
حسب القرار الذي وقّعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص حل «ريا نوفوستي»، وتأسيس «روسيا سيغودنيا»، فإن مهمة الوكالة الجديدة «عرض السياسة الروسية والحياة في روسيا» في دول العالم. أما دميتري كيسيلوف الذي تم تعيينه مديراً للوكالة، فقد قال إن «(روسيا سيغودنيا) ستعمل على استعادة العدالة في النظرة عالمياً نحو روسيا بصفتها دولة مهمة بنيات حسنة». ولا يمكن تجاهل حقيقة أن «آر تي» و«سبوتنيك» تمكنتا ضمن الظرف السياسي والإقليمي في هذه المرحلة، من إثبات جدارتهما والحصول على اهتمام المتابعين. ومن الطبيعي أن وسائل الإعلام هذه تعرض الأحداث والتطورات من وجهة نظر رسمية روسية، فهي مؤسسات أسستها الحكومة وتحصل على تمويل حكومي، وتعبر بصورة رئيسية عن وجهة النظر الرسمية، وإن كانت تسعى إلى عرض وجهات نظر أخرى.
- معارك مستقبلية
أدى ظهور شبكة قنوات «آر تي» إلى احتدام التنافس بين روسيا والغرب في الفضاء الإعلامي، كنتيجة طبيعية لتصاعد حدة التوتر في العلاقات بين الجانبين سياسياً وعسكرياً. وفي ظل غياب ما يدفع إلى الاعتقاد باحتمال تحول إيجابي في العلاقات الروسية – الأميركية في المدى المنظور، يرجَّح أن تشهد المواجهة الإعلامية بينهما فصولاً جديدة، ولا سيما أن التصعيد مستمر منذ إجبار «آر تي» على التسجيل بصفة عميل أجنبي، إذ ردت روسيا على تلك الخطوة وأقرّ البرلمان تعديلات على قانون «العملاء الأجانب»، ومن ثم قامت وزارة العدل بسرعة بإدراج 9 وسائل إعلام أميركية تعمل في روسيا على القائمة الروسية لـ«عملاء أجانب». وفي مطلع ديسمبر (كانون الأول) قرر الكونغرس سحب الاعتماد من مراسلي «آر تي» و«سبوتنيك»، ورد البرلمان الروسي بالمثل، وأعلن منع دخول المراسلين الأميركيين لتغطية جلسات مجلس الدوما أو المشاركة في أي فعاليات في البرلمان.
المواجهة الإعلامية الروسية ـ الأميركية تعبير عن احتقان سياسي دفين
هيئة الرقابة في موسكو: «غوغل» لا تتجاهل أخبار «آر تي» و{سبوتنيك}
المواجهة الإعلامية الروسية ـ الأميركية تعبير عن احتقان سياسي دفين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة