تاريخ المأكولات البحرية عبر السنين

اعتمد البشر على الصيد أواخر العصر الحجري والفراعنة عرفوه كهواية

تاريخ المأكولات البحرية عبر السنين
TT

تاريخ المأكولات البحرية عبر السنين

تاريخ المأكولات البحرية عبر السنين

أكثر من مليار شخص يعتمدون على المأكولات البحرية في العالم، مصدرا أساسيا للبروتين الحيواني. ورغم شهرة كثير من دول العالم بهذه المأكولات، فإن مواطني كل من آيسلندا واليابان والبرتغال من أكثر الأفراد استهلاكا لها في العالم.
وفي مجال التعريف، تقول الموسوعة الحرة إن «المأكولات البحرية، في فن الأكل، هي حيوانات بحرية لا فقارية صالحة للأكل». هذا التعريف يشمل عادة القشريات (الروبيان، وسرطان البحر، والبرنقيل... إلخ)، والرخويات (بلح البحر، والبطلينوس، والقواقع أو المحار، والحبار... إلخ)، وغيرها من الحيوانات البحرية، مثل بعض قنفذيات الجلد (قنفذ البحر).
مهما يكن، فإن الأسماك على أنواعها هي العمود الفقري للأطعمة البحرية التي يستهلكها ويرغبها الناس من قديم الزمان، «وهناك ما يزيد على 32 ألف نوع (فصيلة) من أنواع الأسماك، مما يجعلها أكثر مجموعة تنوعاً من الفقاريات». مجموعات الأنواع السمكية الغذائية الرئيسية: الأنشوفة - الشبوط - القرموط - الزلفيات - القد - السلطعون - الثعابين المائية - الحدوق - الهلبوت - الرنجة - الكركند - الإسقمري - السلمون - السردين - القرنقيد - النهاش - البلطي - التروتة - التونة.
يعود استهلاك السمك والمأكولات البحرية في العالم إلى العصر الحجري القديم الأعلى، أو ببساطة أواخر العصر الحجري، أي ما قبل 50 - 100 ألف سنة من الآن. وهي الفترة التي شهدت انتشار الإنسان الحديث في أوراسيا (قارتا أوروبا وآسيا) وانقراض البشر البدائيين المعروفين بالنيندرتال.
ومن دراسات علماء الآثار على الهياكل العظمية لما يعرف بإنسان تيانيوان (Tianyuan man)، الذي عاش في شرق آسيا قبل 40 ألف سنة، تبين الاستهلاك اليومي للأسماك النهرية. كما أن عثور علماء الآثار على كثير من أكوام الصدف وعظام الأسماك ورسوم الكهوف القديمة، يدل على الدور الكبير للسمك والمأكولات البحرية في بقاء الإنسان.
ويبدو أن معظم تقنيات الصيد الرئيسية التي نعرفها حاليا على اختلافها، قد انتشرت في العالم في العصر الحجري الحديث، أي ما بين 4 - 8 آلاف سنة من الآن.
كما عرف سكان كاليفورنيا القدماء استخدام الصنانير، واستخدمت بعض القبائل السموم النباتية في عمليات الصيد البدائية.
كما استخدم الصيادون الأوائل في الهند - وخصوصا السكان الأصليين في جزر أندامان ونيكوبار - الحراب النحاسية، والأسلاك الطويلة، لصيد الأسماك منذ العصور المبكرة.
كما عرف أهل الهند الصيد قديما جدا، وهناك من الوثائق ما يدل على معرفتهم بصيد اللؤلؤ أيام مملكة البانديائيون التاميلية في القرن الأول قبل الميلاد، كما عرفوا عالم الملاحة وتقنيات صيد الأسماك.

الأساطير

وحسب الأساطير الاسكندنافية، كانت «الإلهة ران» تستخدم شبك صيد السمك لإنقاذ البحارة المفقودين.
وكما هو الحال مع الرومان، تظهر تقنيات الصيد وعالمه في أعمال السيراميك في البيرو القديمة، في أميركا اللاتينية.
وفي الصين يبدأ التاريخ بثلاثة أفراد شبه صوفيين أو أسطوريين، يعلمون الصينيين فنون الحضارة في نحو 2800 - 2600 قبل الميلاد. وكان من بين هؤلاء كان فوهسي المعروف عنه أنه مخترع الكتابة والاصطياد والتفخيخ وصيد السمك.
وجاء ذكر الأسماك في القرآن الكريم عدة مرات: «وتحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عن اللحم الطري... لفظ اللحم إذا أطلق يكون المقصود به لحم الأنعام، أما إذا قيد باللحم الطري فالمقصود هو السمك؛ لأن السمك الصالح للأكل يكون طرياً دائماً».
ولطالما اعتمد الفراعنة والمصريون القدماء على نهر النيل وأسماكه الطازجة والمجففة في مآكلهم اليومية، وقد عرف الفراعنة كثيرا من تقنيات الصيد، كما تشير الرسوم على الأضرحة والقبور.
وقد كان الصيد أيام الفراعنة عالما بحد ذاته، وجزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية إلى جانب نهر النيل، إذ شاع الصيد كهواية، وصنعت له قوارب القش الخاصة، والصنانير، والحراب، والشباك، والسلاسل الواقية المصنوعة من فروع الصفصاف. ومع الأسرة الثانية عشرة الحاكمة، عرفت مصر الصنانير المعدنية ذات الأشرطة. وكان الفراعنة أيضا كما يحصل الآن يضربون السمك على رأسه حتى الموت بعد القبض عليه، وقد عرفوا كثيرا من أنواع الأسماك، وعلى رأسها: سمك البرمون النيلي (Nile perch)، والقرموط (Catfish)، والأنكليس (الحنكليس) (Eels).
ولأن مرتبة الصيادين والصيد الاجتماعية كانت مرتبة دنيا في اليونان، لم نر كثيرا من مشاهد الصيد في الثقافة اليونانية القديمة. ومن المواد الفنية القليلة التي عثر عليها في هذا المضمار كأس يعود تاريخه إلى عام 500 قبل الميلاد «يظهر صبيا يجلس على صخرة، مع قضيب صيد في يده اليمنى وسلة في يساره»، وفي الماء ما يبدو أنه قفص للصيد.
وتعود أهم الأعمال الموثقة عن عالم الصيد والسمك إلى الشاعر اليوناني - الروماني أوبيان الكوريكوسي الذي عاش أيام الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد كتب أوبيان أطروحة (هاليوتيكا) رئيسية عن الصيد البحري، بين عامي 177 و180 قبل الميلاد. ويصف أوبيان في الأطروحة «وسائل الصيد المختلفة، بما في ذلك استخدام الشباك المدلى بها من القوارب... الرماح العادية، والرماح الثلاثية، ومختلف أنواع الفخاخ».
كما كتب المؤرخ اليوناني بوليبيوس أيضا عن عالم الصيد، وخصوصا صيد سمكة السيف (Swordfish).
مهما يكن، فقد كانت عمليات استهلاك المأكولات البحرية والأسماك بشكل خاص تعتمد على طبقة المواطنين الاجتماعية، والمنطقة التي يعيشون فيها. ولذا كانت بعض الأنواع الطازجة من الأخطبوط والحبار والمحار متوفرة بكثرة في المناطق الساحلية والجزر عامة، وكانت تستهلك محليا، وتصدر إلى المناطق الداخلية. كما عرف أهل أثينا قديما سمك السردين وسمك البلم (Anchovies). بأي حال فإن أهل اليونان عرفوا كثيرا سمك التونة الأصفر، و«السلطان إبراهيم»، وسمك الشفانين (Batoidea)، وسمكة السيف، والأنكليس.
ويبدو أنه في بعض المناطق اليونانية كانت أسعار سمك التونة الأزرق أغلى ثلاث مرات من سمك الببغاء (Parrotfishes).
كما أظهرت الحفريات والوثائق الدينية القديمة أن بني إسرائيل قد استهلكوا كثيرا من أنواع الأسماك منذ وجودهم في مصر القديمة، وقد أكثروا من تناوله بعد السبي، وتم العثور على عظام أسماك بحيرة طبرية ونهري العوجا والأردن، في مواقع أثرية كثيرة في فلسطين. ومن الأسماك التي كانت تستهلك أيام بني إسرائيل: السمك البلطي الذي يعيش في المياه الحلوة والقليلة الملوحة، وسمك الأسبور (sea breams)، وسمك القشر (Groupers)، وسمك اللوت (Meagre)، وسمك البوري الرمادي (Grey mullets)، من الأسماك البحرية. ومعظم هذه الأسماك كانت تأتي من البحر الأبيض المتوسط ومن البحر الأحمر، وكثيرا من الأحيان استيرادا من مصر القديمة ومن نهر النيل. وكما هو معروف أن تجارة السمك كانت رائجة بين القدس ومصر، وكانت تجارة مهمة لدرجة أن أطلق على أحد بوابات القدس «بوابة السمك»، نسبة إلى سوق السمك القريبة من البوابة.
وبشكل عام كانت بعض أنواع الأسماك آنذاك حكرا على الطبقات العليا والأغنياء من الناس؛ نظرا لتكاليف تمليح السمك، وتجفيفه، ونقله، وحفظه... إلخ.
معظم الأدلة المصورة عن الصيد الروماني وعالم الأسماك تأتي من الفسيفساء التي تظهر مشاهد الصيد والقوارب والقصب والشباك. ويبدو أن الرومان كانوا يعرفون كثيرا سمك القنجر (Conger)، والكركدن (Lobster)، أو جراد البحر، وقنفذ البحر (Sea urchins)، والأخطبوط، والحبار.
وكان «السلطان إبراهيم» يعتبر نخبة الأنواع الفاخرة في بعض الفترات من حياة الإمبراطورية الرومانية الطويلة؛ لأن حراشيف السمكة تظهر لونا أحمر مشرقا عندما تموت خارج الماء. ولهذا السبب أيضا كانت تترك الأسماك للموت ببطء على طاولة الطعام.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات «عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.