يمكن للمرء أن يذهب إلى القول، وعلى نحو قابل للنقاش، إن روايته «ميرامار» هي أكثر ما كتب دفاعاً عن المرأة التي نجدها حاضرة في كثير من أعماله الأخرى. هي مكتوبة على نحو مذكرات لعدد من شخصيات بنسيون باسم «ميرامار»، حول الفتاة زهرة التي تصل إلى الإسكندرية آتية من الريف وتقصد المكان، لكي تعمل عند صاحبته ماريانا. وهذه تستقبلها بترحاب.
سكان هذا النزل يزدادون عدداً بالتدريج في الرواية وفي الفيلم. هناك اثنان من جيل ما قبل ثورة 1952، هما عامر (عماد حمدي) و(الساخر دوماً) طلبة (يوسف وهبي). ثم ينضمّ سرحان (يوسف شعبان) الشاب الذي يعمل محاسباً في شركة نسيج وعضو إحدى النقابات الاشتراكية الذي يسعى لكسب حب زهرة، بينما يتقرب من امرأة أخرى للزواج بها. أيضاً هناك حسني (أبو بكر عزت) الذي فلت من القرارات الاشتراكية وأخيراً منصور (عبد الرحمن علي) وهو شقيق لأخيه الضابط.
كل هؤلاء، يُضاف إليهم بائع الصحف محمود (عبد المنعم إبراهيم)، يحلقون حول زهرة. البعض خوفاً عليها (كما حال عامر ومحمود)، والبعض الآخر استغلالاً لها (كما سرحان وحسني). هناك نيات حسنة، وأخرى سيئة، وثالثة حيادية، لأن عاطفتها مشغولة بحب بعيد.
في الفيلم نجد زهرة (شادية) هي المحور، كما في الكتاب. لكن كاتب السيناريو ممدوح الليثي ينزع عن النص شكل المذكرات والكثير من الأحداث ويخص النزل بمعظم المواقف. لكن كالرواية، النزل يصبح المجتمع المصري والشخصيات هي التي تتنازعها، بينما زهرة هي بمثابة مصر التي ترفض، في النهاية، الهزيمة التي يتسبب بها المستغلون والفاسدون.
مثال الفيلم الأنصع عن هذا الفساد نجده في شخصية سرحان الذي علاوة على خداعه زهرة يوافق على الاشتراك بعملية تهريب لبضائع من الميناء لتحسين وضعه المادي، عاصفاً بأدراج الرياح كل مقولاته حول الاشتراكية وشكاوى العمال. في المقابل، هناك الوفديون والخاسرون لأمجاد الأمس والذين آلوا إلى البطالة أو الذين يعيشون على الحافة بين الفريقين. النموذج الواضح هنا هو مصر / زهرة المتنازع عليها بين الاتجاهات.
خط واحد
بذلك هو فيلم رسالة شائكة حُقّقت في الفترة التي انتمت إلى حكم الرئيس جمال عبد الناصر وبذلك كان آنذاك، وربما اليوم، من الغرابة بمكان كيف سُمح بتحقيق فيلم ناقد لما آلت إليه الثورة. الغالب أنّ حرب 1967 الخاسرة ساعدت على السماح بتحقيق هذا الفيلم بعد عامين من وقوعها.
كأفلام المخرج كمال الشيخ الأخرى، هناك إلمام جيد بشروط تنفيذ فيلم عليه أن يلخص حكاية كبيرة الحجم والمفادات، ولو أنّ الفيلم، مقارنة مع أعمال أخرى لهذا المخرج المهم، مثل «اللص والكلاب» (أول تعاون له مع الراحلة شادية، 1962) و«الشيطان الصغير» (1963) و - لاحقاً - «الهارب» (1975) و«على من نطلق الرصاص» (1976)، ليس بالعمل الجيد من دون شوائب. أما تمثيل شادية فهو يبقى على خط واحد من البذل وعلى نحو قابل للتصديق من دون تكلف. في الرواية هي أصغر سناً. في الفيلم كان لا بد من الاستعانة بممثلة ذات اسم كبير (اسمها جاء الأول في العناوين)، وهذا الاسم كان شادية. كان الفيلم يستطيع التأكيد على محورية زهرة أكثر مما فعل. اللجوء إلى مد خطوط موازية تقع خارج النزل وبعيداً عن زهرة يشتت قليلاً من التركيز على زهرة وما تواجهه. بذلك لا يبقى سوى الشرح اللفظي أو التمثيل المباشر لما تطرحه الشخصيات من مواقف.
بداية الفيلم (زهرة في الحافلة التي تصل إلى الإسكندرية) تختلف عن مطلع الرواية، لكنّ نهاية الفيلم (عامر وجدي يتابع زهرة التي خرجت من التجربة بقوة ثم بصوته وهو يقرأ من «سورة الرحمن») تقترب.