عشائر الأنبار تقتص من أبنائها المبايعين لـ«داعش»

الإعدام لمتطرف شارك في تحطيم آثار متحف الموصل

TT

عشائر الأنبار تقتص من أبنائها المبايعين لـ«داعش»

توافق زعماء عشائر محافظة الأنبار على أن «المسامحة مستحيلة» في التعامل مع أبناء هذه العشائر الذين التحقوا بتنظيم داعش، ولا بد من الاقتصاص منهم، ما حدا بعائلات كثير من المتطرفين إلى الفرار، خوفا من عمليات الثأر.
وعندما اجتاح تنظيم داعش العراق في عام 2014، وسيطر على نحو ثلث مساحة البلاد، بايع كثير من العراقيين التنظيم المتطرف. ويقول اللواء الركن إسماعيل المحلاوي، القائد السابق للعمليات العسكرية في محافظة الأنبار والمنتمي إلى قبيلة البومحل، إن «شيوخ في عشائر البومحل عقدوا اجتماعا مع بقية العشائر في القائم والنواحي التابعة لها، واتفقوا على أن تقف العشائر موقف رجل واحد، وأن تكون يدا واحدة بوجه مخلفات (داعش) من الذين انتموا لـ(داعش) أو بايعوه». وكان تنظيم داعش قد استولى في 2014 على منزل المحلاوي، عندما كان قائدا للعمليات العسكرية في الأنبار.
أمام ركام منزله الذي فخخه ودمره المتطرفون في بلدة العبيدي، يقول المحلاوي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن بعض أبناء العشيرة انضموا لتنظيم داعش، على الرغم من أن لعشيرته تاريخا طويلا في مقاومة المتطرفين.
وقد عاد المحلاوي أخيرا إلى منطقة القائم، أحد آخر معاقل المتطرفين في العراق، والمحاذية للحدود السورية، على رأس فرقته التي انضمت منذ ذلك الوقت إلى الحشد العشائري (الفصائل السنية المقاتلة ضمن الحشد الشعبي ذي الغالبية الشيعية)، وساهمت في طرد «داعش» منها. ويقول إنه لم يجد أحدا من أبناء العشيرة المتطرفين «لأنهم فروا إلى عمق الأراضي السورية». إلا أنه يتعهد بالقول: «سنحاسبهم بلا رحمة، والمسامحة مستحيلة». ويضيف: «سنقتص منهم القصاص العادل، من أجل حق أبناء العشائر الذين أصيبوا وظُلموا وهُجروا ونُهبت ودُمرت منازلهم».
وتبدو خلف المحلاوي في وسط عاصفة رملية، أكوام من الأنقاض ناتجة عن المنازل التي دمرتها مفخخات المتطرفين. ويروي المحلاوي قائلا: «قاموا بالدخول إلى داري واستولوا عليها، وقاموا بنهب كافة الممتلكات. بعدها اعتمدوها كسجن سري لأسرى الجيش والشرطة الذين كانوا يعملون في المنطقة، وكان التنظيم يأتي بهم مقيدي الأيدي ومعصوبي العيون». ويقول إن التنظيم بعث له رسائل عدة يطالبه فيها بإعلان «التوبة» ومبايعة «الخليفة» أبي بكر البغدادي؛ «لكنني لم أخضع».
ويؤكد مسؤول أمني في الأنبار أن عمليات الثأر بدأت بالفعل في ناحية العبيدي، وعلى نطاق أوسع في منطقة القائم التي يتوزع سكانها (150 ألفا قبل النزاع) على ست عشائر كبيرة. ويوضح المسؤول، طالبا عدم كشف هويته، أن «مقاتلي عشيرة البوشرجي في ناحية العبيدي أقدموا أخيرا على تفجير بيت أحد أبناء العشيرة الذي انضم إلى (داعش)». وكانت العشيرة قد أعلنت قبل ذلك براءتها منه، في بلد يسود فيه قانون العشائر غالبا على قانون الدولة والمحاكم. وهي حالة الانتقام الأولى في ناحية العبيدي، ولكنها ليست الأولى على مستوى محافظة الأنبار، إذ سبق أن تم تدمير منازل لعناصر في تنظيم داعش في الرمادي (350 كيلومترا شرقا) والقرى المحيطة بها.
ويكشف رئيس مجلس قضاء هيت بالأنبار محمد المحمدي أن «بعض العائلات المتضررة من (داعش) طالبت قبل شهور بطرد عائلات الدواعش من مدينة هيت» الواقعة على بعد 70 كيلومترا من الرمادي. ويضيف: «حصل تفجير منزل لعنصر في (داعش)، وأحرق منزل آخر، فضلا عن استهداف عائلات عناصر من (داعش) بالقنابل الصوتية، ما دفع بالبعض إلى الخروج» من المدينة، على غرار ما حصل في مدينة الموصل بعيد استعادتها من قبل القوات العراقية. ويلفت المحمدي إلى أن «الأشخاص الذين قاموا بالتفجير والحرق وإلقاء القنابل الصوتية مجهولون. لذا لا يمكن إسكان عائلات (داعش) في هيت، كون ذلك يسبب حالة من التوتر والصدام».
وفي منطقة الرمادي، يقول شيخ عشيرة البودلمة، عواد الدلمة، إنه جمع «قوائم بأسماء عناصر (داعش) من أبناء عمومتي وبعض العشائر الموجودين في منطقة البودلمة بجزيرة الرمادي شمال المدينة، ومن عشائر البوشعبان والبوذياب والجنابين، وعددهم 267 إرهابيا».
ويقول الزعيم العشائري من عشيرة البومحل محمد سطام، وقد لفّ كوفيته على عنقه، وارتدى بزة الحشد العشائري العسكرية: «سوف نبقى نحارب أي شخص انتمى لـ(داعش) من أبناء البومحل أو غيرها من العشائر الأخرى». بدوره قال المقاتل فيصل رافع، حاملا بندقية كلاشنيكوف، إن «إرهابيي (داعش) دمروا منازلنا وسلبونا كل شيء».
من ناحية ثانية، أصدرت محكمة الجنايات المركزية في بغداد، أمس، حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت، بحق أحد أفراد «داعش»، شارك في كثير من العمليات الإرهابية، بينها تحطيم آثار في الموصل. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن القاضي عبد الستار بيرقدار، المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى، قوله في بيان، إن «المحكمة الجنائية المركزية نظرت قضية متهم اعترف بانتمائه لما يسمى بولاية الشمال التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، وإن الاعترافات أكدت قيام المتهم بالاشتراك في كثير من العمليات الإرهابية، أبرزها عملية تحطيم وسرقة آثار من متحف الموصل». وأضاف أن «المحكمة وجدت الأدلة كافية ومقنعة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».