«العم شي»... على خطى ماو ودينغ

مع اختتام مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني

«العم شي»... على خطى ماو ودينغ
TT

«العم شي»... على خطى ماو ودينغ

«العم شي»... على خطى ماو ودينغ

أصدر الرئيس الصيني شي جينبينغ - أو «العم شي» كما بات يُعرف في الصين - «دليل عمل» يعبّد الطريق لإصلاح نظام بلاده الاقتصادي واستعادة مكانتها الدولية، في الوقت الذي رسّخ فكره ميثاق الحزب الشيوعي في مؤتمره الـ19، ضامناً بهذا مكانه في مصاف أبرز قائدين في تاريخ الصين الحديث: ماو تسي تونغ ودينغ هسياو بينغ.
وتشمل خطة شي جينبينغ الهادفة إلى استعادة الصين مكانتها في الساحة الدولية، وبناء جيش قوي وتحسين نظام الرعاية الاجتماعية والطبية وفق دولة قانون «اشتراكية»، إلى جانب ضمان «تعايش منسجم بين الإنسان والطبيعة». وفي حين يشكّك مراقبون دوليون في مدى جدية القيادات الصينية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان وتوسيع مجال الحريات السياسية، تعهد شي «بقطع رؤوس الفساد» داخل الحزب وفي المؤسسات التعليمية والشركات العامة، مع الحفاظ على أسس الحزب الشيوعي ومبادئه.

بشهادة في الهندسة الكيميائية من جامعة شينخوا العريقة في العاصمة بكين، دخل شي جينبينغ جهاز الحزب الشيوعي الصيني شاباً لم يتجاوز 21 سنة. وتقلب في مناصب المسؤولية في إقليم فوجيان عام 2000 ثم إقليم جيجيانغ بعد سنتين من ذلك، قبل أن ينتقل إلى مدينة شنغهاي كبرى مدن الصين و«عاصمتها الاقتصادية».
والواقع أن القيادي الشاب قاد بنجاح برنامج إصلاحات اقتصادية واسعة في الإقليمين الساحليين، ما شجّع هو جينتاو، الرئيس الصيني - آنذاك -، على «الاستعانة» به لقيادة برنامج إصلاحات في شنغهاي. وانضمّ شي إلى المكتب السياسي الدائم للحزب الشيوعي خلال العام نفسه، وتولّى مهامه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.
واليوم، بعد ترأسه الحزب والبلاد لمدة خمس سنوات وإعادة انتخابه على رأس الحزب الشيوعي الصيني لنصف عقد آخر، يعتزم شي جينبينغ أن يقود أكبر تحوّل تشهده الصين في القرن الـ21 وأن يغدو رمز «التجديد الصيني» على طريق استعادة مكانة إمبراطورية تداعت قوتها بعد حروب الأفيون والاستعمار الأوروبي والعدوان الياباني.

الإصلاح الاقتصادي
لعلّ أبرز إنجاز حققه شي خلال السنوات الخمس الأولى من حكمه هو إصلاح اقتصاد الصين، التي حازت في هذه سمعة «ورشة العالم» لاعتمادها على تصنيع مواد رخيصة الثمن وتصديرها عبر العالم. وساعد الرئيس تشي جينبينغ خلال فترته الرئاسية الأولى، وفق تقرير نشره مركز «ستراتتفور» الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، في نقل الصين من نموذج اقتصادي يقوم على السلع المصنعة المنخفضة التكلفة وذات القيمة المضافة إلى نموذج اقتصادي يركّز على الصناعات والخدمات المتقدمة والاستهلاك المحلي. كذلك أشرف شي على تغيير الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية لبلاده، فخرجت الصين من الإطار التقليدي لسياستها الخارجية، واتجهت نحو توسيع نطاق مصالحها في الخارج.
أما ثالث أهم بصمة لحكم شي، فهي الحرب على الفساد. إذ شنّ الرئيس الصيني حملة كبيرة ضد الفساد والفاسدين، وغيّر مسؤولين في الحزب وإدارته؛ ما ساعده في ترسيخ قوته داخل المؤسسات الحزبية.

الحزب من النشأة إلى عصر التجديد
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1921، أسّس نحو عشرة حركيين ثوريين الحزب الشيوعي الصيني سراً في شنغهاي، ليصبح اليوم أضخم منظمة سياسية في العالم تعد 89.4 مليون عضو، أي ما يوازي 6.5 في المائة من إجمالي السكان.
ووصل الحزب إلى السلطة في 1949، ثم نجا من العقد الكارثي لـ«الثورة الثقافية» (1966 - 1976) التي أطلقها مؤسس النظام ماو تسي تونغ مستهدفاً قيادييه. ورغم ذلك، ما زال الحزب الشيوعي الصيني يتمتع بشعبية هائلة بين أكثر من مليار صيني.
ومنذ الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ في أواخر السبعينات، انضمّ الصينيون بأعداد كبرى إلى الحزب الشيوعي. إلا أن العضوية ليست مفتوحة للجميع، بل تستهدف المتفوقين في الدراسة أو مجال الأعمال. ويتطلب تقديم طلب عضوية في الحزب الحصول على توصية، غالبا ما تكون من طرف خلية في الحزب في مكان العمل أو من لدن محاضر جامعي، وفق ليسلي هوك الكاتبة في صحيفة «الفاينانشال تايمز» البريطانية. وبعدها يخوض المرشّح عملية طويلة تشمل دروساً وأطروحات وامتحانات ومقابلات. وفي النهاية، يختار الحزب المرشحين الذين يعتبرهم جديرين بالثقة سياسيا والقادرين على إغنائه. لكن الحزب قصر طلبات، في المقابل، الترشح على المواطنين الصينيين منذ عام 1956، بعدما كان في السابق يضمن أميركيين ونيوزيلنديين وغيرهم، وفق هوك.

مؤتمر كل 5 سنوات
يعقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمراً كل خمس سنوات، يحتفي فيه بالإنجازات السابقة ويحدّد التحديات المقبلة. ويتيح المؤتمر الـ19 الذي انعقد الأسبوع الماضي في العاصمة بكين وأعاد تنصيب شي زعيماً لفترة ثانية، والذي تزامن هذا العام مع مرور قرن تقريباً على تأسيس الحزب عام 1921، فرصة للنظر في أداء الحزب خلال السنوات الخمس الماضية، والتخطيط لنصف العقد المقبل.
ولقد استغل شي هذا المؤتمر، فخاطب مئات المندوبين الذين يمثّلون «أكبر حزب في العالم» بأعضائه الـ89 مليونا وقد ارتدوا بدلات قاتمة وربطات عنق حمراء، ليشدّد على ضرورة الحفاظ على مكتسبات الحزب الفكرية والأخلاقية. وقال مخاطبا مندوبي الحزب: «على كلّ منا أن يبذل المزيد دفاعا عن سلطة الحزب والنظام الاشتراكي الصيني، والتصدي بحزم لأي أقوال أو أفعال من شأنها أن تقوّضهما».
وأضاف شي أن «الوضع في الداخل والخارج على السواء يشهد تبدلات عميقة ومعقدة (...) تطور الصين ما زال في مرحلة الفرص الاستراتيجية المهمة. الآفاق واعدة، لكن التحديات أيضا جسيمة». ولئن كان شي لم يعترض على الانتقال إلى «حكومة السوق الاشتراكية»، فإن رئاسته ترافقت مع عودة إلى الآيديولوجيا الماركسية وقمع معمم استهدف المحامين والمنشقين والمتدينين والإنترنت.

انفتاح على العالم
وشدد الرئيس الصيني في افتتاح المؤتمر الـ19 بـ«مزيد من الانفتاح» ومعاملة «منصفة» للشركات الأجنبية وتعزيز دور السوق»، استعار شي أثناء خطاب ألقاه الأسبوع الماضي وطال لـ3 ساعات، عبارات غالبا ما يستخدمها قادة «العالم الحر»، مؤكّدا أن «الانفتاح يجلب التطور، والانغلاق يعيدنا إلى الخلف. ولن تغلق الصين أبوابها، بل ستضاعف الانفتاح».
ووعد شي أمام حضور المؤتمر الذي استضافته قاعة الشعب الكبرى ببكين قائلا: «سنضيف مرونة كبرى إلى شروط الدخول إلى السوق (...) وسنحمي الحقوق والمصالح المشروعة للمستثمرين الأجانب. وستجري معاملة جميع الشركات المسجلة في الصين على قدم المساواة». ومن تعهد، وسط تصفيق نحو 2330 مندوباً حزبياً، مواصلة تحرير سوق العملات رغم أن تصريف اليوان ما زال يخضع للضوابط إلى حد كبير، من دون الكشف عن جدول زمني، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. ويهدف كل ذلك حسب قوله، إلى تعزيز الانتقال من «نمو سريع» إلى تطور اقتصادي «يتمحور حول النوعية» وتخفيض الفوارق.
ويشار إلى أن عملية التحول الاقتصادي والسياسي التي شهدتها الصين، وما زالت تشهدها، قد بدأت قبل تولي تشي السلطة، إلا أنه ساهم في تسريع وتيرتها وتكريس بكين عاصمة أساسية في ملفات دولية معقّدة، على غرار الأزمة الكورية الشمالية. وفي المقابل، تواجه عملية التحول هذه تحدّيات كبيرة،، وفق تقرير مركز «ستراتفور» الأميركي، من بينها انعدام المساواة الاجتماعية والإقليمية، وزيادة حجم الديون، فضلا عن المشاكل البيئية المتفاقمة التي أصبحت تهدّد سلامة المواطنين في المدن الكبيرة والمناطق الصناعية.
من جهة ثانية، رغم وعود شي الطموحة، تشكك بعض الشركات الأجنبية في مدى جدية بكين في تحسين أوضاع المستثمرين الأجانب. وندّد بعضها بتعرضه لتمييز متزايد أمام المنافسين المحليين والمجموعات التي تحظى بنفوذ والتابعة للدولة. ذلك أنها ممنوعة من الوصول إلى بعض القطاعات أو ملزمة في قطاعات أخرى بمشاركة مؤسسة محلية يتخللها أحيانا نواقص تكنولوجية وتقنية وتشغيلية. وفي المقابل، رحّب آخرون بدعوة الرئيس الصيني إلى «دعم وتطوير المؤسسات الخاصة»، وتأييده لـ«إبطال» القوانين التي تحول دون «منافسة مشروعة»، ومطالبته بـ«تعزيز وتطوير القطاع العام بلا انقطاع».
وفي هذه الأثناء، يواصل شي سياسة تعزيز الشركات الوطنية عبر دمج بعضها لبلورة أقطاب وطنية، ودعم تلك التي تواجه الصعوبات ولو أنه يفرض تعديلات عليها تعزز فعاليتها وتقلص قدراتها الزائدة. كما تعزّز الدولة نفوذها على القطاع الخاص، إذ سعت بكين مؤخرا - كما ذكرت «أ.ف.ب» - إلى الحد من استثمارات المجموعات الخاصة الكبرى المدينة، على غرار «واندا» و«فوسون» و«انبانغ» للتأمين وغيرها.

«الحزام والطريق»
وعلى صعيد آخر، أدرج شي مبادرة البنية التحتية الدولية الكبيرة، المعروفة باسم مشروع «الحزام والطريق»، في لائحة الحزب بشكل رسمي، في خطوة نادرة. وقال أبراهام دنمارك، مدير برنامج آسيا في مركز «ويلسون» لمجلّة «دي أتلانتيك» الأميركية إنه من غير المعتاد أن ذكر مشروع خاص بالسياسة الخارجية، مثل مبادرة مشروع «الحزام والطريق» بشكل صريح في لائحة حزب. وأردف: «يشير هذا إلى أنهم يرونه في إطار جهود طويلة المدى ستبذلها الصين لعقود مقبلة» لتعزيز نفوذها في آسيا.
ورغم تبني بعض دول جوار الصين لتلك المبادرة، التي أنفقت الصين بموجبها مئات المليارات في هيئة قروض على مشاريع بنية تحتية في منطقتها وخارجها، وصفت الولايات المتحدة الأميركية تلك المبادرة ب«الاقتصاد المفترس». وفي الكثير من الحالات، تنتظر الصين استرداد تلك القروض، ويمكنها أيضاً الاستحواذ على المشروعات التي قامت بتمويلها، مثل موانئ في باكستان أو طرق في سريلانكا، في حال عدم تسديد الديون وتعويضها.
ويجوز اعتبار مبادرة «الحزام والطريق»، إلى جانب محاولة وسائل الإعلام التابعة للدولة الواضحة تصدير نموذج الحكم في الصين، محاولة بكين لممارسة نفوذها في الدول النامية. ووصف دنمارك تغطية وسائل الإعلام التابعة للدولة للمؤتمر العام باللغة الإنجليزية بالـ«مبالغة في تصوير الإنجازات» بشكل ملحوظ، وتمثل ابتعادا عن الماضي. وأضاف قائلا: «يشير هذا حقاً إلى رؤيتهم للحقبة الجديدة للصين تحت حكم شي جينبينغ كفترة تقوم خلالها الصين بترجمة الرخاء، الذي حققته في حقبة دينغ هسياو بينغ، إلى قوة جيوسياسية حقيقية... في آسيا وربما في أنحاء العالم».

«صين تقدمية»
على الصعيد الدولي، فاجأ شي جينبينغ العالم في العام الماضي من على منبر «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس (سويسرا) بخطاب دافع فيه عن العولمة وفوائدها، وشدّد عبره على أهمية المضي قدما لتطويرها؛ وهذا بعدما كانت بكين أشرس المقاومين على مدار السنوات الماضية للعولمة. ومن ثم قدّم شي نفسه زعيما مستعدا لملء الفراغ الذي يبدو أن الولايات المتحدة قد تتركه في الساحة الدولية.
وحذر الرئيس الصيني الدول من العودة إلى «سياسات الحماية التجارية»، في هجوم واضح على خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب وشعاره «أميركا أولا». كما شبّه شي الحماية التجارية بأن «يحبس المرء نفسه في غرفة مظلمة لكي يحمي نفسه من الخطر؛ لكنه يحرم نفسه داخل الغرفة في الوقت ذاته من النور والهواء». وإلى ذلك، عمدت بكين إلى لعب دور «حليف موثوق» للدول الأوروبية في قضايا تراجع فيها دور واشنطن، أبرزها التغير المناخي وإطلاق مفاوضات مع كوريا الشمالية لحل أزمة الأسلحة النووية.
وعلى صعيد التحديات الدولية العاجلة التي تتحدّى قيادة الصين الإقليمية، فإن الأزمة الكورية الشمالية والضغوط الأميركية على بكين تشكّل التحدي الأكبر لقوة شي جينبينغ ومصداقيته داخليا وخارجيا. ففي حين دعمت الصين نظام بيونغ يانغ المعزول دوليا على مرّ عقود، بدت وكأنها تعتمد خطا أكثر تشددا تجاهه عبر موافقتها على فرض عقوبات أممية هي الأقسى على الاقتصاد الكوري الشمالي، كما وجّهت مصارفها بتعليق التعامل مع الشركات الكورية الشمالية.
وللعلم، شهدت علاقة شي بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون توترا خلال الفترة الماضية؛ إذ استغل كيم استضافة الرئيس الصيني قمتين دوليتين هذا العام، لتسليط الضوء على برنامج بلاده الصاروخي والنووي. فمع استعداد شي في مايو (أيار) للتحدث إلى قادة العالم الذين اجتمعوا في بكين عن مبادرته «حزام واحد طريق واحد»، وهو برنامج يتعلق بالتجارة والبنى التحتية تقوده الصين، أجرت بيونغ يانغ اختبارا ناجحا لصاروخ باليستي. ومن ثم في سبتمبر (أيلول)، أجرت كوريا الشمالية أقوى اختبار نووي في تاريخها، قبل ساعات فقط من اعتلاء الرئيس الصيني المنصة لإلقاء خطاب عن العالم النامي خلال قمة لدول الـ«بريكس». واعتبر التوقيت بمثابة رسالة إلى شي ومحاولة من الزعيم الكوري الشمالي لدفع جاره الصيني إلى إقناع الرئيس الأميركي ترمب بالتفاوض معه. وفي أي حال، في حين رسّخ المؤتمر الشيوعي مكانة شي بصفته أقوى زعيم يحكم الصين منذ عقود، فإن علاقته المعقّدة مع ترمب وفشل مساعيه لحل الأزمة الكورية الشمالية حتى الآن يظلان عنصرين يحظيان باهتمام العالم.

ترسيخ «فكر شي»
ثلاث كلمات تحدّد مسار الصين، البلاد العملاقة التي يتجاوز عدد سكانها مليار و400 مليون نسمة. ثلاث كلمات قد تعرّف «صين القرن الـ21» في كتب تاريخ الأجيال القادمة؛ هي «فكر شي جينبينغ». إذ صوّت مندوبو الحزب الشيوعي الصيني، الثلاثاء الماضي، لصالح إدراج «فكر شي جينبينغ عن الاشتراكية بسمات صينية للعصر الجديد»، في ميثاق الحزب.
وتفصّل هذه الكلمات الثلاث 14 مبدأ أساسيا تحدّد توجّه البلاد داخليا وخارجيا، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وتشمل هذه المبادئ إصلاح مبدأ سيادة القانون، والحاجة إلى تطبيق النسخة الصينية من الاشتراكية، والحفاظ على البيئة، مع اتجاه الصين نحو زيادة حصتها من الطاقة المتجددة، ومنح الحزب الشيوعي «سلطة مطلقة» على الجيش.
من جهة أخرى، سيدرّس «فكر» شي في المدارس الصينية، ويروّج له في وسائل الإعلام التابعة للدولة، لضمان أن تظل آيديولوجية الرئيس الصيني ذات أهمية سياسية وثقافية لسنوات، إن لم يكن لعقود مقبلة. وهنا يقول دنمارك، من معهد «ويلسون»، إن شي سيكون له «قدرة أكبر على توجيه السياسات عبر كل أجهزة الدولة الصينية، من حكومة وحزب وجيش، لكن هذا سيضع في الوقت ذاته المزيد من الضغط على من يعارضونه ويجبرهم على الخضوع ودعم مبادراته».
في المقابل، يرى كريستوفر جونسون، المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، في تصريحات له أن هذا يساعد أيضاً في ترسيخ مكانة شي كواحد من الزعماء الثلاثة البارزين للصين في العصر الحديث. ويضيف جونسون: «إنه يتبنى صيغة دينغ هسياو بينغ للاشتراكية ذات الطابع الصيني، لكن مع تعديلها بحيث تتفق مع إدراكه أن هناك حقبة جديدة، ويساعده هذا في محو كل من جيانغ زيمين وهو جيناتو اللذين سبقاه في حكم البلاد، من التاريخ السياسي، فهو يتحدث فعلياً عن ثلاث حقب في تاريخ الصين الحديث هم حقبة ماو وحقبة دينغ... وحقبته».
ويبدو أن «فكر شي» لا يسعى فقط إلى ضمان مكانته إلى جانب اثنين من مؤسسي الصين الحديثة، بل يبدو وكأنه يسعى لضمان استمراره على رأس هرم السلطة بعد تجاوزه سن التقاعد غير الرسمي المحددة بـ68 سنة، وانقضاء فترتي الرئاسة اللتين يسمح بهما القانون.
ويرى محللون أن تجنب شي ترشيح وجه سياسي بارز لتسلم قيادة الحزب عام 2022، قد يكون دليلا على اعتزامه البقاء في السلطة. ولقد نقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن المحاضر في جامعة كولومبيا، أندرو نيثن، قوله في هذا الشأن إن تعزيز تشي صورته داخل الحزب خلال السنوات الخمس الماضية تنذر بأنه سيمدد فترة حكمه بعد انتهاء فترته الثانية. ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الصيني الحالي برز بصفته قائدا محتملا خلال المؤتمر الـ17 للحزب عام 2007، ومن جهتها، نقلت صحيفة «التلغراف» البريطانية عن محللين أن شي قد يبقى على رأس الحزب والجيش بعد انتهاء فترته الثانية فيها يصبح منصب رئيس البلاد «صورياً».
في المقابل، كان تريستان كيندوردين، مدير الأبحاث في «فيوتشر ريسك» والخبير في السياسات الصينية التجارية والصناعية والزراعية، أكثر حذرا. وقال لـ«دي أتلانتيك» معلقاً «دائماً ما نبالغ في التكهن بهذه الأمور، لأننا ببساطة لا نعلم. إن خمس سنوات مدة طويلة في السياسة الصينية».
عموماً، يعتبر كثيرون أن الشعبية التي يحظى بها شي جينبينغ اليوم تدعم بقاءه في الحكم بعد عام 2022، إذ إن الشعب يراه قوياً ويدافع عن مصالح الصين على مستوى العالم، كما تحظى الحملة المناهضة للفساد التي يقودها بدعم شعبي. ويدعم المواطنون كذلك إنجازاته خلال الخمس سنوات الماضية قد فاقت في حجمها وقيمتها إنجازات سلفه. وبهذا الصدد، يرى دنمارك أنه «لم يتّضح بعد ما إذا كان شي سيبقى في السلطة بشكل رسمي بعد عام 2022، لكنه إذا غادر المنصب رسمياً فإنني أتوقع أن يستمر نفوذه وتأثيره على المشهد السياسي في الصين لفترة طويلة». وهنا يضيف محذراً: «قد يظل شي مسيطراً لكن من وراء الستار لمدة أطول من دينغ، فرغم تقاعد دينغ رسمياً، ظل محتفظاً فعلياً بسلطته لعدة سنوات إلى أن تدهورت صحته. لكن يعتمد الأمر على مدى قوة حلفاء شي السياسيين خلال الفترة الرئاسية المقبلة، لذا لننتظر ونر تفاعله وأداءه خلال فترته الرئاسية الحالية».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».