لافروف لـ«الشرق الأوسط»: حوار رفيع متواصل مع السعودية حقق ثماراً ملموسة

اعتبر العلاقات مع واشنطن «أسيرة لمشاكسات المؤسسة الأميركية»... وحمّل إدارة أوباما مسؤولية «تدميرها»

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.
TT

لافروف لـ«الشرق الأوسط»: حوار رفيع متواصل مع السعودية حقق ثماراً ملموسة

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.

اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو، غداً، «انعطافة حقيقية» في علاقات البلدين، متوقعاً انتقال التعاون بين الرياض وموسكو إلى «مستوى جديد تماماً»، بما يحقق «مساهمة عميقة الفائدة في استقرار منطقة الشرق الأوسط».
وكشف لافروف، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن هناك حواراً متواصلاً «على أرفع المستويات» بين المملكة وروسيا في شأن قضايا تهم البلدين، مشيراً إلى أن هذا الحوار «بدأ في تحقيق جملة من الثمار العملية الملموسة». وشدد على أهمية استمرار التنسيق فيما يخص الأزمات الإقليمية واتفاق خفض إنتاج النفط.
ونوّه بالجهود التي تبذلها السعودية لتشكيل وفد المعارضة السورية، معتبراً أنه «قد يصبح شريكاً منصفاً» في محادثات جنيف. وأكد أن التسوية السياسية عبر الحوار بين السوريين على أساس قرار مجلس الأمن رقم «2254»، «لا تزال أهم مجالات العمل لتجاوز الأزمة الراهنة».
وحمّل الوزير الروسي إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مسؤولية «تدمير» أسس العلاقات بين موسكو وواشنطن التي رأى أنها «لا تزال أسيرة لمشاكسات المؤسسة الأميركية». وتحدث عن «حملة مصطنعة معادية لروسيا داخل الولايات المتحدة تتضمن تكهنات بتدخل مزعوم في الانتخابات الرئاسية». غير أنه رأى أن «هناك أملاً في أن بمقدورنا التغلب على الأزمة المصطنعة الحالية، وإن كان مستقبل العلاقات لا يعتمد علينا نحن فحسب، وإنما كذلك على الجانب الأميركي»... وفيما يلي نص الحوار:

> فيما يتعلق بزيارة خادم الحرمين الشريفين إلى روسيا، كيف تقيّمون العلاقات الروسية - السعودية على المستوى الثنائي، وفيما يخص النقاش حول أزمات المنطقة؟
- إننا نشارك القيادة السعودية الاعتقاد بضرورة تحقيق مزيد من التطور المتصاعد في العلاقات السعودية - الروسية على مختلف الأصعدة، بما في ذلك جهود ضمان الاستقرار الإقليمي والعالمي.
ويتواصل الحوار السياسي على أرفع المستويات بين المملكة العربية السعودية وروسيا، بعيداً عن الأضواء، في شأن جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وقمت، في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، بزيارة إلى المملكة، وشرفت خلالها بلقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، كما أجريت محادثات مع وزير الخارجية عادل الجبير. وأود الإشارة إلى ارتياحي التام لنتائج تلك الزيارة.
ونعمل على تكثيف الجهود الرامية إلى تعزيز أواصر التعاون التجاري والروابط الإنسانية المشتركة مع المملكة. ويكمن هدفنا المشترك في زيادة حجم المبادلات التجارية، والتوسع في نطاق مكوناتها من السلع الأساسية التي يرى الجانبان أنها لا تتسق مع الإمكانات الكبيرة المتوفرة لدى البلدين.
ومن دواعي سروري أن العمل المشترك بين البلدين قد بدأ في تحقيق جملة من الثمار العملية الملموسة، فلقد اتُخذ عدد من الترتيبات المهمة في الآونة الأخيرة، وتم تحديد المجالات التي تستأثر بالأولوية والاهتمام. كما أود الإشارة على وجه الخصوص في هذا الصدد إلى العمل المثمر والبناء للجنة الثنائية بين حكومتي البلدين بشأن قضايا التجارة، والاقتصاد، والتعاون العلمي والتكنولوجي، فضلاً عن الاتصالات المباشرة بين الوزارات المعنية والاتحادات التجارية في البلدين. كما أننا نولي اهتماماً كبيراً لجهود تعزيز الأطر القانونية ذات الصلة.
وتشارك الرياض وموسكو في تنفيذ اتفاقيات «أوبك - بلس» لخفض إنتاج النفط العالمي. ونرى أنه من المهم للغاية مواصلة تنسيق الجهود مع الشركاء في المملكة العربية السعودية في هذا الصدد.
أما بالنسبة إلى الأزمات الإقليمية الراهنة فيرى البلدان أنه لا بديل فعلياً عن الحلول المستدامة والدائمة من خلال فقط الوسائل السياسية والدبلوماسية عبر الحوار الوطني الشامل والقائم على أسس راسخة ومتينة من القانون الدولي.
وهذه المسائل، وغيرها، من المسائل ذات الصلة ستكون محل النقاش العميق المرتقب على جدول الأعمال الثنائي والدولي خلال الزيارة المقبلة لخادم الحرمين الشريفين إلى روسيا، بناء على دعوة رسمية موجهة من الرئيس فلاديمير بوتين. ونحن على قناعة بأن هذا الحدث الذي يمثل انعطافة حقيقية في علاقاتنا سينتقل بالتعاون بيننا إلى مستوى جديد تماماً، ويحقق مساهمة عميقة الفائدة في استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
> اسمحوا لي بسؤالكم عن روسيا، بصفتها اللاعب الرئيسي في سوريا. هل بلغت الأزمة السورية مرحلة البحث عن حل سياسي؟ وما الحل في سوريا في تقديركم؟
- الصراع في سوريا مستمر منذ سنوات عدة. وأصرت روسيا، منذ بدايات الأزمة السورية، على الحل بالوسائل السلمية من خلال الحوار الموسع بين مختلف الأطراف في سوريا. كما دعونا المجتمع الدولي إلى مد يد المساعدة إلى الشعب السوري لإنهاء العنف وإراقة الدماء، والحيلولة دون دعم المجرمين والإرهابيين في الداخل السوري.
واتخذت جامعة الدول العربية، وكثير من الأطراف الإقليمية والدولية، قراراً بتجريد الرئيس السوري بشار الأسد من شرعيته لجملة من الأسباب المتنوعة. ومن خلال ذلك، فإنهم قد اعتدوا عملياً على حق الشعب السوري في تقرير من سيحكم سوريا وبأي طريقة. نحن نختلف وبشدة مع هذا المنهج. كما أننا، وفي مختلف المحافل الدولية، قد أيدنا وعلى الدوام استقلال الجمهورية العربية السورية، ووحدتها، وسلامة أراضيها. وذكرنا بأن مصير سوريا ومستقبلها يجب أن يرجع إلى الشعب السوري بنفسه وبطريقة قانونية تماماً ومن خلال حوار وطني.
وفي سياق الصراع السياسي الداخلي، فإن التطرف في سوريا قد بلغ مستويات هائلة. وقد اهتز العالم بأسره للفظائع اللاإنسانية التي يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي وغيره من الكيانات الإرهابية الأخرى. ولقد امتدت التهديدات الإرهابية الناجمة عن الإرهابيين الموجودين في سوريا إلى خارج البلاد وطالت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأسرها.
ولقد اتخذت روسيا قرارها بمساعدة الحكومة السورية بناء على طلب من الأخيرة، بهدف تخليص البلاد من الإرهابيين. وفي الوقت نفسه، فإننا لا نزال نعتقد أن الحملة العسكرية ضد المتطرفين يجب أن تترافق مع البحث عن حل سياسي للأزمة. وسعياً وراء هذه الغاية، فإننا نواصل مكافحة الجماعات الإرهابية في الداخل، مع تعزيز جهودنا لوقف إراقة الدماء، وتوفير المساعدات الإنسانية للسكان، وتكثيف العملية السياسية على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم «2254».
نرى أن الاجتماعات الدولية حول سوريا في آستانة خطوة مهمة نحو تسوية الصراع السوري. وفي إطار عملية آستانة بمشاركة وفد حكومة الجمهورية العربية السورية، إلى جانب ممثلي جماعات المعارضة المسلحة، وافقت الأطراف المعنية على أنه لا بديل عن التسوية السياسية والدبلوماسية تحت رعاية الأمم المتحدة، وأعربت عن التزامها بوقف إطلاق النار. وإضافة إلى ذلك، وضعت آلية التنسيق الكفيلة بمراقبة وقف إطلاق النار ودخلت حيز التنفيذ الفعلي، وحُددت مناطق خفض التصعيد الرامية إلى ضمان تطبيع الأوضاع في الداخل، وتسوية المشكلات الإنسانية العاجلة، وعودة اللاجئين، والمحافظة على وحدة سوريا ككل.
واليوم، يجب على جميع الجهات الفاعلة التخلي عن أطماعها الجيو - سياسية الخاصة والمساهمة الكاملة في إعادة الاستقرار والأمن في سوريا وأرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كافة. وفيما يلي أهم بنود جدول الأعمال: إعادة بناء البنية التحتية المدمرة خلال الصراع، ورفع العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب التي فرضتها دول عدة على سوريا، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولا تزال التسوية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254» عبر الحوار الشامل بين السوريين أهم مجالات العمل لتجاوز الأزمة السورية الراهنة. والهدف من وراء هذه التسوية توطيد الاتجاهات على أرض الواقع، وإنهاء المواجهات المسلحة. وفي هذا الصدد، أود التأكيد على أهمية الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتشكيل وفد المعارضة السورية الذي قد يصبح شريكاً منصفاً لوفد الحكومة السورية في المحادثات التي تجرى برعاية الأمم المتحدة في جنيف.
> تحظى روسيا بعلاقات جيدة مع تركيا وإيران. كيف ترى موسكو دور هذين البلدين في سوريا والعراق؟
- تولي روسيا أهمية كبرى للتعاون مع تركيا وإيران في إطار تسوية الأزمة السورية ومساعدة بغداد على مواجهة التهديدات الإرهابية الصادرة عن تنظيم داعش. ونحن نعتقد أن الجهود المشتركة بين روسيا وتركيا وإيران قد نجحت في تغيير الأوضاع في سوريا على نحو أفضل، ودمرت مراكز مقاومة «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من الجماعات الإرهابية، وكفلت الظروف اللازمة لإجراء حوار واسع وبناء بين الأطراف السورية المعنية حول مستقبل النظام السياسي في البلاد.
ومن أحدث الأمثلة على التفاعل المثمر والوثيق بين الدول الثلاث اتفاقيات الاجتماع الدولي السادس بشأن التسوية السورية الذي عقد في آستانة في 14 و15 سبتمبر الماضي، وسبل عمل منطقة نزع التصعيد في إدلب. وفي واقع الأمر، تم إيجاد الظروف الضرورية الرامية إلى إنهاء الحرب بين الأشقاء في سوريا، والقضاء التام على الإرهابيين وعودة الشعب السوري إلى الحياة السلمية. وتهدف الخطوات المتخذة بالتنسيق مع أنقرة وطهران إلى الحفاظ على وقف الأعمال القتالية في سوريا، وتعزيزه، والمساعدة على تسوية النزاع بالوسائل السياسية، وتخفيض مستويات العنف، وتحسين الأوضاع الإنسانية هناك بشكل كبير.
ويكشف التعاون العملي على الأصعدة كافة والاتصالات اليومية المشتركة بين مختلف الجهات أن تركيا وإيران تلعبان، وبالمعنى الكامل للكلمة، دوراً رئيسياً في ضمان استقرار الأوضاع في سوريا والعراق. ومع النظر إلى التحديات المعقدة ومتعددة الأبعاد التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، فإننا نعتقد أن زيادة التفاعل السياسي الخارجي بين موسكو وأنقرة وطهران تخدم مصالح دول المنطقة كافة.
وإننا نعتزم مواصلة التبادل العميق للآراء والعمل النشط والفعّال مع الشركاء في تركيا وإيران، أولاً وقبل أي شيء، لمواجهة الكيانات الإرهابية في سوريا والعراق، والعمل على تطبيع الأوضاع بشكل مطرد في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام.
ولقد نوقش هذا الأمر، بين جملة من الأمور، خلال المفاوضات بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركي في 28 سبتمبر. ولقد أكدا، على وجه الخصوص، التزامهما بالتمسك باتفاقيات آستانة، ومواصلة التعاون الوثيق بين وزارات الخارجية المعنية، فضلاً عن المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، بغية تعميق تنسيق الإجراءات المشتركة الرامية إلى تسوية الأزمة في سوريا وحل المشكلات الإقليمية ذات الصلة.
> رغم المشاورات الجارية بين الولايات المتحدة وروسيا، تشهد العلاقات بين البلدين تردياً. هل تتوقع أن تعود العلاقات إلى سابق عهدها؟ وما السبب في رأيك وراء هذا التردي؟
- لا يقع اللوم على الروس فيما يتعلق بالتردي الراهن في العلاقات الروسية - الأميركية، وإنما يشكل هذا التراجع نتيجة مباشرة للسياسات التي انتهجتها إدارة (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما والتي دمرت أسس التعاون فيما بيننا. إضافة إلى ذلك، زرعت هذه الإدارة قبل رحيلها قنابل زمنية وخلفتها وراءها لجعل الأمر أكثر صعوبة أمام الإدارة التي ستخلفها.
من جانبها، تقف روسيا على استعداد للبحث عن سبل جديدة، بالتعاون مع إدارة أميركية جديدة، لتحسين العلاقات بين البلدين على أساس مبادئ الثقة المتبادلة واحترام كل طرف مصالح الآخر. ولسوء الحظ، لا تزال علاقاتنا الثنائية أسيرة لمشاكسات المؤسسة الأميركية.
ومن الواضح أن الحملة المصطنعة المعادية لروسيا داخل الولايات المتحدة، التي تتضمن تكهنات بتدخل روسي مزعوم في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الولايات المتحدة العام الماضي، تعوق بشكل خطير أي محاولة لتطبيع الحوار بين الجانبين. وثمة انطباع لا يمكن للمرء تجاهله حول أن البعض داخل واشنطن غير مرحب بالصورة التي عبر بها الشعب الأميركي عن إرادته، ويحاول إلقاء اللوم على عاتقنا عن إخفاقاته، ولا يتردد هؤلاء عن استغلال الورقة الروسية بكل صفاقة في خضم صراعاتهم السياسية.
أما نحن، فقد حرصنا على عدم الانسياق وراء العواطف ومارسنا ضبط النفس، خصوصاً أننا نأخذ في الاعتبار الواقع المعقد للمشهد السياسي الداخلي الذي يتعين على الإدارة الأميركية الجديدة العمل في إطاره. ومع هذا، لا يمكننا ترك كل ما يجري من دون رد منا على الإجراءات العدائية من عينة إقرار قانون «مكافحة أعداء أميركا» من خلال العقوبات.
ومع هذا، نأمل أن يسود صوت الحكمة في نهاية الأمر داخل واشنطن، وما زال من الممكن الحيلولة دون اندلاع مزيد من المواجهات بين الطرفين. ونحن من جانبنا نسعى حقاً وراء ذلك. كما أننا ندرك أن الولايات المتحدة وروسيا باعتبارهما قوتين كبريين تمتلكان أسلحة نووية، تتحملان مسؤولية خاصة تجاه الوضع العالمي العام، فيما يخص الحفاظ على الاستقرار والأمن العالميين. ويمكن النظر إلى مسألة استئناف موسكو وواشنطن الحوار بينهما حول عدد من القضايا الاستراتيجية في سبتمبر بعد أن ظل مجمداً منذ مطلع عام 2014، باعتبارها مؤشراً إيجابياً.
واللافت أنه لا تزال هناك إمكانات كبيرة غير مستغلة أمام التعاون الروسي - الأميركي على صعيد الشؤون الدولية في كثير من الجوانب. من ناحيتنا، نحث نظراءنا في الولايات المتحدة منذ أمد بعيد على بناء تنسيق حقيقي معنا في مجال مكافحة الإرهاب، وكذلك التعامل مع تحديات خطيرة أخرى، مثل انتشار أسلحة الدمار الشامل وتجارة المخدرات والجرائم السيبرية، ناهيك بتسوية الأزمات الإقليمية التي يعانيها العالم، ويبدو للأسف أن أعدادها لا تنحسر.
من ناحية أخرى، هناك فرص لتنفيذ مبادرات تعود بالنفع على الجانبين في مجالي التجارة والاستثمار. واللافت أن الشركات الأميركية تولي أهمية كبرى لوجودها داخل السوق الروسية وترغب في المشاركة في مشروعات تخدم مصالح الجانبين مع شركاء روس. في يونيو شارك وفد تجاري أميركي يمثل 40 شركة في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي، ليصبح بذلك الأكبر عدداً بين الوفود المشاركة. كما أن هامش الربح الذي تحققه الشركات الأميركية داخل روسيا أعلى بكثير من الأسواق الأخرى، علاوة على أن ظروف العمل إيجابية للغاية.
وعليه، فإن هناك أملاً في أن بمقدورنا التغلب على الأزمة المصطنعة الحالية على صعيد علاقاتنا، وإن كان مستقبل العلاقات بيننا لا يعتمد علينا نحن الروس فحسب، وإنما كذلك على الجانب الأميركي.
> كيف تقيّم أداء التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة؟ وما حدود الدور الروسي في الحرب ضد التنظيم؟
- لن أخوض في تفاصيل، لكن أعتقد أنه ينبغي على المرء البدء بالقول إنه من منظور السوريين والقانون الدولي فإن هذا التحالف يتطفل على سوريا. من جانبها، تبدي الحكومة السورية تسامحاً إزاء هذا الأمر، ما دامت نشاطات التحالف موجهة ضد الإرهابيين داخل الأراضي السورية. بيد أننا تحدثنا علانية عن شعورنا بالقلق إزاء الإجراءات الجزئية التي تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها، ذلك أنه عندما يجري اتباع معايير مزدوجة ينقسم الإرهابيون إلى «أشرار» و«ليسوا أشراراً بما يكفي»، وعندما يأتي تجنيد التحالف أعضاءه على أسس سياسية، من دون اعتبار لموافقة مجلس الأمن على نشاطاته، فإن المرء لا يتوقع نجاح مثل هذا التحالف في محاربة الإرهاب بفعالية. في الواقع، إن الضربات التي شنتها القوات الجوية الروسية والجيش السوري هي التي دفعت «داعش» نحو التراجع.
إن نشاطات القوات التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا تثير كثيراً من التساؤلات. في بعض الحالات، تشن هذه القوات ضربات ويقال إنها غير مقصودة ضد الجيش السوري، وبعدها تشن قوات «داعش» هجمات مضادة. وفي بعض الحالات، تشجع هذه القوات على نحو غير مباشر إرهابيين آخرين على مهاجمة مواقع استراتيجية استعادت دمشق سيطرتها الشرعية عليها مؤخراً، أو تعمد الدخول في استفزازات دموية ضد قواتنا. ناهيك بالهجمات الكثيرة «غير المقصودة» ضد البنية التحتية المدنية التي قتلت مئات المدنيين.
من جهتنا، فإن مشاركتنا في القتال ضد «داعش» ترمي إلى ضمان الأمن الوطني الروسي وتعزيز الأمنين العالمي والإقليمي. ونرى أن استخدام القوة وحده ليس كافياً للقضاء على الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إننا على قناعة بذلك. وتتمثل ميزة سياساتنا في أنها لا ترمي لخدمة أجندة خفية. وفي هذا الإطار، ننوي تعزيز جهودنا من أجل تسوية الأزمات والصراعات الكثيرة القائمة داخل المنطقة عبر سبل سياسية ودبلوماسية سلمية. كما أننا نرحب بكل من يرغب في المشاركة في هذا الجهد الصادق المشترك.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».