وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي قاعة محكمة محصنة ضد الهجمات، بدأت في مدينة سيلله، أمس (الثلاثاء)، محاكمة العراقي الأصل أحمد عبد العزيز، الملقب بـ«الشيخ أبو ولاء»، و4 من أعوانه، بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية.
واقتيد الخمسة إلى قاعة محكمة سيلله، في ولاية سكسونيا السفلى، في قافلة طويلة من سيارات الشرطة والأمن، كما جلس الخمسة في قاعة المحكمة خلف زجاج مصفح، وطوّق عدد كبير من قوات الأمن محيط المحكمة، حاملين أسلحتهم ومرتدين سترات واقية من الرصاص.
ووصفت النيابة العامة «أبو ولاء» في محضر الدعوى بأنه «رجل داعش الأول» و«اليد الطولى» للإرهاب في ألمانيا. وفضلاً عن تهمة تجنيد المقاتلين لصالح «داعش»، والقتال شخصياً إلى جانب التنظيم الإرهابي في العراق أكثر من مرة، وجهت النيابة العامة إلى «أبو ولاء» تهمة التحريض على القتل على الإنترنت.
والتهمة الأخيرة تخص رجل أمن متخفياً يحمل الاسم الحركي «مراد»، طالب «أبو ولاء» في خطبه بتصفيته. وحينذاك، عرض أحد أعوان «أبو ولاء» على الإنترنت مبلغ 200 يورو لكل طعنة توجه إلى الخائن، كما طالب البعض الآخر بتكليف قاتل مأجور لتنفيذ المهمة. وتؤكد النيابة العامة أن كل هذه المكالمات تم تسجيلها، وستعرض على المحكمة.
وإلى جانب أبو ولاء (33 سنة)، المقيم في مدينة تونيزفورست، يمثل أيضاً 4 من أعوانه أمام محكمة سيلله العليا، في ولاية سكسونيا السفلى، بتهمة دعم الإرهاب. وأعوانه الأربعة هم: التركي حسن كيلينك (51 سنة) من دورتموند، والألماني الصربي الأصل بوبان سيميزنيفيك (37 سنة) من دويسبورغ، والألماني محمود عميرات (28سنة)، والكاميروني أحمد فيفس يوسف (27سنة) من مدينة هلدسهايم.
ويشكل الخمسة «النواة الصلبة» في حلقة المسلمين الناطقين بالألمانية، التي حظرتها وزارة الداخلية بعد حملة اعتقالات واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وجاء في محضر الدعوى أن أبو ولاء نشط في ولايتي الراين الشمالي فيستفاليا وسكسونيا السفلى، وأنه جند 9 شباب للقتال إلى جانب «داعش» في العراق وسوريا في الولاية الأولى، و15 آخرين في الولاية الثانية، وأن 6 من هؤلاء على الأقل لقوا حتفهم في القتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية. وكان على كل ملتحق بتنظيم داعش، بحسب النيابة العامة، أن ينال تزكيته قبل أن يشرف هو بنفسه على تهريبه إلى سوريا والعراق، عبر تركيا.
وتضمن محضر التحقيق 200 ملف، و44 قرصاً مدمجاً، احتوت تسجيلات من مكالماته الهاتفية وخطبه على الإنترنت، إضافة إلى عشرات التقارير الأمنية، وشهادات عشرات الشهود. وهناك أكثر من شاهد من رجال الأمن المتخفين الذين تسللوا إلى حلقة المسلمين الناطقين بالألمانية المحظورة، بينهم شاهد أساسي اسمه الحركي «مراد»، امتنعت النيابة العامة عن مثوله أمام القاضي حفاظاً على حياته.
وخصصت المحكمة 29 موعداً لجلسات المحكمة، بمعدل يومين في الأسبوع، تنتهي مع نهاية شهر يناير (كانون الثاني) من السنة المقبلة. ومن المحتمل أن تصل عقوبة المتهمين إلى السجن 10 أعوام، في حال إدانتهم.
ومن المنتظر أن يشارك الشاب أونيل أو، كشاهد إثبات أساسي في المحكمة. وسبق للشاب أن ذكر، في مقابلة متلفزة مع قناة الشمال في التلفزيون الألماني (ن.د.ر)، أنه تم تجنيده على يد المتهم للقتال في سوريا والعراق إلى جانب تنظيم داعش، كما أقر بأن «أبو ولاء» أشرف بنفسه على تهريبه إلى سوريا.
وهرب أونيل أو (23 سنة) من مناطق «داعش» في سوريا إلى تركيا في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، ووصف أبو ولاء بأنه «رقم واحد» في تنظيم داعش في ألمانيا.
وكان «أبو ولاء» يشرف شخصياً على تجنيد وتهريب المجندين للقتال إلى جانب «داعش»، في حين تولى بوران س. وحسن س. توفير الجوازات المزورة ومبلغ المال اللازم للرحلة. وتولى مساعده بوبان س.، وهو مهندس كيماوي، تعليم «الطلاب» على طرق تحضير المتفجرات واستخدامها، وتعتبره النيابة العامة مسؤولاً عن جمع مبلغ تبرعات يرتفع إلى مليوني يورو، تم تحويله على دفعات إلى «داعش»، وتم تحصيله من التبرعات والمكاسب غير الشرعية.
وجاء في محضر النيابة العامة أن أبو ولاء كان يحتفظ بعلاقة مباشرة مع قيادة تنظيم داعش، ومع الجهاز الأمني التابع للتنظيم الإرهابي. وأطلق عليه التقرير اسم «اليد الطولى» للإرهاب في ألمانيا.
وأثقلت النيابة العامة ملف «أبو ولاء» بتهمة جديدة، يجري التحقيق فيها على أعلى مستوى، بعد أن تم الكشف عن اتصالات سابقة بينه وبين التونسي أنيس العامري، الذي نفذ عملية الدهس الإرهابية ببرلين في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، إذ اتضح من التحقيق أن العامري كان ينتمي إلى حلقة المسلمين الناطقين بالألمانية، التي يقودها «أبو ولاء»، وحضر اجتماعاتها السرية أكثر من مرة.
وكان المراهق يوسف ت. (17 سنة) أحد الذين تم غسل عقولهم في حلقة أبو ولاء في مدينة هلدسهايم، وهو أحد ثلاثة شبان شاركوا في تفجير معبد للسيخ في مدينة إيسن، في أبريل (نيسان) 2016.
وقضت محكمة الأحداث في إيسن، في مارس (آذار) الماضي، بسجن يوسف ت. (17 سنة)، من مدينة غيلزنكيرشن، لفترة 7 سنوات، ومحمد ب. (17 سنة)، من مدينة إيسن، لفترة 6 سنوات و9 أشهر، كما حكمت على تولغا أ. (20 سنة) بالسجن لفترة 6 سنوات، رغم عدم مشاركته في زرع القنبلة قرب بوابة المعبد، ولكن بسبب مشاركته في التحضيرات. ومن المنتظر أن يتحول يوسف ت. إلى شاهد إثبات ضد معلمه العراقي.
ونال «أبو ولاء» كثيراص من الألقاب في السنتين الأخيرتين بسبب نشاطه كداعية متطرف، إذ يلقبه أعوانه بـ«الشيخ»، ولقبه وزير داخلية ولاية الراين الشمالي فيستفاليا بـ«التآمري» الخطير، ولقبته الصحافة الألمانية بـ«داعية الإرهاب». وقبلها، لقبته دائرة حماية الدستور الألمانية (مديرية الأمن العامة) بـ«الداعية بلا وجه»، لأنه لا يكشف عن وجهه، ويظهر رأسه من الخلف فقط، في خطبه التي ينشرها في أفلام الفيديو على «يوتيوب» كافة.
وأفادت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية بأن المناقشات القانونية «ستعطي رؤية مفصلة عن آليات» عمل الشبكة الإسلامية المتطرفة، و«هو ما يجعل من جلسات المحاكمة هذه الأهم منذ سنوات لعناصر إسلامية متطرفة».
وقد وصل المتهم الرئيسي إلى ألمانيا كطالب لجوء في 2001، وأوقف في نوفمبر 2016، بعد تحقيق طويل أجرته الاستخبارات الألمانية. وأشارت «شبيغل» إلى أنه متزوج من امرأتين، وأب لسبعة أطفال، وقد سافر وأقام بطريقة غامضة مرات عدة في العراق.
وفي هذه الأثناء، تحول موتلو غونال، محامي الدفاع عن «أبو ولاء»، من مدافع إلى متهم تحقق النيابة العامة معه بتهمة دعم تنظيم إرهابي يتخذ من دولة أجنبية مركزاً له.
واشتهر غونال (42 سنة) بالتزامه بقضايا الدفاع عن المتهمين بالإرهاب في السنوات الأخيرة. وكشفت مجلة «دير شبيغل»، في عددها ليوم أمس (الثلاثاء)، أن شرطة ولاية الراين الشمالي فيستفاليا داهمت مكتب غونال في العاصمة السابقة بون قبل أسبوعين، وصادرت ملفات وصورت ملفات أخرى.
وفتحت النيابة العامة التحقيق مع المحامي في ضوء اعترافات الشاهد الرئيسي في قضية «أبو ولاء»، الذي قال إن هذا المحامي ساعده في اختيار طريق الهروب من ألمانيا للالتحاق بتنظيم داعش في سوريا. ويفترض أن الشاهد أونيل أو قد زار المحامي، برفقه متهم آخر بالإرهاب، هو يونس س.، يوم 19 يوليو (تموز) 2015، لاستشارته في كيفية التعامل مع حظر السفر المفروض عليه في ألمانيا. وكانت السلطات الألمانية قد سحبت جواز سفر أونيل أو، بعد أن صنفته في قائمة الخطرين.
وذكر الشاهد أن المحامي نصحه بالسفر عبر بلجيكا لأن سلطات الحدود هناك لا تسأل عن جواز السفر، وقد تكتفي بالهوية الشخصية. وهذا ما حصل بالفعل، ونجح أونيل أو وزوجته في الطيران من بروكسل إلى رودوس اليونانية، ثم تولى التنظيم الإرهابي تهريبه إلى تركيا بعد عدة أشهر، ومن ثم إلى سوريا.
وهناك شيء من الشك حول شهادة أونيل أو لأنه قال في إفادة سابقة إن «أبو ولاء» اختار له طريق بلجيكا، إلا أن «دير شبيغل» عبرت عن قناعتها بأن الإفادة الثانية هي الأصح.
وتشير المجلة المعروفة إلى أن غونال نفى التهمة، وتعامل معها بسخرية، وأشار إلى أن أونيل أو يحمل ضغينة ضده لأنه رفض الدفاع عنه أمام محكمة دسلدورف، التي حكمت عليه بالسجن لسنتين مع وقف التنفيذ، وأضاف أن حقد الشاب عليه زاد بعد أن قرر الدفاع عن «أبو ولاء».
بدء محاكمة «اليد الطولى لداعش» في ألمانيا
جند 19 متطوعاً للتنظيم الإرهابي... مات 6 منهم في سوريا والعراق
بدء محاكمة «اليد الطولى لداعش» في ألمانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة