علاقات اقتصادية متشابكة تصعّب مهمة ترمب لحصار كوريا الشمالية

لا يمكنه إيقاف التجارة معها... وكلمة السر في المصارف والشركات الحكومية الصينية

عاملة كورية شمالية في محطة وقود في بيونغ يانغ (أ.ف.ب)
عاملة كورية شمالية في محطة وقود في بيونغ يانغ (أ.ف.ب)
TT

علاقات اقتصادية متشابكة تصعّب مهمة ترمب لحصار كوريا الشمالية

عاملة كورية شمالية في محطة وقود في بيونغ يانغ (أ.ف.ب)
عاملة كورية شمالية في محطة وقود في بيونغ يانغ (أ.ف.ب)

صرح الرئيس ترمب يوم الأحد الماضي بأن الولايات المتحدة تنظر في وقف العلاقات التجارية كافة مع الدول التي تمارس أعمالاً تجارية مع كوريا الشمالية، في خطوة يمكن أن تسفر عن كارثة اقتصادية لـ«الدولة المارقة».
إلا أن هناك مشكلة واحدة: أن ذلك قد يعني كارثة اقتصادية محققة للولايات المتحدة كذلك. فعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية والإدانة الدولية ضد كوريا الشمالية، فإنها لا تزال تقيم علاقات تجارية متواضعة مع مجموعة من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك البرازيل وألمانيا والمكسيك.
بيد أن أكبر شركاء التجارة مع كوريا الشمالية حتى الآن هي الصين، والتي تمثل نحو أربعة أخماس التجارة التي تساعد البلاد في إمدادات الوقود واحتياجاتها من الغذاء والآلات. والصين هي أيضا أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، في العلاقة التي تقدر بنحو 650 مليار دولار من السلع والخدمات التي تغطي مجموعة واسعة من البنود، مثل قطع غيار السيارات وعصير التفاح وهاتف «آيفون» الجديد المنتظر هناك على نطاق واسع.
ويقول الخبراء، إن قطع كافة العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين لن يجدي نفعا لأحد. وتجسد تصريحات السيد ترمب القاسية نوعية الخيارات العسيرة التي تواجهها السياسة الخارجية الأميركية. وفي حين أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول قد شددت من حزمة العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية التي تهدف إلى قطع السبيل بينها وبين العالم الاقتصادي والمالي، إلا أن بيونغ يانغ تواصل جهودها على تطوير الأسلحة النووية والصواريخ القادرة على حملها.
وأمام الولايات المتحدة، جراء ذلك، خيارات محدودة. إذ يمكنها وعلى نطاق واسع استهداف الشركات الصينية التي تقيم أعمالا تجارية في كوريا الشمالية. لكنها خطوة قد تثبت عدم فعاليتها تجاه الحكومة الصينية التي يساورها القلق بأن القيود التجارية من شأنها أن تفاقم الأوضاع في الشمال؛ مما يجعل من الموقف هناك أكثر صعوبة على التنبؤ.
يقول جونديلوري، الأستاذ في جامعة يونساي في سيول: «إن بدأت الولايات المتحدة في الدفع باقتصاد بيونغ يانغ إلى الحضيض بشكل حاد، فربما تنتهج مسارا أكثر تطرفا مما هي عليه الآن».
ولقد دفع الاختبار النووي الذي أجرته كوريا الشمالية يوم الأحد الماضي المسؤولين في البيت الأبيض إلى التهديد بفرض عقوبات جديدة تستهدف الشركات والدول التي تواصل التعامل مع بيونغ يانغ. ولقد أدى هذا إلى المزيد من الانتقادات من جانب الصين يوم الاثنين، التي وصفت فكرة التدابير التجارية ضدها بأنها «غير مقبولة».
وصرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي: «إنها فكرة لا تتسم بالموضوعية أو الإنصاف».
ومن ناحية المصطلحات التجارية العالمية، فإن كوريا الشمالية هي بالأساس تمثل «سلسلة من الأخطاء التقريبية». إذ إن حجم التجارة الصينية مع كوريا الشمالية يقارب نحو 3 مليارات دولار خلال الشهور السبعة الأولى من عام 2017 الحالي – وهو الحجم نفسه المسجل تقريبا في العام الماضي – حيث تشتري الصين كميات أقل من الفحم والملابس والسلع من بيونغ يانغ. (وبالمقارنة، فإن الولايات المتحدة قد صدرت ما قيمته 11 مليار دولار من الذرة إلى الصين في عام 2016 وحده).
ومع ذلك، وحتى مع انخفاض الصادرات الكورية الشمالية إلى الصين، إلا أن الأخيرة تصدر الكثير. فخلال العام الحالي، وعلى الرغم من العقوبات الجديدة، والتحذيرات الصارمة من جانب الرئيس الأميركي، والتجارب العسكرية المتكررة التي تجريها بيونغ يانغ، ارتفعت الصادرات الصينية إلى كوريا الشمالية بأكثر من 22 في المائة خلال يوليو (تموز) مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتفاع مبيعات المعدات الكهربائية والآلات، وفقا إلى البيانات الواردة من شركة «آي إتش إس ماركيت» البحثية، وأطلس التجارة العالمية.
كما تشتري الصين خام الزنك والحديد وغيرهما من المعادن من كوريا الشمالية، إلى جانب المأكولات البحرية والملابس الجاهزة المصنعة في مصانع النسيج هناك. وكانت الصين من الناحية التاريخية المشتري الأكبر لفحم كوريا الشمالية لصالح مصانعها، رغم انخفاض واردات الفحم خلال العام الحالي بسبب عقوبات الأمم المتحدة المشددة، وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة أن هذه التجارة تساهم بشكل مباشر في إمداد برنامج الأسلحة النووية في كوريا الشمالية بالأموال اللازمة لاستمرار البرنامج.
وفي المقابل، استمرت الشركات الكبرى التي تديرها الحكومة الصينية إلى جانب أكبر العلامات التجارية في البلاد في توفير منتجات أخرى مثل الزيوت وبعض أنواع المشروبات.
وتوفر الصين كذلك لكوريا الشمالية أحد أهم المنتجات المطلوبة: ألا وهي الأموال. إذ يذهب العمال من كوريا الشمالية إلى الصين لكسب الأموال وإرسالها مرة أخرى إلى بلادهم. حيث توفر الشركات التجارية الصينية العملات الأجنبية لبيونغ يانغ.
ومن شأن ذلك أن يساعد في المحافظة على سريان عجلة الاقتصاد في كوريا الشمالية – والذي شهد بعض التحسن في عهد الرئيس الحالي كيم جونغ أون، حيث تبنى بعض السياسات الموجهة نحو السوق. كما ساعد ذلك في توفير رؤوس الأموال المستخدمة في توسيع نطاق البرنامج النووي والصاروخي القادر بشكل متزايد على توجيه الضربات إلى الولايات المتحدة. ويقول عدد من الخبراء، إن تلك الشركات التجارية يمكن أن تعتبر أهدافا قوية للعقوبات الاقتصادية.
يقول ديفيد تومسون، كبير المحللين في مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، وهو الشركة البحثية ومقرها في واشنطن: «إن ما نراه على نحو تقريبي أشبه ما يكون بخطة غسل أموال قائمة على التجارة».
ولقد دعا بعض المحللين في الولايات المتحدة إلى وضع سياسات جديدة تضيف المزيد من الضغوط على مجموعة أوسع من الشركات الصينية. وينبغي ضم المصارف والشركات الصينية الكبرى التابعة للدولة؛ نظرا لأنها خاضعة تماما لسيطرة الحكومة في بكين، كما يقول دانيال بلومنتال، المحلل لدى «معهد أميركان إنتربرايز» ذي التوجهات المحافظة.
وأضاف السيد بلومنتال يقول: «والهدف من وراء ذلك أن يشعر الحزب الشيوعي الصيني الحاكم بالألم جراء علاقاته المتسعة مع نظام كيم»، مشيرا إلى زعيم كوريا الشمالية.
وفي حين أن مصانع الغزل والنسيج وشركات التجارة الحدودية تمثل جزءاً كبيراً من التجارة الصينية مع كوريا الشمالية، كانت بعض من أكبر العلامات التجارية الصينية قد شحنت في بعض الأحيان البضائع إلى كوريا الشمالية في السنوات الأخيرة، ورغم من أن المبيعات صغيرة جداً بالمقارنة بمثيلاتها في أماكن أخرى. وبعض من الشركات نفسه تبيع أيضاً المنتجات إلى أسواق الولايات المتحدة.
ومن المعروف أن كل شركة كبيرة في مجال صناعة الأجهزة الصينية قد باعت منتجاتها في كوريا الشمالية، بما في ذلك شركة «تي سي إل» وشركة «هايسنس». وباعت الشركتان مجموعة من المنتجات التي تشمل الثلاجات ومكيفات الهواء وشاشات التلفزيون، وغير ذلك من الأجهزة الإلكترونية.
وكانت شركة «ميديا» الصينية، التي استحوذت على شركة «كوكا» الألمانية للروبوتات في العام الماضي، على الرغم من بعض الاعتراضات الأوروبية على الصفقة، قد أقامت علاقات تجارية غير منتظمة مع كوريا الشمالية. وفي الآونة الأخيرة، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شحنت الشركة الصينية الثلاجات، ومكيفات الهواء، وأنابيب النحاس، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية إلى كوريا الشمالية.
ومن بين شركات السيارات الصينية، هناك شركات «غريت وول»، و«شيري»، و«جيلي» قد شحنت قطع غيار السيارات أو المركبات إلى كوريا الشمالية. وخلال عرض عسكري أجري خلال هذا الربيع احتفالاً بيوم ميلاد الزعيم كيم إيل سونغ، مؤسس البلاد، التقط أحد الصحافيين الزائرين صوراً لشاحنات تجر صواريخ الغواصات من صناعة شركة تدعى «سينوتراك». ولقد شحنت تلك الشركة مركبات بقيمة 1.2 مليون دولار، فضلاً عن قطع الغيار إلى كوريا الشمالية خلال السنوات القليلة الماضية.
ولقد حققت شركة «بي واي دي» الصينية لصناعة البطاريات والمعدات الكهربائية أرباحا تقدر بنحو 14 مليون دولار من التجارة مع كوريا الشمالية منذ عام 2012، واستمرت الشحنات حتى وقت قريب. وفي يناير (كانون الثاني)، أرسلت الشركة المنتجات المطاطية إلى كوريا الشمالية، وفي ديسمبر (كانون الأول)، أرسلت شحنات من المركبات. ويجري تداول أسهم تلك الشركة في بورصة هونغ كونغ، وهي مدعومة من الملياردير الأميركي الشهير وارين بافيت الذي يملك حصة 10 في المائة من إجمالي أسهم الشركة.
وفي صيف عام 2014، شحنت شركة المشروبات الصينية «تسينغتاو» ما قيمته 20 ألف دولار من المشروبات إلى كوريا الشمالية إلى جانب منتجات أخرى، مثل المظلات اليدوية والأواني الزجاجية.
ومع ذلك، أي جهود تبذلها الولايات المتحدة للحد من العلاقات التجارية مع كوريا الشمالية قد ترجع بنتائج عكسية إذا ما أسفرت عن الانقسامات في المواقف مع واشنطن وبكين وسيول.
يقول السيد ديلوري من جامعة يونساي الكورية الجنوبية: «لسوف يكون أمراً عظيماً بالنسبة لهم»، مشيراً إلى بيونغ يانغ. «فإن كوريا الشمالية سوف تستغل وتستفيد من ذلك. فلقد بدأوا حرباً تجارية بين الصين والولايات المتحدة. ولسوف تؤدي إلى حماقات هائلة عما قريب».

* خدمة «نيويورك تايمز»



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.