تنقيب كردي عن «ضوء» في «عتمة» المواقف البغدادية

الطابع البروتوكولي طغى على اجتماعات وفد أربيل إلى العاصمة العراقية

TT

تنقيب كردي عن «ضوء» في «عتمة» المواقف البغدادية

تشير أغلب المواقف التي وجدها أعضاء اللجنة العليا لاستفتاء إقليم كردستان في بغداد، إلى أن الحصول على «ضوء أخضر» لقبول ساسة بغداد في مسألة الاستفتاء، وتالياً انفصال الإقليم الكردي عن العراق، أمراً متعذراً في ظل «عتمة» المواقف السياسية الرافضة التي تتبناها معظم الشخصيات والجهات السياسية العربية.
ويظهر من مجمل المواقف والبيانات التي أعلنت عقب اجتماع الوفد الكردي بالشخصيات السياسية وسفارات بعض الدول في بغداد، أن الاجتماعات اتخذت طابعاً بروتوكوليّاً عادياً، ولم يحصل الوفد الكردي على أي ضمانات أو مواقف مؤيدة لموضوع الاستفتاء.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أصدر بياناً عقب اجتماعه بالوفد الكردي، أول من أمس، قال فيه إن اللقاء «شهد حواراً صريحاً ومعمقاً حول ضرورة تفعيل الآليات المناسبة لحل المشكلات العالقة»، بيد أنه عاد وقال في مؤتمر صحافي: «ليس للأكراد مصلحة في إجراء الاستفتاء».
ولم يُشِر بيان الرئيس العراقي فؤاد معصوم (وهو كردي) إلى مسألة الاستفتاء في البيان الصادر عن مكتبه عقب اللقاء بالوفد الكردي، لكنه «ثمّن روح التعاون والحوار والرغبة الصادقة لحل جميع القضايا العالقة بين حكومتي الإقليم والحكومة الاتحادية»، مشدداً على أهمية «احترام مبادئ الدستور». وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدستور العراقي الدائم لا يتيح عملية الانفصال لأي جماعة قومية أو دينية.
وشدد رئيس الوفد الكردي روز نوري شاويس، بعد لقاء الوفد بالرئيس معصوم على «أهمية وأولوية مبدأ التشاور والتعاون البناء بما يحقق الطموحات العليا المشتركة».
ويذهب مراقبون إلى أن الوفد الكردي قد يسعى للحصول على «تنازلات محددة من بغداد في مقابل تأجيل أو إلغاء الاستفتاء المزمع»، خصوصاً مع تأكيد شخصيات كردية على أن الوفد حمل عشرات الملفات الخلافية لمناقشتها مع بغداد، حيث أكدت النائبة عن كتلة «الحزب الديمقراطي» الكردستاني أشواق الجاف، في تصريحات إعلامية أن «الوفد الكردي الذي زار بغداد حمل معه 55 ملفاً يتضمن انتهاكات الحكومة الدستورية تجاه الإقليم».
ويبدو أن الوفد الكردي سمع من رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الذي التقاه أمس، العبارات العامة ذاتها التي استخدمتها بقية الشخصيات والأطراف السياسية، حيث أشار بيان صادر عن الجبوري، إلى تأكيده للوفد الكردي على «ضرورة إعادة الثقة بين مكونات الشعب وتفعيل المشتركات»، مشدداً على أن «الاستفتاء يجب أن يكون ضمن الأطر الدستورية»، فيما حذر من اتخاذ (مواقف مصيرية) تنعكس سلباً على المناطق المتداخلة، وذكر أن «اللقاء استعراض أبرز التطورات السياسية والأمنية في العراق».
ونقل البيان عن الجبوري، قوله: «نحترم توجهات جميع الأطراف مع موافقتها للدستور، وبما يعزز اللحمة الوطنية، ويحفظ الاستقرار وإعادة الثقة بين مكونات الشعب العراقي. وتفعيل المشتركات ضرورة حتمية لتجاوز التحديات»، مضيفاً أن «خيار الاستفتاء يجب أن يكون ضمن الأطر الدستورية بما يكفل مصلحة العراق، مع الأخذ بالاعتبار الظروف التي يمر بها البلد»، داعياً إلى «أهمية مواصلة الحوارات لتجاوز الخلافات السياسية والأمنية بين جميع الأطراف، بما يحقق المصالح التي تحفظ وحدة العراق».
نائب الرئيس نوري المالكي المعروف بمواقفه المناهضة للكرد، استقبل هو الآخر وفد الإقليم، وأسمعهم العبارات العامة ذاتها التي استخدمها الجميع ودعاهم لحل المشكلات استناداً إلى الدستور.
وذكر بيان صادر عن مكتب المالكي أن اللقاء «بحث مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وتبادل الطرفان وجهات النظر حول العلاقات بين بغداد وأربيل»، وشدد المالكي، بحسب البيان، على «ضرورة اتباع الطرق القانونية والدستورية في حل الخلافات والإشكاليات المتعلقة بالاستفتاء أو أي قضية أخرى».
وكان الوفد الكردي الزائر لبغداد اجتمع مع رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان، إضافة إلى اجتماعه بالسفيرين الأميركي والإيراني في بغداد، كما التقى نائب الرئيس نوري المالكي ورئيس «تيار الحكمة» عمار الحكيم، والقيادي في «الحشد الشعبي» هادي العامري، ورئيس البرلمان العربي مشعل بن فهم السلمي، الذي يزور بغداد هذه الأيام.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.