سعيد بنسعيد العلوي
كاتب واكاديمي مغربي

الغلو وطن الإرهاب

تحل في المغرب اليوم ذكرى مؤسفة؛ كل السنوات الـ11 التي انصرمت على ميلاد الحزن لم تفلح في إزاحة حدث 3 مايو (أيار) 2003 من الذاكرة الشعبية. في مساء تلك الجمعة المشار إلى تاريخها، اهتزت مدينة الدار البيضاء على وقع انفجارات ضربت، في الآن ذاته، مطعما وفندقا في وسط المدينة، وناديا إسبانيا ومقبرة يهودية، وكانت أعداد القتلى بالعشرات (من مواطنين مغاربة وسياح وأجانب مقيمين بالبلد) بينما كان الجرحى والمصابون بعاهات مستديمة بأعداد مهولة.

الحركة الوطنية المغربية اليوم

قبل ثمانين سنة على وجه التدقيق شهد المغرب المعاصر ميلاد «كتلة العمل الوطني». والكتلة هي الصيغة السياسية الأولى التي ظهر بها العمل السياسي المنظم، وفقا لما يقتضيه الوجود السياسي المعاصر وتستوجبه طبيعة الدولة الحديثة. درج مؤرخو حركة التحرير الوطني في المغرب على اعتبار حدث 16 مايو (أيار) 1930 (تاريخ صدور «الظهير البربري») البداية الفعلية للحركة الوطنية المغربية من حيث إنها كانت، أول ما ظهرت، رد فعل قويا تلقائيا على صدور «الظهير» المشار إليه.

التكفيري والتنويري.. بين السيد وخصومه

يوم الجمعة ما قبل الماضي (18-4-2014) كتب الدكتور رضوان السيد، في حديثه الأسبوعي بـ«الشرق الأوسط»، مقالا تحت عنوان «الحملة على الإسلام.. والحملة على العرب». وقد أثار المقال المشار إليه ردي فعل يختلفان في المنهج والأسلوب ويلتقيان في الهدف. رد الفعل الأولُ أتى من الأستاذ جورج طرابيشي، ورد الفعل الثاني أتى من قارئ ارتأى واجبا عليه أن ينبري للدفاع عن الأستاذ طرابيشي وقد ذكره بالاسم صاحب المقال المشار إليه.

الحركة الوطنية المغربية

من الطبيعي أن يكون المعنى الأول الذي يحضر في الذهن، حين الحديث عن الحركة الوطنية المغربية، هو حركة التحرير التي خاضها الشعب المغربي من أجل استعادة استقلاله المغتصب تحت قيادة نخبة وطنية عملت على رسم الأهداف وتخطيط الوسائل التي تقود إلى تحقيق تلك الأهداف. ومن حيث هي كذلك فهي تقبل المقارنة مع غيرها من حركات الاستقلال الوطني في البلدان التي عرفت الاحتلال في مختلف صوره وأشكاله (استعمار، حماية، انتداب...) في العالم العربي وخارجه.

الدولة قضية مصلحية

تختلف تيارات «الإسلام السياسي» ومذاهبه من حيث الشدة والليونة، وتتفاوت المواقف بالنسبة للذين ينتمون إلى هذا المذهب أو ذاك من حيث درجات الغلو والإسراف، بيد أنها تلتقي، جميعها، عند فكرة أساسية تجمع بينها، وعند نقطة تلتقي عندها؛ فأما الفكرة الأساسية، فهي اعتبار الوصول إلى امتلاك السلطة التنفيذية الهدف الأوحد الذي يكون السعي نحوه، وأما النقطة التي تلتقي عندها كل تيارات ومذاهب الإسلام السياسي (مع الاختلافات التي توجد بينها، كما لمحنا إلى ذلك) فهي القول إن الدولة تعتبر ركنا من أركان الدين، فليس الدين يستقيم دون عمل مباشر على إقامة الدولة الإسلامية على الحقيقة.

العدل مفهوم محوري في فكر النهضة

أقصد بفكر النهضة، في حديثي هذا، جملة الإنتاج النظري في الفكر العربي المعاصر. يقوم هناك اختلاف في دلالة المعاصر في تاريخ الفكر، بيد أن التقليد العلمي الرصين يجعل الحقبة المعاصرة تمتد تراجعا إلى القريب فتشمل القرن التاسع عشر، فبدايتها الفعلية قيام الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر. يتحرج البعض من جعل نعت المعاصر يتصل بما كان ينتسب إلى زمن ماضٍ، فهم يذهبون إلى أن الأنسب أن تنعت الحقبة التي أشير إليها بالتاريخ الحديث. غير أن هذا القول ليس مما يقبله تاريخ العلوم، وليس مما يتوافق مع التطورات التاريخية والسياسية التي عرفتها الإنسانية منذ عصر النهضة الأوروبي، أي منذ مطلع القرن السادس عشر.

فكر الإسلام السياسي

أبديت، قبل عدة سنوات، ملاحظة أحسب أنها لا تزال صالحة: فكر الإسلام السياسي (في تجلياته المتنوعة) قليل الغناء من الناحية المعرفية، هزيل من الناحية النظرية. وفي هذه الملاحظة جواب عن سؤال آخر في الواقع: لماذا كان اهتمام الفلاسفة ومؤرخي الفكر بالإسلام السياسي اهتماما قليلا - بل إنه يكاد يكون منعدما - في حين اهتم علماء السياسة والمنشغلون بعلم الاجتماع اهتماما شديدا، بل وربما كانت هذه الفئات، من الدارسين الذين نشير إليهم، هي الجهات العلمية التي تنكب على دراسته والتفكير فيه دون غيرها؟

السيادة الأصلية والسيادة العملية

من المعلوم أن الفقه الدستوري المعاصر يجعل للدولة أركانا أو مكونات ثلاثة هي الأرض أو الرقعة الجغرافية المعلوم حدودها، والشعب الذي يعيش فوق تلك الأرض أو الرقعة الترابية المعلوم حدودها والمعترف بها دوليا، والسيادة التي تمارس فوق تلك الأرض وتمثل الشعب بواسطة السلطة الحكومية. وليس غرضي في هذا الحديث أن أخوض في مسألة أكاديمية جرى الفصل فيها منذ زمن بعيد، وما أحسب أن طبيعة المنبر تسمح بذلك، وإن كنت أرى أننا - جميعا - نكون في حاجة إلى التذكير ببعض الأوليات، وخصوصا إذا ظهر من يشكك فيها، على نحو أو آخر، أو يسعى للتلاعب بها لخدمة غرض أو أغراض هي في مثل هذه الأحوال أبعد ما تكون عن النبل والبراءة.

المرأة والتراث والاجتهاد

لم يتسع لي المجال في الأسبوع الماضي للتطرق لجملة قضايا مهمة أثارها (أو عرج عليها) المؤتمر المهم الذي نظمته مكتبة الإسكندرية قبل عشرة أيام (قضايا المرأة: نحو اجتهاد إسلامي معاصر). وأخص تلك القضايا وأكثرها اتصالا بحياتنا الفكرية المعاصرة ثلاث؛ أولها التراث الفقهي الغزير الذي تراكم خلال عصور كثيرة، وعلى نحو ما استقر عليه، خاصة في العصور الذي نتواضع على نعتها بعصور الانحطاط. والسؤال (المشروع) يرجع إلى كيف التعامل مع ذلك التراث وإلى معرفة ما إذا كان وجودنا الاجتماعي الراهن يستدعي التطويح به جانبا، كما يطالب البعض بذلك، أم أن الأجدر بنا استدعاؤه كلا أو جزءا في القضايا التي تتعلق بالتشريع والتنظيم.

المرأة في الوعي الإسلامي المعاصر

قبل بضعة أيام نظمت مكتبة الإسكندرية ندوة جعلت موضوعها «قضايا المرأة: نحو اجتهاد إسلامي معاصر». وحديث المرأة وقضاياها في العالم العربي حديث لا يكفي القول فيه، إنه لأسباب كثيرة حديث تتكرر فيه الأقوال وتتشابه، بل إنه في حقيقة الأمر يكشف عن التحول الذي يصيب الوعي ذاته سلبا وإيجابا. وليس الشأن في هذا مما ينفرد به العرب دون غيرهم من الشعوب. فأنت لو نظرت في الإنتاج الغربي النظري، بعد الحرب العالمية الثانية مثلا، لتبينت من الأفكار ما كان مجهولا في وعي الفرنسي أو الإيطالي قبل ذلك بعقود قليلة فحسب.