خالد البري
إعلامي وكاتب مصري. تخرج في كلية الطب بجامعة القاهرة، وعمل منتجاً إعلامياً ومراسلاً سياسياً وحربياً في «بي بي سي - عربي»، وغطى لحسابها «حرب تموز» في لبنان وإسرائيل، وعمل مديراً لمكتبها في العراق. وصلت روايته «رقصة شرقية» إلى القائمة النهائية لـ«بوكر العربية».

إن زرت زيداً أو زرت عمراً

زيد وعمرو كلاهما معرفة، وكلاهما يدعوني إلى بيته ضيفاً. لكنَّ هناك فارقاً كبيراً في الاستقبال. زيد بشوش، سمح، يسأل عن أخباري ويهتم بمساعدتي ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأحياناً يرفع سماعة الهاتف في وسط حوارنا لكي يستفسر من أصدقاء عن نصيحة تنفعني فيما أنا عازم عليه. أما عمرو فشكَّاء بكَّاء، يسألني عن أخباري بدافع الفضول، ويحاضرني كثيراً في سلوكي واختياراتي، ويعبس في وجهي نصحاً لي إن علم عني ما لا يعجبه، وغرضه في أي موضوع نتحاور فيه كيف يخرج هو بمصلحة منه. في ظنكم، أي البيتين أزور؟ إن كانت زيارة البيتين مجانية فلن أزور بيت عمرو إلا مضطراً، وسأفضل زيارة زيد بلا شك.

مَن أحق الناس بحسن رعاية الدولة؟

لي صديق يعمل في نجارة الأخشاب، بدأ حياته بورشة صغيرة في شبرا، تطورت إلى مصنع متوسط. لا يمكن أن تتخيل أن هذا الشخص البسيط العصامي، ولا أن مصنعه البسيط الذي يديره بنفسه ويشغل فيه شباباً في مقتبل حياتهم، هو الذي يصنع هذا الأثاث الجميل الذي يحمل بعد ذلك اسم أشهر محلات الأثاث في مصر. أردت أن أشتري كرسياً متمدداً هزازاً، ليزي بوي، فلم أجد في محال الأثاث الشهيرة واحداً يجمع بين الموديل الذي أريد واللون الذي أريد. فلجأت إلى صديقي هذا بزيارة إلى معرضه، وعرضت عليه طلبي.

من السينما النظيفة إلى الأدب النظيف

الثقافة كالكائن الحي، لا ينضج مهذَّباً على طول الخط، وإن فعل كانت قصة مملة، مكانها لوائح الشرف في بيوت الدواجن لا كتب الأدب. ينضج هذا الكائن بالتجربة، بالحذر، بالخطأ، بالخطر، بالصراع من أجل البقاء، والصراع من أجل الجنس. البيوت التي لا تسمح لأبنائها بالمسير إلا في ممرات تحوطها جدران قلما تنتج مبدعين، ولو فعلت فمن أبنائها المتمردين عليها. الموسيقى المصرية استفادت من مسارات «الأندرغراوند»، بما منحته من قدرة على الانفلات، وما منحه «يوتيوب» من منافذَ لم يعد معها عالم «الأندرغراوند» أنفاقاً مسدودة. من هذا الطريق عرفنا أسماء مبدعة. عن نفسي، مغرم بمروان موسى، وشاهين.

حضارة مصر القديمة هدف للعثمانيين الجدد

خرج اليهود من مصر، استقروا في دولة قصيرة العمر في فلسطين، ثم أسروا إلى بابل. هذه المناطق الثلاث التي تناول العهد القديم حياتهم فيها وتفاعلهم مع من حولهم. القَصص القرآني لم يلتفت كثيراً إلى تعريض اليهود بأنساب منافسيهم من المؤابيين والعمونيين والكنعانيين، واتهامهم بأنهم أبناء سفاح أو ملعونون إلهياً. ولا التفت إلى قصص الأسر البابلي التي تناولها الكتاب المقدس بالتفصيل. لكنه اهتم بالقصص اليهودي عن حياتهم في مصر، بدءاً من قصة يوسف وإخوته، وصولاً إلى قصة ملك مصري طاردهم عبر البحر.

كوبرنيكوس: الدولة ليست مركز الاقتصاد

في القرون الوسطى، سعياً إلى حل المشكلة الفلكية، اكتشف كوبرنيكوس أن محاولات سابقيه لحل المشكلة لم تنجح، بل إن جهودهم الكبيرة ضخّمتها وأضافت إليها طبقات من التعقيد، والسبب أنها جميعاً استثنت احتمال أن يكون الفساد في الأساس. بانفتاحه على هذا الاحتمال، ومن ثم تغيير هذا الأساس، انتظمت الأمور في مساراتها، واستقامت الحسابات الفلكية، ومن ثم أمكن للتراكم المعرفي فوق الأساس السليم أن يعلو حتى يناطح في عصرنا الكواكب. لم يكن كوبرنيكوس وحيداً في تحديه وقطيعته مع فكرة راسخة وشائعة مثل مركزية الأرض.

الاقتصاد برواية ريما

العقبة الكبرى أمام التغيير في أي مجتمع ليست في الشوط المقطوع فقط، إنما في الاتجاه المزمع، في تحديد الهدف. ستقول لي إن تحديد الهدف سهل، كلنا نريد مجتمعاً أفضل، أقول لك إن هذه رغبة وليست هدفاً. الهدف هو الخطوة التالية تماماً، ومنها نعرف في أي اتجاه نمضي. قل لي خطوتك التالية أقل لك ماذا تعني بعبارة «المجتمع الأفضل». بعض الناس يعتقد أن المجتمع الأفضل صورة من مجتمع حدث في الماضي، خطوته التالية ستكون استلهام هذا الماضي في سمت من سماته، والخطوة التالية سمت آخر وهكذا. بعضهم يعتقد أن المجتمع الأفضل مجتمع المساواة الطبقية. وخطوتهم التالية تقليص القدرة المالية للأغنياء لصالح دعم الفقراء.

شجاعة تطوير الاقتصاد

الفأس اليدوية أو «القاطع الصخري الممسوك باليد» أداة قديمة، ربما كانت أول اختراع عظيم في التاريخ الإنساني، وأداة رئيسية في التطور إلى الهوموسابيان. استخدمها أسلافنا لمدة قد تصل إلى مليون ونصف المليون عام. مكنتهم من الدفاع عن أنفسهم، من تكسير قشور الثمار الصلبة، من رسم علامات على الصخور، ومن استخلاص اللحم من عظام الحيوانات التي تتركها السباع خلفها. ما هي هذه الأداة؟ مجرد صخرة صغيرة، حولتها فكرة في عقل إنسان إلى آلة حادة، يمكن له أن يحملها في يده، كما نحمل نحن الهاتف الجوال. الفكرة حولتها من مجرد صخرة إلى ركيزة اقتصادية. اعتماد الاقتصاد على الفكرة لم يتوقف أبداً.

كأس العالم: اللعب أصدق إنباء من الكتب

نعم في كرة القدم 22 لاعباً يطاردون كرة. بالإضافة إلى ثلاثة حكام ملعب، وآخرين يتابعون كاميرات التحكيم، وأطقم إدارية، وعشرات آلاف الحضور، ومئات الملايين حول العالم يشاهدون. ليلة كبيرة سعادتك. لكن هذا ليس دليلاً على شيوع التفاهة، كما يردد بعضهم. في كرة القدم معجزة تطورية تقف خلف شعبيتها المذهلة. اللعب مدرسة الإنسان الكبرى، وساحة استعداده لمواجهة الحياة. لكي يتدرب على القنص لعب بمهارات الصيد وتحدى أقرانه على التصويب بالرمح أو الرمي بالسهم. لكي يتدرب على القتال صارع أقرانه. لكي ينمي قدراته الحسابية اخترع ألغازاً. لكي يتعلم التخطيط الاستراتيجي لعب «شطرنج». ولكي يتعلم التزين لعب بالعرائس.

درس اقتصادي من حديقة الحيوانات

الحيوانات في الحديقة كائنات استهلاكية. تأكل وتشرب وتراعى صحياً. لكنها في الوقت نفسه مصدر الدخل، يدفع الزوار أموالاً لكي يشاهدوها على الطبيعة، وبالتالي ما ينفق على إطعامها ورعايتها ينفق بمنطق استثماري، على أمل أن يعود بربح أكثر. الحيوانات في الحديقة لا وعي لديها بفكرة المدخلات الثنائية، الوارد والمنصرف، المدين والدائن. لن نستطيع أن نحث الأسد على أن يكون أكثر تسلية للزبائن كي يجذب عدداً أكبر، ولا أن نطلب من الثعابين أن تؤدي حركات بهلوانية، لكي تزيد المدخلات. كما لن تستطيع الحيوانات أن تخفض الاستهلاك - من تلقاء نفسها - لكي تتوازن الأرقام.

لو كان حسن النية شخصاً لحددت إقامته

سلموني رياضياً أو رياضية أضمن لكم أن يفوزا ببطولة العالم لألعاب القوى. سلموني فريقاً كروياً أفز لكم ببطولة الدوري في بلده. سلموني تلميذاً أضمن لكم أن يكون الأول على فصله. عندي شرط واحد بسيط. إخلاء الساحة من المنافسين. نريد شارعاً يشبه دروسنا الأولى في قيادة السيارات، أو سوقاً كالتي يصنعها أصحاب «النوايا الحسنة» في إدارة الاقتصاد. لو كنت طبيب مجتمعات لشخصت سبب تراجع الكفاءة في أي مجتمع بـتمجيده لقيمة «النية الحسنة». قيمة سيئة الطالع في الشأن المهاري. إن بحثنا عن صفة جيدة في طبيب أو ميكانيكي فكانت الأولى على قائمته نيته الحسنة، فهذا معناه أن المهارات المطلوبة من واحد إلى عشرة مفقودة.