غسان الإمام

غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري

إيران تورط الجيش اللبناني بحرب في لبنان

تواصل براكين القارة العربية قذف حممها اللاهبة. في الأسبوع الفائت، دشن «حزب الله» حرباً مذهبية لصالح إيران في لبنان. ونشبت معركة دينية فلسطينية/ يهودية في القدس الشرقية حول المسجد الأقصى. وتهدد بالتحول إلى انتفاضة دموية. في الجغرافيا السياسية، تنفجر البراكين العربية معاً. وتهدأ سوية. هي الآن في حالة هيجان وانفجار في الخليج. اليمن. المشرق. مصر. ليبيا. المغرب. وبالتالي لا يمكن التوقف عند بركان واحد منفرد. فالتحليل والتفسير لا يستقيمان إلا برؤية كلية للوحة الملتهبة، لمعرفة ماذا يحدث؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ وأين؟

بين عصر التحرر وعصر الحرية

هل كان جمال عبد الناصر ديمقراطياً؟ أبداً. كان الرجل ديكتاتوراً عسكرياً. شأنه في ذلك شأن نده الجنرال خوان بيرون رئيس الأرجنتين المحبوب. لماذا، إذن، أحب العرب عبد الناصر؟! تسامح العرب مع عبد الناصر. فقد عاش في عصر التحرر. لا في عصر الحرية والديمقراطية. كان عبد الناصر في مقدمة زعماء العالم الذين ناضلوا من أجل تحرير الشعوب، ومنها العرب، من الاستعمار الأوروبي البغيض. ثم كان من المؤسسين لحركة «عدم الانحياز» مع الهندي نهرو. واليوغوسلافي تيتو. والأفريقي نكروما... وكان الهدف مواصلة التحرر من الاستعمار. وتطبيق «الحياد» في الحرب الباردة بين روسيا الحمراء.

فن الاحتفاظ بالسُنَّة على الهامش

مع انقلاب حافظ الأسد (1970)، بات واضحاً أن «البعث القومي» خسر معركة الديمقراطية. فقد اتخذ الانقلاب طابعاً طائفياً سافراً. لكن كيف تعامل الأسد، في نظام طائفي صريح، مع الغالبية «السُنية» للمجتمع السوري؟ لمعايشة الواقع على الأرض، قام الأسد بجولة استطلاعية واسعة في المحافظات السورية. فاستقبل استقبالاً حافلاً. فقد كان السوريون متضايقين من تقشف نظام صلاح جديد (1966/ 1967) وإجراءاته الاقتصادية الصارمة. والخطاب الماركسي/ التروتسكي للحزب. ثم من هزيمته المخجلة أمام إسرائيل في حرب النكسة. وأخيراً لتوريطه الجيش السوري في حرب خطيرة مع الأردن. مع ذلك، ظل الأسد، كعلوي وكشريك لصلاح جديد.

تسييس «الجماهير الشعبية»

اخترع الفكر اليساري الراديكالي كتلة اجتماعية هائلة أطلق عليها اسم «الجماهير الشعبية». واعتبرها قاعدة له يستند إليها في نضاله ضد أي حكم يميني. أو أي نظام ديكتاتوري يمارس القهر الاجتماعي والكبت السياسي. في العالم العربي، كانت هذه الكتلة البشرية الهائلة موجودة في تصور الأحزاب الشيوعية التقليدية، كالحزب الشيوعي السوداني. والمصري. والسوري. والعراقي. وراحت هذه الأحزاب تهوِّل. وتهدد بهذه الكتلة، كقنبلة موقوتة في الشارع الشعبي. ومرشحة للانفجار في أي لحظة في طريق هذه الأنظمة. ثم ما لبثت الأحزاب القومية الحاكمة، كحزب البعث العشيري في العراق.

حروب المرتزقة

في التاريخ المعروف، كانت الحروب شكلا من أشكال الفروسية. المنطوية على الشجاعة. والإقدام. والتضحية. والشهامة... كل هذه الصفات يقتضيها الالتحام المباشر بين الأجساد. فالسلاح الأبيض (السيف. الرمح. المطرقة. الترس...) يفرض اختصار المسافة بين المتقاتلين. هذه الحروب لم تعرف اللجوء إلى تجنيد المرتزقة. أو الحرب بالواسطة. كانت الحروب صناعة يمتهنها أبناء الدولة الأصليون. كانت واجبا مفروضا أو مطلوبا من طبقة معينة. طبقة مهابة. تحظى بالاحترام والتقدير. فهي جاهزة دائما للدفاع عن الوطن، إذا تعرض لخطر الغزو الخارجي. أو للاندفاع خارج الوطن لتأمينه.

من المطرقة والمنجل إلى المطرقة والخنجر

نشأ الإرهاب السياسي المعاصر مؤدباً! كان البلاشفة الحمر في روسيا يرفعون رمزهم الشهير (المطرقة والمنجل) دلالة القوة (المطرقة) وحصاد الإنتاج (المنجل). ويكتفون باغتيال رجال القيصر فرادى. لم يلجأ البلاشفة إلى الإرهاب الجماعي، إلا بعد أن تذوقوا حلاوة الحكم. صادروا الأراضي الزراعية. فاصطدموا بملاكها القدامى (الغولاغ). فأفناهم ستالين بنفيهم الجماعي إلى صقيع سيبيريا. مات لينين باكرا. ومات 26 مليون روسي من أجل أن يكسب ستالين الحرب العالمية الثانية. كانت تلك الحرب أكبر حماقة دموية إرهابية ارتكبتها القبائل الأوروبية في تاريخ البشرية. مات ستالين.

«دود الخل منه وفيه»

بين النظام الإيراني والعنف علاقة قربى. وحنين. وتواصل. واستضافة. وتصدير. العنف يدخل في صميم نسيج النظام. ونفسيته. ومزاجه، منذ ولادته بعملية قيصرية في عام 1979. تمت تصفية الألوف بالإعدامات الميدانية الجماعية. وتم اقتحام السفارة الأميركية. واحتجز دبلوماسيوها 444 يوما كرهائن، خلافا للنظام الدولي الذي يمنح السفارات والدبلوماسيين حرمة قانونية. وما زالت الإعدامات تجري يوميا في السجون الإيرانية. ويدعي الإعلام الرسمي أنها لمعاقبة مهربي المخدرات. وهي في الواقع إعدامات سياسية. ودينية. وطائفية. وعنصرية، تتناول الأقوام التي يحكمها الفرس، كالبلوش السنّة.

تحديات إقليمية للمبادرة السعودية

تبلورت القمم واللقاءات العالية المستوى التي عقدت أخيرا في الرياض، في رسالة سعودية صريحة موجهة إلى العرب والعالم. هذه الرسالة تتحدث عن استراتيجية عمل جديدة لأميركا والسعودية، يمكن اختصارها في الرغبة بتعميق المشاركة العربية والإسلامية في مكافحة الإرهاب والعنف الديني. ومراجعة الفكر المتزمت. وتحقيق سلام في المنطقة العربية قائم على حل عادل للقضية الفلسطينية. وأولت الرسالة السعودية العلاقة الإيرانية/ العربية اهتماما أكبر رغبة في ردع وإنهاء التدخل الإيراني في العالم العربي. باللجوء إلى وسائل تختلف كلياً عن ماضٍ عربي في المسايرة حينا. وغض النظر حينا، عن محاولة تشييع طائفي محموم لمجتمعات عربية (سنية).

{ترمب الخليجي}: من المثالية إلى الواقعية

مع تطوير وتحديث العلاقة الثنائية الأميركية - السعودية، وصولاً بها إلى استراتيجية مشتركة عسكرية. واقتصادية. وتقنية، تدخل المنطقة العربية وشرق الأوسطية أجواء مرحلة سياسية جديدة، قائمة على الرغبة الصادقة في السلام. والاستقرار. والأمن. وإنهاء الحروب. وتسوية الخلاف المتصاعد بين العرب وإيران. وحل نهائي وعادل للقضية الفلسطينية. تحت شعار «العزم يجمعنا»، نجح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في عقد لقاءات سياسية على مستوى القمة، بين قادة العالمين العربي والإسلامي، والرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب. وأسفرت عن فهم أميركي أوسع لعالم إسلامي يضم نحو ستين دولة.

التجاوب العربي مع التكامل السعودي المصري

المملكة العربية السعودية ومصر لهما اهتمامات أوسع من اهتمام أي نظام عربي في الرؤية والمسؤولية. فمع انتقال الثقل العربي السياسي والمادي إلى الخليج، باتت السعودية، في التقدير العربي والتعامل الدولي، كبرى الدول العربية في النفوذ والتأثير. في تخطيط التكامل المصري السعودي، احتفظ العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لمصر بمكانتها العربية والإقليمية، باعتبارها كبرى الدول العربية في الكثافة السكانية (90 مليون إنسان).