ديانا مقلد

ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة

كان «زمان»

بالنسبة إلى شريحة واسعة من العرب المتحمسين لسقوط النظام السوري، لا شيء يدعو إلى الدهشة أو الاستنكار في تركيا، خصوصًا في مسألة الصحافة والحريات. يكتفي هؤلاء، وفي مقدمهم مجموعات من المعارضة السورية، بترداد تعليقات تبسيطية عن جمال تركيا وطبيعتها وتطورها، ورصف عبارات الإعجاب والانبهار بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهنا يضعون نقطة ويصمتون. كذلك يفعل الإعلام العربي الذي يندرج في الخانة المتحالفة مع تركيا؛ إذ تكاد تختفي كل الموضوعات التي تتعلق بالانتهاكات التي تحصل فيها.

ما بين ترامب ونصر الله

على الشاشة الصغيرة نفسها أتاح لي هاتفي الذكي أن أتابع حدثين متناقضين في آن، أعني تفاعلات الجموع الغاضبة التي جابت شوارع بيروت وأرصفة العالم الافتراضي احتجاجا على برنامج عرض على قناة MBC تناول الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشكل ساخر، وفي الوقت نفسه النقاشات الواسعة التي رافقت حلقة البرنامج الساخر من الجمهوري الأميركي «دونالد ترامب» والذي يقدمه الكوميدي «جون أوليفر» عبر محطة HBO الأميركية وما تبع الحلقة المعنية من هاشتاغ ساخر ضد هذه الشخصية اليمينية المقيتة. ففيما كان جمهور حزب الله يقطع الطرق ويحرق الإطارات ويطلق السباب واللعنات احتجاجا على برنامج تلفزيوني قارب تناقضات نصر الله بشكل هزلي،

لبنان و«غزو البلهاء»

حقا إنه «غزو البلهاء».. هذا تعبير أطلقه الروائي الإيطالي «امبرتو ايكو»، الذي رحل قبل أيام، حين وصف ما فعلته بنا وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قال عن تلك الوسائط بأنها «منحت حق التعبير لجحافل من البلهاء كانوا سابقاً يتحدثون فقط في الحانات، دون أن يزعجوا البيئة الاجتماعية. اليوم لهؤلاء نفس الحق في التعبير تماماً كصاحب جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء». ومع الإقرار بأهمية وسائل التواصل هذه كونها عوضت عن نقص مساحات التعبير في مجتمعاتنا وعكست نبضاً ما لرأي عام مغيّب عن التفاعل حتى ولو لم ينضج كفاية بعد، لكن أيضاً كم تبدو عبارة «غزو البلهاء» أو «غزو الحمقى» صحيحة في أحيان كثيرة.

الدرب الأحمر

لا يكاد يمرّ يوم دون مقال أو تحقيق صحافي في الإعلام الأوروبي والغربي يحمل مضامين مقلقة بشأن التدهور في الوضع الحقوقي والإنساني والمسار الديمقراطي العام في مصر. والاستناد هنا إلى الإعلام الغربي لا مفرّ منه في ظل الاعتوار الكبير الذي أصاب التيار الغالب من الإعلام المحلي المسيطر، وفي ظل التضييق على من يحاول أن ينجز عملا صحافيا مستقلا في بلاد النيل. والأصوات المنتقدة المتصاعدة في الغرب ليس من المجدي مجابهتها بإعلاميين محليين من ذوي الصوت العالي والنبرة الحادة والفقيرة في المضمون والحجة التي لا تكل عن إسباغ مديح أعمى على السلطة وشيطنة كل من ينتقدها بشكل هزلي.

الشائعات وانحيازاتنا الكامنة

لا أذكر عندَ مَنْ بالتحديد ولكن تكرّرَ في حائط الـ«فيسبوك» أمامي عدد من التعليقات الشاجبة لتصريح مفترض للرئيس الفلسطيني محمود عباس يثني فيه على الدور العسكري الروسي في سوريا. لم أدقق في الخبر بل ونقرتُ عدة «لايكات» لأصدقاء انتقدوا ودانوا، وكنت على وشك أن أكتب تعليقًا مشابهًا. بعد ساعات قرأتُ توضيحًا لصديق يبين فيه أن التصريح المذكور لعباس لم يحصل وهو مجرد شائعة أو خبر ملفق كسيل الأخبار الكثيرة التي بتنا نتعثر بها كيفما اتفق.

حزب الله يخشى أسراه..

أما وقد ضغط حزب الله لمنع بثّ مقابلات مع ثلاثة من مقاتليه أسرتهم جبهة النصرة، فمن المفيد استعادة وقائع مشابهة حصلت في السنوات الماضية. ففي العام 2004 مثلاً لم تكن أخلاقيات الصحافة بشأن الأسرى لتردع حزب الله عن إجراء مقابلة عبر إعلامه مع الضابط الإسرائيلي الأسير لديه حينها «الحنان تننباوم» الذي أفرج عنه لاحقًا بصفقة تبادل مع إسرائيل. جهد الحزب آنذاك في إظهار «المعاملة الحسنة» التي اعتمدها مع أسيره التابع لـ«العدو الإسرائيلي». قبل أيام، مارس تنظيم النصرة الأمر نفسه، حين سمح للصحافية اللبنانية كارول معلوف بأن تقابل أسرى حزب الله لديه وتظهرهم في مقابلة بثتها قناة «إم تي في».

رجاء.. لا تحدثونا عن الحياء

فجع الإيطاليون بتغطية تماثيلهم، فكيف لبلد يتباهى بتراثه الفني والمعماري ومدنه القديمة أن يخجل بتماثيل عارية عمرها مئات السنين. هذه التماثيل تراث إنساني جعل من روما وإيطاليا أيقونة فن عالمي. أما تلك «الحشمة» المفاجأة غير المعهودة، فهي ظهرت لأن رئيس إيران حسن روحاني سيزور متحفًا تاريخيًا. والأرجح أن السلطات الإيطالية ندمت على الخطوة بعد حملة السخط والسخرية التي بدأها الإيطاليون وانتشرت في العالم.

الإنترنت الأسود

حين قرأت تصريح مسؤول بارز في عملاق التكنولوجيا «غوغل» يقول فيه إن العالم في حاجة لدفع تنظيم داعش للبعد عن شبكة الإنترنت وحصر نشاطه في مواقع الإنترنت الأسود، لم أفهم ما عناه، واعتقدت أن التعبير مجازي.

إنه «النكد» إذن

لم يتلكأ حزب الله في إبداء الدعم للقرار الشائن للمحكمة العسكرية في لبنان بإطلاق سراح ميشال سماحة. بل لم ينتظر حتى أن تهدأ مشاعر الغضب والصدمة جراء الإفراج عن الوزير السابق الذي ثبت بالصوت والصورة تورطه الشخصي في نقل عبوات ناسفة من سوريا إلى لبنان بهدف تنفيذ تفجيرات واغتيالات. سارع الحزب إعلامه في إشهار ردود لا تقل غرائبية عن القرار نفسه، فكل هذا الغضب والسخط جراء القرار المخجل للعدالة اللبنانية جرى اختزاله بأنه ليس سوى «نكد»، على ما قال رئيس كتلة الحزب في البرلمان محمد رعد.. حقا، كيف لنا أن نغضب..؟! في وضع كالذي نعيشه في لبنان من حق محمد رعد أن يتهمنا بالكيدية. فما أنكدنا في لبنان!

مضايا تحاصر حزب الله

لم يكن طارح الأسئلة على الطفل السوري (محمد) الجائع في بلدة مضايا بحاجة لأن يلح على الصغير أن يحلف بالله أنه يتضور جوعًا، ليسارع الصبي ويحلف «والله العظيم أنا جوعان» مرفقا حلفانه هذا بنظرات ساهمة واعتراف ذليل بأنه يحلم بالطعام. لم نكن بحاجة إلى هذه الطريقة في سؤال محمد لنتأكد من أنه يتوق لأن يأكل كسرة خبز. فوجهه الذابل وعظامه الناتئة من جسده وصوته وملامحه كفيلة بإيصال الألم الذي يعتصر أمعاءه، فكان الأجدى عدم الإمعان في انتهاك آدميته لإثبات انحيازنا أكثر مما فعل الحصار نفسه. نعم، لقد باغتتنا صور أهالي مضايا وأهانت صمتنا وعجزنا الذي يبدو أننا تآلفنا معه واعتدنا عليه، فلم يعد يهزه شيء.