«بغية المضي قدماً. إننا نملك عدداً من نقاط القوة والتأثير التي تتيح إحداث بعض التغييرات الإيجابية. ولا بد من وجود نوع من الانتقال السياسي»... «أظهرت إدارة الرئيس دونالد ترمب أنها غائبة في حالة قيام العملية الدبلوماسية، والولايات المتحدة ليست حاضرة. وفي المقابل، لا يمكنني ضمان نجاح أي شيء، ولكن يمكن أن أضمن ظهور إدارة جوزيف بايدن على أقل تقدير»... «إن أي تحرك صوب تطبيع العلاقات مع النظام السوري يعد محالاً من الناحية العملية.
قبل عام 2015، كانت روسيا لاعباً غير ذي أهمية إلى حد كبير في الشرق الأوسط، حيث كانت تفتقر إلى الوسائل أو المصداقية لممارسة تأثير ذي مغزى على غيرها من الدول، ناهيك عن المنطقة ككل.
ورغم ذلك، تغير كل شيء عندما تدخّل الكرملين عسكرياً في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015 في عملية زعم حينذاك أنها تهدف إلى «مكافحة الإرهاب». بدأ التدخل الروسي بالتنسيق الوثيق مع إيران بدعوة صريحة من دمشق في وقت كان فيه نظام بشار الأسد على حافة الانهيار الداخلي.
تقف الأزمة السورية اليوم أبعد من أن تكون قد انتهت، وإنما بدلاً عن ذلك توحي التطورات التي شهدتها الأسابيع الأخيرة بأننا نعاين فصلاً جديداً يبدأ في الأزمة، تبدو فيه الديناميكيات المرتبطة حصرياً بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام العامل المحوري، وراء حالة انعدام الاستقرار التي ستتمخض عنها. وتتمثل أخطر هذه الديناميكيات في التداعي والانهيار البطيء للاقتصاد السوري ـ أزمة مالية لا تعتبر العقوبات السبب الرئيسي خلفها، وإنما الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، والفساد المستشري، وتداعيات وباء «كوفيد - 19» وافتقار الحكومة إلى الكفاءة على نحو يصيب البلاد بالشلل وسوء إدارة للموارد.
عندما سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة على قربة الباغوز أواخر مارس (آذار) 2019 حانت نهاية «الخلافة» المزعومة، التي أعلنها تنظيم «داعش». وبذلك يكون أكبر تحالف عسكري دولي في العصر الحديث قد قضى أربع سنوات ونصف السنة لإنهاء سيطرة «داعش» على منطقة تعادل مساحة بريطانيا، تمتد عبر سوريا والعراق.
بصورة مجملة، نجحت عشرات الانتصارات في إنجاز التحالف الدولي على «داعش»، وصولاً إلى المعركة الأخيرة في الباغوز، لتشكل في مجملها إنجازاً عسكرياً هائلاً. ومع هذا، لا تحتاج التنظيمات الإرهابية إلى السيطرة على أراضٍ كي تضمن لنفسها البقاء.
قبل بضعة أسابيع، كان الجيش السوري – مدعوماً بالقوة الجوية الروسية – يتحرك سريعاً صوب الشمال إلى داخل محافظة إدلب، مخلّفاً شريطاً طويلاً من الموت والدمار وراءه أينما حل أو ارتحل. لقد سُحقت القرى والبلدات بالأرض سحقاً شديداً، ما أجبر تجمعات وأحياء بأكملها على الفرار نحو الحدود التركية.
وفي غضون 85 يوماً فقط، نزح ما يقارب مليون شخص إلى منطقة إدلب الحدودية، تلك المنطقة التي كانت تضم بالفعل قرابة 800 ألف نازح يقيمون في المخيمات المكتظة عن آخرها بالفارين واللاجئين.
احتلت سوريا صميمَ اهتمام الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة. وأسفر الصعود المروع لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ منتصف عام 2014 عن توحيد جهود المجتمع الدولي بشأن سوريا بصورة لم تهتم بها الانتفاضة السابقة ضد نظام بشار الأسد في البلاد. وفي غضون أسابيع، احتشد أكبر تحالف دولي متعدد الجنسيات في التاريخ لشن هجوم مضاد على تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وبعد مرور خمس سنوات تم تدمير المناطق التي أعلنها التنظيم الإرهابي.
تعرّض أكثر عن 300 ألف مدني سوري للتشريد من منازلهم خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، منذ استئناف قوات النظام وقوات روسية هجومهما الوحشي ضد إدلب.
في وقت سابق من عام 2019، خلّف هجوم استمر 5 أشهر مئات الآلاف من المشردين وأكثر عن 1000 قتيل في صفوف المدنيين. ويعيش حالياً ما يصل إلى 3.5 مليون مدني في منطقة إدلب، التي تمثل نحو 3 في المائة من إجمالي مساحة سوريا. وتبعاً للتقديرات الحالية للسكان، فإن هذا يعني 20 في المائة من مجمل الـ17 مليون نسمة الموجودين حالياً في سوريا.
تحولت الليرة السورية في الأسابيع الأخيرة إلى أزمة عميقة بعدما عادل سعر 1000 ليرة دولاراً أميركياً واحداً مقارنة بنحو 500 ليرة بداية العام الجاري.
ومع استمرار نقص الوقود وبعدما بدت جهود إعادة الإعمار أشبه بدرب من دروب الخيال، فقد بدا رد فعل نظام الأسد وكأنه قد آثر البقاء في عزلة اقتصادية طوعية. فقد اقتصر تداول الدولار والقدرة على الحصول على الواردات بالعملة الأميركية على الدائرة الداخلية للنظام. وفي الوقت نفسه، فإن حالة عدم الاستقرار باتت في تصاعد في مختلف أنحاء البلاد في ظل استمرار الصراع المفتوح في الشمال الشرقي والشمال الغربي وحالات التمرد الناشئة في الجنوب الغربي والصحراء الوسطى.
على مدار الأعوام الثمانية السابقة، كثيراً ما وُصفت الأوضاع في سوريا بأنها فوضوية أو معقدة. بيد أن هذه الفوضى والتعقيدات قد ازدادت سوءاً خلال الأسابيع الأخيرة. وفي أعقاب المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره التركي إردوغان ثم التوغل العسكري التركي اللاحق في شمال شرقي سوريا، تمخض سباق وحشي ومحتدم وسريع للغاية بغية السيطرة وبسط النفوذ على ما يمكن الاستحواذ عليه من الأراضي.